عاشت فرنسا هذا الأسبوع، جحيما حقيقيا، تميز بارتفاع مفرط للحرارة وانتشار الحرائق في غابات الجنوب الغربي لفرنسا، حيث التهمت النار عشرات الآلاف من الهكتارات وتم ترحيل وإجلاء أكثر من 38 ألف شخص من المنطقة خاصة وسط الأشخاص الذين كانوا يقضون العطلة في المخيمات ووسط الأشجار. هذا الجحيم الاستثنائي في تاريخ هذا البلد لم يقتصر على فرنسا بل مس إسبانيا والبرتغال واليونان بل حتى بريطانيا التي لم تتعود على هذه الحرارة المفرطة وحرائق الغابات ولو بنسبة أقل، وبلد مثل إسبانيا حيث خلفت الحرارة المئات من الضحايا . موجة الحر والحرائق عرفتها أجواء العطلة، إضافة إلى ارتفاع الأسعار والتضخم وتراجع العملة الأوروبية اليورو، ومخاوف من قطع روسيا للغاز بشكل نهائي عن أوروبا انتقاما من العقوبات الأوروبية بسبب حرب موسكو على كييف، في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة الفرنسية عن أغلبية من أجل تمرير قانون القدرة الشرائية ومواجهة ارتفاع أسعار الطاقة. هي كلها ظروف طبيعية وسياسية واقتصادية متناقضة مع أجواء العطلة الصيفية التي كانت حارة واستثنائية بكل المقاييس، حيث حطمت الحرارة كل الأرقام الأوروبية في بداية الأسبوع متجاوزة مستوى لم يتم التوصل إليه في بريطانيا من قبل مع تسجيل 40,2 درجة مئوية في مطار هيثرو في غرب لندن، وهي سابقة في هذا البلد، كذلك تم تجاوز الرقم القياسي في اسكتلندا ب34,8 درجة مئوية، بينما سجلت فرنسا أكثر من 60 رقما قياسيا للحرارة التي تجاوزت 40 درجة في بعض المدن بما فيها العاصمة باريس. وهي ثاني ظاهرة حرارة شديدة خلال شهر واحد تقريبا في أوروبا، حسب خبراء الأرصاد الجوية. وخلال زيارته للمنطقة قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن بلاده ستضطر إلى «شراء المزيد» من طائرات مكافحة الحرائق للتعامل مع حرائق الغابات التي من المرجح أن تزداد وتيرتها في السنوات المقبلة، بل تمس مناطق مثل «البروطان» في الشمال الغربي لفرنسا بعد ما اقتصرت في السابق على الجنوب المتوسطي. وفي منطقة «الجيروند»، التي مازالت النار تلتهم غاباتها رغم تراجع شدتها بسبب تحسن أحوال الطقس، يعمل منذ عدة أيام حوالي1700 من رجال الإطفاء وتسع طائرات لمكافحة الحرائق لمحاصرة النيران المشتعلة، والتي قضت على آلاف الهكتارات بالمنطقة، وبالرغم من الوسائل البرية والجوية المهمة التي تمت تعبئتها، إلا أنه لم تتم بعد السيطرة على الوضع بسبب ارتفاع الحرارة التي ترافقها الرياح. وأجبرت الحرائق المدمرة على إجلاء حيوانات من حديقة «حوض أركاشون» بسبب الدخان السام المنبعث من الحريقين العملاقين، كما تم إجلاء حوالي 36 ألف شخص من المنطقة. وتواجه فرنسا هذه السنة مثل باقي بلدان جنوب أوروبا أحوالا جوية سيئة، لاسيما موجة الحر الشديد والرياح القوية، وموجة الجفاف الذي يتسبب في اندلاع حرائق ضخمة وغير مسبوقة. وتعد موجة الحر التي ضربت دول غرب أوروبا في الأيام الأخيرة وخصوصا إسبانيا والبرتغال وبريطانياوفرنسا، وحطمت العديد من الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، ثاني ظاهرة حرارة شديدة خلال شهر واحد تقريبا في أوروبا. ويعتبر ارتفاع درجات الحرارة نتيجة مباشرة لأزمة المناخ وفق العلماء، مع زيادة شدة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ومدتها وتواترها، لهذا أصبحت بعض درجات الحرارة التي كانت في السابق تقتصر على الجنوب تمس بلدانا مثل بريطانيا كذلك، وهي ظاهرة جديدة لم تتعود عليها هذه البلدان. وحسب العديد من التوقعات، فإن هذه الظاهرة سوف تتكرر باستمرار، كما أنها سوف تتطلب من الأوربيين استثمار إمكانيات جديدة لمواجهة هذه الظاهرة ومواجهة الحرائق التي تنتج عنها والتي تلتهم غابات المنطقة، وأماكن لم تكن تشهد هذا النوع من الحرائق مثل منطقة «الجيروند» في الجنوب الغربي لفرنسا، وكذلك منطقة «البروطان» بالغرب الفرنسي، وهو ما جعل الفرنسيين يتخذون قرارات تتماشى مع هذه التحولات البنيوية على المستوى البيئي لمواجهة هذه الظواهر الجديدة والاستثنائية في تاريخ فرنسا.