نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    وزارة الاقتصاد والمالية: المداخيل الضريبية بلغت 243,75 مليار درهم عند متم أكتوبر 2024        في لقاء مع الفاعلين .. زكية الدريوش تؤكد على أهمية قطاع تحويل وتثمين وتسويق منتجات الصيد ضمن النسيج الإقتصادي الوطني    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    كيوسك الخميس | 80 في المائة من الأطفال يعيشون في العالم الافتراضي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت        نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في بعض خلفيات الموقف الإسباني
نشر في لكم يوم 20 - 03 - 2022

الموقف الجديد الذي عبرت عنه الحكومة الإسبانية في رسالتها التي وجهها باسمها رئيسها بيدرو سانشيز للعاهل المغربي التي أوضح فيها طبيعة موقفها من قضية حيوية للمغاربة، مصيرية بالنسبة للأمة المغربية لا محيد لهم عنها و من تحقيق المزيد من المكاسب السياسية لطي هذا النزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية الجنوبية الذي طال أمده، و الذي بات قاب قوسين أو أدنى من طيه النهائي بعد أن انضافت إسبانيا إلى ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية و قبلهم جمعياً مجلس الأمن في دعم خيار الحكم الذاتي الذي بات الحل الوحيد لإنهاءه وفقا لميثاق الأمم المتحدة و لخارطة الطريق التي وضعتها الأمانة العامة للأمم المتحدة، و مضامين قرارات مجلس الأمن.
إسبانيا اليوم تتحرر من كل الضغط التاريخي الذي خلفه الجنرال فرانكو و المرحلة الكولونيالية ذات الطبيعة التوسعية لإسبانيا في المنطقة بكل مخلفاتها السياسية، الجغرافية و عُقدها التاريخية، إسبانيا التي كانت تصف الأقاليم الصحراوية في أدبياتها التاريخية ب"الصحراء الإسبانية" و كانت في مرحلة ما تريدها أن تكون جزءا من إسبانيا في المنطقة عندما حاولت منح الإقليم "حكما ذاتيا" تابعا لها يدين بالولاء لإسبانيا ، و هو المخطط الذي واجهته الساكنة المحلية بانتفاضة قوية بحيث سارعت و هي تقرر مصيرها و هي تعلن الولاء و الوفاء للعرش العلوي و للمملكة المغربية ، ليتم إجهاض هذا الحلم الذي كبَّل القادة السياسيين الإسبان منذ سنة 1975،الموقف الذي دفعهم للترنح بين البقاء في دائرة تعقيدات الماضي و التوجه للمستقبل، ليتم حسمه في النهاية نحو التحرر من التاريخ الكولونيالي الإسباني و قبول الحقيقة التاريخية التي تقول أن الصحراء "الغربية" كانت و ستظل إقليما مغربيا،خاضعا للسيادة الإدارية، السياسية و الاقتصادية للمغرب بعد أن تسلم مفاتيحها من إسبانيا نفسها،و أن الساكنة منذ حدث المسيرة الخضراء و قبلها في الانتفاضات التي فجرتها ضد الاستعمار الاسباني معبرة عن اختيارها البقاء في حضنها المغربي و انتمائها لعمقها التاريخي،الديني و السياسي.
1- في تحديد أهمية الموقف الإسباني:
لابد بداية من توضيح طبيعة الموقف الاسباني الجديد و أهميته باعتباره يأتي من دولة كان لها حضورا تاريخيا في المنطقة، تُعبتر من مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية بمجلس الأمن التي تساهم في مناقشة المسودة التي تعدها الولايات المتحدة الأمريكية قبل عرضها على مجلس الأمن، و يُعتبر رأيها مهما نظرا للتأثير الاسباني التاريخي في النزاع، كما أنها هي من وقعت اتفاقية مدريد مع المغرب و موريتانيا، و هي ظلت لسنوات الأرضية الخلفية للبوليساريو في أروبا و معقلهم التاريخي و الحاضنة للتيار الأوروبي الداعم للطرح الانفصالي بالصحراء، بمعنى أن هذا الموقف لا يأتي من دولة عادية، بل من دولة لها تأثيرها التاريخي في الملف، و هو موقف لا يقل أهمية عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يأتي من دولة لها تأثير و حضور تاريخي مباشر في النزاع.
كما أنه موقف يأتي من أحد أكبر الأحزاب السياسية الإسبانية ذات التوجه اليساري، فرغم أن قياداته التاريخية ظلت مقتنعة منذ سنوات بالحفاظ على الثقة مع المغرب و بدعم مبادرة الحكم الذاتي بدءا من قيدوم الاشتراكيين الاسبان فيليبي غونزاليس إلى ثاباتير الذي أعلن بنفسه أنه اقتنع منذ سنة 2008 بأهمية مبادرة الحكم الذاتي و ببناء شراكة واضحة مع المغرب قوامها الثقة المتبادلة،إلا أن اختيارات الحزب الأديولوجية ظلت "وفية" للموقف التقليدي للحزب من النزاع متأثراً بالجناح اليساري داخله، هذا الحزب الذي له حضور سياسي قوي في اسبانيا عبَّر أخيراً أمينه العام الذي هو نفسه رئيس الحكومة الإسبانية عن موقف جديد من نزاع الصحراء الذي سيكون له و بلا شك تأثير و أثر ليس فقط على السياسة الخارجية لدولته، بل سيحدث ثورة داخلية في أدبيات الحزب نفسه الذي خصص في مؤتمره الأخير ورقة حول "قضية الصحراء الغربية" التي أعلنت الورقة المقدمة للمؤتمر "عن دعم الحل السياسي وفقا لميثاق الأمم المتحدة و قرارات مجلس الأمن" و هو موقف لم يكن كافيا لتوضيح رؤية الحزب من النزاع الذي ظل متأثرا بمفهوم كلاسيكي متجاوز حول "تقرير المصير"،لذلك فمضامين الرسالة الأخير لملك المغرب ستكون لها انعكاسات تنظيمية، أيديولوجية داخلية كبيرة على الأدبيات الفكرية لهذا الحزب خاصة و أن بيدرو سانشيز كان يصنف ضمن تيار "الشباب" القريب من التوجه الأكثر يسارية داخل الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني و كان يضع نفسه في مقابل الخط العقلاني الذي ظل يمثله فيليبي غونزاليس و بعده ثاباتيرو قبل أن يصل لرئاسة الحزب في المؤتمر الأخير و منه لرئاسة الحكومة بتوافق بين مختلف قياداته التاريخية و الشابة.
عليه فالقرار الاسباني الجديد يجب قراءته من مختلف زواياه خاصة و أنه لن يكون فقط قراراً سياسيا يتعلق بالسياسة الخارجية لإسبانيا بل قراراً سيحدث ثورة أيديولوجية داخل الحزب لأنه مس واحدة من الثوابت التي ظلت جامدة في الوثائق الرسمية لليسار الاسباني و لم يتم تجاوز الموقف التقليدي من النزاع إلا بفضل هذه الخطوة الشجاعة التي أقدمت عليها إسبانيا التي انتصرت فيها للمستقبل المشترك و لخيار بناء الثقة مع المغرب،و أكيد أن هذا الموقف سيرخي بظلاله على باقي الأحزاب اليسارية الإسبانية بما فيها بوديموس الحزب المنافق ايديولوجيا الذي يدعم استفتاء تقرير المصير في الصحراء و يرفضها في كتالونيا!! و كذا على الحزب الشيوعي الاسباني رغم ضعف تأثيره في الحقل الحزبي.
2- العوامل التي ساعدت على دفع إسبانيا لتغيير موقفها:
لابد و أن المتابع للعلاقة المغربية–الإسبانية سيلاحظ حالة التوتر التي شهدتها العلاقة بين البلدين و هو توتر ساهمت فيه عدة عوامل كان أولها عامل عدم وضوح الموقف الإسباني اتجاه القضايا الحيوية للمغرب لحد الوصولللقطيعة بين البلدين دبلوماسيا، اقتصاديا و سياسيا، ازداد حجم التوتر بعد استقبال إسبانيا لابراهيم غالي للعلاج بهوية مزورة لنصل معها لنقطة بدت أنها نقطة اللاعودة نظرا لشعور المغرب بأنه طُعن من الخلف من طرف دولة يُفترض أنها حليفة و صديقة له، فمارس المغرب حقه في الاحتجاج الدبلوماسي بالشكل الذي رآه مناسباً و الذي حافظ من خلاله على مصالحه الحيوية و دافع فيه عن قضاياه الأساسية خاصة عندما تعلق الأمر بقضيته الحيوية الأولى، قضية الصحراء.
تغير الموقف الإسباني ناتج عن عدة عوامل أساسية، مرتبطة بالداخل الإسباني نفسه، لكن أهم عامل ساهم في تغير نظرة إسبانيا للنزاع هو العامل المرتبط بالاختيارات الدبلوماسية المغربية، هنا لابد من القول بأن العلاقة المغربية–الإسبانية مرت بواحدة من أعقد أزماتها الدبلوماسية إذ امتدت لأشهر و شهدت قطيعة حقيقية أثرت ليس فقط على البلدين بل على المنطقة ككل خاصة و أن المغرب يعتبر البلد الوحيد الموثوق فيه أوروبيا و غربيا ليكون المعبر الآمن نحو إفريقيا و غربها، هذه الأزمة تسببت فيها ضبابية المواقف الإسبانية من التقدم الدبلوماسي الذي أحرزه المغرب على مستوى نزاع الصحراء خاصة عندما أعلنت الأمم المتحدة بصريح العبارة على دعمها لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المبادرة الوحيدة القابلة للتطبيق، و انخراط الولايات المتحدة الأمريكية بوضوح في دعم المبادرة المغربية خاصة مع اعترافها بمغربية الصحراء، هذا الاعتراف الذي قابلته إسبانيا آنذاك بالكثير من الانزعاج فباتت تناوش المغرب من منطلق خلفيات تاريخية تجاوزها المغرب خاصة و أن هذا الأخير لم يعد ذاك البلد المجزئ بين القوى الاستعمارية الضعيف، بل تحول لقوة إقليمية حقيقية له مكانته، حضوره و تأثيره في المنطقة، هذا الوضع يبدو أنه تسبب في انزعاج بعض الأوساط داخل إسبانيا فأدى بها إلى مناوشة المغرب مما خلف قطيعة دبلوماسية بينها و بين المغرب و سوء فهم كبير تسببت فيه المواقف الإسبانية من المغرب و من نزاع الصحراء، قابلها المغرب بثبات دبلوماسي كبير عبر عنه ملك المغرب في خطبه التي أكد فيها ألا شراكة مع المغرب بدون احترام وحدته الترابية و قضاياه الحيوية و توضيح المواقف منها، و هو ما استجابت له إسبانيا أخيرا و قبلها ألمانيا ، و قد كان عامل صمود الدبلوماسية المغربية بفضل الرؤية الملكية في تدبير و تحديد الخطوط الاستراتيجية لتدبير العلاقة الخارجية للمغرب الفضل الكبير في هذه التحولات التي نعيشها، و هي استراتيجية بنت نفسها على تنويع الشراكات و الوضوح في المواقف و الحزم مع الخصوم و مع من يتدبد في التعاطي مع المغرب، في ظل استراتيجية دبلوماسية مغربية انطلقت منذ خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2015، خطاب ملك المغرب في القمة الخليجية–المغربية و غيرها من المواقف الواضحة التي أعلن عنها الملك محمد السادس التي عكست ميلاد مغرب جديد باختيارات دبلوماسية قوية، وصولا للخطاب الأخير الذي أجاب بوضوح على مواقف الدبلوماسية المغربية لا شراكة في ظل مواقف متقلبة من المغرب و من وحدته الترابية، و علَْق فيه بشكل علني على الأزمة التي جمعت المغرب بإسبانيا مؤكدا أن الملف يحضى برعايته الخاصة و بقيادته نحو الحوار للتوصل لحل يرضى البلدين و يحافظ على مصالحهما بمنطق رابح–رابح، و هي استراتيجية دبلوماسية وصلت للإعلان عن الموقف الاسباني الأخير، و هو ما يؤهل المغرب مستقبلاً لحصد مواقف مستقبلية متتالية دوليا داعمة للحكم الذاتي، هذا التغير في الموقف الاسباني هو ما عبرت عنه رسالة رئيس الحكومة الإسبانية للملك الذي أكد فيها على "احترام وحدة البلدين الترابية"،و قبله ألمانيا التي أعادت التذكير بموقفها الداعمة للوحدة الترابية للمغرب، و قبلهما جميعا القرار الرئاسي الذي وقعه ترامب و الذي رسَّمه بايدن الذي اعترف بموجبه بمغربية الصحراء و بمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد لطي الملف .
3-أثر الأزمة الروسية–الغربية على الموقف الإسباني:
و اذا كان للعامل الداخلي المتمثل في وضوح الدبلوماسية المغربية و قوتها، صرامتها اتجاه المواقف المتدبدةلغير الواضحة التي كانت تعلن عنها إسبانيا، فإنه للعوامل الخارجية خاصة المستجدات الأخيرة التي بات العالم يشهدها بفعل الأزمة الروسية–الأوكرانية الأخيرة التي اتخذت طابع الأزمة الروسية مع الغرب و ليس مع أوكرانيا فقط الأثر الكبير في إحداث المتغيرات العميقة التي تشهدها العلاقات الدولية، خاصة مع انعكاساتها الجيواستراتيجية على المنطقة المتوسطية، هذا المعطى المستجد دوليا حاول النظام الجزائري استغلاله في محاولة منه لممارسة الضغط على إسبانيا خاصة بعد شيوع خبر استغلال أنبوب الغاز الذي يربط المغرب بإسبانيا الذي بات في ملك المغرب بعد قرار النظام الجزائري إيقاف تصدير الغاز من خلاله نحو أروبا في قرار غير مفهوم و لا مبرر،و ما محاولة النظام الجزائري الضغط على اسبانيا بورقة الغاز إلا مؤشر خطيرعلى كون النظام الجزائري أراد استغلال الأزمة العالمية الحالية للضغط على أروبا عموما و لابتزاز إسبانيا بشكل خاص، فكانت النتيجة أن إسبانيا اختارت العودة لحليفها الطبيعي ألا و هو المغرب، و التحرر من ضغط و ابتزاز النظام الجزائري الذي كان قد ورط الدولة الإسبانية سابقا في الأزمة مع المغرب عند استقبال ابراهيم غالي بهوية و جواز سفر مزوري، و أراد حاليا استغلال الحصار الاقتصادي على روسيا من أجل إخضاع إسبانيا "لنزوات" النظام الجزائري.
يمكن القول هنا أن الموقف الاسباني الحالي يعكس جزءاً كبيراً من التحول الجيواستراتيجي الذي شهدته ليس فقط إسبانيا فقط، بل المنطقة المتوسطية ككل و هو تحول يشير إلى توجه عام نحو تشكل تكتل متوسطي اقتصادي، سياسي و استراتيجي يكون محوراه إسبانيا شمالا و المغرب جنوبا، لذلك فقراءة الموقف الاسباني يجب أن يوضع كذلك في ظل هذا السياق الإقليمي و في ظل التحولات التي يشهدها العالم، كان لابد للمنطقة و أن تتأثرت به، و يمكن التأكيد أن إسبانيا استبقت تأثير الأزمة الروسية–الغربية على شمال إفريقيا و المنطقة المتوسطية و قامت بهذه الخطوة لوضع الأسس نحو بناء شراكة اسبانية مغربية متقدمة، تعتمد على احترام سيادة و وحدة الدول، و الخروج من عنق الزجاجة خاصة مع اقتناعها أن المغرب صارم في اختياراته الدبلوماسية و ممتلكاً لاستقلاليته التي مكنته من اتخاذ موقف دبلوماسي غير مسبوق يقضي بعدم الحضور لجلسة مجلس الأمن الأخيرة التي صوتت على القرار الذي كان موضوعه روسيا، هذا الموقف المغربي أكد لإسبانيا و لبقية العالم أن المغرب كما هو وفي لشركاءه فهو أيضا يملك قراره الدبلوماسي المستقل.
4- تأثير الموقف الإسباني على أروبيا:
أهم تأثير لهذا القرار الإسباني الجديد سيكون داخل البرلمان الأوروبي إذ ستنضاف كتلة البرلمانيين المنتمين للحزب العمالي الاشتراكي الاسباني لباقي التكتلات البرلمانية الأوروبية بالبرلمان الأروبي التي تدعم و ستدعم مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي لطي النزاع،و تسعى لبناء شراكة أوروبية–مغربية قوية، و هو ما سينعكس إيجاباً على المواقف التي سيعلنها البرلمان الأوروبي مستقبلا من العلاقة الأروبية المغربية خاصة و أن المغرب تجمعه علاقة شراكة كبيرة مع الإتحاد الأوروبي و بلدانه و كان يتم استغلال الصوت الإسباني بشكل خاص نظرا لحساسيته لضرب المغرب من طرف اللوبي الداعم للبوليساريو، اليوم هذا اللوبي سيفقد صوتا قويا و مؤثرا و سيكون هناك إجماع من طرف أكبر القوى البرلمانية الإسبانية داخل البرلمان الأوروبي من طرف يمينهارممثلا في الحزب الشعبي و يسارييه من طرف الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني في دعم الشراكة مع المغرب، هذا الإجماع سيعزز من فرص اتخاذ مواقف أكثر وضوح من طرف باقي أجهزة الاتحاد الأوروبي التي ستجد نفسها في موقف مريح بعد القرار الإسباني الجديد اتجاه المغرب قبله موقف ألمانيا في اتجاه إعادة ترسيم علاقة أوروبية–مغربية قوية، واضحة بشراكة متعددة مُخترمة للوحدة الترابية للمغرب و للمصالح المغربية و كذا الأروبية في المنطقة.
5- النظام الجزائري خيار العقلانية أم خيار "الغباء" الجيواستراتيجي؟
إن التحولات العالمية التي يشهدها العالم باتت تُساءل النظام الجزائري، بين أن يختار الاستمرار في نهج دبلوماسي باختيارات بائدة، متجاوزة خاصة و أن التحولات الأخيرة ستحاصر الجزائر في المنطقة و ستجعل من أي تحرك عدائي لها ضد المغرب بمثابة تهديد للغرب نفسه خاصة لأروبا التي لن تتسامح معه، و بين أن تختار من جهة أخرى طريق العقلانية كما فعلت عدة دول خاصة ما شهدته الإمارات أخيرا على سبيل المثال من استقبال حافل لبشار الأسد بعد قطيعة دامت لعقد من الزمن، و قبلها المصالحة الخليجية–الخليجية؟!
لقد سبق أن طرحتُ شخصيا هذا السؤال في مقال سابق، و أعيد طرحه الآن، ما الخيار الذي ستتجه الجزائر نحو تبنيه؟
الجواب على هذا السؤال أتت بعض ملامحه سريعاً من طرف النظام الجزائري، إذ أصدر بيانا يستغرب يندد فيه باتخاذ إسبانيا لهذا الموقف، مقرراً استدعاء سفيرها من مدريد للتشاور، و هو موقف يؤكد أن النظام الجزائري هو المعني الأول بالنزاع، و له مصالح حيوية في عدم التوصل لطي له، كما أنه هو المسؤول عن عدم التوصل لحل سياسي نهائي، و ينضاف هذا الموقف لسلسلة المواقف العدائية التي سبق أن أتخذها النظام الجزائري اتجاه المغرب، هي وقائع تؤكد أن النظام الجزائري اختار التوجه للوراء و عزل نفسه إقليمياً، خاصة و أن أي تحرك في ظل الظرفية العالمية المعقدة الحالية، هو تأكيد على كونه اختار التموقع ضمن المحور المعادي للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، هذا التموقع إلى جانب أسباب موضوعية أخرى أهمها أن المغرب بلد موثوق فيه تقوده ملكية واضحة في اختياراتها الاستراتيجية، هو ما سيدفع عدة دول أوروبية أخرى إلى اتخاذ قرار الاعتراف بجدية مبادرة الحكم الذاتي، و التأكيد على أن المغرب حليف موثوق به في المنطقة.
على سبيل الختم، في انتظار تطور الموقف:
إن المنتصر في هذه اللحظة التاريخية التي تعيشها العلاقة بين البلدين، ليس المغرب فقط الذي انتزع اعترافاً صريحا بأهمية مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء من إسبانيا، بل هذه الأخيرة نفسها قد انتصرت بتحررها من الماضي و من عقده التاريخية.
و تحررت من الابتزاز الجزائري الذي حدث مؤخرا لتخطو خطوة كبيرة نحو إعادة بناء علاقة دبلوماسية مع المغرب قوامها الثقة، احترام الوحدة الترابية لكل بلد.
كما تحررت من الإحراج "الأخلاقي" الزائف الذي كانت تشعر به بعض الطبقة السياسية الإسبانية اتجاه مخيمات تندوف و ساكنتها التي ساهمت إسبانيا في مرحلة ما في صنعها.
موقفها الأخير هذا سيحرر إسبانيا و سيفتح الباب أمام إعادة رسم العلاقة المغربية–الإسبانية على أسس من الثقة المتينة لقيادة المنطقة المتوسطية معا نحو المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.