حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    الإمارات.. الحكم بالإعدام على ثلاثة أشخاص في قضية قتل مواطن إسرائيلي مولدوفي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء.. امطار متفرقة بعدد من المناطق    إنزال أمني بالفنيدق لإحباط محاولات تسلل المهاجرين إلى سبتة    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    خطيب العيد بتازة يوصي بالأرحام    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أسود تفترس حارسا في حديقة حيوانات بالجزائر    مارين لوبان تواجه السجن ومنع الترشح بعد إدانتها باختلاس أموال عامة    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    التسويف والتماطل يدفع مبرزي التربية الوطنية للإضراب والاحتجاج في أبريل المقبل    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في 28,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الرابع من سنة 2024    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    إيقاف خط جوي مع طنجة يُثير غضب ساكنة ورزازات    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    مصدرو المواشي الإسبان يشتكون من انخفاض الصادرات إلى المغرب    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    منع مارين لوبن من الترشح 5 سنوات    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقف إطلاق النار في غزة.. ماذا بقي للغزاويين؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 01 - 2025

الفلسطينيون في غزة الناجون من المذبحة الصهيونية، والذين يعانون من آثار الحرب، لديهم آمال متواضعة من وقف إطلاق النار: العودة إلى منازلهم المدمرة. والنوم ليلة بلا خوف. والحصول على وقت مستقطع للحزن على من فقدوا من أبناء، وأشقاء، وآباء، وأمهات، وأحبة. يحلمون أن يعود الهدوء لمدينتهم، والسكينة لحياتهم. وبقضاء يوم بلا حرب، بسماء لا تمطر صواريخ وقذائف الموت. بخيام وغرف مشتركة في المدارس آمنة من القصف الإسرائيلي. بتنقل بلا حواجز عسكرية تُهين آدميتهم, ويتمنون أن يعود للمآذن نداء الصلاة والتهليل، وصيحات الفرح والتكبير بدل بيانات النعي وبلاغات الإخلاء. هي أشياء بسيطة افتقدها الغزاويون بسبب طول أمد العدوان الصهيوني، وتقاعس الأشقاء والأقرباء، وعجز العالم المتحضر عن نجدتهم. ربما خلال ساعات قليلة، ستبدأ المدينة الجريحة في تضميد جراحها، ولملمة أشلائها الممزقة، وإطلاق العنان للدموع المسجونة، وتحرير أحزانها، ومحاولة الفرح للصمود والنجاة.
فما إن أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مساء الأربعاء، حتى امتلأت شوارع غزة المدمرة والمصابة بالحشود المحتفلة المتلهفة لإغلاق هذا الفصل المؤلم. وترددت الهتافات والأناشيد والأغاني الفلكلورية الفلسطينية في الهواء، حيث توحد أهل غزة في الفرح كما في الوجع. إن رؤية ملامح الفرح العفوي البسيط على وجوه الغزاويين يدعونا إلى إعادة النظر في مفهومي "النصر" و"الهزيمة" وفق صمود أهل غزة الراسخ، وفخرهم بعدم انكسارهم أمام أعتى آلة حربية معاصرة.
لقد أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء الأربعاء، رسميا، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ يوم الأحد 19 يناير بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل في قطاع غزة، بعد حرب استمرت خمسة عشر شهراً، ارتكب خلالها الاحتلال أعمال إبادة جماعية وآلاف المجازر، وواجه مقاومة شرسة حتى الرمق الأخير.
يحاول الغزاويون الفرح للانفراج المأمول رغم جراحهم. فتجمع العشرات والمئات من أبناء القطاع المكلوم وسط الأضواء الخافتة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في أغلب مناطق القطاع، يقفون فوق أنقاض المباني التي دمرها القصف الإسرائيلي الإجرامي، بالقرب من الذكريات الضائعة والمؤلمة بعد غياب أهلها من شهداء ومفقودين في احتفال عفوي بسيط لا يضاهيه فرح، وتعجز الأقلام عن وصفه. كأنهم بفرحهم يعلنون للعالم أجمع: أن غزة باقية رغم محاولات الكيان الصهيوني مسحها، وأن الغزاويين صامدون كعهدهم، متشبثون بالأرض، وأن العدو الفاشي سيعود من حيث أتى، يجر أذيال الخيبة والعار الذي سيظل يلاحقه نتيجة ارتكابه مجازر الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني.
ورغم التوصل إلى الاتفاق والإعلان عنه، استمر جيش الاحتلال الفاشي بقصف مناطق مختلفة من قطاع غزة ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين. لكن غزة الصامدة أمام الهزيمة لم تُظهر يأسها أمام العدو الغاشم، ولم تمنحه نصراً وهمياً. بل أصرت أن يكون فرحها إعلاناً لصمودها وقوتها وثقتها بنصر قادم لا محالة، وفخورة بردعها للغزاة.
غزة التي لا تنكسر
الغزيون المنهكون من الحزن الدائم، والرحيل الدائم، ومن الفُقد الدائم، ينتظرون وقف إطلاق النار وفرصة لإعادة الإعمار. يقول سكان غزة إنهم يأملون في العودة إلى منازلهم المتضررة، والبحث عن أحبائهم المفقودين، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض. ورغم بعض الفرح بسبب الهدنة، ولكن هناك أيضاً خوف من المستقبل، وأن الحرب مع إسرائيل قد تستأنف. لكن عندما وصلت الأخبار بأن وقف إطلاق النار وشيك، انفجر سكان غزة احتفالاً. وبفضل هذه الحقنة من الحياة الجديدة، أصبح الناس حريصين على العودة إلى الأماكن التي اقتُلِعوا منها، مهما كانت درجة الدمار.
لقد كانت معاناة الفلسطينيين في غزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية لا تصدق. ولكن على الرغم من القتل والدمار غير المسبوقين اللذين ركزا على إقليم غزة الصغير، فإن تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء على أرضه – حتى مع تحولها إلى أنقاض – أثبت أنه العامل الحاسم في هذه الحرب. إن هذا إنجاز مذهل، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً كانت معزولة تماماً عن العالم، ولم يكن هناك من حلفاء حقيقيين لكسر الحصار، ولا تضاريس طبيعية لكي يحتمي بها البشر.
إن غزة تُظهِر لنا أنه في الحروب التحريرية، يمكن للشعوب الضعيفة والأقل تسليحاً أن تنجح في مواجهة القوات العسكرية الساحقة. فمثل هذه الحروب هي معارك إرادات. فالمعركة بذاتها ليست هي المهمة، بل القدرة على الاستمرار في القتال. وقد أثبت تصميم الغزيين على المقاومة أنه أكثر حسماً من قوة النيران لدى الجيش الصهيوني.
الشعب الصامد
هناك، في مدن بيت حانون، وجباليا، وبيت لاهيا، ومخيم النصيرات، تترقب عيون النازحين واللاجئين في جنوب قطاع غزة الأيام، وتعد الساعات بأنفاسها وليس بالدقائق. هناك، حيث ترقد قبور الأحباء الشهداء الذين قضوا تنتظر زيارة الأهل والخلان، أرواح تتوق للقاء من فارقتها. وكلمات ما زالت تنتظر أن تُقال لأمهات وآباء وأشقاء وأبناء رحلوا في غفلة دون وداع بسبب صاروخ أو قذيفة أو شظية صهيونية. وآخرون ما زالوا لا يعرفون أين دفن شهداؤهم ولا تحت أي ركام ينتظرون. ولكن رغم المأساة الدامية، إلا أن الغزيين مصرون على مداواة جراحهم، والعودة إلى الحياة مرة أخرى. وهم يدركون حقيقة معركتهم والثمن الباهظ الذي تتطلبه، والذي يأتي بمزيد من الشهداء والجرحى والأسرى والنازحين، إلا أنهم يفتخرون بانتصارهم على عدو لم يستطع كسرهم رغم الدعم اللامحدود من حلفائه الأمريكيين والغربيين. فالعدو لم يحقق أياً من أهدافه المعلنة أو مخططاته الشيطانية، فالمقاومة لم تنته، ولم يحرر أسراه، ولم يقم بفرض واقع جديد بشروطه في القطاع، ولم ينجح في تهجير أصحاب الأرض الشرعيين، ولن يحرر الأسرى الصهاينة إلا من خلال صفقة لا يمكن أن تتم إلا بموافقة المقاومة والشعب الصامد.
كما يعبر أهل غزة عن فرحتهم في مواجهة اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، الذي سعى بكل قوته إلى إبادة الفلسطينيين وحرق الأرض واحتلال القطاع. ولكنها تحطمت بسبب صمود الأمهات اللاتي قدمن أبناءهن إلى طليعة المعركة ضد الجنود الغزاة، وبسبب رجل مسن رفض السماح لأطفاله بالعودة إلى ديارهم.
شعب لا يموت على أرضه إلا شهيداً في ترابها، وأسطورة الجيش الأخلاقي الذي لا يُهزم، فقد حطمها مناضل لم يسلم سلاحه البدائي رغم الجوع والحصار وفقدان الرفاق. ولذلك يعبر أهل غزة عن فرحتهم بهذه الهزيمة المذلة لمن هددهم بكل بلاء ونكبة، فلم يجنوا إلا الخزي والعار.
مدينة الأبطال
"ضعوا السيف على السيف.. نحن رجال محمد ضيف"، "تحية للقسام.. عز الدين"، بهذه الهتافات يؤكد الغزيون الناجون اليوم التزامهم بطريق المقاومة واعتزازهم بالقادة الأبطال الذين قدموا أروع الأمثلة في التضحية والإخلاص. وتعلن غزة أن قادتها جزء منها، وأنها تناضل من أجل قضية الشعب الفلسطيني، وهي تعبر عن إرادة هذا الشعب الذي يرفض الخضوع والهوان، وسيظل يقاتل حتى دحر الاحتلال، تحرير القدس وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.
وتفخر غزة أنها أنجبت أبطالاً لم يغادروا ساحة المعركة منذ تحصنوا في مواقعهم، مناضلين أذلوا العدو وأرغموه على الاعتراف ببسالتهم بعد أن كان جنود الاحتلال متغطرسين في بداية العدوان الأخير، ثبت لهم أن دخول غزة ليس كما كانوا يظنون.
وعلى أطراف المدن والقرى والبلدات، ينتظر أهل غزة الصامدون فرحتهم الكبرى، بعودة أسراهم المفقودين من سجون الاحتلال، الذين قضى بعضهم ما بين الثلاثين والأربعين عاماً. وهم الآن على أعتاب العودة إلى ديارهم، يحملون معهم شرف الصمود في وجه الجلادين بكل فخر. فيما يعود الأسرى الإسرائيليون مكللين بعار جيشهم الذي قتل الأطفال والنساء، تنتظرهم يد العدالة الجنائية الدولية.
أمنيات بسيطة
للغزاويين المنتظرين وقف حمام الدم أمنيات بسيطة: العودة إلى المنازل التي تحولت إلى أنقاض. والنوم ليلة بلا خوف. والحزن على فقد الأحباء.
أعرب محمد أبو الكاس، مدير التسويق البالغ من العمر 32 عامًا والذي يعيش الآن في منزل متضرر بشدة في مدينة النصيرات بوسط غزة، عن مشاعر مختلطة حول مشاهدة الناس يحتفلون بأخبار الاتفاق – الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وقطر ومصر – والذي تم الإعلان عنه مساء الأربعاء. قال: "سعادتهم تحطم قلبي، لأن ما الذي تبقى لنا؟".
إذا دخل الاتفاق حيز التنفيذ كما هو مخطط له يوم الأحد، فإن وقف إطلاق النار الأولي لمدة 42 يومًا من شأنه أن يجلب لسكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة بعض الراحة من حرب لا هوادة فيها تقول السلطات الصحية الفلسطينية إنها قتلت ما لا يقل عن 46600 شخص. في المقابل، وافقت حماس على إطلاق سراح 33 من الرهائن الذين اختطفتهم خلال هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
منذ ذلك اليوم، تم تدمير مساحات شاسعة من غزة، ومحو أحياء بأكملها من الوجود. وكان القصف مصحوباً بانتشار الأمراض، كما دفع الجيب الذي تبلغ مساحته 140 ميلًا مربعاً إلى حافة المجاعة. ومثل أبو الكاس، نزح أكثر من 90% من الناجين من منازلهم، وكثير منهم نزحوا عدة مرات، وفقاً للأمم المتحدة.
لا يزال أبو الكاس يرتدي نفس البنطال الممزق الآن، الذي كان يرتديه عندما بدأ العدوان الصهيوني قبل أكثر من عام. وخلال ذلك الوقت، نزح ثلاث مرات. أصيب مع والدته في غارة جوية. في يوم الثلاثاء، قبل يوم من إعلان وقف إطلاق النار، أصاب صاروخ آخر منزلًا مجاوراً وأصاب أجزاء من الجسم في مبناهم: ساق وأجزاء من الوجه. قال "حتى اللحظة الأخيرة، الموت".
استمر القصف أيام الخميس، والجمعة، والسبت حتى بعد الإعلان عن الاتفاق الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية. وفي الساعات التي تلت ذلك، قُتل العشرات بينهم 35 امرأة و31 طفلاً، في غارات إسرائيلية، وفقًا لمحمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة. وقال بعض السكان إنهم يخشون أن تشتد الهجمات خلال الساعات الأخيرة قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ.
يقول أحد الغزيين: "نريد أن تنتهي حتى نتمكن من البكاء والذهاب لوضع خيمة فوق أنقاض منزلنا". لم تكن رجاء حمدونة، 36 عاماً تفكر في العودة إلى المنزل. كانت تنوي البحث عن رفات زوجها الميت وابنيها البالغين من العمر 12 و14 عاماً.
قالت حمدونة إنهم كانوا يحتمون في خيمة في جنوب غزة في يونيو عندما أصيبوا بنيران دبابة إسرائيلية. وقالت إن الدبابة تقدمت إلى حيث كانوا يرقدون، فسحقت زوجها وأبناءها. وقالت حمدونة وابنتها البالغة من العمر 4 سنوات إنهما نجتا، فقط لأنهما غرقتا في تربة ناعمة تحت عجلات الدبابة. تضيف: "أريد أن أجد أي شيء يتعلق بهم. "أريد أن أشم رائحة التربة التي غمرتها دماءهم، ثم أبحث عن مكان بعيد عن كل شيء وعن كل الناس، فقط لأبكي".
وقال محمد الجمل، الذي يعيش الآن في خيمة مساحتها 22 متراً مربعاً مع 10 أفراد من أسرته في منطقة المواصي جنوب غزة، إنه يخطط أيضاً للعودة إلى منزله في مدينة رفح الجنوبية عند "ساعة الصفر" يوم الأحد. ليس لديه أي فكرة عما إذا كان لا يزال المنزل قائماً. وقال: "حتى لو دمر، أريد العودة للعيش في أنقاضه".
في الوقت الحالي، تعيش أسرته في مأوى ضئيل من الرياح والأمطار، ويفصله قماش مهترئ عن جيرانه. وقال إن منطقة المواصي، التي صنفتها إسرائيل كمنطقة إنسانية، لم تجلب الأمان من القصف. وأضاف "في الواقع، إنها غير صالحة للعيش تماماً".
وقال جمال: "لقد ضربتنا الرياح والأمطار. لقد أكلتنا الأمراض دون أن نتناول حتى حبة دواء واحدة". ووصف الحرب بأنها "كابوس من الموت والخوف يطاردنا على مدار الساعة".
ما قد يحمله المستقبل لا يزال غير مؤكد إلى حد كبير. ومن المتوقع أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الصفقة، عندما يتم إطلاق سراح بقية الرهائن في مقابل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، في الأسابيع المقبلة. ولا تزال خطط إعادة الإعمار، ومن سيدير القطاع، غير واضحة.
لا يثق البعض في غزة في قدرة وقف إطلاق النار على الصمود، أو أعربوا عن تشككهم في إمكانية سريانه على الإطلاق. خالد وليد، 31 عاماً، أب لطفلين يعيش في بقايا منزله المدمر. وقال أحد سكان دير البلح، إنه يفكر في مغادرة غزة بالكامل إذا تم فتح المعبر مع مصر خلال فترة الهدنة. وقال: "أريد أن أعطي عائلتي فرصة جديدة للحياة. لقد فقدنا كل ما نملك. أريد بناء مستقبل لأطفالي خالي من الموت والقتل".
يوم من السعادة والحزن
وقالت عبير ماهر، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 36 عاماً نزحت من مدينة غزة إلى دير البلح، إنها تشكر الله على وقف إطلاق النار لكنها لا تستطيع أن تشعر بالسعادة. وأضافت: "الآن تبدأ المعاناة الحقيقية، وإدراك ما حدث. لم يتبق شيء". وقالت: "الآن فقط يمكنني أن أبدأ في التمتع برفاهية الحداد على أقاربي وأصدقائي".
وقالت غادة وهي أم لخمسة أطفال نزحت من منزلها في مدينة غزة خلال الصراع المستمر منذ 15 شهراً "أنا سعيدة نعم أبكي لكن هذه دموع الفرح". وقالت من ملجأ في بلدة دير البلح بوسط غزة "نحن نولد من جديد، مع كل ساعة تأخير ترتكب إسرائيل مذبحة جديدة، وآمل أن ينتهي كل شيء الآن". بالنسبة للبعض، اختلط الفرح بالحزن. قال أحمد دهمان (25 عاما) إن أول ما سيفعله عندما يدخل الاتفاق حيز التنفيذ هو استعادة جثة والده الذي قتل في غارة جوية على منزل العائلة العام الماضي و"دفنه بشكل لائق". وقال دهمان، الذي نزح مثل غادة من مدينة غزة ويعيش في دير البلح: "أشعر بمزيج من السعادة لأن الأرواح تُنقذ والدماء تُوقف". "لكنني أشعر بالقلق أيضاً بشأن صدمة ما بعد الحرب لما سنراه في الشوارع ومنازلنا المدمرة ووالدي الذي لا يزال جثمانه تحت الأنقاض".
وقالت والدته بشرى إن وقف إطلاق النار لن يعيد زوجها، "على الأقل قد ينقذ أرواحاً أخرى". وقالت الأم الباكية: "سأبكي، كما لم يحدث من قبل. لم تمنحنا هذه الحرب الوحشية الوقت للبكاء".
وما زالت إيمان القوقا، التي تعيش مع أسرتها في خيمة قريبة، غير مصدقة. "هذا يوم سعادة وحزن وصدمة وفرح، لكنه بالتأكيد يوم يجب أن نبكي فيه جميعاً ونبكي طويلًا بسبب ما فقدناه جميعاً. لم نفقد أصدقاءنا وأقاربنا ومنازلنا فقط، لقد فقدنا مدينتنا، أعادتنا إسرائيل إلى التاريخ بسبب حربها الوحشية".
وقالت القوقا: "حان الوقت ليعود العالم إلى غزة، ويركز على غزة، ويعيد بناءها".
ليس لدي أحد
إن الدمار الذي لحق بقطاع غزة هائل. وبحسب تحليل حديث أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد دُمر أو تضرر 69% من جميع المباني و68% من الطرق حتى ديسمبر. وقُتل نحو 46700 شخص، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس.
لقد أثار استمرار القصف الجوي مزيجاً مربكاً ومتصاعداً من المشاعر لدى كثيرين، حيث كان بمثابة تذكير بأن الهدنة التي أُعلن عنها أمس سوف تأتي متأخرة للغاية بالنسبة للعديد من ضحايا هذه الحرب الطاحنة.
قالت جولييت توما، مديرة الاتصالات في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا): "التحدي الأكبر هو ما إذا كان سيتم تنفيذ وقف إطلاق النار بنجاح". "إذا كان الأمر كذلك، فإن التحدي الذي ينتظرنا يظل هائلاً تماماً. الغالبية العظمى من الملاجئ مكتظة. يعيش الكثيرون ببساطة في العراء، أو في هياكل مؤقتة. إنهم يفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية مثل الملابس الدافئة. لا أستطيع أن أسمي هذه الظروف المعيشية، فهي ليست ظروفاً مناسبة للبشر".
قالت صابرين دوشان، 45 عاماً، التي كانت تمتلك كشكاً في الشارع وتعيش في مبنى سكني في مدينة غزة: "لقد دُمر منزلي بالكامل، واختفى المبنى". وأضافت إنها فقدت 17 عضواً من عائلتها الأوسع منذ بدء الحرب. كانت على استعداد للانطلاق من دير البلح في وسط غزة، حيث كانت تعيش في خيمة، إلى أنقاض منزلها. قالت: "حتى لو اضطررت إلى إقامة خيمتي على الأنقاض، فسيكون الأمر على ما يرام، لأنني سأكون في المنزل. لا يوجد مكان يمكن أن يرضيني الآن سوى المنزل".
كانت هذه الأخبار بمثابة تذكير مدمر آخر بفقدان عائلة لميس سهادي صبحي، وهي فتاة صغيرة في ملعب اليرموك في أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذي يقع على المشارف الجنوبية لدمشق.
"كيف يمكنني أن أفرح عندما مات والدي وأخي، ومات أعمامي أيضاً؟". "ليس لدي أحد".
*))أكاديمي وباحث فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.