حالة التوتر الصامتة سابقا والمعلنة حاليا التي اعترت العلاقات المغربية المصرية والتي بلغت دروتها في الأيام الأخيرة، وإن بشكل غير رسمي، يجب أن نأخذها مأخذ الجد في المغرب إن على صعيد الجسم الدبلوماسي المغربي أو على صعيد أوساط البرلمان و المجتمع المدني والاعلامي والثقافي. إن الأمر المطلوب اليوم هو القيام بقراءة عميقة لمستجدات الأوضاع الإقليمية في المشرق والمغرب العربي التي تفسر في أحد وجوهها هذا التوتر و إعادة صياغة طرق العمل لمواجهة هذه المستجدات والتحرك في ضوء مخرجاتها للدفاع عن المصالح العليا لبلادنا وتحصين موقعها من العواصف التي أفرزتها التقلبات التي يشهدها معترك العلاقات الدولية إقليميا ودوليا. و سيكون من الأخطاء القاتلة لاعتقاد بأن الروابط الوجدانية وغيرها التي تجمعنا بهذا البلد أو ذاك أو هذه الحكومة أو تلك، توجد في حصن منيع وعصي على الاختراق من قبل الجهات المتربصة بمصالح المغرب. يجب أن لا نجهل أو نتجاهل قاعدة تكرست في الثقافة السياسية العربية مفادها أنه لا توجد في العلاقات بين الدول ثوابت نهائية وأن الأمور مهما تقدمت نحو الاحسن يمكن أن تعود دائما لدرجة الصفر بحيث أن العودة إلى نقطة البداية هي الأصل وليست الاستثناء. ولا يخفى على الجميع أن بين الشعبين المغربي والمصري،وشائج وروابط سياسية واقتصادية وثقافية وفنية ووجدانية عميقة الجدور، صلبة الأوتاد،متنوعة الروافد، غنية الرصيد، مرنة الآليات، متنوعة الوسائل وواضحة المرامي. و لذلك يكمن وجه الغرابة في هذا المجال وفي ضوء هذه الروابط وجود جهات داخل الجسد الإعلامي المصري تحاول أن تعبث بهذه المكاسب. و على الرغم من هذا الانفلات تحدو المغاربة القناعة بأنه لا يمكن لمناورات الخصوم و أصوات الشؤم و الأقلام المأجورة التي تتحرك «تحت الطلب» أن تنال منها، مادام في المغرب وفي مصر من يدرك ويقدر هذه المكاسب حق قدرها ويعمل على تعزيزها في كل المجالات لمصلحة البلدين. وبغض النظر على هذه القناعة وتأسيسا على الحديث القائل « لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين «يتعين على الجسم الدبلوماسي المغربي، حماية لمستقبل العلاقات المغربية المصرية والعلاقات المغربية العربية بصفة عامة، من الألغام المزروعة في الطريق من طرف لوبيات متعددة الأيادي والأوجه و الألسن، أن تتحرك من أجل تطويق وإفشال المناورة الخطيرة التي تحاك ضد المغرب في الأوساط العربية منذ مدة و ذلك أملا في اختراق هذه الجبهة التي عجز حكام الجزائر لحد الساعة عن تحقيق أي انجاز مكسب فيها لصالح عدوانهم على المغرب وتسويق أطروحتهم الانفصالية. إن الجزائر لم تبخل سواء على صعيد الدول العربية أو جامعة الدول العربية أو مؤسساتها المختلفة ومنظماتها المختصة ومجتمعها المدني بأي جهد لتمرير موقفها العدائي إلا أنها لم تستنكف أبدا عن تحقيق هذا الهدف لما يمثله لها من رهان مفصلي في نزاعها مع المغرب. و قبل الدخول في تفاصيل المستجدات الجديرة بالتحليل والاستنطاق على الصعيد العربي لابد من إبداء الملاحظات الآتية وهي تتعلق ببعض الحقائق التي وإن كانت تبدو بديهية للقارئ فإن التذكير بها لا يخلو من وجاهة. أما الحقيقة الأولى فتفيد بأن التكامل من جهة المصالح الاقتصادية والتناغم من جهة المصالح الأمنية الوطنية والإقليمية والوحدة الترابية هي مدعاة لتعزيز العلاقات بين مصر والمغرب وليس العكس. ونورد على سبيل المثال رهانات التنمية و تحديات أخطار النزعة الانفصالية و الإرهابية التي ما انفكت تتفجر في الفضاء العربي وتهدد نسيجه المجتمعي وتفتت دوله و التي تعبأ مصر كافة إمكانياتها لمحاربتها درءا لما تمثله من مضاعفات على وحدة البلاد وسلطة الدولة ووحدة المجتمع وأمنه واستقراره. إنها نفس الرهانات التي يعمل المغرب على تجاوزها و نفس الأخطار التي يحاربها منذ ما يزيد على أربعة عقود على حدود صحرائه المسترجعة وفي السنين الأخيرة، انتقل إلى محاربتها في الساحل الافريقي، وفي أرض العراق ضمن تكتلات دولية و تشكيلات عسكرية. لذلك لا يمكن لكل ملاحظ حسن النية و ذي مصداقية أن يستنتج أن الموقف المغربي جاء دائما معززا و متفاعلا في إطار الإستراتيجية ذات الابعاد لاقتصادية و التنمية و الامنية و متناغما مع الموقف المصري في المشرق العربي كما في المغرب العربي و افريقيا . والحقيقة الثانية هي أن مصر والمغرب ينتميان لدائرة كتلة تحالف واحدة تتشكل من دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تواجه، برسم سياستها الخارجية و الامنية، تحديات الإرهاب والطائفية وتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة العربية و انهيار الدولة ومؤسساتها في كل من اليمن والعراق وليبيا التي خبا دورها . ويبرز هنا المشترك الواضح بين المغرب ومصرفي دورهما البارز ضمن هذه التكتلات في المساهمة مع أشقائهم العرب بصفة خاصة في حماية الأمن القومي و تحصين مجتمعات العربية من الأخطار المحدقة بها ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل دولته المستقلة والدود عن قدسية المسجد الأقصى والقدس الشريف فضلا على معركة التنمية و الديموقراطية والقيم الهوياتية والثقافية والدينية. إن المنطق الذي يفرض نفسه دون عناء يحمل المغرب، انطلاقا من موقعه الجغرافي وامتداداته الافريقية والأوروبية وعلاقاته الدولية، مسؤولية كبيرة يجب أن تقدر حق قدرها باعتبارها تشكل سلاحا يقوي من عضض مواقف أشقائنا في المشرق العربي بما فيها مصر التي تلعب دورا أساسيا بفعل موقعها ونفوذها وقوتها العسكرية والبشرية في سوقه. وبناء عليه، من حق المغرب أن ينتظر بالمقابل، أن يكون الموقف المصري،من القضايا المطروحة مشرقا ومغربا، موقفا مبدئيا، تكتيكيا واستراتيجيا، سياسيا ودبلوماسيا، إلى جانب الحق والشرعية ضد العدوان والعدوانية ومناورات الدبلوماسية الكيدية التي تحاك ضد المغرب في واضحة النهارمن الجزائر أو من غيرها على غرار مبدئية الموقف المغربي من جميع القضايا الظرفية والاستراتيجية التي تواجهها الدول العربية وشعوبهابما فيها مصر في هذه المرحلة الحالكة من تاريخها المعاصر مغربا و مشرقا. والحقيقة الثالثة تكمن في ان استمرار مشكل الصحراء الغربية المغربية إنما هو تعبير عن إرادة جزائرية تقوم على أساس استعمال القوة والمال والنفوذ لإلحاق الضرر بدولة وشعب قدما للشعب الجزائري الشقيق في نضاله ضد الاستعمار كافة انواع الدعم من مال ورجال وأرض لتحقيق استقلاله وذلك فضلا على الدعم السياسي والدبلوماسي في كل الأوساط والمنظمات الدولية. وبالرغم من كل المبادرات المغربية من أجل إيجاد حل سياسي لهذا المشكل تنطع حكام الجزائر لأسباب سياسية داخلية أولا بهدف زعزعة استقرار المغرب وصرفه عن القيام بدوره العربي والافريقي والاسلامي والدولي ثانيا وتأخير عجلة بناء الاتحاد المغاربي الذي رفضت الجزائر في فترة ما سابقة انضمام مصر إليه ثالثا، فإن المغرب لم يحاول توظيف نزاعه مع حكام الجزائر في أي ظرف من الظروف في علاقته مع الدول الصديقة أو الشقيقة، انتزاع موقف يحرج هذه الدولة او تلك أو يضر بمصالحها بحيث تكاد مطالبه تختزل في أن يتفهم أشقائنا حقيقة وطبيعة المشكل ويعملون على عدم السقوط في فخ الدعاية و الاستراتيجية المعادية له ولمصالحه الحيوية وعلى رأسها وحدته الترابية. ونذكر هنا ولعل الذكرى تنفع المؤمنين بانه إذا كانت مصر تعتبر من حقها ان تحرك وتهيج إعلامها وسياسييها و فنانييها ورياضييها في مباراة في كرة القدم بين والمنتخب المصري والجزائري وتعتبر أن الانتصار فيها هو مسألة وجود وكرامة وأمن قومي، فلا يعقل أن يعاب على المغرب تذمره واستياؤه من مواقف إعلامية وسياسية تطاولت على المغرب و مؤسساته ورموزه ومجتمعه بالتجريح وتصدت «تحت الطلب»بما في ذلك من شك، لمسألة يعتبرها المغاربة بصفة إجماعية مطلقة «مسألة وجود وليست مسألة حدود»كما جاء على لسان جلالة الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الأربعين لاسترجاع الصحراء المغربية. يقول المثل « شرح الواضحات من المفضحات»وانطلاقا من هذه الحقائق يحق لنا كمغاربة، نحب مصر و شعبها، إلا أن نستغرب من كون سيناريو هذا المسلسل البئيس يملى في الجزائر و يكتب بأصوات وأقلام مصرية. وفي كل الأحوال، يتعين على المغرب أن يستعد دائما للأسوء من مناورات و كيد حكام الجزائر ومخابراتهم لإجهاضها في المهد في مصر أوفي غيرها من البلدان العربية وغير العربية. وسندنا في ذلك هو أننا نعتقد، أن في مصر كما في غيرها، رجال سياسية وفكروفن لا تنطلي عليهم خلفيات هذه السيناريوهات الفاقدة للمصداقية من الأساس باعتبارها محاولات غير مجدية تقوم على تدليس الحقائق للإيقاع بين الشعوب العربية وزرع بذور العداوة والبغضاء بين مكوناتها. ولكي يتكمن المغرب من إفشال مثل هذه المكائد الدبلوماسية لابد له من تعبئة إمكانيته البشرية والمادية الدبلوماسية والسياسية ليعزز مكانته في الدول العربية و ينفتح أكثر على شعوبها ونخبها ومراكز القرار فيها وذلك للأهمية التي يتطلبها واقع الحال. ولا يسعنا إلا أن نذكر هنا بأن مراكز القرار في الكثير من البلدان العربية عرفت تغييرا عميقا سواءا من حيث الأطر البشرية أو من حيث ترتيب الاهتمامات والأولويات أو من حيث أنظمة الحكم في بعض الحالات أو من حيث الارتباطات الوجدانية لهذا المسؤول أو ذاك مع هذا البلد أو ذاك. و على سبيل المثال لا يجهل أحد أن النخب الحاكمة في مصر حاليا وما يلحق بها من رجال إعلام وسياسة وفكر وفن هي نخب جديدة على السلطة من الواجب على المغاربة أن يربطوا معها أوثق الصلات الثقافية و السياسية و الفكرية و الاقتصادية. وما قلناه عن مصر ينسحب على تونس و يصدق على ليبيا بالرغم من مشاكلها و وعلى بلدان الخليج التي بدأت تصل فيها إلى مراكز القرار نخب جديدة يتعين الانفتاح و التعرف عليها من خلال الدبلوماسية البرلمانية و المبادرات المجتمع المدني والمهرجانات الثقافية والفنية والرياضية. ونشير في هذا الصدد إلى ان مبادرات جلالة الملك محمد السادس عربيا و افريقيا يجب أن تتعزز أفقيا بمجهودات المؤسسات المجتمع المختلفة بغاية ربح رهان المعركة الدبلوماسية التي فتحت بشكل معلن في الفضاء العربي بين المغرب و حكام الجزائر. بيد أن النتائج المنتظرة من هذا الحصاد لا يمكن أن تتحقق دون أن تتسلح الدبلوماسية المغربية بعقيدة دبلوماسية تأخذ بعين الاعتبار دراسة المستجدات الاقليمية وتحديد الأوليات التي تخدم جوهريا المصالح الحيوية لبلادنا. إن العمل بمنطق دبلوماسية الثمانينيات والتسعينيات في ظل أوضاع دولية وإقليمية قائمة على معادلة الحرب الباردة عفا عنها الزمن ولم تعد صالحة لمواكبة تطور العلاقات الدولية والإقليمية وتقلباتها الحالية. ويضاف إلى ذلك صعود نخب جديدة أصبح بيدها قرار توجيه سياسة الدول بناء على معطيات مرحلية تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى وحجم المصالح المنشود اقتطاف ثمارها و الإصطفافات الإيديولوجية والعقدية والمذهبية و التحالفات الإقليمية والدولية وظهور قوى نافدة. إن هذه العوامل تفرض قراءة جديدة للمشهد العربي في ظل هذه المتغيرات والتحولات الكبيرة وذلك بغاية صياغة خريطة عمل ترتب فيها الأولويات و تحدد آليات العمل والإمكانيات البشرية والمادية بما يخدم الاستراتيجية الموضوعة. و في هذا النطاق يبدو أن الحالة العربية بصفة عامة ليست على ما يرام أو ليست على الأقل كما نريد ان تكون. فسياسة الدول المتبعة في إطار الاستراتيجية الأمريكية أبانت عن حدود نتائجها بل وفشلها وأكبر دليل على ذلك هو الفشل الذي يؤدي ثمنه الآن الشعب الفلسطيني بعد عشرين سنة من المفاوضات سيطرت فيها إسرائيل على الأرض والعباد بالقتل والتشريد. ومن خلال تتبع آفاق المفاوضات الإيرانيةالأمريكية يبدو أن واشنطن قررت إعادة ترتيب أولوياتها في منطقة المشرق العربي لفائدة إيران التي يتسع نفوذها يوما بعد يوم وذلك على حساب الوعود والالتزامات التي قدمتها لحلفائها من العرب بالرغم من حجم التنازلات التي استفادت منها الولاياتالأمريكيةالمتحدة على كل المستويات و من بينها السماح باحتلال العراق وتدمير دولته ومؤسساته وزرع سياسة طائفية ومذهبية بين أبنائه ومكوناته. وتأتي الحالة السورية وما آلت إليه لتأكد بأن الكلمة النافذة تحولت لفائدة الاستراتيجية الايرانية على حساب الاستراتيجية العربية التي جعلت من سقوط النظام السوري خيارا أولويا لا بديل عنه. و عزز من أفول هذه الاستراتيجية غياب الدولة ومؤسساتها في اليمن و سقوطها في ليبيا وأزمتها في لبنان وبعثرت المشهد العربي بتوفير الشروط الموضوعية والذاتية لظهور المليشيات العنفية والإرهابية التي أصبحت تهدد الدول والنسيج الاجتماعي وتفتح الباب على مشراعيه بين أبناء البلد الواحد. في ظل حالة عدم اليقين التي استبدت بالعالم العربي في هذا الظرف والتي يزيد من تعقيداتها الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المهترئة لبعض البلدان تبرز دبلوماسية الإنقاذ بكل الوسائل المادية والعسكرية كمحور من محاور خطط الطريق التي ينبغي السير على هديها في المرحلة المقبلة. فأمن بعض الدول المتماسكة اقتصاديا أصبح يقتضي دعما عسكريا. و استقرار بعض الدول المأزومة اقتصاديا أصبح يقتضي دعما ماليا و إعادة الحياة لبعض الدول الفاشلة أصبح يقتضي دعما سياسيا ودبلوماسيا. ومن خلال استقراء هذا الواقع يبرز المغرب كحالة فريدة تمثل نموذجا يواجه التحديات بيقينية تامة على كل المستويات تأهله ليلعب دورا رائدا في العالم العربي وتمكنه من الأوراق السياسية والدبلوماسية الكفيلة بأن يكون لكلمته صداها الإيجابي في كل المحافل العربية إذا لم تكن هي الكلمة العليا المتسمة بقوة الحكمة والتعقل والاعتدال والوسطية. و من وسائل قوة المغرب التي لم يوظفها لحد الساعة خارج حدود بلادنا بالشكل الأفضل هي مؤسساته البرلمانية ومجتمعه المدني وجاليته المتواجدة في القارة الاوروبية والامريكية والافريقية شريطة أن تنطلق خطة العمل من أهداف محددة بدقة وإمكانيات مرصودة بشفافية وأطر بشرية كاملة الكفاءة والمعرفة والمزودة بالدراسات القانونية والسياسية والدبلوماسية بل والمتوفرة على المعطيات الثقافية والتاريخية والسياسية عن البلدان التي تتجه إليها أو تنشط فيها. وعودا على بدأ لابد من التأكيد بالقول على أن علاقة المغرب ومصر بأبعادها الدولية والشعبية كانت في الماضي وهي في الحاضر وستكون في المستقبل مسؤولية مشتركة يقدرها المغاربة حق قدرها لما فيه مصلحة الشعبين وتبا للإعلام والإعلاميين الذين حاولوا زرع الفتنة بين المغرب ومصر وقبل ذلك فعلوها مع الشعب الجزائري والشعب السعودي والشعب القطري والشعب السوداني. أما آن لهذه المدرسة الإعلامية أن ترعوي أو تخرص و ترفع راية المدرسة الاعلامية المصرية بروادها و مفكريها و اعلامييها من ذوي الحكمة و التبصر و الخبرة و هم الكثر و كلمتهم ستكون في النهاية هي الأعلى. [email protected]