بعد أن حوَّلت غالبية الدول موقفها من ملف الصحراء، من موقف يتراوح بين دعم البوليساريو والتذبذب في توضيحه، إلى موقف داعم للمغرب سواء على مستوى مغربية الصحراء أو مبادرة الحكم الذاتي، ليصل عدد هذه الدول إلى 100 دولة... وبعد أن اتخذ مجلس الأمن مواقف واضحة اتجهت نحو إسقاط خيار «الاستفتاء» لصالح خيار مبادرة الحكم الذاتي، بحيث باتت قراراته متبنية للمعايير السياسية للمقترح المغربي، ولم تعد تشير إلى استفتاء تقرير المصير باعتباره خيارا من خيارات مجلس الأمن، ليظل الحكم الذاتي الحل الوحيد الموضوع على الطاولة الأممية... وبعد أن باتت اللجنة الرابعة التي كان المغرب هو من توجه إليها لتصفية الصحراء من الاستعمار الإسباني، منصة جديدة من المنصات التي يتم فيها دعم المقترح المغربي من طرف مختلف التكتلات والمجموعات المشاركة في جلساتها... وبعد أن اختارت غالبية الدول إما فتح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية، أو التوجه نحو الاستثمار في المنطقة، كتجسيد لدعمها للموقف المغربي ولمغربية الصحراء... وبعد أن توجهت جامعة الدول العربية، ومعها دول التعاون الخليجي، نحو التأكيد بوضوح على رفضها لكل سياسات الانفصال بالمنطقة العربية، وأكدت على دعم مغربية الصحراء... وبعد أن انهار المشروع الجزائري وثبت فشله منذ بداياته الأولى وافتضاح الدور الجزائري السلبي في الملف، وتأكد للعالم أن هذا النظام هو صاحب المصلحة الأولى في بقاء هذا الملف دون طي... وبعد أن تم تحميل النظام الجزائري كامل المسؤولية في تدهور العملية السياسية، ومخاطبته بشكل مباشر من أجل لعب دور إيجابي في النزاع... وبعد أن أقرت الأممالمتحدة بكون هذا النظام هو الطرف الأساسي، وأن أي حل لا يمكن أن يكون إلا معه... وبعد أن تسبب دعم النظام الجزائري لمليشيات البوليساريو، ولهذا الملف المفتعل، في صرف ملايير الدولارات على تنظيم هامشي، وفي ملف انتهى لتبني الأطروحة المغربية... بعد كل هذا، وذاك...ما الذي ينتظره النظام الجزائري ليعترف بهذا الواقع القديم- الجديد، ويعمل على الاستجابة للنداءات المتكررة القادمة من وسط المخيمات بضرورة تحرير ساكنتها التي تحولت إلى رهائن لديهم، وبالاستجابة لمضامين قرارات مجلس الأمن قصد طي هذا الملف بشكل كلي!! لاشك أن هذا السؤال أصبح، اليوم، مطروحاً بقوة في كل الملتقيات الدولية، وفي الأجندة الأممية، ويبدو أنه هو ما دفع السفير المغربي عمر هلال ليطرحه، بشكل مباشر، في المناقشات التي تمت باللجنة 24 بحيث نقله لعموم الحاضرين وللطرف المعني به النظام الجزائري ليس للإجابة عليه من طرفهم، بل للكف بداية عن ترديد خطاب سياسي أصبح متجاوزاً ينتمي للماضي ولفترة الحرب الباردة التي حسمت معها الأممالمتحدة، ولم يعد للشكل الذي تُقدم به الجزائر « تقرير المصير» أي معنى في الأدبيات السياسية الجديدة للأمم المتحدة التي تتجه نحو توسيع هذا المفهوم وإعطائه معنى ديموقراطي حقيقي يضمن وحدة الشعوب وتعايشها، بدل تقسيم الدول وتفتيتها نظراً لكون مختلف التجارب التي تم تقسيم دولها إما انتهت لحروب طاحنة أو سقطت في يد الإرهاب والتنظيمات الجهادية، وهو ما لا يمكن أن يسمح به المنتظم الدولي على مستوى المنطقة. النظام الجزائري ما عليه إلا أن يقر بالواقع التالي: المغرب يمارس كامل سيادته في الأقاليم الجنوبية، سيادة سياسية وإدارية ودبلوماسية، ويبني تجربته الديموقراطية المحلية بخطى ثابتة نحو تعزيز المشاركة المحلية وإشراك الساكنة الصحراوية في تدبير الشأن المحلي، في تمرين ديموقراطي يجسد حقيقة شعار «تقرير المصير». المغرب ماضٍ في سياسته التنموية بالمنطقة، وفي تعزيز البنية التحتية بالطرق السيارة، وبإنشاء مناطق صناعية كبيرة ممتدة لبئر كندوز، وتعمير كامل أقاليمه الجنوبية. المغرب ماض في ربط المنطقة بمشاريع استراتيجية كبرى، منها ميناء الداخلة، مشروع ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي. كما عليه، من جهة أخرى، إلا أن يقر ب: فشل مشروعه، المشروع البومديني والعقيدة العسكرية التي أراد تعميمها بالمنطقة، على مستوى دول الساحل ككل وليس الصحراء فقط. استمرار دعمه لهذا النزاع، فيه تحميل للاقتصاد الجزائري ما لم يعد يحتمله من خسائر مالية كبرى في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها هذا النظام. العزلة التي دخل فيها النظام الجزائري على جل المستويات: عربياً، فالدولة الجزائرية أصبحت محسوبة على المعسكر الإيراني. متوسطياً، لا أحد من هذه الدول له شراكات مع الدولة الجزائرية. على المستوى الإفريقي، لم يعد للصوت الجزائري أي حضور خاصة مع انخراط دول غرب إفريقيا وبشكل خاص نيجيريا في مشاريع كبرى مع المغرب آخرها ربط المنطقة بأنبوب الغاز. هذا الواقع الذي بات يعيشه النظام الجزائري وغيره من مظاهر العزلة والفشل السياسي للدولة الجزائرية في ملف الصحراء، يجعل منه نظاما ليس له وأمامه سوى خيارين: خيار التعامل بواقعية مع الوضع الجديد الذي بات يعيشه ملف الصحراء، وهو أمر يحتاج شجاعة كبيرة كما يحتاج إلى العقل، وهما إلى الآن مفتقدان داخل المعسكر الحاكم بالجزائر. خيار الاستمرار في هذا المسلسل، مع ما يعنيه من خسائر سيتكبدها النظام الجزائري، سياسياً واقتصادياً، مع انعكاسات كل ذلك على الداخل الجزائري الذي بات متجهاً إلى الانهيار!! عموماً، مهما كانت خيارات النظام الجزائري فالمغرب حسم ملف الصحراء لصالح وحدة المغرب، ولصالح تنمية المنطقة ودمقرطتها، وهو في ذلك مثل البراق ماض بسرعته القصوى في هذا الاتجاه، ولن ينتظر نظاماً عاجزاً عن قراءة الواقع من منظور المصلحة، مصلحة الشعب الجزائري أولا!!