مرة أخرى لم يتأخر الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة السفير عمر هلال في إسماع قادة نظام العسكر في الجزائر الكلام الذي يجب أن يسمعوه، والانتقادات التي يستحقونها. كان عمر هلال صريحا ومباشرا للغاية عندما نصح الجزائر، الطرف الرئيسي في النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، أن تقرّ بالإخفاق الذريع لمشروعها الانفصالي في الصحراء. هذا هو الواقع الذي لا يرتفع، ويحاول نظام الكابرانات التغاضي عنه وتجاهله على الرغم من وضوحه للجميع. فشلت الجزائر في مشروعها الانفصالي وتحوّل وهم صناعة الدويلة الصحراوية إلى نكتة حقيقية تثير الضحك على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مختلف وسائل الإعلام المهتمة بهذا الشأن. فما الذي يتعين على هذا النظام فعله كي يقتنع بهذه الحقيقة؟ على الرغم من أنها حقيقة مرّة بالنسبة لنظام أنفق مليارات الدولارات على قضية خاسرة مثل قضية استنبات دويلة وهمية في الصحراء المغربية، فإنها تظل مع ذلك الحلّ الوحيد لطي صفحة الماضي والتوجه الحثيث نحو المستقبل. لهذا نصح عمر هلال الجزائريين بالقول إن أمامهم خياران: "إما الانخراط ضمن مقاربة سلمية تحترم مبدأ حسن الجوار والتسوية السلمية للنزاعات، وإما التمادي في الإخفاق الذريع وباهظ الثمن لأجندة البوليساريو، بمليارات الدولارات، وعلى حساب رفاه الشعب الجزائري الذي يصطف في طوابير لاقتناء أبسط المواد الغذائية". تذكير الكابرانات بظاهرة الطوابير التي ترمز إلى فشل النظام في بناء دولة عصرية ليس قذفا أو سخرية من الشعب الجزائري بقدر ما هو إبراز لمفارقات هذا النظام العسكري البائد. وعندما ندرك أن الإعلام الجزائري والمسؤولين الجزائريين لا يكادون يتوقفون عن الطعن في الوحدة الترابية لبلادنا والتحريض ضد استقرارها ويبذلون في سبيل ذلك جهودا دبلوماسية وسياسية لا تنتهي، نفهم أن رد عمر هلال هو أقل ما يمكن أن يواجه به المغرب هذا الزخم العدائي الجزائري المتواصل. ولعلّ مواجهة هذا النظام بحقيقة فشله وإخفاقه في النيل من الوحدة الترابية يشكل خطوة استراتيجية مؤثرة تأثيرا حقيقيا في نظرة المنتظم الدولي والرأي العام الجزائري نفسه لكشف أكاذيب هذا النظام وأيديولوجيته المقيتة. ولعلّ من أهم مناحي هذا الكذب التحريف الجزائري لمفهوم تقرير المصير وربطه باستمرار بخيار الاستقلال، مع العلم أن تقرير المصير الوحيد الممكن في الصحراء هو الذي يمكن أن يتم تحت إطار السيادة المغربية على غرار مقترح الحكم الذاتي. والمقاربة الجزائرية لهذا المفهوم تُعري تماما ادعاءات هذا النظام وتفضح حياده المزعوم لأن الجزائر لا تربط فكرة تقرير المصير إلا بخيار الاستفتاء، بينما يؤكد القانون الدولي ومواثيق الأممالمتحدة ضرورة الحرص على تجنب تفكيك سيادة الدول بأي شكل كان. لو كان النظام الجزائري صادقا فعلا في دعم حق الصحراويين في تقرير المصير لما أرغمهم على البقاء في مخيمات العار بتندوف وعرّضهم هناك إلى التضييق وقمع الحرية وفرض عليهم الطوق الأمني الذي لا يسمح لهم بمجرد التفكير في خيار العودة إلى الأقاليم الجنوبية. إذا كانت الجزائر تدافع عن تقرير المصير فلتفتح مداخل مخيمات الاحتجاز ولتسمح للمحتجزين هناك بالاختيار بين البقاء في تندوف والعودة إلى المغرب. وستتلقى الرد الفوري والجواب المؤكد من هؤلاء الرهائن الذين يعانون عقودا طويلة من الاستغلال والتنكيل والحصار. رفض الجزائر هذا الحل يعني أن ادعاء الحياد لا معنى له وأن الإصرار على الربط بين تقرير المصير والاستقلال دون تمتيع المحتجزين بحرية التعبير عن آرائهم أو تجاهل رأي مئات الآلاف من الصحراويين الذين يقيمون في وطنهم بالأقاليم الجنوبية يعني أن الاستغلال السياسي لقضية الصحراء المغربية هو غاية هذا النظام، وأن الأهداف المعلنة ليست سوى شعارات للاستهلاك الداخلي واختلاق مناخ الخوف الذي يساعد هذا النظام على الاستمرار في فرض سيطرته على الشعب الجزائري المسحوق.