خلفت كارثة زلزال ليلة 8 شتنبر 2023 الذي ضرب المغرب، ردود أفعال فورية من كل الجهات وعلى كل المستويات وفي كل الآفاق. كان طبيعيا أن يتوجه التدخل في المقام الأول لإنقاذ الأرواح ولإسعاف المصابين، قبل الانتقال إلى توفير الحاجيات الأساسية للمتضررين، مثل الإيواء الفوري، والحاجيات الغذائية والطبية، والدعم النفسي،… ومع تباعد الفترة الزمنية الفاصلة عن تاريخ حصول الزلزال، بدأت تتراجع الآمال في الوصول إلى أشخاص أحياء تحت الأنقاض. لذلك، بادرت الجهات المسؤولة بالتفكير، ثم تنزيل، سبل إعادة الإعمار في أفق الوصول إلى تجاوز مخلفات الكارثة في أقرب الآجال. وإذا كنت، في هذا المقام، لا أنوي العودة للحديث عن مجمل أوجه أشكال التدخل المباشر في الميدان، فإني أستغل تواري دعوات الإسراع بإنقاذ المدفونين تحت الأنقاض وتصاعد خطاب إعادة الإعمار، لإثارة الانتباه إلى موضوع المواقع الأثرية لمدينة مراكش ولمجمل أصقاع إقليمي الحوزوتارودانت. سيكون من البديهي التأكيد على الضرر الجسيم الذي لحق بهذه المواقع. وسيكون من المكرور التنصيص على القيمة الحضارية والإنسانية لهذه المواقع. وسيكون من المبتذل الحديث عن الجهد الذي قامت به منظمة اليونسكو لتصنيف العديد من هذه المواقع كتراث إنساني عالمي. وفي المقابل، سيكون من اللازم أن نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على مصير التراث الأركيولوجي الخصب والغني للمنطقة، والذي يعود البعض منه إلى عصور سحيقة سابقة عن نشأة الدول بالشمال الإفريقي. يشكل هذا التراث الأثري عنوانا لانتمائنا الحضاري، ولا يمكن التهاون في التعاطي مع إكراهات الحفاظ عليه وصيانته ضد عوادي الإنسان والزمن والطبيعة. ترتبط بهذه الوضعية جملة من الملاحظات السريعة، نسوقها على الشكل التالي: أولا: ننتظر من القطاع الحكومي المسؤول عن الشأن الثقافي، عبر مديرية التراث والمواقع الأثرية، التدخل الفوري لحصر الضرر الذي لحق بالمواقع الأثرية لمدينة مراكش وإقليمي الحوزوتارودانت. في هذا الإطار، يجب توسيع دوائر العمل لإعادة إنجاز لائحة جرد تصنيفية لكل المواقع، مع بطاقة تقنية لكل واحدة على حدى، تحدد مستوى الضرر، إلى جانب أشكال التدخل. ثانيا: لا أتحدث – في هذا المقام- عن المواقع الأثرية المعروفة بمدينة مراكش مثل جامع الكتبية، وقبور السعديين، وقصر البديع،… ولكن عن كل المواقع الأثرية المترامية عبر أقاصي المنطقة المتضررة، بما فيها الصخور الأثرية المحفوظة في قمم الأطلس الكبير بنقوشاتها وبمنحوتاتها وبرموزها… ثالثا: لا يجب أن تتوقف أشكال التدخل عند المواقع التي تعرضت للدمار الجزئي أو الكلي، كما وقع مع مسجد تنملل التاريخي، ولكن يجب أن يشمل التدخل المواقع غير المتضررة ظاهريا، مثلما هو الحال مع السور التاريخي لمدينة تارودانت ومع جامعها الأعظم… رابعا: لا يمكن الاكتفاء بعملية التشخيص التقني السريع المهتم بفحص دعامات البناء، ولكن يجب الارتكاز إلى الخبرة العلمية ذات الصلة بمجال الحفاظ على المواقع الأثرية واللقى التاريخية. فالعمل يكتسي صبغة احترافية لا مجال فيها للتهاون ولا للعشوائية. خامسا: تتيح آليات التدخل الطارئة فرصة مناسبة لمحاسبة المسؤولين عن كل أشكال الغش التي اكتنفت عمليات الترميم السابقة. دليل ذلك، خطورة ما كشف عنه الزلزال من كوارث عمليات الترميم السابقة التي كانت قد شملت مواقع مثل قبور السعديين ومسجد تنمل. سادسا: بالنسبة للانهيارات الصخرية الجبلية، يبدو أن التدخل يستلزم توسيع النظرة لاستثمار الخبرة العلمية ذات الصلة، وطنيا ودوليا. وعموما، أعتقد أن المؤسسات الوطنية والهيآت العلمية المحلية تتوفر على ما يكفي من الموارد البشرية ومن الكفاءات الأكاديمية ومن الوسائل التقنية من أجل ضمان نجاعة التدخل، بعيدا عن كل أشكال التهاون أو التلاعب أو المتاجرة بالمآسي، وقريبا من الأمانة العلمية والنزاهة الفكرية والروح الوطنية.