قال بدر عبد العاطي, الناطق الرسمي باسم الخارجية المصرية في حوار أجريناه معه بمقر الخارجية المصرية بالقاهرة، أن المطلوب من قطر ليس الأقوال، ولا يكفي صدور التصريحات أو الكلمات، بل ينبغي أن تقترن بهذه الأقوال أفعال محددة. مضيفا أنه في هذا الصدد ,هناك طلبات محددة قدمتها مصر للجانب القطري تتعلق بهذا الأمر. علما أن المشكلة ليست بين قطر ومصر فقط بل هي مشكلة تعدت ذلك إلى مشاكل مع غالبية الدول العربية التي تواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخ الأمة العربية, أهمها التهديدات الطائفية و انتشار التطرف . ملقيا الضوء على الوضع في سوريا المهددة بالتقسيم, ناهيك عن دول أخرى، وقال الناطق الرسمي باسم الدبلوماسية المصرية أنه لابد للعالم العربي أن يرتقي إلى مستوى التحديات القائمة . مضيفا « ولهذا نقول على قطر أن تحدد موقفها، هل تقف إلى جانب وحدة الصف العربي والرغبة العربية المشتركة في حماية الأمة العربية ومصالح الأمة العربية والأمن القومي العربي أم أنها تقف إلى الجانب الآخر، مؤكدا أن هذا هو السؤال الذي يتعين على الجانب القطري أن يجيب عنه. أكيد أن الوضع في مصر يثير الكثير من التساؤل الإعلامي، منذ ثورة 30 يونيو وما تلا ذلك من أحداث. ما تحليلكم لهذا الوضع من وجهة نظر الدبلوماسية المصرية. نحن اليوم أمام الخطوات الخاصة بتنفيذ خارطة الطريق، ونعتبر ذلك نقطة البداية، وهي خارطة توافق عليها المصريون في الثالث من يوليو الماضي، بإنجاز الاستحقاق الأول في الاقرار بالدستور باستفتاء عام شعبي، تجاوز فيه التأييد للدستور نسبة 98 في المائة ، مما يؤشر على تأييد شعبي كبير لهذا الدستور التوافقي الذي يتضمن مواد و أبواب غير مسبوقة في تاريخ الدساتير المصرية، ونعطي مثلا بباب الحقوق و الحريات ، والمساواة بين الرجل والمرأة .و نحن اليوم على أعتاب الاستحقاق الثاني بإنجاز الإنتخابات الرئاسية، والحكومة ملتزمة بإنجاز انتخابات رئاسية حرة ونزيهة نتطلع فيها لمشاركة دولية وإقليمية لمتابعها منذ لحظة التسجيل إلى إدارة الحملة الانتخابية والتصويت، وصولا الى الاعلان عن النتائج النهائية . ليس لدى الحكومة ما تخبئه ، فنحن ملتزمون كحكومة بتنظيم انتخابات تليق بثورتين شعبيتين، وتعكس إرادة شعبية في اختيار مرشح رئاسي يحوز على القبول الشعبي . وبعد ذلك ستكون الانتخابات البرلمانية . و الخلاصة أننا نتحرك بثقة في النفس، ونحن على مشارف إنجاز هذه الخريطة لكي تعود مصر دولة طبيعية تحقق تطلعات شعبها في بناء نظام ديمقراطي حداثي يحترم حقوق الإنسان ويؤكد على استقلالية القرار المصري ، ويبنى على التعددية السياسية والمساواة الكاملة بين المواطنين المصريين أمام القانون بغض النظر عن جنسهم رجلا أو امرأة أو انتمائهم السياسي أو الفكري أو العقائدي. هذا بالنسبة للمستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فمصر تستعيد عافيتها وتعيد دورها الإقليمي والدولي. وقد بدأنا بعد تولي السيد وزير الخارجية منصبه في السادس عشر من يوليو التركيز على الدفاع عن الثورة و حمايتها، وإعادة دور مصر في العالم العربي, حيث عمل وزير خارجية مصر على القيام بجولات إلى مختلف الدول في العالم العربي ، فزار الخليج والمشرق والمغرب و الجزائر ولبنان والكويت والأردن وفلسطين والسودان مع الحرص على عقد لقاءات مع مختلف الدول العربية في القمة العربية الأخيرة، وخطاب الرئيس أمام القمة العربية تضمن مبادرات واضحة تتجاوز الواقع المصري نحو المحيط العربي، وهذه صورة تعكس دور مصر في العالم العربي واهتمامها بشواغله . وتخللت مبادرة الرئيس أن يكون العقد القادم 2014-2024 عقدا لمحو الأمية في عالمنا العربي، والآن هناك تنسيق يقوم به وزير الخارجية المصرية مع وزير التربية والتعليم المصري للدعوة لعقد اجتماع وزراء التربية والتعليم العرب في القريب العاجل حتى يمكن وضع الخطوط والآليات التنفيذية لذلك. كما تخللت الكلمة مبادرة لمكافحة الارهاب وعقد اجتماع فوري مشترك لوزراء الداخلية ووزراء العدل العرب، تنفيذا لقرارات اجتماع مراكش لوزراء الداخلية العرب. ونحن نأمل قبل شهر يونيو القادم أن يكون هناك اجتماع مشترك لوزراء الداخلية والعدل ، لأن على الوزراء وضع الآلية التنفيذية للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ووضعها موضع التنفيذ. هناك أيضا مبادرة تتعلق بتطوير التعاون الاقتصادي العربي وتفعيل التبادل التجاري والاقتصادي بين الدول العربي. وخلاصة ذلك نحن نتحرك بشكل متواصل في العالم العربي و افريقيا, حيث قام وزير الخارجية بست جولات إلى عدد من الدول الإفريقية، وهذا مؤشر على العزم في استعادة مصر لدورنا الإفريقي، بقناعة أن هويتنا عربية بجذور إفريقية. كما أننا حريصين على إعادة التوازن للسياسة الخارجية المصرية مما يكفل تنفيذ تطلعات الشعب المصري في تأمين استقلالية القرار الوطني، بمعنى أن مصر دولة منفتحة على الجميع وهي ليست تابعة لأحد وإنما تملك قرارها والشعب المصري فقط هو الذي يحدد ويقرر مصيره وسياسته الداخلية والخارجية. وإذا كانت لنا علاقات طيبة يسودها الاحترام المتبادل، بالولاياتالمتحدة وبالاتحاد الأوروبي فهذا رهين باحترام شأننا الداخلي وسيادة مصر في اتخاذ قراراتها . ونحن اليوم ننفتح على روسياوالصين واليابان والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وهذا لا يعني استبدال أمريكا وأوروبا بهم وإنما لإضافة شريك جديد. وقد دشنا هذا الإنفتاح بزيارة وزير الخارجية الى موسكو في سبتمبر الماضي ,تلا ذلك زيارة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المصرية الروسية وفي تاريخ العلاقات الروسية العربية، حيث أتى الى مصر وزيرا دفاع و خارجية روسيا ثم زيارة وزيري الدفاع والخارجية المصريين لموسكو. وهذا يؤشر عن رغبة واستعداد روسي مصري في تطوير العلاقات الروسية المصرية في كافة المجالات الاقتصادية السياسية الاجتماعية والثقافية والعسكرية. وتلا ذلك في فبراير الماضي قيام وزير الدفاع والخارجية المصريان بزيارة الى روسيا ، كما قام وزير الخارجية المصري بزيارة للصين و كوريا الجنوبية واليابان والهند وهذا مؤشر اننا ننفتح على الجميع احتكاما للمصلحة الوطنية المصرية و تعظيما لاستقلالية القرار المصري . في هذا الاطار نعرف ان ثورة 30 يونيو والقرارات التي تلت هذا العرس النضالي في تصحيح المسار المحتكم لإرادة الشعب المصري، وقع هناك نوع من التصدع في العلاقة مع أمريكا، وفي هذا الوقت بالذات بدأ التقارب أو الزحف المكشوف نحو روسيا، علما أن العلاقات الامريكية الروسية فيها نوع من الخصام الإيديولوجي والتنافس الاستراتيجي في ساحة الشرق والخليج, ناهيك عما يجره التاريخ في العلاقة بين هذين المركزين. ما الهدف من هذا المنحى في علاقات مصر الخارجية؟ المفتاح المصري لا يقتصر على العلاقة مع روسيا أو أمريكا فقط, بل هو منفتح على كل القوى العالمية الصاعدة . فالحرب الباردة بين أمريكاوروسيا ،بمضمونها الإيديولوجي في الشرق والغرب والشيوعية والرأسمالية انتهت وتلاشى معناها والاستقطاب الدولي انتهى. و اليوم هناك اختلافات في الرؤى والمصالح. و أمام هذا فمصر تملك اليوم قرارها الخارجي، وهي لا تريد استبدال طرف بآخر وإنما تريد إعادة التوازن وهذا هو الجهد الذي نبذله في الخارجية والدبلوماسية المصرية. بالنسبة للعلاقات مع الولاياتالمتحدة، فهذه الأخيرة قوى عظمى، و كما تعرفين أن هناك تعقيدا شديدا في صنع القرار الخارجي الأمريكي ، فهناك مراكز ضغط ومركز أبحاث و وزارات داخل إدارات مختلفة وكل هذا يؤثر على عملية صنع القرار, ومن تم فالتغيير في السياسات الخارجية تتم من هذا الوضع, وقد سبق لوزير الخارجية المصري أن وصف العلاقات الأمريكية المصرية في وقت سابق بالمضطربة وهذا أمر قائم، ولكن هناك رسائل من الجانب الأمريكي تسلم بإرادة الشعب المصري. وجون كيري صرح أن الإخوان اختطفوا ثورة 25 يناير, ونقل للدبلوماسية المصرية ان أمريكا تدعم بشكل كامل خارطة الطريق الجديدة، وهذه إشارات تبدو إيجابية وما ننقله نحن للجانب الأمريكي يتسم بالوضوح الشديد ، أي أننا لن نقبل على الإطلاق أي إملاءات من الخارج أو أي تدخل في الشؤون الداخلية وإنما العلاقات بيننا تقوم على الندية والمصالح المشتركة وليست علاقة بين مانح ومتلقي. لذلك فانفتاحنا على روسيا وعلى الصين والهند وغيرها من القوى العالمية الكبرى ليس الهدف منها مشاكسة أمريكا وإنما إضافة لبدائل جديدة تدعم إستقلالية القرار المصري الذي من أجله خرج المصريون بالملايين في 30 يونيو ، الشيء الذي لا يمكن تحقيقه إلا بهذه البدائل المختلفة والتي بدورها لا يمكن أن تتحقق إلا بالإنفتاح على الجميع وليس على شريك معين دون الآخر. نعود الى الأطراف الأخرى في سؤال الخارجية المصرية، والبداية من قطر، حيث مدت هذه الأخيرة يدها الى مصر في خطاب الأمير القطري بالقمة العربية, مؤكدة على احترام إرادة الشعب المصري في صناعة قراراته و اختيار سياسته وطرق تدبيره لدولته بما يضمن استقرار مصر ، إلا أن هذه الإشارات تظل ضبابية أمام تحركات أخرى إعلامية و لوجيستيكية لجماعة الإخوان المسلمين. نريد أن ننقل للرأي العام المغربي أين وصلت العلاقات المصرية القطرية. مرة أخرى أقول أن المطلوب من قطر ليس الأقوال ، بل لا يكفي صدور تصريحات أو كلمات هنا وهناك، و ينبغي أن تقترن بهذه الأقوال أفعال محددة. وفي هذا الصدد هناك طلبات محددة قدمتها مصر للجانب القطري. والمشكلة ليست بين قطر ومصر فقط, بل هي مشكلة تعدت ذلك إلى مشاكل مع غالبية الدول العربية. ونحن اليوم نواجه تحديات غير مسبوقة في تاريخ الأمة العربية.كما أن هناك تهديدات للدول العربية ممثلة في الطائفية والتطرف . ومن هنا ننظر الى الوضع في سوريا المهددة بالتقسيم وغيرهما ، ولهذا لابد للعالم العربي ان يرتقي الى مستوى التحديات القائمة . ولهذا نقول على قطر أن تحدد موقفها، هل تقف إلى جانب وحدة الصف العربي والرغبة العربية المشتركة في حماية الأمة العربية ومصالح الأمة العربية والأمن القومي العربي أم أنها تقف ضد ذلك، هذا هو السؤال الذي يتعين على الجانب القطري ان يجيب عنه. وعموما وكما ذكرنا, هناك طلبات محددة تتمثل في المطلوبين على الأراضي القطرية ، وبعضهم مطلوب للعدالة يتعين تسليمهم وقد تم نقل طلبات التسليم من جانب الإنتربول العربي والدولي . علما أن قطر موقعة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب سنة 1998 وهذه التزامات أخلاقية وقانونية، كذلك استضافة قطر لمنبر إعلامي « الجزيرة» الذي يبث مواد تحريضية تحث على العنف والكراهية . وعلى الأكاذيب والافتراءات فيما يتعلق بالشأن الداخلي ، ليس بمصر فقط, بل بكافة الدول العربية. ولعل القرار الأخير للمملكة السعودية ومملكة البحرين والامارات العربية المتحدة يكشف على أن لقطر مشاكل مع غالبية الدول العربية وعليها أن تجيب عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك . اين وصلت العلاقة مع تركيا ؟ تركيا طبعا دولة إقليمية كبرى، ونحن نعتز بحضارتها ونعتز بالشعب التركي . والمشكلة مع مصر تتعلق بتصريحات بعض المسؤولين الأتراك، و التي مست ليس فقط القيادة السياسية المصرية ولكن مست قيادات دينية في مقام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ومن تم طالبنا مرارا وتكرارا باحترام إرادة الشعب المصري بعدم التدخل في الشأن الداخلي للبلاد, ولكن للأسف استمرت هذه التصريحات ولذلك اتخذت مصر قرارات محددة منذ عدة أسابيع. والسفير المصري تم سحبه نهائيا من تركيا . وليست هناك أي مستجدات. استكمالا لهذه الدائرة الدبلوماسية، فقد قدمت لندن إشارات قوية إزاء إعادة النظر في وجود الأخوان على أراضيها بالرغبة في إعادة النظر في القوانين التي تكفل ذلك،. كيف التقطتم في الخارجية المصرية هذه الاشارة و ماهي تحركاتكم في هذا الاتجاه؟ نحن نشرح للعالم الخارجي ومن بينه بريطانيا إعلان الحكومة المصرية الذي يعتبر تنظيم جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا ، وهذا الإعلان صادر يوم 25 ديسمبر، بناء على ذلك تم إصدار مذكرة قانونية بعثت إلى كافة الدول عبر سفرائها في مصر وعبر سفارتنا في لندن الى كافة الحكومات في دول الاعتماد والى وسائل الاعلام الأجنبية في هذه الدول . والقرار الأخير للسيد ديفيد كاميرون ببدء تحقيقات حول وضع قيادات جماعة الإخوان على الأراضي البريطانية ومدى ارتباطهم بالعنف والإرهاب, نحن رحبنا بهذه الخطوة ولكن نطالب بإيلاء الاهتمام اللازم لهذا الموضوع ونحن على تواصل حول ذلك.وقد التقى وزير خارجية مصر وزير خارجية بريطانيا, وقبل اللقاء كان وزير خارجية مصر قد تلقى اتصالا هاتفيا في الموضوع ، وعلى العموم هناك تواصل وشرح لما يحدث. ماهو تقييمكم للعلاقات المغربية المصرية ؟ علاقتنا بالمغرب هي علاقة مع دولة شقيقة وعلاقة متينة بين الشعبين ، كما هي علاقة تاريخية عميقة لها جذورها الممتدة في الزمن البعيد. فغالبية الفلاسفة وأولياء الله الصالحين في مصر قدموا من المغرب، وعلى رأسهم مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون، وأذكر من الأولياء عبد الرحيم القنائي والسيد البدوي . وبخصوص العلاقة الدبلوماسية, فإن زيارة وزير الخارجية المصري إلى الرباط وتشرفه باستقبال جلالة الملك محمد السادس، والمشاورات التي تمت مع وزير خارجية المغرب واللقاءات المتكررة خلال مشاركة وزير الخارجية المغربي خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، كل ذلك يعبر عن التواصل المستمر. والعلاقة بين البلدين تتجاوز الرسمي لأنها علاقات المصير المشترك المنوط بالموروث التاريخي والثقافي والفكري والحضاري المشترك. ونحن نتطلع لتطوير هذه العلاقات والتوجه بها للمستقبل . فقد كانت هناك زيارة أخيرة هامة للكاتب الكبير جمال الغيطاني إلى المغرب وشارك بمحاضرة عن العلاقات بين البلدين ودور المغرب ومصر كمركزين للإشعاع الثقافي والحضاري في العالم العربي. ولذا نحن نتطلع للمستقبل، وأعتقد أن بعد زيارة الوزير نبيل فهمي إلى الرباط سيكون هناك تحضير لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة والتي ستتناول تطوير العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات التجارية والاقتصادية والسياسية والثقافية بما فيه تحقيق تطلعات ومصالح الشعبين .