جرت، يوم السبت 15 فبراير2025، انتخابات أجهزة مفوضية الاتحاد الإفريقي وبالضبط نائب رئيس المفوضية، وهي الانتخابات التي أسالت الكثير من المداد خاصة بعد نتائجها، والتي لا يمكن قراءتها في جزئيتها بل يجب وضعها في سياقها الكلي المرتبط ليس بالصراع على منصب نائب الرئيس، بل أيضا انتخاب الرئيس نفسه الذي يظل هو المدبر الفعلي لعمل المفوضية. ويمكن إجمال بعض الملاحظات في : المفوضية انتُخب على رأسها وزير خارجية جيبوتي الذي كان قد حل بالمغرب قبل أسابيع طالباً دعم الملك والمملكة المغربية في ترشحه لهذا المنصب، وهو الطلب الذي حظي بدعم مغربي، خاصة وأن جيبوتي لها موقف سياسي داعم لمغربية الصحراء وسبق لها أن افتتحت قنصلية لها بالأقاليم الصحراوية الجنوبية، مما يجعل من تواجد رئيس المفوضية هو نفسه وزير خارجية جيبوتي الشقيقة عنصر وعامل اطمئنان سياسي واستراتيجي للمغرب على مستوى ضمان عدم انحراف عمل المفوضية في مهامها التدبيرية المرتبطة بالشأن الإفريقي، خاصة المواقف السياسية التي عبر عنها الاتحاد الإفريقي منها اعتماده مبدأ حصرية الأممالمتحدة للنظر في ملف الصحراء دون غيرها من المؤسسات على رأسها الاتحاد الإفريقي ومؤسساته. الجزائر انتخبت نائب رئيس المفوضية بعد صراع مرير مع المغرب التي استنفدها سياسياً، وقد يكون مالياً كذلك مادام أن النظام الجزائري يعتمد في سياسته الخارجية على الرشاوى، بحيث لم تفز بهذا المنصب إلا بعد سبع جولات كانت الأصوات متقاربة في ما بينها ولم تفز إلا بصعوبة كبيرة، حتى بات هذا «الفوز» بالنسبة إليهم أقرب منه « لعيد وطني» من فوز بمنصب تم التنافس عليه. المغرب، للأسف، فقد أصوات ست دول إفريقية صديقة له هي « النيجر، بوركينافاسو، الغابون، غينيا، مالي، السودان» بسبب تعليق عضويتها داخل الاتحاد الإفريقي، فلو كانت حاضرة لحسمت التصويت لصالح المغرب منذ الجولات الأولى، بحيث استفادت الجزائر من غياب هذه الدول لتستفيد من فارق الأصوات الذي كان قليلاً، ولم تحصل عليه إلا بصعوبة كبيرة في مقاومة كبيرة أبداها المغرب يعكس حضوره المؤثر داخل الاتحاد الإفريقي. الجزائر قبل عودة المغرب إلى الاتحاد كانت تحتل المناصب المهمة والمفتاحية داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، ودون انتخابات، لعدم وجود منافسة داخل هذا التكتل القاري، اليوم وبعد سنوات قليلة من استرجاع المغرب لمقعده، أصبح جلوس الجزائر على كرسي حتى لو كان دون تأثير سياسي داخل الاتحاد الإفريقي حدثاً كبيراً و مكسباً سياسياً للنظام الجزائري، الذي يبحث عن أي منفذ للتنفيس عن نفسه والتعويض عن الهزائم الكبيرة التي لحقت دبلوماسيته حتى تناوب على منصب وزير خارجية الجزائر في ظرف أقل من أربع سنوات ثلاثة وزراء خارجية، يتم استبدالهم عند كل هزيمة ونكسة دبلوماسية يتعرض لها هذا النظام سواء داخل الاتحاد الإفريقي أو الأممالمتحدة. المغرب حافظ على منصبه كمدير عام للمفوضية في شخص السيد عبد الفتاح السجلماسي، وهو المنصب الذي يشغله منذ سنة 2021، وقد تم اختياره للقيام بمهام إصلاح الاتحاد الإفريقي للاعتماد في منهجه على الحكامة والشفافية في تدبيره، وهو منصب يعتبر من أعلى المناصب وأهمها داخل المفوضية، الذي لا يحصل عليه إلا الدبلوماسيون المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، مما يعني أن المغرب متواجد داخل المفوضية وحاضر فيها من خلال احتلاله لهذا المنصب الهام في هيكل المفوضية وداخل الاتحاد الإفريقي. لقد برز في هذا التنافس الفرق الكبير بين العرض المغربي والعرض الجزائري، فرق في جوهر ومضمون الخطاب الذي قدمته كلتا المرشحتين وكلا البلدين، بحيث ظل المغرب منسجماً مع خطاب استرجاع مقعده بالاتحاد الإفريقي، وهو خطاب الدفاع عن إصلاح الاتحاد الإفريقي وجعله أداة في خدمة القضايا ذات الأولوية لدى شعوب إفريقيا، في المقابل برز خطاب تحريضي للنظام الجزائري تم تصريفه أثناء الحملة، وفي المواكبة الإعلامية لهذا النظام لهذا السباق نحو منصب نائب الرئيس، وهي مواكبة إعلامية جزائرية عادت لاستهداف المغرب ورموزه ومؤسساته، بسبب المنافسة الشرسة التي لقيها سواء على مستوى الأصوات أو على مستوى الخطاب والعرض السياسي الذي قدمه المغرب. المغرب لم ينهزم في هذا السباق بل انتصر من خلال الحفاظ على الدول الحليفة له التي ظلت معه ثابتة رغم كل الإغراءات ورغم دبلوماسية الحقائب التي نهجتها الجزائر في حملتها الوسخة، بحيث بقيت ثابتة وفية للمغرب مما يعني أن للمغرب حلفاء حقيقيين داخل الاتحاد الإفريقي لا يمكن أن يغيروا من موقفهم السياسي تجاهه تحت أي ظرف وتحت أي ضغط أو إغراء، مما يؤكد أن المغرب غير معزول بل ساهم في صنع فوز رئيس المفوضية الجيبوتي، كما حافظ على كتلته داخل الاتحاد الإفريقي، لذلك ترشحه كان مفهوما ومطلوبا وغير مرتبط فقط بفوزه بل بالحفاظ على تكتله بالأساس وحمايته من أي اختراق جزائري. الأمر يتعلق بجولة من جولات الصراع، المغرب لم ينهزم فيها كما أن الجزائر لم تنتصر، لأنها حصلت على منصب هامشي في وجود رئيس مفوضية داعم للمغرب ولمغربية الصحراء، وهي جولة خاضتها الدبلوماسية المغربية بشرف وبصراع احترمت فيه قواعد اللعب رغم اختلال شروطها في ظل اعتماد الطرف الآخر على دبلوماسية الحقائب!!