الليلة الثانية: حكاية ناتاليا بعد تناولي لأكلة سمكية شهية في مطعم" لا خودريا" خرجت على عجل، كان القمر بدرا مكتملا في السماء، وإسبان يتناولون طعام العشاء في مطعم جانبي بالخارج. لم ألتفت إلى أي شيء، شيء واحد كان يدور في رأسي هو معرفة حكاية ناتاليا. دلفت إلى سيارة أجرة كبيرة بيضاء ذات خطوط زرقاء رقيقة جدا، ما أن نطقت إسم النادي حتى انطلقت السيارة. وعلى الرغم من كوني لم أتحدث مع يحيى في أمر السهر في النادي الليلي الإشبيلي، إلا أنني كنت متيقنا أن رفاقي سيلحقون بي، وأنهم لن يتركوني، لكن صوتا باطنيا كان يدعوني إلى الإسراع لملاقاة ناتاليا، التي كنت أتصور أنها تنتظرني بعدما وعدتها بالمجيء في الغد. أذكر أنها قالت بأدب بالغ ظهر عليها فجأة، وبإسبانية رقيقة: - أسطا مانيانا - غدا ليلا عزيزتي وقبلتها في شفتيها اللذيذتين كمذاق العسل. كانت إيليا تنظر إلينا بشكل جنوني، تكاد تفترسني بعينيها اللذين ستأكلهما الديدان. لكنني لم أكن أعيرها اهتماما، كانت إيليا قد خرجت توا من معترك حيواني، فأنا أعرف عبد القادر لن يرحمها لأنه متعود على ممارسة الجنس بطريقة بهيمية أو حمارية كما يقول، وما أن ينطقها حتى يكاد الجميع يستلقون على قفاهم من الضحك. تابعتني إيليا بنظراتها الزائغة، المتلهفة، كما لوأنها لم تشبع، وتريد المزيد من الوطء، أشحت بوجهي عنها، ووعدت ناتاليا بالعودة إلى النادي غدا. وقفت سيارة الأجرة بالقرب من النادي، تكررت نفس الحركات…الدفع… ثم الدخول، لم أهتم بالجثة الصلعاء الجالسة على الهواء، ولا بالحارس الأسود الإفريقي المفتول العضلات والصامت كالصنم، ماكان يهمني بالدرجة الأولى هو رؤية ناتاليا حبيبتي، التي لا أعرف حقيقة إن كنت أحببتها بصدق، أم أنها فقط الرغبة الجنسية التي كانت أقوى مني، وهل يمكن أن يحب الواحد منا عاهرة شقراء حسناء وهو يدرك أنه سيعود يوما إلا مسقط رأسه، ولن تبق هناك سوى الذكريات. لا أعرف لماذا تذكرت يومها حبيبتي إيمان، كما أنني لا أعرف لماذا تذكرت بيتنا القديم في أصيلة، البيت الذي قضيت فيه سنوات جميلة لن تنسى، وتعرفت على بلبل، حيث كنا نقضي أوقاتا ممتعة في المجامعة داخل أقسام الدراسة التي كنا نجري في فضاءاتها ونضحك، ونحب بعضنا البعض كعصافير. لا أدري لماذا كلما وضعت قدمي على باب النادي تذكرت كل هذه الأشياء. كنت قد شربت ليلتها كثيرا في مطعم " لا خودريا "، الأمر الذي زاد من اشتياقي إلى ناتاليا، التي ما أن لمحتني حتى ارتمت علي بجنون، وشرعت تقبلني بقوة، لم أتمالك نفسي، فأعطيتها ماكنت أملك من نقود، هي التي كانت في حوزتي آنذاك، وفي طرفة عين كنا في الغرفة، طبعا، صعدنا الدرج، عرجنا على الشابة المكسيكية التي قبضت بلهفة النقود و حسبتها لتتأكد من أنها مكتملة. أحببت قبل وطء ناتاليا أن نتحدث قليلا، لكنها رفضت، وبدأت رقصة الجسدين، رقصة ممتعة وأبدية، ولم تنتهي إلا بعد شهيق وزفير، أدركت ناتاليا أنني أحببتها منذ النظرة الأولى، تلك طريقتها في معرفة أصناف الرجال وما يخبئونه تحت ضلوعهم، فقامت بإطفاء النور وترك نور أحمر يغلف فضاء الغرفة لتتلذذ وتستمتع بكل قواها بهذا الماروكي الذي بعثه لها البحر، تركتها على راحتها حتى أكملت سيمفونية العزف على أوتار جسدي برمته، ولم تترك تفصيلة أو جزءا لم تلمسه، كأنها تريد شم رائحة المغرب، والحق أنني أحسست كمغربي بالفخر، كون ناتاليا وشبيهاتها يحببن المغاربة، رغم تلك الرغبة القصيرة جدا، ولكن لا يمكن أن يهرب عن البال أن النقود كانت هي المفتاح لاقتحام جسد ناتاليا التي لم أعرف كيف وصلت إلى النادي، والتي لم تكشف عن حكايتها إلا بصعوبة وبعدما وعدتها ألا أحكي الأمر لأي أحد. قالت ناتاليا: – " كنت أعيش مع أسرتي في بوخارست في سعادة، وكان كل شيء متوفر لنا، ولم يكن والدي يتردد في تلبية كل رغباتنا، وحاجيات المنزل، إلى أن فوجئنا ذات يوم بطرده من العمل داخل شركة للماء والكهرباء التي كان يعمل بها، حيث اتهمه مدير الشركة باختلاس أموال، وهو الأمر الذي جعل والدي يتدهور صحيا ولم يصدق المؤامرة التي حيكت خيوطها بذكاء من طرف مدير الشركة وبعض أعوانه للتخلص منه، لأنه كان نظيف اليد، وهكذا أفلس والدي، وأكلنا كل ما نملك، وحتى النقود التي كانت في البنك اكتملت، وأصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش لمدة طويلة إلى أن فارق الحياة، وتبعته والدتي التي قهرها الزمن وعانينا من الفقر، كنت أنا وحيدتهما ولي صديقة إسمها ناديا، هي التي عرفتني على ترايان الذي أوصلني إلى هذا الجحيم، أقصد النادي…" قاطعتها قائلا: -كيف ذلك ناتاليا؟ -إنه ثعلب. -من؟ -ترايان. -ماذا فعل بك؟ -باعني وقبض الثمن الضخم. باع لحمي للكلاب… وفي هذه الأثناء، امتلأت جفون ناتاليا بالدموع، وتوقفت عن الكلام. حزنت لكلام ناتاليا. لم أعرف كيف أجفف دمعها الذي ملأ كيم الغرفة. هل أحببتها؟ لا أدري. إنه من الصعب الإجابة الآن عن هذا السؤال. بعد برهة،تابعت ناتاليا قائلة: - " ترايان أغراني. قال لي: إنني سأعثر عند وصولي إلى إشبيلية على عمل محترم. لكنني عندما وصلت… وجدت نفسي في شدق الذئب ( بيدرو)، الذي كان يدير ناديا ليليا، محتجزة مع بنات مغربيات، سوريات، برازيليات، رومانيات وروسيات وأوكرانيات وغيرهن في حبس، بيت واسع، لكنه قذر."… - أجبروك عزيزتي على ممارسة الدعارة بالقوة. - رغم رفضي، إلا أنهم لم يبالوا وعذبوني، ثم حبسوني في حجرة بمفردي مع الفئران. - ياللقسوة… - وأكثر من ذلك، كانوا يغتصبونني كل ليلة، ولم أسلم حتى من ذلك الحارس الأسود المفتول العضلات الذي كان يتلذذ بتعذيبي كل ليلة. كما تركوني جوعانة أسبوعا كاملا حتى كدت أموت، وياليتني مت. لم أعد راغبا في سماع المزيد من هذه الحكاية. وقلت لنفسي: لدي اليقين الآن أن المغربيات أنفسهن لم يسلمن من هذه المعاملة القاسية. ولعنت الزمن، والحارس الأسود المفتول العضلات والجثة الصلعاء، والثعلب ترايان، وناديا، وماكينة الأرباح، وعبد القادر الذي ظهر فجأة أمامي وهو يحمل في يده اليمنى قارورة هنيكين، فيما يمسك مؤخرة إيليا بيده اليسرى. كنت قد نزلت من الغرفة، تاركا ناتاليا وحيدة، لم أكن راغبا في سماع حكايتها المؤلمة. هل أحببتها فعلا؟لا أدري. في هذه الأثناء دخل يحيى ونوفل و مروان، راح نوفل ناحية ماكينة الأرباح كما يحلو له أن يسميها ، فيما هو الخاسر، لكنه يدعي دوما أنه ربح، وأن جيوبه مترعة بالنقود، التي يخفيها ولا يظهرها البتة. وشرع في اللعب دون أن يعير اهتماما لرهط الحوريات المترنحات ذوات النهود العامرة، الجالسات على الكراسي كما لوكن يعزفن داخل أوركسترا. وتوجه مروان ناحية شابة حسناء من أوكرانيا، تبادلا التحية، تضاحكا، أدركت توا أنهما تفاهما، وفي رمشة عين صعدا الدرج، عرجا على الشابة المكسيكية، ثم دلفا إلى الغرفة. ظل يحيى وحيدا. لايريد معاشرة أي واحدة، يحيى لا يحب سوى المغربيات، وماذا لو لم تكن هناك مغربية في هذا النادي، وحتى إن كانت فإنها ستخفي هويتها، مع العلم أنني أعرف أنها موجودة. قالت لي ناتاليا: إن الطلب على المغربيات كثير وكبير، فأجسادهن شهية جدا، والأجنبي يعشق معاشرتهن كما تحبون أنتم الرجال المغاربة معاشرتنا. توجه يحيى صوب مغربية تتخفى بالتكلم بالإسبانية، لكنه سرعان ما جعلها تعترف بكونها مغربية، كنت أتابع تبادل الحديث بين الطرفين دون أن أفهم ما يتحدثان به، لكن يبدو أن المغربية تفاهمت مع يحيى الذي لم يرغب في معاشرتها، قلت له: - ما اسمها؟ - جهينة - إسم جميل. ربما تكون تكذب - هذا شأنها. - قد يكون اسمها خديجة. لا يهمني الإسم، كل ما يهمني كيف وصلت إلى هنا، وهل هناك ترايان مغربي هو الذي جلبها إلى هنا بإغرائها والكذب عليها لتلفى نفسها وسط الجحيم مثلها مثل ناتاليا؟. - بالتأكيد. - ألا تعرف أن مافيا تهريب اللحم الأبيض موجودة في كل مكان. - أعرف….. تحركت داخل النادي، كنت راغبا في الشراب. طلبت من البارمان أن يحضر لي قارورة هنيكين، جلبها لي بسرعة البرق، فتحتها بلهفة وشربت، أحسست كأن جوفي انتعش لحظتها بعدما جف حلقي، وتذكرت حكاية ناتاليا، وحزنت مرة أخرى، اتخذت لي زاوية بعيدة عن الضوضاء التي كانت تملأ النادي، تعجبت لذلك الإسباني الشبيه بالنسناس الذي يحسب نفسه يرقص فيما هو يتنطط، ويثب، وضحكت، جعلني هذا الغبي أضحك، وأنا الذي لم أعرف طعم الانشراح بعدما سمعت حكاية ناتاليا. نوفل ملتصق بالماكينة…مروان أتم مهمته، بينما يحيى واقف يتأمل جهينة دون أن يحاول الاقتراب منها، لعلها تذكره بأشياء لا يرغب في البوح بها. نزلت ناتاليا من غرفتها. كانت ترتدي فستانا أسودا، استغربت لكونها لا تكشف عن جسدها مثل الأخريات، وهذا ماراقني فيها. كان لابد لي آنذاك من أن أكشف لها عن حبي. هذا الحب الذي ولد في إشبيلية بشكل فجائي. حب ماروكي لشابة رومانية في الثلاثين من عمرها، لكنني لم أكن اعرف ماهو رد فعلها. وهل يمكن لي أن أحب عاهرة، أم أنني لحظتها كنت ضريرا، ولم أراها على حقيقتها؟. ألم يكن نورها هو الذي بهرني وجعلني أغرق في قيعان بحرها؟. هل أحببت ناتاليا أم رومانيا؟ كيف لي أن أحب رومانيا وأنا أسمع عنها فقط ولم أزرها يوما، لكن جسد ناتاليا زرته ليلتين وأعرف كل تضاريسه وقممه الشبيهة بقمة مولدوفينو ونهرها الزلال، الرائق، الشبيه بنهر الدانوب. وأنا هائم أفكر في ناتاليا التي تقف أمامي، تكلم إسباني تارة وتتكلم مع زميلتها التي لم أحفظ إسمها بسهولة تارة أخرى، وأنطقه بصعوبة: راياناه، دخل صديقي ريكاردو أستاذ اللغة الفرنسية بمؤسسة بإشبيلية، ومن غير أن ينبس ببنت شفة، ناولني سيجارا، كنت في أمس الحاجة إليه، وبدأت أدخن بنشوة، قال ريكاردو بابتسام: - أدعوك لتناول العشاء غدا في بيتي، زوجتي ستسعد كثيرا برؤيتك. - شكرا.. - تعرف أن بيتي وقلبي مفتوح لك في أي وقت. - أعرف قلبك الكبير. قبلت دعوة ريكاردو على العشاء. وراقتني الفكرة لكوني كائن ليلي، فأنا أعشق الليل حد الوله. خرجت من النادي بعدما ودعت ناتاليا وريكاردو، وتركت نوفل مع ماكينته، علمت من يحيي أنه خسر 200 أورو في ليلة واحدة، ومع ذلك لم يتوقف عن اللعب، كما أني أعرف أنه سيقول لي إنه ربح ضعف ذلك المبلغ المالي، وسأحاول أن أتظاهر بتصديقي له حتى لا يغضب فطبيعته الطفولية تجعلني في كثير من الأحيان أشفق عليه. لم أكثرت لعبد القادر وإيليا الملتصقين كخنزيرين، ولم أر أثرا لمروان، الذي لحست عقله العاهرة الأوكرانية. وأنا أمتطي سيارة الأجرة الكبيرة البيضاء ذات الخطوط الزرقاء الرقيقة جدا التي خرمت الطريق، تذكرت جود ريكاردو الذي لم يعد يتحلى به أشخاص كثيرون في زماننا و في إشبيلية، فالمغربي هناك لا يحب أن يستقبل أي زائر للمدينة حتى لا ينفضح أمره ويكشف أمره كيف يعيش هناك، وهذا في واقع الأمر شيء لا يهمني بتاتا، ولكن وسواس الشيطان يثب في رؤوس لم تنضج بعد. وبصوت عال، صحت في جوف الليل بعد أن خرجت من السيارة متوجها إلى الفندق الكبير، وأنا أرنو ببصري إلى الجهة الأخرى من الشارع حيث كانت فتاة وحيدة تسير ببطء كالسلحفاة: - " انتظرني ياصديقي ريكاردو، فأنا قادم إليك في الموعد المحدد غدا…" كان الظلام. وكان الصمت يخيم على الفندق الكبير. صعدت إلى غرفتي رقم 701، ونمت بثيابي فوق السرير. الفصل الثاني الليلة الثانية: حكاية ناتاليا بعد تناولي لأكلة سمكية شهية في مطعم" لا خودريا" خرجت على عجل، كان القمر بدرا مكتملا في السماء، وإسبان يتناولون طعام العشاء في مطعم جانبي بالخارج. لم ألتفت إلى أي شيء، شيء واحد كان يدور في رأسي هو معرفة حكاية ناتاليا. دلفت إلى سيارة أجرة كبيرة بيضاء ذات خطوط زرقاء رقيقة جدا، ما أن نطقت إسم النادي حتى انطلقت السيارة. وعلى الرغم من كوني لم أتحدث مع يحيى في أمر السهر في النادي الليلي الإشبيلي، إلا أنني كنت متيقنا أن رفاقي سيلحقون بي، وأنهم لن يتركوني، لكن صوتا باطنيا كان يدعوني إلى الإسراع لملاقاة ناتاليا، التي كنت أتصور أنها تنتظرني بعدما وعدتها بالمجيء في الغد. أذكر أنها قالت بأدب بالغ ظهر عليها فجأة، وبإسبانية رقيقة: - أسطا مانيانا - غدا ليلا عزيزتي وقبلتها في شفتيها اللذيذتين كمذاق العسل. كانت إيليا تنظر إلينا بشكل جنوني، تكاد تفترسني بعينيها اللذين ستأكلهما الديدان. لكنني لم أكن أعيرها اهتماما، كانت إيليا قد خرجت توا من معترك حيواني، فأنا أعرف عبد القادر لن يرحمها لأنه متعود على ممارسة الجنس بطريقة بهيمية أو حمارية كما يقول، وما أن ينطقها حتى يكاد الجميع يستلقون على قفاهم من الضحك. تابعتني إيليا بنظراتها الزائغة، المتلهفة، كما لوأنها لم تشبع، وتريد المزيد من الوطء، أشحت بوجهي عنها، ووعدت ناتاليا بالعودة إلى النادي غدا. وقفت سيارة الأجرة بالقرب من النادي، تكررت نفس الحركات…الدفع… ثم الدخول، لم أهتم بالجثة الصلعاء الجالسة على الهواء، ولا بالحارس الأسود الإفريقي المفتول العضلات والصامت كالصنم، ماكان يهمني بالدرجة الأولى هو رؤية ناتاليا حبيبتي، التي لا أعرف حقيقة إن كنت أحببتها بصدق، أم أنها فقط الرغبة الجنسية التي كانت أقوى مني، وهل يمكن أن يحب الواحد منا عاهرة شقراء حسناء وهو يدرك أنه سيعود يوما إلا مسقط رأسه، ولن تبق هناك سوى الذكريات. لا أعرف لماذا تذكرت يومها حبيبتي إيمان، كما أنني لا أعرف لماذا تذكرت بيتنا القديم في أصيلة، البيت الذي قضيت فيه سنوات جميلة لن تنسى، وتعرفت على بلبل، حيث كنا نقضي أوقاتا ممتعة في المجامعة داخل أقسام الدراسة التي كنا نجري في فضاءاتها ونضحك، ونحب بعضنا البعض كعصافير. لا أدري لماذا كلما وضعت قدمي على باب النادي تذكرت كل هذه الأشياء. كنت قد شربت ليلتها كثيرا في مطعم " لا خودريا "، الأمر الذي زاد من اشتياقي إلى ناتاليا، التي ما أن لمحتني حتى ارتمت علي بجنون، وشرعت تقبلني بقوة، لم أتمالك نفسي، فأعطيتها ماكنت أملك من نقود، هي التي كانت في حوزتي آنذاك، وفي طرفة عين كنا في الغرفة، طبعا، صعدنا الدرج، عرجنا على الشابة المكسيكية التي قبضت بلهفة النقود و حسبتها لتتأكد من أنها مكتملة. أحببت قبل وطء ناتاليا أن نتحدث قليلا، لكنها رفضت، وبدأت رقصة الجسدين، رقصة ممتعة وأبدية، ولم تنتهي إلا بعد شهيق وزفير، أدركت ناتاليا أنني أحببتها منذ النظرة الأولى، تلك طريقتها في معرفة أصناف الرجال وما يخبئونه تحت ضلوعهم، فقامت بإطفاء النور وترك نور أحمر يغلف فضاء الغرفة لتتلذذ وتستمتع بكل قواها بهذا الماروكي الذي بعثه لها البحر، تركتها على راحتها حتى أكملت سيمفونية العزف على أوتار جسدي برمته، ولم تترك تفصيلة أو جزءا لم تلمسه، كأنها تريد شم رائحة المغرب، والحق أنني أحسست كمغربي بالفخر، كون ناتاليا وشبيهاتها يحببن المغاربة، رغم تلك الرغبة القصيرة جدا، ولكن لا يمكن أن يهرب عن البال أن النقود كانت هي المفتاح لاقتحام جسد ناتاليا التي لم أعرف كيف وصلت إلى النادي، والتي لم تكشف عن حكايتها إلا بصعوبة وبعدما وعدتها ألا أحكي الأمر لأي أحد. قالت ناتاليا: – " كنت أعيش مع أسرتي في بوخارست في سعادة، وكان كل شيء متوفر لنا، ولم يكن والدي يتردد في تلبية كل رغباتنا، وحاجيات المنزل، إلى أن فوجئنا ذات يوم بطرده من العمل داخل شركة للماء والكهرباء التي كان يعمل بها، حيث اتهمه مدير الشركة باختلاس أموال، وهو الأمر الذي جعل والدي يتدهور صحيا ولم يصدق المؤامرة التي حيكت خيوطها بذكاء من طرف مدير الشركة وبعض أعوانه للتخلص منه، لأنه كان نظيف اليد، وهكذا أفلس والدي، وأكلنا كل ما نملك، وحتى النقود التي كانت في البنك اكتملت، وأصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش لمدة طويلة إلى أن فارق الحياة، وتبعته والدتي التي قهرها الزمن وعانينا من الفقر، كنت أنا وحيدتهما ولي صديقة إسمها ناديا، هي التي عرفتني على ترايان الذي أوصلني إلى هذا الجحيم، أقصد النادي…" قاطعتها قائلا: -كيف ذلك ناتاليا؟ -إنه ثعلب. -من؟ -ترايان. -ماذا فعل بك؟ -باعني وقبض الثمن الضخم. باع لحمي للكلاب… وفي هذه الأثناء، امتلأت جفون ناتاليا بالدموع، وتوقفت عن الكلام. حزنت لكلام ناتاليا. لم أعرف كيف أجفف دمعها الذي ملأ كيم الغرفة. هل أحببتها؟ لا أدري. إنه من الصعب الإجابة الآن عن هذا السؤال. بعد برهة،تابعت ناتاليا قائلة: - " ترايان أغراني. قال لي: إنني سأعثر عند وصولي إلى إشبيلية على عمل محترم. لكنني عندما وصلت… وجدت نفسي في شدق الذئب ( بيدرو)، الذي كان يدير ناديا ليليا، محتجزة مع بنات مغربيات، سوريات، برازيليات، رومانيات وروسيات وأوكرانيات وغيرهن في حبس، بيت واسع، لكنه قذر."… - أجبروك عزيزتي على ممارسة الدعارة بالقوة. - رغم رفضي، إلا أنهم لم يبالوا وعذبوني، ثم حبسوني في حجرة بمفردي مع الفئران. - ياللقسوة… - وأكثر من ذلك، كانوا يغتصبونني كل ليلة، ولم أسلم حتى من ذلك الحارس الأسود المفتول العضلات الذي كان يتلذذ بتعذيبي كل ليلة. كما تركوني جوعانة أسبوعا كاملا حتى كدت أموت، وياليتني مت. لم أعد راغبا في سماع المزيد من هذه الحكاية. وقلت لنفسي: لدي اليقين الآن أن المغربيات أنفسهن لم يسلمن من هذه المعاملة القاسية. ولعنت الزمن، والحارس الأسود المفتول العضلات والجثة الصلعاء، والثعلب ترايان، وناديا، وماكينة الأرباح، وعبد القادر الذي ظهر فجأة أمامي وهو يحمل في يده اليمنى قارورة هنيكين، فيما يمسك مؤخرة إيليا بيده اليسرى. كنت قد نزلت من الغرفة، تاركا ناتاليا وحيدة، لم أكن راغبا في سماع حكايتها المؤلمة. هل أحببتها فعلا؟لا أدري. في هذه الأثناء دخل يحيى ونوفل و مروان، راح نوفل ناحية ماكينة الأرباح كما يحلو له أن يسميها ، فيما هو الخاسر، لكنه يدعي دوما أنه ربح، وأن جيوبه مترعة بالنقود، التي يخفيها ولا يظهرها البتة. وشرع في اللعب دون أن يعير اهتماما لرهط الحوريات المترنحات ذوات النهود العامرة، الجالسات على الكراسي كما لوكن يعزفن داخل أوركسترا. وتوجه مروان ناحية شابة حسناء من أوكرانيا، تبادلا التحية، تضاحكا، أدركت توا أنهما تفاهما، وفي رمشة عين صعدا الدرج، عرجا على الشابة المكسيكية، ثم دلفا إلى الغرفة. ظل يحيى وحيدا. لايريد معاشرة أي واحدة، يحيى لا يحب سوى المغربيات، وماذا لو لم تكن هناك مغربية في هذا النادي، وحتى إن كانت فإنها ستخفي هويتها، مع العلم أنني أعرف أنها موجودة. قالت لي ناتاليا: إن الطلب على المغربيات كثير وكبير، فأجسادهن شهية جدا، والأجنبي يعشق معاشرتهن كما تحبون أنتم الرجال المغاربة معاشرتنا. توجه يحيى صوب مغربية تتخفى بالتكلم بالإسبانية، لكنه سرعان ما جعلها تعترف بكونها مغربية، كنت أتابع تبادل الحديث بين الطرفين دون أن أفهم ما يتحدثان به، لكن يبدو أن المغربية تفاهمت مع يحيى الذي لم يرغب في معاشرتها، قلت له: - ما اسمها؟ - جهينة - إسم جميل. ربما تكون تكذب - هذا شأنها. - قد يكون اسمها خديجة. لا يهمني الإسم، كل ما يهمني كيف وصلت إلى هنا، وهل هناك ترايان مغربي هو الذي جلبها إلى هنا بإغرائها والكذب عليها لتلفى نفسها وسط الجحيم مثلها مثل ناتاليا؟. - بالتأكيد. - ألا تعرف أن مافيا تهريب اللحم الأبيض موجودة في كل مكان. - أعرف….. تحركت داخل النادي، كنت راغبا في الشراب. طلبت من البارمان أن يحضر لي قارورة هنيكين، جلبها لي بسرعة البرق، فتحتها بلهفة وشربت، أحسست كأن جوفي انتعش لحظتها بعدما جف حلقي، وتذكرت حكاية ناتاليا، وحزنت مرة أخرى، اتخذت لي زاوية بعيدة عن الضوضاء التي كانت تملأ النادي، تعجبت لذلك الإسباني الشبيه بالنسناس الذي يحسب نفسه يرقص فيما هو يتنطط، ويثب، وضحكت، جعلني هذا الغبي أضحك، وأنا الذي لم أعرف طعم الانشراح بعدما سمعت حكاية ناتاليا. نوفل ملتصق بالماكينة…مروان أتم مهمته، بينما يحيى واقف يتأمل جهينة دون أن يحاول الاقتراب منها، لعلها تذكره بأشياء لا يرغب في البوح بها. نزلت ناتاليا من غرفتها. كانت ترتدي فستانا أسودا، استغربت لكونها لا تكشف عن جسدها مثل الأخريات، وهذا ماراقني فيها. كان لابد لي آنذاك من أن أكشف لها عن حبي. هذا الحب الذي ولد في إشبيلية بشكل فجائي. حب ماروكي لشابة رومانية في الثلاثين من عمرها، لكنني لم أكن اعرف ماهو رد فعلها. وهل يمكن لي أن أحب عاهرة، أم أنني لحظتها كنت ضريرا، ولم أراها على حقيقتها؟. ألم يكن نورها هو الذي بهرني وجعلني أغرق في قيعان بحرها؟. هل أحببت ناتاليا أم رومانيا؟ كيف لي أن أحب رومانيا وأنا أسمع عنها فقط ولم أزرها يوما، لكن جسد ناتاليا زرته ليلتين وأعرف كل تضاريسه وقممه الشبيهة بقمة مولدوفينو ونهرها الزلال، الرائق، الشبيه بنهر الدانوب. وأنا هائم أفكر في ناتاليا التي تقف أمامي، تكلم إسباني تارة وتتكلم مع زميلتها التي لم أحفظ إسمها بسهولة تارة أخرى، وأنطقه بصعوبة: راياناه، دخل صديقي ريكاردو أستاذ اللغة الفرنسية بمؤسسة بإشبيلية، ومن غير أن ينبس ببنت شفة، ناولني سيجارا، كنت في أمس الحاجة إليه، وبدأت أدخن بنشوة، قال ريكاردو بابتسام: - أدعوك لتناول العشاء غدا في بيتي، زوجتي ستسعد كثيرا برؤيتك. - شكرا.. - تعرف أن بيتي وقلبي مفتوح لك في أي وقت. - أعرف قلبك الكبير. قبلت دعوة ريكاردو على العشاء. وراقتني الفكرة لكوني كائن ليلي، فأنا أعشق الليل حد الوله. خرجت من النادي بعدما ودعت ناتاليا وريكاردو، وتركت نوفل مع ماكينته، علمت من يحيي أنه خسر 200 أورو في ليلة واحدة، ومع ذلك لم يتوقف عن اللعب، كما أني أعرف أنه سيقول لي إنه ربح ضعف ذلك المبلغ المالي، وسأحاول أن أتظاهر بتصديقي له حتى لا يغضب فطبيعته الطفولية تجعلني في كثير من الأحيان أشفق عليه. لم أكثرت لعبد القادر وإيليا الملتصقين كخنزيرين، ولم أر أثرا لمروان، الذي لحست عقله العاهرة الأوكرانية. وأنا أمتطي سيارة الأجرة الكبيرة البيضاء ذات الخطوط الزرقاء الرقيقة جدا التي خرمت الطريق، تذكرت جود ريكاردو الذي لم يعد يتحلى به أشخاص كثيرون في زماننا و في إشبيلية، فالمغربي هناك لا يحب أن يستقبل أي زائر للمدينة حتى لا ينفضح أمره ويكشف أمره كيف يعيش هناك، وهذا في واقع الأمر شيء لا يهمني بتاتا، ولكن وسواس الشيطان يثب في رؤوس لم تنضج بعد. وبصوت عال، صحت في جوف الليل بعد أن خرجت من السيارة متوجها إلى الفندق الكبير، وأنا أرنو ببصري إلى الجهة الأخرى من الشارع حيث كانت فتاة وحيدة تسير ببطء كالسلحفاة: - " انتظرني ياصديقي ريكاردو، فأنا قادم إليك في الموعد المحدد غدا…" كان الظلام. وكان الصمت يخيم على الفندق الكبير. صعدت إلى غرفتي رقم 701، ونمت بثيابي فوق السرير.