(و.م.ع) جرى مؤخرا بدار الفنون بالدار البيضاء، افتتاح المعرض الاستعادي»الفن والبعد الروحي» للفنان أحمد جاريد، الذي تتواصل فعالياته إلى غاية 29 أبريل القادم. في حوار مع قناة M24 التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، تحدث الفنان المغربي عن هذا المعرض الذي يعد بمثابة حصيلة مساره الفني الذي انطلق منذ 40 سنة ، مسلطا الضوء على تجربته الغنية، وتأثير الفكر والفلسفة في أعماله الفنية.
بحكم مزاوجتك بين التشكيل والفلسفة، تنهل تجربتك الفنية من تجربة جمالية وفلسفية وصوفية خصبة.. حدثنا عن حضور الفكر في منجزك الإبداعي الفني؟ الفكر حاضر في كل شيء، وهو ما يمكن تلخيصه في قولة ديكارت «أنا أفكر إذن أنا موجود»… لكن التساؤل الذي يمكن أن نطرحه هو: ماذا يمكن أن يقدم الفكر للفن؟ وعن أي فكر نتحدث بالضبط؟ هل عن الفلسفة التي تفكر في الفن، أو التحليل النفسي الذي يفكر في الفن، أو التأمل.. وهي كلها اتجاهات واختصاصات مختلفة. بكل تأكيد كان للفن قيمة مضافة بالنسبة للتحليل النفسي لأن فرويد وجماعة التحليل النفسي يعتبرون أن اللاشعور يسكن في المنجز الفني وفي العمل الفني، وفي الفلسفة أيضا أعمال ونصوص مهمة استفادت من الفن، لكن ماذا ينتظر الفن من الفكر عموما؟ في اعتقادي، أنه رغم أن الفكر حاضر في المنجز الفني إلا أن العمل الفني يبدأ عندما تنتهي الفكرة.. ففي مرحلة إنجاز العمل الفني سواء التجريدي أو التشخيصي، ينبغي أن نتحرر ما أمكن من الفكر، يمكن تفسير ذلك من منطلق أنه من مهام الفكر البحث عن الحقيقة، أما الفن فلا يبحث عن الحقيقة، بقدر ما يبحث عن الصدق. لذا بالنسبة لي إذا كان الحديث عن الفكر من منطلق مروري بتجربة فلسفية وأدبية، فقد شكل رافعة أساسية في منجزي من حيث التفكير في العمل الفني وليس في الانجاز. أطلقتم معرضا استعاديا بدار الفنون بالدار البيضاء، يمتد لأكثر من شهرين.. هل يمكن اعتبار هذا اللقاء الفني حصيلة تجربة ومسار الفنان جاريد ؟ هذا المعرض الاستعادي تم بدعوة من «مؤسسة مدى «، وسيرافقه إصدار كتاب حول هذه التجربة التي تتحدث عنها أقلام مهمة من نقاد وشعراء، بالإضافة إلى تنظيم لقاءات مع الجمهور وموائد مستديرة حول التجربة. المعرض يضم أزيد من 100 قطعة بين قطع كبيرة وصغيرة بتقنيات مختلفة. تم اختيار اللوحات المعروضة بحيث تشمل مختلف التقنيات التي أستعملها وتبرز مختلف المراحل الفنية التي مررت منها، بهدف تقديم للجمهور عينات من تجربتي الفنية. المعرض الاستعادي أو الاسترجاعي عادة ما تعرض فيه حصيلة تجربة الفنان، وتجربتي تعود لبداية سبعينيات القرن الماضي، حيث كان أول معرض لي تحت عنوان «ترجمان الأشواق» ، الذي يقدم اهتمامي فنيا بالتجربة الروحية والصوفية بشكل خاص (...) عملي الفني عمل غير حكائي تجريدي طيلة هذه المرحلة، لكن الآن خرجت من تجربة لا حكائية إلى تجربة حكائية، والتي تمثل أعمالا واقعية وتشخيصية تحكي مواقف وحالات وجدانية ولكنها كلها بالاسود. رغم تجربتي الطويلة، ما زلت دائما أفكر في اللوحة التي أود أن أرسمها، وأتمنى في الآتي من الأيام أن يكون لي موعد مع هذه اللوحة (...). يعرف عنك حضورك الفني الوازن من خلال مشاركات في ثلة من المعارض والمحافل التشكيلية الدولية..حدثنا عن ذلك ؟ بالفعل، شاركت في ملتقيات ومعارض ومهرجانات فنية متعددة داخل وخارج المغرب. بالنسبة لي تكمن أهمية هذه اللقاءات أولا في تقديم صورة للتشكيل المغربي في الخارج، وثانيا الاستفادة من تلاقح التجارب والتعرف على تقنيات ومقاربات فنية جديدة وأفكار أخرى. أرى أن الفنان لا يتطور فقط في مرسمه بل يتطور في معارض الآخرين وفي العمل جنبا إلى جنب مع الآخرين، هذا الاحتكاك مع تجارب وتقنيات وأفكار مختلفة له أهمية كبيرة بالنسبة للفنان (...) كيف ترون الوضع التشكيلي الحالي في المغرب؟ الوضع التشكيلي في المغرب يتميز بنوع من المفارقة، فعلى مستوى الإنجاز الفني، سواء بالنسبة للرواد أو ما بعد الرواد، أو بالنسبة للفنانين الشباب اليوم، هناك بشكل إجمالي جودة ومسار متطور فيه أبحاث فنية ذات أهمية (...) ولكن هذا الوضع يعرف «بعض الأعطاب، التي تعود بالدرجة الأولى إلى الجانب المؤسساتي في ما يتعلق بتحمل الدولة لمسألة التعليم الفني في المغرب»، حيث لم يعد مقبولا أن يتوفر المغرب على مدرستين فقط للفنون الجميلة واحدة بالدار البيضاء والأخرى بتطوان، فمن غير المعقول اليوم عدم التوفر على كليات وجامعات للتعليم الفني (...) يجب أيضا الإشارة إلى أن المغرب عرف في السبعينيات والثمانينيات خاصة ما يسمى بالرعاية الفنية والثقافية le mécénat artistique et culturel التي بدأت تخبو خلال السنوات الأخيرة، إلا في بعض الحالات المعينة، حيث يتوجب على المقاولات أن تكون مقاولات مواطنة وتنخرط في التنمية الثقافية والفنية، من خلال، على سبيل المثال، إنشاء منح دراسية لدراسة الفنون بالخارج. كما أن الجهات الرسمية ملزمة بوضع برامج ومشاريع للدعم الفني ليس بالطريقة المتعارف عليها الآن، والتي تشهد نوعا من «الارتجال وعدم الوضوح»، بل من خلال العمل على وضع مشروع شامل ومتكامل وواضح المعالم للنهوض بالمشهد الفني المغربي.