بدأت كل من إسبانياوفرنسا وإيطاليا بالكشف عن مخاوفها الحقيقية من خطر تزايد احتمالات تحول العراق إلى «حاضنة للإرهاب» ومهد يستقطب أعدادا كثيرة من «المتطرفين الإسلاميين» الأجانب، حيث يتم تدريبهم على مراحل قبل إرسالهم إلى تنفيذ عمليات إرهابية بعد عودتهم إلى أوروبا. وذكرت صحيفة النيويورك تايمز أنه بعد أن حطمت شرطة باريس خلية اشتبه في أنها مسؤولة عن إرسال متمردين إلى العراق في سنة 2005، توقعت السلطات الفرنسية تهديدا خطيرا جديدا، فهناك مسلمون شبان كانوا قد تعرضوا للإغراء بالذهاب للقتال والجهاد في العراق إلى جانب صفوف تنظيم القاعدة، ولما عادوا إلى فرنسا، جرى استقطابهم وتحريضهم من قبل عناصر راديكالية لاستعمال مهاراتهم القتالية السابقة في العراق داخل فرنسا. وتقول اليومية الأمريكية إن وزير الداخلية الفرنسية الأسبق، دومينيك دو فليبان، أثار كلاما في خطاب له حول خطورة الجهاديين المتدربين في العراق: «إذا ما عادوا إلى فرنسا مسلحين بخبرتهم الإرهابية لتنفيذ هجمات». وفي وقت آخر، حذر جان لويس بروغيير، قاضي شؤون مكافحة الإرهاب من تحول العراق إلى «ثقب الأسود يمتص كل العناصر الموجودة في أوروبا»، بعضهم يعود إلى أوروبا، حسب تأكيد القاضي الفرنسي، وهم مسلحون بالتداريب على استخدام السلاح البيولوجي والكيماوي. وتقول النيويورك تايمز إن مسؤولي مخابرات دول أوروبية ومسؤولين قانونيين تنفيذيين يشددون على تلك المخاوف ويؤكدون على تزايدها وتضخمها. وأضافت الصحيفة أن الصعوبات اللوجستية وتكاليف السفر كانت الرادع الوحيد أمام عدم الوصول إلى العراق، وبشكل خاص الإجراءات السورية «العرضية»، حسب تعبير النيويورك تايمز، التي أوقفت استعمال أراضيها الإقليمية كطريق عبور. وسبق ل«المساء» أن انفردت بنشر تحقيق صحافي أشارت فيه إلى أن 50 مواطنا ممن يطلق عليهم «مغاربة العراق» توجهوا إلى بلاد الرافدين، للانضمام إلى تنظيم القاعدة في هذا البلد، معتبرة أن 65% من هؤلاء ينحدرون من مدينة الدارالبيضاء، و19% من مدينة تطوان، و12% من طنجة، و4% من تارودانت. كما تحدثت حينها بتفصيل عن كيفية انضمام هؤلاء المتطوعين للقتال في «إمارة العراق الإسلامية» أو تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، موضحة أن العملية تبدأ بدخولهم إلى «مواقع جهادية» مرتبطة بالقاعدة، يرسلون إليها أولا، بعد التواصل مع القائمين عليها، بسيرهم الذاتية وصورهم عبر الأنترنت، وبعد الاستقرار على المرشحين للسفر، يتسلم هؤلاء شرحا تفصيليا لطريقة وصولهم إلى سوريا، حيث يتوجهون إلى الحدود السورية-العراقية، ليتم استقبالهم ثم إدخالهم إلى العراق عبر شخص يسمى «شاهين»، يتلخص دوره في مراقبة القادمين، وأخذ صور لهم، ثم منحهم استمارات خاصة لملئها. وبالمقارنة مع آلاف المسلمين الأوروبيين الذين التحقوا بالقتال في أفغانستان في التسعينات من خلال شبكات منظمة، فإن عدد المقاتلين الذين يذهبون إلى العراق، قليلون جدا، طبقا لمسؤولي مخابرات فرنسيين كبار. وقد ساهم في ذلك، يقول المسؤولون، أن المتمردين العراقيين لا يحتاجون إلى المسلمين الأوروبيين في الوقت الحاضر ولا يرحبون بهم لأنهم يفتقرون إلى التدريب العسكري ومهارات جيدة في اللغة العربية، باستثناء إذا ما رغبوا في القيام بعمليات انتحارية. وترى النيويورك تايمز أن طبيعة المعركة قد تغيرت أيضا باتجاه جعل العراق «قبلة» للكثير من الراغبين في التحول إلى متمردين إرهابيين. ولم يعد القتال في العراق مقتصرا فقط ضد المحتلين الأجانب، ولكنه أصبح أيضا حرب تشويش بتحريض مسلمين ضد مسلمين آخرين. وتقول الصحيفة إن الكثيرين من الشبان الذين لهم ارتباطات عائلية عرقية مع باكستان وشمال أفريقيا، تكون لديهم القدرة أكثر على تجنيد المسلمين الراديكاليين المتشددين في نطاق تلك المناطق. ويقول القاضي بروغيير إنه «في الوقت الحاضر، يأتي التهديد الكبير لأوروبا من مكان آخر في باكستانوأفغانستان، وكذلك من طرف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، وأشار القاضي، الذي يعمل الآن لصالح التحقيق في التمويل الإرهابي على صعيد الاتحاد الأوروبي، إلى منظمة إرهابية مقرها شمال أفريقيا لم يحددها بالاسم. والقاضي ومسؤولو سلطات تنفيذية، بشكل خاص في بلدان مثل فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، يقولون إنهم مقتنعون بأن سلطاتهم القانونية الشاملة لاستراق السمع (التنصت)، والقبض على المشتبه بهم أو توقيفهم لفترات طويلة أو محاكمتهم بموجب اتهامات مبهمة، قد شجعت المشروع الإرهابي على أن يكون أكثر قدرة على اتخاذ إجراءات وقائية. ويقول مسؤول في المخابرات الفرنسية إنه «ليس سهلا الوصول إلى العراق، إن ذلك مكلف والأشخاص الذين يريدون الذهاب ليست لهم عائلات هناك». ووجهت المخابرات الوطنية الإسبانية تحذيرا بخصوص التهديدات التي تطرحها عودة هؤلاء المقاتلين إلى إسبانيا أو بقية دول أوروبا، حيث ذكرت تقارير إعلامية أنه شهريا يغادر ثلاثة مغاربة إسبانيا قصد المشاركة في الأعمال «الجهادية» في العراق، وهم من الذين يتم استقطابهم من الشباب قليلي التجربة، إذ يتم إيجاد عمل لهم في مقاولات تابعة لمهاجرين مغاربة، مبرزا أنه يتم إرسالهم إلى العراق بعد التأكد من استعدادهم البدني والنفسي ل«الجهاد». وأشارت التقارير ذاتها إلى أنه يتم استقطاب المغاربة من قبل أشخاص يأتون من دول أوروبية أخرى ويجوبون التراب الإسباني بحثا عن شباب قادر على «الجهاد» في العراق، ويعمدون إلى إقناعهم بالمشاركة في الجهاد في أفغانستان والعراق، مبرزة أن معدل المغاربة الذين يذهبون إلى الجهاد قد يتجاوز معدل ثلاثة مغاربة كل شهر أحيانا. وكتبت المنظمة الاستخبارية الفرنسية المحلية (D.S.T)، في وثيقة مختومة اطلعت عليها جريدة النيويورك تايمز، أن «عودة الجهاديين إلى مدنهم، من الذين لقنوا ودربوا بشكل مكثف على صناعة المتفجرات ومعالجتها، تشكل تهديدا واضحا لدولهم».