ما الذي يريدونه من المغرب؟ هو السؤال، الذي أصبح لزاما علينا طرحه مع كل التهجم والهجوم، الذي يتعرض له بلدنا بشكل سري وعلني، من طرف عدة أطراف ودول، يبدو أنها متوجسة ومتخوفة من التقدم، الذي يحققه، إقليميا، حتى بات بوابة أوروبا وباقي العالم لإفريقيا، بفضل اختياراته، التي وضع أسسها الملك محمد السادس، دبلوماسيا واقتصاديا، والتي حولت المغرب إلى قوة حقيقية يُضرب لها ألف حساب في المنطقة، خاصة وأن العالم يعيش تحولات كبيرة ستتجه نحو إفراز نظام عالمي جديد، نظام عالمي لما بعد كورونا، الذي باتت تتضح بعض معالمه حيث سيتمركز تقاطبه الكبير بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وروسيا، في ظل تراجع الدور الأوروبي أمميا وإقليميا، هذا التراجع هو الذي دفع، على سبيل المثال، مركزا استراتيجيا ألمانيا إلى أن يوجه تقريراً للحكومة الألمانية، قبل أشهر، من أجل وقف تقدم المغرب والتنبيه لصعوده المتنامي نحو مصاف الدول المؤثرة، اقتصاديا ودبلوماسيا، في المنطقة و في عدة نزاعات، وقد يكون الدور الكبير والإيجابي، الذي لعبه المغرب في الأزمة الليبية هوأحد الملفات، التي أظهرت قدرة المغرب على التأثير الدبلوماسي في واحد من أعقد الملفات، بحيث نجح المغرب حيث فشلت ألمانيا نفسها ومعها الأممالمتحدة، التي باتت تدعم كل المبادرات المغربية لإنهاء الأزمة الليبية. هذا الصعود، اعتبرته عدة دول، خاصة الأوروبية، تهديدا لمصالحها الجيواستراتيجية في المنطقة، خاصة منها تلك التي مازالت لم تتخلص بعد من نظرتها الاستعمارية لدول الجنوب. إلى جانب هذا التقرير، هناك، للأسف، ما تقوم به الجزائر على مستوى نظامها من دفع المنطقة إلى مزيد من الأزمة، والتصعيد ورفع مستويات التوتر لأقصاها، كل ذلك ليس لوقف «شر قادم من المغرب»، وهو غير موجود، كما أكد على ذلك جلالة الملك، بل لأن هذا النظام وعدة لوبيات، التقت مصالحها معه، يرون في أي صعود للمغرب، هزيمة له ولاختياراته السياسية والاقتصادية ببلدانهم وفي المنطقة ككل. النظام الجزائري، الذي فشل في أن يقوم بنهضة حقيقية داخل الجزائر وبدل أن يستغل الثروات الطبيعية التي يزخر بها من أجل تنمية هذا البلد وتحقيق نسبة رفاه اجتماعي عالٍ للشعب الجزائري الشقيق، عمد إلى استغلال هذه الثروات للسباق نحو التسلح، نحو تسخير دبلوماسيته بكل الإمكانيات المادية، التي وصلت إلى ملايير الدولارات، للتعبئة ضد المغرب ومعاكسة مصالحه الحيوية، ودفع الإعلام الجزائري الرسمي لمهاجمة المغرب والتخصص في التهجم على الرموز المغربية والمس بالمشاعر الوطنية للشعب المغربي... هذه التقارير السابق ذكرها، والهجوم الجزائري على المغرب، وبعض اللوبيات التي تتحرك داخل إسبانيا وغيرها... كلها محاولات هدفها واضح: عرقلة المغرب عن إحداث ثورته الهادئة داخليا وخارجيا، وجره نحو مواجهات سياسية لإلهائه عن مهمته الأساسية في تحصين هذا التقدم، الذي يعكس ثورة ملك وشعب، بروح تتجدد مع كل لحظة، وكل محطة تاريخية تتطلب تعبئة وطنية شاملة، هذه الروح هي التي مكنت المغرب من ألا يقف مكتوف الأيدي، بحيث ذهب نحو اختيار دبلوماسي جديد فيه تنويع لشراكاته مع مختلف الدول: مع أمريكا التي انتهت إلى حسم موقفها من القضايا الحيوية للمغرب فاعترفت بمغربية الصحراء وأعلنت عن دعم مبادرة الحكم الذاتي في موقف سياسي شجاع، كما استطاع المغرب أن يحدث اختراقا حقيقيا في إسرائيل لصالح دفع كل أطراف الصراع القائم بينها وبين فلسطين إلى التفكير مستقبلا في الدخول في مفاوضات لتحقيق السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على أرضية حل الدولتين على حدود 67، وعدم التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية منها القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، مع الحفاظ عليها كمزار لمختلف الديانات السماوية، كما استطاع أن يعيد رسم علاقته مع شركائه، إذ لا مجال لشراكة اقتصادية دون الحفاظ على المصالح الحيوية للمغرب، كل ذلك دون أن يقطع حبل الود الدبلوماسي مع روسيا، التي أعلنت عن دعم المسلسل السياسي الأممي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء. المغرب استطاع بالمتغيرات الإيجابية، التي عاشها داخليا، أن يعكس هذا التحول على المستوى الخارجي، دبلوماسيا، بفضل الرؤية التي وضعها ويضعها الملك، وهي الرؤية التي أصبحت تُظهر المغرب كقوة حقيقية وأصبح معها قادرا على أن يقف الند للند مع دول كانت للأمس القريب لا تنظر في المغرب ودول الجنوب عموما غير بلدان وجدت لنهب ثرواتها واستغلالها اقتصاديا، لهذا لم تتقبل أغلب هذه الدول من المغرب أن يتقدم، وأن ينجز مهمته في التحرر، والقيام بدوره الريادي في إفريقيا. ما الذي يريدونه من المغرب؟! نعيد طرح السؤال مع الملاحظات التالية: -هم يتسلحون ويشترون السلاح، ويريدون من المغرب ألا يعد العدة لتحقيق التوازن المطلوب في المنطقة. -هم يريدون اتفاقيات اقتصادية على مقاسهم، دون احترام الوحدة الوطنية للمغرب، ودون أن يفرض عليهم المغرب احترام كامل سيادته على ترابه. -هم يضعون دبلوماسيتهم رهن إشارة المليشيات، ويريدون من المغرب أن تظل دبلوماسيته عاجزة، وفي موقف الشلل. -هم قاموا بتفويت جزء من ترابهم للمليشيات، وسمحوا لها بالتحرك بالسلاح، الذي وفره لهم النظام العسكري الجزائري، ويريدون من الجيش المغربي أن يظل في ثكناته وفي حالة ارتخاء. هم تحالفوا مع إيران، وفتحوا الباب أمام «حزب الله» لتدريب المليشيات على حرب العصابات وحفر الخنادق، ويريدون من المغرب ألا ينفتح على دول أخرى قادرة معه على ردعهم. المغرب من حقه أن ينفتح على أي بلد مادام أن الأمر يخدم ويحقق مصالحه، حتى لو تعلق الأمر بإسرائيل، وهو في انفتاحه كان واضحا في وضع هذه العلاقة في إطارها الدبلوماسي الصحيح، علاقة تجعل المغرب، وملكه من موقع أمير المؤمنين، ضامنا لحماية المقدسات الفلسطينية من التهويد والطمس الديني لها. المغرب ليس هو من تسبب في هزيمة 48 وليس هو من تسبب في هزيمة 67، بالمقابل كان له دور حاسم في صنع انتصار أكتوبر 1973. المغرب ليس هو من سمح بتهويد القدس، لكن مساهمته العينية والمادية المباشرة للمقدسيين ساهمت في الحفاظ على الطابع المقدسي لها. المغرب ليس هو من قام بتقسيم ما تبقى من فلسطين بين سلطة موازية في غزة وسلطة شرعية في رام الله، لكن مواقفه شاهدة على دعم وحدة الصف الوطني الفلسطيني. المغرب ليس هو من قوض فرص السلام، بل مواقفه ودعواته ثابتة في إحياء السلام بين الجانبين. المغرب يريدون منه أن يظل متقوقعا بينما يريدون هم العربدة في المنطقة كما شاؤوا خدمة لمصالحهم، ومصلحتهم الأولى اليوم هي أن يروا المغرب ضعيفا، منخورا، معزولا...!! هذا الطموح المريض لإضعاف بلد اسمه المغرب، لم ولن يتحقق لهم بفضل القيادة الملكية وتلاحم الشعب معها.