إلى محمد بنميلود «نكاية» في تروتسكي (هذه القصة من وحي الخيال بما فيها كاتب هذه السطور ، وكل قراءة مغرضة ، يتحمل أصحابها وزر ذلك) كنت دائما أمني النفس بأن أصبح صائد فئران، وحين خاب حلمي القديم، ربيت قطة، قطعت أعواما أفكر كيف يمكن لي أن أفلق عصفورين بحجر واحد، أدفئ عزلتي الباردة، وأتخلص من هذه القوارض الساكنة في رأسي ، هذا الأدمان القديم على صيد الفئران، هذا الإصرار على الانتقام من فصيلة جرذان مارقة، روزا هو اسمها الذي اخترته من بين آلاف الأسماء، وقد يكون كنية في غالب الأحيان، لأني لا أعرف بما تسمى هذه القطة في شجرة الأنساب، أكيد روزا لوكسمبورغ لم تكن تموء، ربما كانت تموء بطريقتها الخاصة، ربما كانت تزأر، فقد كانت تستشيط غضبا لأتفه الأسباب، جيش من الأحزان كانت تحمله في داخلها، وكانت تخرجه كلما تذكرت كيف ستقتل بدم عاهر من طرف جنود مهووسين بالدم ، و كيف سترمى في قناة مياه، أو ربما كانت تصهل مثل فرس جامح،لم تكن روزا الثائرة تملك حنجرة قطة، لذلك لا تورطوني كثيرا في هذه اللعبة كي تغيظوا رفاق الأمس، فأنا لا أشبه روزا بقطة، أنتحل اسمها فقط ، ربما كما فعل صديقي بنميلود الذي سمى كلبه تروتسكي، الفارق الوحيد بيننا هو أنه اختار كلبا وفيا، بينما اخترت أنا فصيلة من الحيوانات تحب الدلال كثيرا، عدا أنها لص كبير،يسرق اللحم من فمك قبل أن يرمش جفنك… أحببت روزا كثيرا، حلمت بها أيضا وأنا أقشر عينيها من اليأس، كي أتبين لونهما الذي طالما تغزل به الشعراء، مثل المتنبي وامرؤ القيس والغضنفر، دون ان أنسى بشار والسياب، قرأت لها كل الكتب التي صادرها في ما بعد هتلر المجنون. فأنا مهووس بقراءة الأشياء التي تقشعر لها الأبدان، وينتفض اللحم تحت الجلد، وتتهادى العواطف. رافقت روزا في كل المظاهرات التي قادتها بالكثير من الصلابة، فقد كنت متفرجا بارعا في التقاط أدق تفاصيل الجرائم التي يرتكبها الجنود حين ينهمكون في مهنة القتل، كأنهم يرقصون في ماخور. روزا كانت باسلة إلى الحد الذي يحس فيه القتلة بالاستفزاز، فيتركون خراطيم المياه والعصي البلاستيكية المسننة، ويستعملون المدافع لإيقاف نزوعها إلى الشغب والشر. كل التجمعات التي عقدتها روزا مع عصابة السبارتاكيين عشتها، سجلت بأمان كل تفاصيل صعودها فوق الطاولة، من أجل لفت الأنظار، كنت أعرف أنها بارعة في الجدل الماركسي والبيزنطي أيضا، لم تكن فقط تضرب الطاولة بقدميها النحيفتين، بل كانت أيضا تجيد الصعود فوقها مثل عروس فوق عمارية، كانت تصرخ فوق رؤوس الجميع :»تحيا الثورة تحيا الثورة» ، كانت تقولها بألمانية قحة، أما أنا الذي لم يكن يفهم في اللغات سوى اللغة الصينية واللغة القشتالية فكثيرا ما كان يقشعر بدني من هذه الكلمة. كنت أظن في البداية أنها تمجد إناث الثور، بما أنها تنتصر كثيرا لقضايا الجنس اللطيف، كنت أعرف بالفطرة أن تلك الكلمة خطيرة على أن ترددها شفتا إنسان جبان مثلي يمشي بمحاذاة الحائط، يخاف من ظله، ويحفظ عن ظهر قلب أن للجدران آذانا، وأن مقدم الحي يستطيع أن يعرف بماذا تعشيت رأس السنة الفارطة .. قطتي روزا ليست كذلك، أكيد لم تكتب قط ، ولا تعرف القراءة، ربما هي تفضل المواء والتودد بلا حياء، فحين ننام معا على سرير واحد، تقوم بحركات غريبة،قطتي متعجرفة بعض الشيء، خاصة حين تشبع نهمها في الأكل، تصدني كأنها لم تعرفني يوما،قد تكون روزا الثائرة متعجرفة كذلك، وتحب دلالا من نوع خاص، وأن حرمانها من ذلك جعلها تفقد أنوثتها في المظاهرات الصاخبة من أجل الخبز والحرية. الآن عرفت سر الخشونة في صوتها، كانت تدخن كثيرا وهي تلعق جراح الآخرين، لا لم تتطور بها الحالة لأن تصبح جنسا ثالثا، نصف رجل ونصف امرأة ، لا أستطيع أن أجزم بذلك وأنا لم أفاتحها في الأمر يوما، كل ما أعرفه الآن أني كلما أمعنت النظر كثيرا في قطتي تذكرت روزا، مع أن لا شبه بين الاثنتين، روزا الثائرة كانت امرأة من طراز خاص تكره الحرب وصديقة مخلصة للأشجار، قطتي روزا لم تكن كذلك، كانت تختلق شجارات كثيرة مع قطط الجيران، أما حين ترى عصفورا فوق شجرة، فكانت تنط بخفة قرد بعد أن تكسر العديد من الأغصان، لم أكن ألومها على ذلك، فهي في الأخير مجرد قطة، حتى وهي تقوم بإسقاط كأس من فوق الطاولة وتكسيره، أو وضع بقاياها تحت السرير الوحيد الذي ربيت معه ألفة خاصة ، ظللت أتشبت بها كثيرا ، كنت أصر على بقائها وأنا أردد عن ظهر قلب بيت أبي تمام : «حين يكون عندك قط في البيت ، فإن ملاعين الفئران لا تقربه « ، أعدت النظر في الكثير من الأشياء وأنا اتأمل هذا البيت لشاعر أكن له كل مودة ،وما زاد من دهشتي في أنه كان خبيرا بعالم القطط والسناجب خبرته بالنظم، هو حين رأيت روزا القطة تلاعب فأرا ذات صبيحة، فزدت يقينا من أن سلالة القطط وسلالة الغزلان الصغيرة خطان مستقيمان… روزا الثائرة عالم آخر، زاخر بالأسرار، اسمها فقط كان يصيبني برعشة، ويمنحني الأمان العاطفي الذي حرمت منه في أزمان سالفة، حين كنت أنا الآخر قردا في غابة، آكل البلوط دون تقشيره، وأهجم على السناجب والوعول، الآن نضجت كثيرا بعد أن ترقيت إلى فصيلة أخرى من القردة، خبأت أشيائي خلف قطعة قماش، وتعلمت الصمت والصراخ في حضانة خاصة بأشباهي، بين الأشجار والصخر، ثم خرجت إلى معترك الحياة …اسم روزا جعلني أكتشف نفسي ، مجرد سماعه كان يلقيني في طقس يوغا من نوع خاص، أحببتها أولا حين نظرت لصورتها على سبورة كانت معلقة في «الدار الحمرا»، بين المبحوث عنهم. تخيلتها مجرمة خطيرة، أو عنصرا هاما في عصابة أشرار متنكرة في شخصية مناضلة طبقية معروفة، تسمى «عصبة سبارتاكوس». منذ ذلك اليوم وأنا أحلم بوجهها الذي تجري فيه غزلان كثيرة، وزرافات غير مروضة،وعصافير تسكن طيات ظفيرتيها الفاحمتين. هل كانت لها شامة، أظن ذلك حقا، أو لعلها «بزقة» ذبابة حطت على وجه روزا ، فمثل هذه الأمكنة غاصة بالحشرات والبعوض والأمراض المنقولة وبالشرطة أيضا، وآخر ما يفكر فيه العسس المتأهبون لفض أي حركة خارجة عن القانون، هو هش ذبابة من فوق صورة روزا، خيل لي أنها كانت شامة سوداء ، وحين اقتربت أكثر لصورة روزا ، أحسست بشرطي وقد كشر عن أنيابه، ويده على سلاحه المربوط جنب خصره بإحكام مبالغ فيه، ربما فكرت حينها وأنا أبتعد قليلا في تهمة التحرش بصورة امرأة، حتى ولو كان مبحوثا عنها.أعرف أشخاصا اقتيدوا إلى مصحات عقلية لمجرد أن فتحوا أفواههم، عند صانع أسنان. أكيد كانت لها شامة ،وكانت ظبية صغيرة تختبئ تحتها عن أعين الحرس القساة، وإلا ماذا كانت تفعل في ذاك المكان ؟ أحببتها ثانيا منذ قرأت كتابها «المجتمع البدائي وانحلاله»، سافرت بي بعيدا في الماضي، لأفهم أشياء كان من الصعب على أمي مثلي فهمها،أحببتها ثالثا من مشيتها العرجاء. سأفشي لكم سرا، أنا أيضا أعرج برجلي اليسرى، أخفيت ذلك عنكم كي لاتصنعوا من نقصي النوادر والحكايات، كنت أتظاهر بالمشي السوي حتى اعوج كاحلي، وتشوه عمودي الفقري وصرت أمشي مائلا مثل بطريق عجوز، هذا ذنب من يخفي عاهاته عن أعين المتلصصين. أحببتها رابعا وأصبحت متيما ولهان، وأنا أبكي بحرقة، أبكي بدموع صلبة كحجر مصهور في فرن، أبكي مثل طفل صغير فقد طائرته الورقية قبل أن تطير به بعيدا بعيدا، أبكي بدم حارق وأنا اقرأ الخبر في جريدة يومية «روزا قتلت غدرا كما قتل تشي غيفارا، وعمر بنجلون، وحارس مقبرة الغفران، عوض أن يقتادها الجنود مقيدة إلى السجن، طخوها بالرصاص دون محاكمة، وألقوا يجثتها في قناة مياه، لمجرد أن قالت لا للحرب، وحلمت بقيادة ثورة». كاد يغمى علي ، وأنا ألقي الورد الأحمر فوق نصبها التذكاري عربون محبة، اضطررت أن أهاجر سرا في قوارب الموت، كي أصل إلى ألمانيا لمجرد وضع إكليل ورد، مع أني لم أكن أملك فلسا، وبما أني لم أتزوج قط، عاهدت نفسي على أن اختار اسم روزا لأي شيء سأربيه يوما ما، قطة أو عصفورا ، أو شجرة أو جرحا غائرا تحت الجلد… كلما ناديت قطتي روزا، نظرت إلي بعينين حنونتين ثم أخرجت من فمها المدور مواء دافئا، أظنها تحب هذا الإسم أكثر من فخذ ديك رومي، روزا اسم شاعري، كم من مرة سأصدح بذلك، وقد تكون هذه الكنية لائقة أكثر بقطة تتكور مثل كبة خيط، ثم تقفز كلما هممت بمداعبتها. قلت كنية لأن اسمها الحقيقي يصعب علي معرفته الآن ، وأنا منهمك في بحث طويل عن أسرار القطط والفئران، سأنال به شهادة التخرج من الفاقة والزلط بأقل الخسائر، ما أضمنه لكم أن الكثير من البشر يفضلون كنياتهم على الأسماء التي اختيرت لهم ، فريد مثلا ، وهو صديق طفولة مارق، كان يحب أن ينادى « فليب» ، فليب القلدة، وليس علال القلدة الذي تعرفون، لازمته هذه الكنية لسنوات مثل ظله، مع أن طوله كان مترا، وعرضه كذلك، كبر هكذا مثل خنشة قمح مدكوكة ، يمشي مثل بولدوزير من زمن قديم، مثل مركبة حربية معيبة، القلدة هي الشيء الوحيد الذي كان ينقصه، كيف لرجل مضغوط أن يكون قلدة ؟ كيف ل»بينتة» سيجارة أن تضاهي أصحاب كمال الأجسام ومصارعي الحلبات ؟ فريد أو فليب القلدة لم يتصارع يوما سوى مع الحياة ، ابنة الكلب هذه التي نشفت حلقه. «فليب» ..اسم هام به فريد عشقا ، كان يقول لنا أنه يشبه «فيليب دولون»، وكان يؤكد بالكثير من الثقة أنه الممثل الفرنسي ذائع الصيت، ربما لذلك ربى شعرا كثيفا تحت ذقنه وفوق رأسه المدور مثل حبة بندورة، أو قرعة دكالية. ولأن الرياح تعصف بما لا تشتهي السفن ، فقد تساقط شعره الفاحم مع السنوات التي زحفت بسرعة البرق، وها هو الآن قد ورث صلعة براقة فوق رأس فارغ، فكان مضطرا ليدعي شبهه الكبير ب»فيليب كوجاك» ، انتقاما من حادث الصلع الذي باغته فجأة.رفاق السوء، كي يغيظونه حسدا على صلعته، كانوا يضيفون لاما قبل كنيته، فيهيج غضبا كلما نادوه «لفليب» ، اي الأحمق ، لم يكن مجنونا بالمرة، على الأقل هذا ما اعتقدته، وأنا أمازحه ذات ظهيرة ،بقطعة شوكولاطة في يدي : – هاك أ لفليب.. تناولها مني، قذفها في فمه بمهارة قط يلتقط فريسة، مضغها قليلا ثم بلعها ، نظر في عيني مليا وهو يلعق أصابعه الخمسة، ظننته سيطري علي، نطحني بضربة من رأسه الأصلع حتى رأيت نجوما كثيرة تتراقص أمامي، لا أحد منا يعرف حتى الآن لماذا اختار فريد بالضبط كنية فليب، ويبقى اللغز الأكبر هو كيف كبر، وكيف أصبح زوجا ذات ليلة ، كانت زوجته العريضة من تخوم دكالة يعني دكالية أبا عن جد، بينما كان هو من أولاد سعيد، قبيلة من مغربستان اكتشفت حديثا، حين تزوج فريد ، قام بكل شيء سرا، كأنه يداري فضيحة ثم أصبح كثير المرض والشكوى، كان يمازحنا كثيرا بنوادر زوجته الدكالية، ويظهر أنه لم يكن يحبها وأنه تسرع في هذه الزيجة، كان يخبرنا بأنه سيأكلها يوما ما، سيقوم بطبخها في طنجرة ضغط كبيرة لأن لحمها المكتنز لن ينفع معه فرن تقليدي يعمل بالحطب، كانت زوجته قلدة من لحم ودم، وعائشة الرعدة، اسم يوافقها كثيرا ، كان حين يمرض تحمله عائشة القلدة إلى مشفى المدينة، فوق ظهرها كطفل صغير، وعند انتظار دورها، تكوره بين فخديها مثل قنفذ بري …. يحكي لنا فريد أن زوجته قهرته بأكلة الخبيزة ، هو كان يفضل عليها البيض المسلوق ن حتى أن رائحة البيض سكنت تحت جلده، لم يكن يثق في الابراج ، إلا حين أسريت له يوما أنه من برج الأسد، وكانت فرحته عارمة حين علم أن زوجته الدكالية من برج التيس، كان مساعد خضار، ومن كثرة حك أنفه صار هذا الأخير أفطسا ، قال لنا يوما وهو يتلفت يمنة ويسرة ، أن الخضر التي نأكلها مرشوشة بمبيد الحشرات، ظن المسكين أنه يتكلم في السياسة مع أنه لم يقرأ جريدة قط، من يومها عرفنا أنه لم يكن مدمن سيلسسيون …. – هاذاك لفريريج ديالك باقي كا يسكر ؟ ضحكت عائشة القلدة حتى بانت ضرسة العقل في فكها العلوي ، وهي تغمض عينا وتفتح أخرى، ثم تخفي فمها بيديها الشاهقتين، أمام جارتها العجوز – شكون لفريريج أويلي حي ؟ – راجلك ..زمانك .. علاه ماشي فريريج مارس ؟ تفرقع زوجته ضحكة أخرى، تطفئها بابتسامة بلهاء، وهي تجمع شفتيها المدلاة بأصابعها السمينة – راه هداه الله، اللهم عمود النفار ولا القرعة.., هكذا صار فريد مدمن سبسي بدلا من الذهاب إلى البار. من حسن حظي أن قطتي روزا لا تشبه فريد ولا عائشة القلدة ، ربما هي أقرب إلى روزا لوكسومبورغ، لها الكثير من الشموخ والأنفة، لذلك اخترت لها هذا الإسم نكاية في الحرب والنازية وهتلر وكل طاغية على وجه الأرض. لست في نهاية الأمر من هواة تربية القطط والكلاب، لولا حقدي على الفئران ، ربما كان يليق بي أن أربي حمارا، أخصص له غرفة خاصة تليق بوجهه الصبوح شرط ألا ينهق، فقد يخيف أطفال الجيران. عدلت عن ذلك وأنا أقرأ عن شخص ربى بعيرا في سطح منزله، حمله بناقلة ضخمة إلى هناك ، كان المشهد مضحكا وأنا أتخيله أمام عيني، لم يفعل ذلك من أجل عيني البعير، بل من أجل بوله، نعم بول البعير الذي يبرئ الأكمه والأبرص و الأعمى، بول الحمار ماذا عساه يبرئ ؟ أنا اكتفيت بتربية قطة، كلما ناديتها روزا مالت شفتي إلى نطق روزامور، من منكم يتذكر الآن روزامور، أنا بالطبع فلي ذاكرة فيل، رغم أني أخاف من الفئران، اقتربوا أصدقائي حتى لا يسمعنا أحد، هل أنا الذي ذكرت روزامور؟ انسوا الأمر سريعا، مجرد زلة لسان ، ثم إن المثقفين مثلي يترفعون عن ذكر الحوادث العارضة، ماذا يعني أن يموت جمع من البشر في حاوية بنزين، أو داخل معمل لصناعة الأفرشة، كان عليهم أن يقرعوا الأبواب والنوافذ، بل كان عليهم أن يأكلوا الجدران لينقذوا أنفسهم من هول الشواء وهم أحياء، الخطأ خطأهم في النهاية ، وعلى المرء أن يتحمل وزر أخطائه، قال الرجل الجالس قبالتي كأنه يقرأ أفكاري : لا يهم، طز في الموت، كلنا سيموت يوما، ثم بدأ يحصي لي عدد الموتى بسبب حوادث السير وحوادث الحياة، الطاعون قتل كثيرا من البشر، ثم عرج على المجاعات، والفيروسات القاتلة، كدت أذكره بأعداد القتلى بسبب الحب، ومكائد الحمقى في الحروب الفتاكة، والمعتقلات، لكني بلعت صوتي احترازا مما لا تحمد عقباه، وتجاهلت الأمر…. روزا حبيبتي اشتقت إليك، هاأنذا سأعود محملا بسلة من النقانق التي تحبينها، سنسهر معا لليلة أخرى، مثل وحيدين في هذا الكون، لا تخافي روزا، لن أستمع لما يقولونه عنك ،أعرف أن صيدلانية الحي تكرهك لدرجة أنها نصحتني بطردك بسبب شعرك المتساقط ، نادل المقهى أوصاني بأن أتخلى عنك لفائدة بقال بجانبه ، تسكن مع بضائعه فئران كثيرة ، ناصحا إياي بأن البيت الذي فيه قطط لا تدخله الملائكة، أنا الآن أكثر تشبثا بك من أي وقت مضى، إن فعلت ما يقوله الآخرون عنك، فكأنما أخون الطعام والملح الذي تشاركناه، كأنما أخون هذه الأخوة الصادقة ، كأنما أخون روزا الثائرة، وأنا لا أطيق أن أوضع في منطقة الشبهات.