بقدر ما يمثل تفكيك الشبكة الإرهابية التي تم الكشف عنها قبل ثلاثة أيام نجاحاً لقوى الأمن المغربية وقدراتها الاستباقية، بقدر ما أيقظت جميع المخاوف حيال خطر تمدد تنظيم "القاعدة في المغرب العربي" ومنطقة الساحل الإفريقي وخصوصاً مع عودة العمليات الإرهابية إلى الساحة الجزائرية مجدداً. "" ويزيد هذه المخاوف التحول في أساليب وطرق الجماعات المتطرفة، حيث اتجهت عمليات الاستقطاب هذه المرة نحو الجنوب المغربي، نتيجة المراقبة المشددة التي تفرضها السلطات الأمنية على المدن المغربية التي كانت تشكل في السابق حاضنة تقليدية للإرهابيين. وتفيد معلومات أولية أن اختيار مدينة العيون، عاصمة الأقاليم الصحراوية الجنوبية لتكون نقطة انطلاق للشبكة الجديدة جاء لاعتبارات عدة بينها الوجود المكثف للجيش المغربي في مواجهة جبهة البوليساريو الداعية إلى استقلال هذه الأقاليم عن المغرب، بهدف اختراق المؤسسة العسكرية، واستغلال سهولة الحركة بين الحدود المغربية الموريتانية التي لا تخضع للمراقبة. ووفقاً لهذه المعلومات، فإن الشبكة التي وصفت ب"الإرهابية الخطيرة" تضم في عضويتها 15 عنصراً، بينهم خمسة من مدينة العيون جرى اعتقالهم نتيجة تعاون وتنسيق بين المغرب واسبانيا، وذلك بعدما استنفر الاسم الذي اتخذته وهو "فتح الأندلس" الاستخبارات الاسبانية. وقد نسبت مصادر الشرطة المغربية لهذه العناصر مخططاً إرهابياً يستهدف عدداً من المدن والمراكز الاستراتيجية بما فيها البرلمان المغربي. يذكر أن مصادر الشرطة أعلنت أن الشبكة نسجت علاقات عملياتية مع متطرفين أجانب على صلة ب"القاعدة" بينها تنظيم " قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" الذي حل محل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية". كما أعلنت حجز مواد كيماوية ومعدات ألكترونية تدخل في صناعة المتفجرات كانت الشبكة تخطط لاستغلالها في تنفيذ عملياتها الإرهابية، مضيفة أن البحث جارٍ عن أربعين مشتبهاً فيهم آخرين. وعلى الرغم من أن المغرب فكك منذ تفجيرات الدارالبيضاء في ماي 2003 أكثر من 55 خلية إرهابية، كما اعتقل ما يفوق ثلاثة آلاف شخص بعد هذه التفجيرات، إلا أن المثير في الشبكة الجديدة اختيار "فتح الأندلس" اسماً لها لتفتح أبواب التساؤلات واسعة حول مدى ارتباطها بخطاب أيمن الظواهري، الرجل الثاني في "القاعدة" الذي كان أذاعه في أيلول (سبتمبر) من العام المنصرم ودعا فيه أتباعه في المغرب العربي إلى استرجاع الأندلس، المنطقة الواقعة جنوباسبانيا والتي دخلها العرب المسلمون واستقروا فيها سبعة قرون قبل أن يطردوا منها نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. ويسود الاعتقاد أن الأندلس باتت شعاراً جديداً ومغرياً لأتباع "القاعدة" والمتعاطفين معه، وأن تهديدهم أضحى الشغل الشاغل لأجهزة الاستخبارات في كل من المغرب واسبانيا، ويؤكد ذلك مستوى التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات بينها حول هذه الشبكة، لا سيما أن الكشف عنها يأتي في أعقاب تنظيم آخر يحمل اسم "جماعة تحرير الأندلس" كان ظهر في وقت سابق من العام الفائت ودفع بالسلطات الاسبانية إلى رفع مستوى الاستعداد الأمني وتوجيه تحذيرات مشددة إلى سفاراتها وقنصلياتها في المغرب والجزائر والشركات الاسبانية العاملة في البلدين من احتمال التعرض لهجمات. وكانت صحيفة "البايس" الاسبانية نقلت عن مصادر في الاستخبارات الاسبانية قولها إن "الجماعات الإرهابية لم تفقد الرغبة التاريخية الجامحة لاسترجاع (الفردوس المفقود) الذي يشمل كل شبه الجزيرة الاسبانية وليس الأندلس وحده". وتدعو هذه المصادر إلى عدم التقليل من الخطر الذي تمثله الجماعات الداعية لتحرير الأندلس كونها تضم مغاربة وجزائريين على علاقة ب"الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي أعلنت ولاءها لتنظيم "القاعدة" وهي ترى أن استبدال اسمها باسم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لا يعني تغييراً شكلياً فحسب وإنما التغيير أيضاً في التكتيكات والاستراتيجية القريبة من تكتيكات واستراتيجية الإرهاب العالمي، وتقدم كمؤشر على هذا التغيير العمليات الإرهابية التي شهدتها الجزائر أخيراً، من دون أن تستبعد انتقالها إلى أوروبا بحكم القرب الجغرافي.