في الوقت الذي يطمح أن يترك المغرب بصمة تبقى بعد انتهاء رئاسته للمحفل الدولي، صار عمر زنيبر، الذي يرأس باسم بلادنا، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للعام 2024، بصمة المغرب الحقوقي الدولية، بالصوت والصورة… فالمنصب، الذي حصل عليه بعد منافسة جنوب إفريقيا وحصل على 30 صوتًا من أصل 47 صوتًا، في وقت ترسمل فيه بلاد نيلسون مانديلا رأسمالا في الثقة وفي المنجز الحقوقي، لا يمكن القفز عليه، في وضع دولي ارتبط فيه اسم دولة الألوان السبعة بالحرب الوحشية ضد غزة. وإذا كان انتخاب عمر زنيبر لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، انتخابا تاريخيا، وتتويجا لمسار من العمل حصلت به البلاد على الثقة الدولية، فهو يدخله بشعور حاد ب"طابعه الحساس للغاية". ومن ذلك أن التسيير المنتج بمنطقة دولية تسلط عليها الأضواء، يستوجب قدرا عاليا من الحكمة والهدوء والفهم العميق لإشكالات تسييرها وتيسير مهمتها. ولعل المسار الذاتي لعمر زنيبر يؤهله لمثل هاته المهمة الكونية، باعتبار أن ابن سلا ولد مع الاستقلال مباشرة، أو بعد إعلانه بشهور. كانت سلا خلالها وما قبلها، الحاضنة الوطنية الكبرى، ترعاها روح سيدي بوبكر القادري، والكبير المهدي بنبركة والفقيد العزيز عبد الرحيم بوعبيد..وغيرهم كثيرون من سلالة مِنْ وطن! وليس محض خيال أن نرى هذه المدينة، وهي وقت ميلاده تلبس أحلى الحلل لتحتفل بميلاد المغرب المستقل، مغرب المستقبل. زنيبر أيضا منتوج وطني، حيث يعتبر من خريجي الدورة التعليمية الوطنية، والآلة الديبلوماسية المغربية، ذو تكوين قانوني صلب، حصل به سنة على دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام، ثم سنة 1996 على دكتوراه في القانون الدولي العام. عمل بين سنتي 1998و1996 كمدير ديوان كاتب الدولة في الشؤون الخارجية، وأصبح بعدها مستشارا بالبعثة الدائمة للمغرب في جنيف، ثم تولى منصب رئيس قسم الأممالمتحدة. والتتويج المغربي في شخصه هو تتويج لمسيرة حقوقية اتخذت أبعادا كونية مع مجيء محمد السادس، ومع نضج التجربة الحقوقية المغربية نفسها، كما أنها كانت عربون انتصار للتغيير الديموقراطي الحقوقي الصامد، لهذا عندما نرى فيه أحد وجوه الفوز الدولي: نحن نرى واحدا من الوجوه التي نتجاوز بها وضع الدولة النامية في هذا المجال المتسم بالنزاع والترافع والمآسي والانتصارات في نفس البوتقة! من جهة، لا شك أن الكثير من المناضلين يرون فيه تكريما لسلالة وطنية، آل زنيبر، من والده لأبيه وأعمامه وبقية العائلة، التي اجتمعت فيها بركات الروحانية المغربية، والانتماء الوطني، والطموح التحرري، علاوة على الاعتزاز بالهوية المغربية… ومن جهة ثانية، عمر زنيبر يجاور بصمات أخرى كبيرة استطاع المغرب، في العقدين الأخيرين، أن يُعدِّد منها تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي يتجاوز درسها الوضع الداخلي ليصبح رسما على طريق التحرر الإنساني وطريقة في رسم المستقبل الجديد للمجتمع. ولا بد لنا أن نستحضر التقاطع الذي يتم بين وجوده وبين آخرين، فهو تولى في عام 1999 منصب مدير الأممالمتحدة والمنظمات الدولية في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، ثم أصبح سفيرا للمغرب سنوات 2003 و2004 على التوالي في النمسا، سلوفاكيا وسلوفينيا مع الإقامة في فيينا. عين سنة 2011 من طرف الملك محمد السادس سفيرا للمغرب في ألمانيا، في خطوات كانت تعده في الواقع لتجربة فريدة دوليا. تجربة الإنصاف والمصالحة: وإذ نذكره نذكر وجها حقوقيا آخر. لنا وجوه بالفعل صنعت هاته الصورة المشرقة: إدريس بنزكري على رأس الإنصاف والمصالحة مع فريقه، ومن خلاله تلك التجربة الفريدة، كونها تجربة تأسيسية لأنها كانت تجربة غير مسبوقة في محيطنا الإقليمي، العربي-الإسلامي، وهذا معطى ليس للتبجح، أو الاعتداد بقصب السبق ، بل لأن قوتها من كون هذا الانتماء هو بحد ذاته قوة ضغط تعمل أحيانا ضد التوجه التقدمي في التاريخ وتعمل كعنصر لكبح تميز المغرب، وليس سرا أن ضغوطات كثيرة، لا تسفر دوما عن وجهها، تعمل لضبط إيقاع المغرب على سرعة السير العام في الدائرة العربية الإسلامية. وهي واحدة من أبرز البصمات المغربية في العالم، باعتبار مساهمتها المعترف بها دوليا، كممارسة من الممارسات الفضلى، لاسيما إسهاماتها في تطور المعايير الدولية للعدالة الانتقالية!