في إطار المهرجان العربي للمسرح، التي تقام دورته 13 بمدينة الدارالبيضاء، قدمت الفرقة التونسية مساء الأربعاء 11 يناير مسرحية «أنا الملك» في لوحات فنية متناسقة طغى فيها الإخراج على النص، وبرز الأداء الجيد للممثلين في فرض إيقاع تطور الفرجة بما يتيح للمشاهد إمكانية استعادة الوقائع وإعادة تركيبها وفق ما يستشفه أو يراه يتناسب وسياق الحكي. فأين يلتقي الجمهور وأين يختلف في تحديد سياقات النص ودلالات اشاراته؟ ينطلق العرض بإيماءات مصحوبة بإيقاع موسيقي صاخب، يساعد على تركيز الانتباه لما يشكل مدخلا لحكي وقائع وفهم أبعاد تطورها، حركات متتالية تفضي إلى ميلاد امرأة، تغادر شرنقتها وتجدب حبلا يظهر في نهايته شخص كان محجوزا في حقيبة. من خلال حوارات متقطعة يستشف المشاهد أنه أمام لحظة ميلاد. ولا يلبث ان يلفه سؤال ميلاد ماذا؟ يستغل المخرج لحظة الانبهار لتتوالى مشاهد ظهور باقي الشخصيات، بعضها يحمل حقائب ويوحدها لباسها الأسود وانفعال حركاتها وما يلفها من تشنج لافت. في تطور مراحل العرض يتضح أن هناك صراعا، وكل مؤشراته تحيل على انه حول السلطة أو من أجل بسط سيادة. يطغى الإخراج على النص ولا يستطيع المشاهد أن يستقرئ الأحداث بما يتناسب وما قد يعتبر خلاصة يمكن الركون إليها. في لحظة احتدام الصراع يتجلى ان هناك معنيين بتسريع وثيرة الوقائع وأن الحسم يقتضي التخلص من أحد أطرافها. لقد ظل المشاهد لما يزيد عن ساعة من الزمن يتطلع لاكتمال دورة النص، ليلامس ما سينتهي إليه من حقائق وما يمكن تحديده كخلاصات، غير أن سطوة المخرج على تدبير تفاصيل العرض، جعل لحظة الانبهار تمتد إلى ما بعدنهاية المسرحية، وتجعل السؤال ينشطر إلى أسئلة تقتضي إعادة ترتيب الوقائع بما يسمح بملامسة الموضوع من زاوية لحظة الوجود الأولى، والرجوع إلى ما يحيل على الخطوات الأولى في الوجود وما كلفت الانسان من انشطار في اختيار مصير غير الذي أعد له، كما جاء في التراث. لقد كان أداء الفرقة باهرا كشف عن احترافية الممثلين وعلو كعبهم، وإن تميز البعض عن الآخرين، وأخص بالتنويه الممثلة المتمكنة التي تحملت وزر المشهد الأول والأخير بمجهود واضح للحفاظ على الإيقاع العام ومستوى اكتماله. لا أحد يجادل في أن الحضور التونسي كان دائما وازنا في مختلف اللقاءات المسرحية منذ امتدت الجسور بين الفرق العربية في إطار الهيئة العربية للمسرح التي ترعى الدورة وسير تنظيمها بدعم من وزارة الشباب والثقافة والاتصال، وفي مناسبات قبلها أو في زيارات خاصة لفرق حلت ببلادنا.