كلُّ ما في الأمرِ أنّ الحيواناتِ، وبخاصّةٍ منها القِطَطَ، تُجيدُ أفضَلَ منّا فعلَ التبويسِ أو التقبيلِ شفةً بشفةٍ. بهذا يمكنُ أن ينتهي معنى مقالتي. أو يمكنُ أن أجعلَها تنتهي باعتبارِ أنّ للحيواناتِ عواطِفَ وقلوبًا تخفقُ وأجسادًا تأكُلُها نارُ الشهوةِ. ولكنَّ مشاهدَتي حلقةً من برنامجٍ تلفزيونيٍّ لبنانيٍّ مكتوبٌ عنوانُه بالأحمرِ وبخطٍّ عريضٍ نصحتني زميلة أردنية بمتابعته «بل هي في الأصلِ حرصتْ على تنبيهي إلى موعِدِ بثِّه عبر رنّتيْن من محمولِها» جعلتني أعودُ إلى عنوانِ مقالتي أعركُه وأحرِّكُه وأشويهِ بسَوْطِ التأويلِ. إذْ ما معنى أنْ تُجيدَ القِطَطُ التبويسَ والتقبيلَ و»كلامَ الشَّفايِفْ» على حدِّ ما غنّى الراحلُ الأسمرُ عبد الحليم ونحنُ نعيشُ قحطًا عاطِفِيًّا وأزمةً في طراوةِ الشِّفاهِ فاقتْ أزمةَ بوش الماليةَ العالميةَ؟ المعروفُ أنّ التعريفَ لا يصلُحُ مَعَ القِطَطِ. فكلُّ قطّةٍ يمكنُ أن تكون لها شبكةٌ من العلاقاتِ الغراميةِ العَلَنيةِ وأخرى سريّةٌ سريريّةٌ وِفْقَ قانونِ الطبيعةِ، فتراها تُحبُّ وتعشَقُ وتكرَه وتَعودُ تُحبُّ دون خوفٍ من رادِعٍ أخلاقيٍّ ولا خشيةٍ من منظومةِ الحياءِ الآدمية. وكلُّ قِطٍّ من قِطَطِ الأرضِ له الحقُّ في أكثرَ من قطّةٍ «لا أدري كيف يوزّع قلبَه بينَ قطَطِه، ولا حتى كيف يعدِلُ بينها». فيجعل من واحدةٍ خليلةً في الحلالِ ومن أخرى زوجةً في الحرامِ ومن ثالثةٍ صديقةً في النهارِ ومن رابعةٍ نديمةً في سَطْلِ زُبالةٍ في الليلِ ومن خامسةٍ رفيقةً في إيديولوجيا مقاومةِ النظافةِ ومن سادسةٍ سكرتيرةً تُسجِّلُ مواعيدَ قَلْبِه مع سيِّداتِ القلوبِ ومن سابعةٍ قارئةَ فنجانٍ لمعرِفةِ حظوظِه في التأثيرِ على عواطِفِ الإِناثِ ومن ثامنةٍ قارئةً لأحْدَثِ الروايات النسويّةِ العربيةِ لينعمَ بأحلامِ النومِ بين أحضانِ غَريبِ الحكايَا. المستغرَبُ منه في ما شاهدتُ خلالَ البرنامج التلفزيونيّ هو تفرّغُ بعضِ بني آدمَ لخدمةِ الحيوانِ في عواطِفِه. تصوَّروا رَجُلاً بلغ من العمرِ أربعين سنةً لم يتزوّجْ بسبَبِ خوفِه من إمكانيةِ إهدارِ عواطِفِه مع النساء وليُحافظَ عليها لتلبيةِ رغائبِ قِطَطِه في التقبيلِ. هذا الرجل لم يُقبِّلْ سوى القِطَطِ، بل أعلن أنّ قطّتَه فلانة «اسمها غربيٌّ فيه كثيرٌ من الدَّلَعِ» «تُجيدُ التَبْوِيسَ» قالَها هكذا بلهجة سُكّان جبل لبنان. مرأةٌ من ضيوفِ البرنامجِ لم يتجاوزْ عمرُها الثلاثينَ تحدّثتْ إلى المشاهدين بكلِّ ما تملِكُ من أُنوثةٍ عن عِشْقِها لِجَرْوِ كلابٍ لم يتجاوز بدورِه سِنَّ المراهقةِ، وكانت، أثناء حديثها عنه، تمسحُ على شَعرِه وتُمرِّرُ أنامِلَها بلُطْفٍ على وجهِ الكلبِ بن الكلبِ حتى كادتْ تُثوِّرُ فِيَّ ثورةً عارمةً حمراءَ بُلْشُفيّةً.