ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنشر جريدة " تطوان نيوز" خلال شهر يناير وفبراير 2015 رواية " ناتاليا" للكاتب الصحافي يوسف خليل السباعي
نشر في تطوان نيوز يوم 17 - 01 - 2015


الليلة الثانية: حكاية ناتاليا
بعد تناولي لأكلة سمكية شهية في مطعم" لا خودريا" خرجت على عجل، كان القمر بدرا مكتملا في السماء، وإسبان يتناولون طعام العشاء في مطعم جانبي بالخارج. لم ألتفت إلى أي شيء، شيء واحد كان يدور في رأسي هو معرفة حكاية ناتاليا. دلفت إلى سيارة أجرة كبيرة بيضاء ذات خطوط زرقاء رقيقة جدا، ما أن نطقت إسم النادي حتى انطلقت السيارة. وعلى الرغم من كوني لم أتحدث مع يحيى في أمر السهر في النادي الليلي الإشبيلي، إلا أنني كنت متيقنا أن رفاقي سيلحقون بي، وأنهم لن يتركوني، لكن صوتا باطنيا كان يدعوني إلى الإسراع لملاقاة ناتاليا، التي كنت أتصور أنها تنتظرني بعدما وعدتها بالمجيء في الغد. أذكر أنها قالت بأدب بالغ ظهر عليها فجأة، وبإسبانية رقيقة:
- أسطا مانيانا
- غدا ليلا عزيزتي
وقبلتها في شفتيها اللذيذتين كمذاق العسل. كانت إيليا تنظر إلينا بشكل جنوني، تكاد تفترسني بعينيها اللذين ستأكلهما الديدان. لكنني لم أكن أعيرها اهتماما، كانت إيليا قد خرجت توا من معترك حيواني، فأنا أعرف عبد القادر لن يرحمها لأنه متعود على ممارسة الجنس بطريقة بهيمية أو حمارية كما يقول، وما أن ينطقها حتى يكاد الجميع يستلقون على قفاهم من الضحك. تابعتني إيليا بنظراتها الزائغة، المتلهفة، كما لوأنها لم تشبع، وتريد المزيد من الوطء، أشحت بوجهي عنها، ووعدت ناتاليا بالعودة إلى النادي غدا.
وقفت سيارة الأجرة بالقرب من النادي، تكررت نفس الحركات…الدفع… ثم الدخول، لم أهتم بالجثة الصلعاء الجالسة على الهواء، ولا بالحارس الأسود الإفريقي المفتول العضلات والصامت كالصنم، ماكان يهمني بالدرجة الأولى هو رؤية ناتاليا حبيبتي، التي لا أعرف حقيقة إن كنت أحببتها بصدق، أم أنها فقط الرغبة الجنسية التي كانت أقوى مني، وهل يمكن أن يحب الواحد منا عاهرة شقراء حسناء وهو يدرك أنه سيعود يوما إلا مسقط رأسه، ولن تبق هناك سوى الذكريات. لا أعرف لماذا تذكرت يومها حبيبتي إيمان، كما أنني لا أعرف لماذا تذكرت بيتنا القديم في أصيلة، البيت الذي قضيت فيه سنوات جميلة لن تنسى، وتعرفت على بلبل، حيث كنا نقضي أوقاتا ممتعة في المجامعة داخل أقسام الدراسة التي كنا نجري في فضاءاتها ونضحك، ونحب بعضنا البعض كعصافير. لا أدري لماذا كلما وضعت قدمي على باب النادي تذكرت كل هذه الأشياء.
كنت قد شربت ليلتها كثيرا في مطعم " لا خودريا "، الأمر الذي زاد من اشتياقي إلى ناتاليا، التي ما أن لمحتني حتى ارتمت علي بجنون، وشرعت تقبلني بقوة، لم أتمالك نفسي، فأعطيتها ماكنت أملك من نقود، هي التي كانت في حوزتي آنذاك، وفي طرفة عين كنا في الغرفة، طبعا، صعدنا الدرج، عرجنا على الشابة المكسيكية التي قبضت بلهفة النقود و حسبتها لتتأكد من أنها مكتملة. أحببت قبل وطء ناتاليا أن نتحدث قليلا، لكنها رفضت، وبدأت رقصة الجسدين، رقصة ممتعة وأبدية، ولم تنتهي إلا بعد شهيق وزفير، أدركت ناتاليا أنني أحببتها منذ النظرة الأولى، تلك طريقتها في معرفة أصناف الرجال وما يخبئونه تحت ضلوعهم، فقامت بإطفاء النور وترك نور أحمر يغلف فضاء الغرفة لتتلذذ وتستمتع بكل قواها بهذا الماروكي الذي بعثه لها البحر، تركتها على راحتها حتى أكملت سيمفونية العزف على أوتار جسدي برمته، ولم تترك تفصيلة أو جزءا لم تلمسه، كأنها تريد شم رائحة المغرب، والحق أنني أحسست كمغربي بالفخر، كون ناتاليا وشبيهاتها يحببن المغاربة، رغم تلك الرغبة القصيرة جدا، ولكن لا يمكن أن يهرب عن البال أن النقود كانت هي المفتاح لاقتحام جسد ناتاليا التي لم أعرف كيف وصلت إلى النادي، والتي لم تكشف عن حكايتها إلا بصعوبة وبعدما وعدتها ألا أحكي الأمر لأي أحد.
قالت ناتاليا:
– " كنت أعيش مع أسرتي في بوخارست في سعادة، وكان كل شيء متوفر لنا، ولم يكن والدي يتردد في تلبية كل رغباتنا، وحاجيات المنزل، إلى أن فوجئنا ذات يوم بطرده من العمل داخل شركة للماء والكهرباء التي كان يعمل بها، حيث اتهمه مدير الشركة باختلاس أموال، وهو الأمر الذي جعل والدي يتدهور صحيا ولم يصدق المؤامرة التي حيكت خيوطها بذكاء من طرف مدير الشركة وبعض أعوانه للتخلص منه، لأنه كان نظيف اليد، وهكذا أفلس والدي، وأكلنا كل ما نملك، وحتى النقود التي كانت في البنك اكتملت، وأصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش لمدة طويلة إلى أن فارق الحياة، وتبعته والدتي التي قهرها الزمن وعانينا من الفقر، كنت أنا وحيدتهما ولي صديقة إسمها ناديا، هي التي عرفتني على ترايان الذي أوصلني إلى هذا الجحيم، أقصد النادي…"
قاطعتها قائلا:
-كيف ذلك ناتاليا؟
-إنه ثعلب.
-من؟
-ترايان.
-ماذا فعل بك؟
-باعني وقبض الثمن الضخم. باع لحمي للكلاب…
وفي هذه الأثناء، امتلأت جفون ناتاليا بالدموع، وتوقفت عن الكلام.
حزنت لكلام ناتاليا.
لم أعرف كيف أجفف دمعها الذي ملأ كيم الغرفة.
هل أحببتها؟
لا أدري.
إنه من الصعب الإجابة الآن عن هذا السؤال.
بعد برهة،تابعت ناتاليا قائلة:
- " ترايان أغراني. قال لي: إنني سأعثر عند وصولي إلى إشبيلية على عمل محترم. لكنني عندما وصلت… وجدت نفسي في شدق الذئب ( بيدرو)، الذي كان يدير ناديا ليليا، محتجزة مع بنات مغربيات، سوريات، برازيليات، رومانيات وروسيات وأوكرانيات وغيرهن في حبس، بيت واسع، لكنه قذر."…
- أجبروك عزيزتي على ممارسة الدعارة بالقوة.
- رغم رفضي، إلا أنهم لم يبالوا وعذبوني، ثم حبسوني في حجرة بمفردي مع الفئران.
- ياللقسوة…
- وأكثر من ذلك، كانوا يغتصبونني كل ليلة، ولم أسلم حتى من ذلك الحارس الأسود المفتول العضلات الذي كان يتلذذ بتعذيبي كل ليلة. كما تركوني جوعانة أسبوعا كاملا حتى كدت أموت، وياليتني مت.
لم أعد راغبا في سماع المزيد من هذه الحكاية. وقلت لنفسي: لدي اليقين الآن أن المغربيات أنفسهن لم يسلمن من هذه المعاملة القاسية. ولعنت الزمن، والحارس الأسود المفتول العضلات والجثة الصلعاء، والثعلب ترايان، وناديا، وماكينة الأرباح، وعبد القادر الذي ظهر فجأة أمامي وهو يحمل في يده اليمنى قارورة هنيكين، فيما يمسك مؤخرة إيليا بيده اليسرى. كنت قد نزلت من الغرفة، تاركا ناتاليا وحيدة، لم أكن راغبا في سماع حكايتها المؤلمة. هل أحببتها فعلا؟لا أدري.
في هذه الأثناء دخل يحيى ونوفل و مروان، راح نوفل ناحية ماكينة الأرباح كما يحلو له أن يسميها ، فيما هو الخاسر، لكنه يدعي دوما أنه ربح، وأن جيوبه مترعة بالنقود، التي يخفيها ولا يظهرها البتة. وشرع في اللعب دون أن يعير اهتماما لرهط الحوريات المترنحات ذوات النهود العامرة، الجالسات على الكراسي كما لوكن يعزفن داخل أوركسترا. وتوجه مروان ناحية شابة حسناء من أوكرانيا، تبادلا التحية، تضاحكا، أدركت توا أنهما تفاهما، وفي رمشة عين صعدا الدرج، عرجا على الشابة المكسيكية، ثم دلفا إلى الغرفة.
ظل يحيى وحيدا. لايريد معاشرة أي واحدة، يحيى لا يحب سوى المغربيات، وماذا لو لم تكن هناك مغربية في هذا النادي، وحتى إن كانت فإنها ستخفي هويتها، مع العلم أنني أعرف أنها موجودة. قالت لي ناتاليا: إن الطلب على المغربيات كثير وكبير، فأجسادهن شهية جدا، والأجنبي يعشق معاشرتهن كما تحبون أنتم الرجال المغاربة معاشرتنا. توجه يحيى صوب مغربية تتخفى بالتكلم بالإسبانية، لكنه سرعان ما جعلها تعترف بكونها مغربية، كنت أتابع تبادل الحديث بين الطرفين دون أن أفهم ما يتحدثان به، لكن يبدو أن المغربية تفاهمت مع يحيى الذي لم يرغب في معاشرتها، قلت له:
- ما اسمها؟
- جهينة
- إسم جميل. ربما تكون تكذب
- هذا شأنها.
- قد يكون اسمها خديجة. لا يهمني الإسم، كل ما يهمني كيف وصلت إلى هنا، وهل هناك ترايان مغربي هو الذي جلبها إلى هنا بإغرائها والكذب عليها لتلفى نفسها وسط الجحيم مثلها مثل ناتاليا؟.
- بالتأكيد.
- ألا تعرف أن مافيا تهريب اللحم الأبيض موجودة في كل مكان.
- أعرف…..
تحركت داخل النادي، كنت راغبا في الشراب. طلبت من البارمان أن يحضر لي قارورة هنيكين، جلبها لي بسرعة البرق، فتحتها بلهفة وشربت، أحسست كأن جوفي انتعش لحظتها بعدما جف حلقي، وتذكرت حكاية ناتاليا، وحزنت مرة أخرى، اتخذت لي زاوية بعيدة عن الضوضاء التي كانت تملأ النادي، تعجبت لذلك الإسباني الشبيه بالنسناس الذي يحسب نفسه يرقص فيما هو يتنطط، ويثب، وضحكت، جعلني هذا الغبي أضحك، وأنا الذي لم أعرف طعم الانشراح بعدما سمعت حكاية ناتاليا. نوفل ملتصق بالماكينة…مروان أتم مهمته، بينما يحيى واقف يتأمل جهينة دون أن يحاول الاقتراب منها، لعلها تذكره بأشياء لا يرغب في البوح بها.
نزلت ناتاليا من غرفتها. كانت ترتدي فستانا أسودا، استغربت لكونها لا تكشف عن جسدها مثل الأخريات، وهذا ماراقني فيها. كان لابد لي آنذاك من أن أكشف لها عن حبي. هذا الحب الذي ولد في إشبيلية بشكل فجائي. حب ماروكي لشابة رومانية في الثلاثين من عمرها، لكنني لم أكن اعرف ماهو رد فعلها. وهل يمكن لي أن أحب عاهرة، أم أنني لحظتها كنت ضريرا، ولم أراها على حقيقتها؟. ألم يكن نورها هو الذي بهرني وجعلني أغرق في قيعان بحرها؟. هل أحببت ناتاليا أم رومانيا؟ كيف لي أن أحب رومانيا وأنا أسمع عنها فقط ولم أزرها يوما، لكن جسد ناتاليا زرته ليلتين وأعرف كل تضاريسه وقممه الشبيهة بقمة مولدوفينو ونهرها الزلال، الرائق، الشبيه بنهر الدانوب.
وأنا هائم أفكر في ناتاليا التي تقف أمامي، تكلم إسباني تارة وتتكلم مع زميلتها التي لم أحفظ إسمها بسهولة تارة أخرى، وأنطقه بصعوبة: راياناه، دخل صديقي ريكاردو أستاذ اللغة الفرنسية بمؤسسة بإشبيلية، ومن غير أن ينبس ببنت شفة، ناولني سيجارا، كنت في أمس الحاجة إليه، وبدأت أدخن بنشوة، قال ريكاردو بابتسام:
- أدعوك لتناول العشاء غدا في بيتي، زوجتي ستسعد كثيرا برؤيتك.
- شكرا..
- تعرف أن بيتي وقلبي مفتوح لك في أي وقت.
- أعرف قلبك الكبير.
قبلت دعوة ريكاردو على العشاء. وراقتني الفكرة لكوني كائن ليلي، فأنا أعشق الليل حد الوله.
خرجت من النادي بعدما ودعت ناتاليا وريكاردو، وتركت نوفل مع ماكينته، علمت من يحيي أنه خسر 200 أورو في ليلة واحدة، ومع ذلك لم يتوقف عن اللعب، كما أني أعرف أنه سيقول لي إنه ربح ضعف ذلك المبلغ المالي، وسأحاول أن أتظاهر بتصديقي له حتى لا يغضب فطبيعته الطفولية تجعلني في كثير من الأحيان أشفق عليه.
لم أكثرت لعبد القادر وإيليا الملتصقين كخنزيرين، ولم أر أثرا لمروان، الذي لحست عقله العاهرة الأوكرانية.
وأنا أمتطي سيارة الأجرة الكبيرة البيضاء ذات الخطوط الزرقاء الرقيقة جدا التي خرمت الطريق، تذكرت جود ريكاردو الذي لم يعد يتحلى به أشخاص كثيرون في زماننا و في إشبيلية، فالمغربي هناك لا يحب أن يستقبل أي زائر للمدينة حتى لا ينفضح أمره ويكشف أمره كيف يعيش هناك، وهذا في واقع الأمر شيء لا يهمني بتاتا، ولكن وسواس الشيطان يثب في رؤوس لم تنضج بعد.
وبصوت عال، صحت في جوف الليل بعد أن خرجت من السيارة متوجها إلى الفندق الكبير، وأنا أرنو ببصري إلى الجهة الأخرى من الشارع حيث كانت فتاة وحيدة تسير ببطء كالسلحفاة:
- " انتظرني ياصديقي ريكاردو، فأنا قادم إليك في الموعد المحدد غدا…"
كان الظلام. وكان الصمت يخيم على الفندق الكبير.
صعدت إلى غرفتي رقم 701، ونمت بثيابي فوق السرير.
الفصل الثاني
الليلة الثانية: حكاية ناتاليا
بعد تناولي لأكلة سمكية شهية في مطعم" لا خودريا" خرجت على عجل، كان القمر بدرا مكتملا في السماء، وإسبان يتناولون طعام العشاء في مطعم جانبي بالخارج. لم ألتفت إلى أي شيء، شيء واحد كان يدور في رأسي هو معرفة حكاية ناتاليا. دلفت إلى سيارة أجرة كبيرة بيضاء ذات خطوط زرقاء رقيقة جدا، ما أن نطقت إسم النادي حتى انطلقت السيارة. وعلى الرغم من كوني لم أتحدث مع يحيى في أمر السهر في النادي الليلي الإشبيلي، إلا أنني كنت متيقنا أن رفاقي سيلحقون بي، وأنهم لن يتركوني، لكن صوتا باطنيا كان يدعوني إلى الإسراع لملاقاة ناتاليا، التي كنت أتصور أنها تنتظرني بعدما وعدتها بالمجيء في الغد. أذكر أنها قالت بأدب بالغ ظهر عليها فجأة، وبإسبانية رقيقة:
- أسطا مانيانا
- غدا ليلا عزيزتي
وقبلتها في شفتيها اللذيذتين كمذاق العسل. كانت إيليا تنظر إلينا بشكل جنوني، تكاد تفترسني بعينيها اللذين ستأكلهما الديدان. لكنني لم أكن أعيرها اهتماما، كانت إيليا قد خرجت توا من معترك حيواني، فأنا أعرف عبد القادر لن يرحمها لأنه متعود على ممارسة الجنس بطريقة بهيمية أو حمارية كما يقول، وما أن ينطقها حتى يكاد الجميع يستلقون على قفاهم من الضحك. تابعتني إيليا بنظراتها الزائغة، المتلهفة، كما لوأنها لم تشبع، وتريد المزيد من الوطء، أشحت بوجهي عنها، ووعدت ناتاليا بالعودة إلى النادي غدا.
وقفت سيارة الأجرة بالقرب من النادي، تكررت نفس الحركات…الدفع… ثم الدخول، لم أهتم بالجثة الصلعاء الجالسة على الهواء، ولا بالحارس الأسود الإفريقي المفتول العضلات والصامت كالصنم، ماكان يهمني بالدرجة الأولى هو رؤية ناتاليا حبيبتي، التي لا أعرف حقيقة إن كنت أحببتها بصدق، أم أنها فقط الرغبة الجنسية التي كانت أقوى مني، وهل يمكن أن يحب الواحد منا عاهرة شقراء حسناء وهو يدرك أنه سيعود يوما إلا مسقط رأسه، ولن تبق هناك سوى الذكريات. لا أعرف لماذا تذكرت يومها حبيبتي إيمان، كما أنني لا أعرف لماذا تذكرت بيتنا القديم في أصيلة، البيت الذي قضيت فيه سنوات جميلة لن تنسى، وتعرفت على بلبل، حيث كنا نقضي أوقاتا ممتعة في المجامعة داخل أقسام الدراسة التي كنا نجري في فضاءاتها ونضحك، ونحب بعضنا البعض كعصافير. لا أدري لماذا كلما وضعت قدمي على باب النادي تذكرت كل هذه الأشياء.
كنت قد شربت ليلتها كثيرا في مطعم " لا خودريا "، الأمر الذي زاد من اشتياقي إلى ناتاليا، التي ما أن لمحتني حتى ارتمت علي بجنون، وشرعت تقبلني بقوة، لم أتمالك نفسي، فأعطيتها ماكنت أملك من نقود، هي التي كانت في حوزتي آنذاك، وفي طرفة عين كنا في الغرفة، طبعا، صعدنا الدرج، عرجنا على الشابة المكسيكية التي قبضت بلهفة النقود و حسبتها لتتأكد من أنها مكتملة. أحببت قبل وطء ناتاليا أن نتحدث قليلا، لكنها رفضت، وبدأت رقصة الجسدين، رقصة ممتعة وأبدية، ولم تنتهي إلا بعد شهيق وزفير، أدركت ناتاليا أنني أحببتها منذ النظرة الأولى، تلك طريقتها في معرفة أصناف الرجال وما يخبئونه تحت ضلوعهم، فقامت بإطفاء النور وترك نور أحمر يغلف فضاء الغرفة لتتلذذ وتستمتع بكل قواها بهذا الماروكي الذي بعثه لها البحر، تركتها على راحتها حتى أكملت سيمفونية العزف على أوتار جسدي برمته، ولم تترك تفصيلة أو جزءا لم تلمسه، كأنها تريد شم رائحة المغرب، والحق أنني أحسست كمغربي بالفخر، كون ناتاليا وشبيهاتها يحببن المغاربة، رغم تلك الرغبة القصيرة جدا، ولكن لا يمكن أن يهرب عن البال أن النقود كانت هي المفتاح لاقتحام جسد ناتاليا التي لم أعرف كيف وصلت إلى النادي، والتي لم تكشف عن حكايتها إلا بصعوبة وبعدما وعدتها ألا أحكي الأمر لأي أحد.
قالت ناتاليا:
– " كنت أعيش مع أسرتي في بوخارست في سعادة، وكان كل شيء متوفر لنا، ولم يكن والدي يتردد في تلبية كل رغباتنا، وحاجيات المنزل، إلى أن فوجئنا ذات يوم بطرده من العمل داخل شركة للماء والكهرباء التي كان يعمل بها، حيث اتهمه مدير الشركة باختلاس أموال، وهو الأمر الذي جعل والدي يتدهور صحيا ولم يصدق المؤامرة التي حيكت خيوطها بذكاء من طرف مدير الشركة وبعض أعوانه للتخلص منه، لأنه كان نظيف اليد، وهكذا أفلس والدي، وأكلنا كل ما نملك، وحتى النقود التي كانت في البنك اكتملت، وأصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش لمدة طويلة إلى أن فارق الحياة، وتبعته والدتي التي قهرها الزمن وعانينا من الفقر، كنت أنا وحيدتهما ولي صديقة إسمها ناديا، هي التي عرفتني على ترايان الذي أوصلني إلى هذا الجحيم، أقصد النادي…"
قاطعتها قائلا:
-كيف ذلك ناتاليا؟
-إنه ثعلب.
-من؟
-ترايان.
-ماذا فعل بك؟
-باعني وقبض الثمن الضخم. باع لحمي للكلاب…
وفي هذه الأثناء، امتلأت جفون ناتاليا بالدموع، وتوقفت عن الكلام.
حزنت لكلام ناتاليا.
لم أعرف كيف أجفف دمعها الذي ملأ كيم الغرفة.
هل أحببتها؟
لا أدري.
إنه من الصعب الإجابة الآن عن هذا السؤال.
بعد برهة،تابعت ناتاليا قائلة:
- " ترايان أغراني. قال لي: إنني سأعثر عند وصولي إلى إشبيلية على عمل محترم. لكنني عندما وصلت… وجدت نفسي في شدق الذئب ( بيدرو)، الذي كان يدير ناديا ليليا، محتجزة مع بنات مغربيات، سوريات، برازيليات، رومانيات وروسيات وأوكرانيات وغيرهن في حبس، بيت واسع، لكنه قذر."…
- أجبروك عزيزتي على ممارسة الدعارة بالقوة.
- رغم رفضي، إلا أنهم لم يبالوا وعذبوني، ثم حبسوني في حجرة بمفردي مع الفئران.
- ياللقسوة…
- وأكثر من ذلك، كانوا يغتصبونني كل ليلة، ولم أسلم حتى من ذلك الحارس الأسود المفتول العضلات الذي كان يتلذذ بتعذيبي كل ليلة. كما تركوني جوعانة أسبوعا كاملا حتى كدت أموت، وياليتني مت.
لم أعد راغبا في سماع المزيد من هذه الحكاية. وقلت لنفسي: لدي اليقين الآن أن المغربيات أنفسهن لم يسلمن من هذه المعاملة القاسية. ولعنت الزمن، والحارس الأسود المفتول العضلات والجثة الصلعاء، والثعلب ترايان، وناديا، وماكينة الأرباح، وعبد القادر الذي ظهر فجأة أمامي وهو يحمل في يده اليمنى قارورة هنيكين، فيما يمسك مؤخرة إيليا بيده اليسرى. كنت قد نزلت من الغرفة، تاركا ناتاليا وحيدة، لم أكن راغبا في سماع حكايتها المؤلمة. هل أحببتها فعلا؟لا أدري.
في هذه الأثناء دخل يحيى ونوفل و مروان، راح نوفل ناحية ماكينة الأرباح كما يحلو له أن يسميها ، فيما هو الخاسر، لكنه يدعي دوما أنه ربح، وأن جيوبه مترعة بالنقود، التي يخفيها ولا يظهرها البتة. وشرع في اللعب دون أن يعير اهتماما لرهط الحوريات المترنحات ذوات النهود العامرة، الجالسات على الكراسي كما لوكن يعزفن داخل أوركسترا. وتوجه مروان ناحية شابة حسناء من أوكرانيا، تبادلا التحية، تضاحكا، أدركت توا أنهما تفاهما، وفي رمشة عين صعدا الدرج، عرجا على الشابة المكسيكية، ثم دلفا إلى الغرفة.
ظل يحيى وحيدا. لايريد معاشرة أي واحدة، يحيى لا يحب سوى المغربيات، وماذا لو لم تكن هناك مغربية في هذا النادي، وحتى إن كانت فإنها ستخفي هويتها، مع العلم أنني أعرف أنها موجودة. قالت لي ناتاليا: إن الطلب على المغربيات كثير وكبير، فأجسادهن شهية جدا، والأجنبي يعشق معاشرتهن كما تحبون أنتم الرجال المغاربة معاشرتنا. توجه يحيى صوب مغربية تتخفى بالتكلم بالإسبانية، لكنه سرعان ما جعلها تعترف بكونها مغربية، كنت أتابع تبادل الحديث بين الطرفين دون أن أفهم ما يتحدثان به، لكن يبدو أن المغربية تفاهمت مع يحيى الذي لم يرغب في معاشرتها، قلت له:
- ما اسمها؟
- جهينة
- إسم جميل. ربما تكون تكذب
- هذا شأنها.
- قد يكون اسمها خديجة. لا يهمني الإسم، كل ما يهمني كيف وصلت إلى هنا، وهل هناك ترايان مغربي هو الذي جلبها إلى هنا بإغرائها والكذب عليها لتلفى نفسها وسط الجحيم مثلها مثل ناتاليا؟.
- بالتأكيد.
- ألا تعرف أن مافيا تهريب اللحم الأبيض موجودة في كل مكان.
- أعرف…..
تحركت داخل النادي، كنت راغبا في الشراب. طلبت من البارمان أن يحضر لي قارورة هنيكين، جلبها لي بسرعة البرق، فتحتها بلهفة وشربت، أحسست كأن جوفي انتعش لحظتها بعدما جف حلقي، وتذكرت حكاية ناتاليا، وحزنت مرة أخرى، اتخذت لي زاوية بعيدة عن الضوضاء التي كانت تملأ النادي، تعجبت لذلك الإسباني الشبيه بالنسناس الذي يحسب نفسه يرقص فيما هو يتنطط، ويثب، وضحكت، جعلني هذا الغبي أضحك، وأنا الذي لم أعرف طعم الانشراح بعدما سمعت حكاية ناتاليا. نوفل ملتصق بالماكينة…مروان أتم مهمته، بينما يحيى واقف يتأمل جهينة دون أن يحاول الاقتراب منها، لعلها تذكره بأشياء لا يرغب في البوح بها.
نزلت ناتاليا من غرفتها. كانت ترتدي فستانا أسودا، استغربت لكونها لا تكشف عن جسدها مثل الأخريات، وهذا ماراقني فيها. كان لابد لي آنذاك من أن أكشف لها عن حبي. هذا الحب الذي ولد في إشبيلية بشكل فجائي. حب ماروكي لشابة رومانية في الثلاثين من عمرها، لكنني لم أكن اعرف ماهو رد فعلها. وهل يمكن لي أن أحب عاهرة، أم أنني لحظتها كنت ضريرا، ولم أراها على حقيقتها؟. ألم يكن نورها هو الذي بهرني وجعلني أغرق في قيعان بحرها؟. هل أحببت ناتاليا أم رومانيا؟ كيف لي أن أحب رومانيا وأنا أسمع عنها فقط ولم أزرها يوما، لكن جسد ناتاليا زرته ليلتين وأعرف كل تضاريسه وقممه الشبيهة بقمة مولدوفينو ونهرها الزلال، الرائق، الشبيه بنهر الدانوب.
وأنا هائم أفكر في ناتاليا التي تقف أمامي، تكلم إسباني تارة وتتكلم مع زميلتها التي لم أحفظ إسمها بسهولة تارة أخرى، وأنطقه بصعوبة: راياناه، دخل صديقي ريكاردو أستاذ اللغة الفرنسية بمؤسسة بإشبيلية، ومن غير أن ينبس ببنت شفة، ناولني سيجارا، كنت في أمس الحاجة إليه، وبدأت أدخن بنشوة، قال ريكاردو بابتسام:
- أدعوك لتناول العشاء غدا في بيتي، زوجتي ستسعد كثيرا برؤيتك.
- شكرا..
- تعرف أن بيتي وقلبي مفتوح لك في أي وقت.
- أعرف قلبك الكبير.
قبلت دعوة ريكاردو على العشاء. وراقتني الفكرة لكوني كائن ليلي، فأنا أعشق الليل حد الوله.
خرجت من النادي بعدما ودعت ناتاليا وريكاردو، وتركت نوفل مع ماكينته، علمت من يحيي أنه خسر 200 أورو في ليلة واحدة، ومع ذلك لم يتوقف عن اللعب، كما أني أعرف أنه سيقول لي إنه ربح ضعف ذلك المبلغ المالي، وسأحاول أن أتظاهر بتصديقي له حتى لا يغضب فطبيعته الطفولية تجعلني في كثير من الأحيان أشفق عليه.
لم أكثرت لعبد القادر وإيليا الملتصقين كخنزيرين، ولم أر أثرا لمروان، الذي لحست عقله العاهرة الأوكرانية.
وأنا أمتطي سيارة الأجرة الكبيرة البيضاء ذات الخطوط الزرقاء الرقيقة جدا التي خرمت الطريق، تذكرت جود ريكاردو الذي لم يعد يتحلى به أشخاص كثيرون في زماننا و في إشبيلية، فالمغربي هناك لا يحب أن يستقبل أي زائر للمدينة حتى لا ينفضح أمره ويكشف أمره كيف يعيش هناك، وهذا في واقع الأمر شيء لا يهمني بتاتا، ولكن وسواس الشيطان يثب في رؤوس لم تنضج بعد.
وبصوت عال، صحت في جوف الليل بعد أن خرجت من السيارة متوجها إلى الفندق الكبير، وأنا أرنو ببصري إلى الجهة الأخرى من الشارع حيث كانت فتاة وحيدة تسير ببطء كالسلحفاة:
- " انتظرني ياصديقي ريكاردو، فأنا قادم إليك في الموعد المحدد غدا…"
كان الظلام. وكان الصمت يخيم على الفندق الكبير.
صعدت إلى غرفتي رقم 701، ونمت بثيابي فوق السرير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.