قطتي صغيرة واسمها "شميشة". قطتي الصغيرة سوداء اللون، شعيراتها تبدو خفيفة فوق جثتها النحيلة، فمها مدور ككرزة ولسانها أرجواني كلون الرمان، لا أدري متى أهدتني الطبيعة إياها، لكن حتما حينما كنت في مرحلة عمرية حرجة. في الحقيقة إن علاقتي بالقطاط السوداء ملتبسة جدا، فبيتنا يخلو مطلقا من الحيوانات الأليفة، بل أذكر أن أبي كان يبدي تبرما منها كلما أنجبت أمي أختا جديدة لي، لأن بيتنا بكل بساطة يخلو من الأطفال الذكور. كان أبي يتهيب تربية القطاط في منزلنا، ذلك أن المشكلة بالنسبة إليه تكمن في عرفه في أن القطات معرضة في أية لحظة أن تحمل وينتفخ بطنها وتصبح كبطيخة صيف، والأنكى من كل ذلك قد يصبح لك بين يوم وآخر سبع قطات أخريات يفضح أمرها عطن البراز وسط خزانة الملابس، أو تحت السرير، أو ربما بين ركام الجرائد في ركن من أركان البيت، حينها ستصبح المشكلة عويصة، فعوض أن تتكفل بإطعام واحدة سيكون لزاما عليك إطعام الفيلق كاملا. لن أذيعكم سرا إذا قلت لكم إن قطتي الصغيرة أتعهدها بالعناية منذ كانت صغيرة، أضعها بين رجلي، أحنو عليها، أتلمس شعيراتها، أُفغر فاها قليلا وأدخل أحد أصابعي، حتى إذا آلمتها ماءت مواء متوجعا. وشيء بَدَهِي أن يحدث كل هذا خلسة من أبي، فكما تعلمون إن أبي يكره القطات، لذلك فكثيرا ما كنت أستغل غياب الوالد وأصعد إلى سطح المنزل حيث أقضي أويقات حميمة مع قطتي، أضعها فوق ركبتي وأنظفها بالماء والصابون، وأنشفها بعد ذلك بمنديل خاص، قبل أن أعرضها لأشعة الشمس الدافئة، فتغمض عينيها وننام أنا وهي في أمن وأمان. كان سطح المنزل ملاذنا الوحيد، حيث كنا نلهو ونمرح مع بعضنا البعض، هربا من فضول الآخرين وتلصصهم علينا، وكثيرا ما كانت أمي تفاجئنا وتقطع علينا، خلوتنا بقولها : "الآن يا بنتي أدرك مدى تخوف أبيك من تربية القططة". أما أخواتي فقد تعلمت منهن كيفية الاعتناء بقطتي السوداء، فأنا صغراهن وكان لزاما علي أن أعتمد عليهن في تدبير أموري الشخصية، لكن ما لم يكن يعرفه أحد وخاصة أبي، هو أن لكل واحدة من أخواتي السبعة قطتها الأثيرة، تحنو عليها تارة، وتنحني عليها تارة أخرى، وتنظفها، وتدلك فروتها بل وتفغر فمها من حين لآخر.