(1) طلبت الإذن من ظلي، كي أكتب عن قامتها..!! ليس لأنها ذات قامتين، إحداهما في علم الاجتماع، والأخرى في النضال السياسي. بل لأني ذو ظلين، الأول لا يني ينهمر في رهافة مواقفها، والثاني يلوذ بغور كتابتها. إن استغربت من الإذن، سأحيلك على ندرة أمثالها. إن بدوت لك مبالغا في وصف شسوعها، فدلني على صفات أخلعها على سيدة يتلعثم كل مسير أمام مسارها. وإذا وضعت قليل ظلي على مرأى من كثير قامتها، فتعال نتطلع، معا، إلى بضعة من شموخها. ثم سر معي نحو فلذة من كليات قممها. «المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس».. هكذا كرست الأمثال المغربية التمييز ضد النساء»..!! إذا قرأت العبارة السالفة، فلن تحتاج إلى تخمين، لكي تدرك أنك في معية عائشة بلعربي، عالمة الاجتماع المغربية، التي قدمت عمرها قربانا لمحو فعل التمييز ضد النساء. وسارعت إلى الاشتباك مع مجتمع أبيسي حتى النخاع..!! (2) «كيف يمكن القضاء على السيادة الأبيسية في مجتمعنا؟»..!! رغم نشأتها في بيئة محافظة، إلا أنها درجت على رفض كل ما يمت للمجتمع الأبوي بصلة قرابة. من بواكير وعيها، وإلى مرتفعات عمرها، حملت على عاتق مسارها الثري، قلما، فكرا، وصوتا، مهمة الدخول في مواجهة، لا هدنة فيها، مع الثقافة الفحولية، والعقليات المشبعة بالتسلط الذكوري، التي تخلق الطابوهات كي تقبر نصف المجتمع..!! في حوار لها مع مصطفى النحال، وضعت يدها على الجرح النسائي المغربي، وما ترددت في إضاءة العتمات المتفشية في جسد واقع مدجج بالنبذ، التمييز، والإقصاء. «مجتمعنا هو مجتمع أبوي، والبنيات الأبيسية جد قوية وتتحكم في جميع العقليات، وهي ليست فقط بنيات أبيسية ذكورية، بقدر ما تشبع بها حتى النساء. هناك تطبيع اجتماعي لهذه البنيات، وطغيان كبير لهذا المناخ الأبيسي»..!! (3) «لا يمنع النص القرآني المرأة من تحمّل مسؤولية القرار السياسي». مثيرة للقلق هي، باعثة على التفكير. تفتح أبوابا كثيرة على مصراعيها، لكي يتسرب شعاع الضوء، ونسمات الهواء. ثم لا يهدأ لها حفر، حتى يعثر السؤال المكتنز، المستفز، على بعض جواب شاف يعزز المنحى التصاعدي للنبش..!! إنها لا تحمل في يدها معولا لهدم المعتقدات البالية، وإهالة التراب على الأفكار المحنطة، في قبور الثقافة السادرة نحو وراء الوراء. وإنما تحمل، في حبرها وصوتها، إزميلا لتنحت واقعا نسائيا جديدا، منصفا، يقبل تحقيق المعادلة المرجوة، الممثلة في العدالة والمساواة بين الذكر والأنثى. وفي كل ما كتب يراعها المتفرد، وفي جماع تطواف مدادها المتمكن، لم تغب قضايا المرأة. لم يتقلص حضورها في رأي أو موقف. وما 0ل صوتها إلى غير الإيمان بحتمية الانتصار في معركة الوجود والمصير. – «وضعية الفتاة في المغرب». – «أجر المرأة». – «حقوق الإنسان في الكتب والمقررات المدرسية». – «وضعية الفتاة في العالم العربي». – «فتيات وقضايا». – «النساء والإسلام». – «المرأة والسلط». – «أزواج وتساؤلات». – «الجسد الأنثوي». – «ملامح نسائية». عتبات / عناوين بلا ضفاف، تحيل على قلم أرخبيلي. تؤكد جهدا هرقليا. تدل على إصرار سيزيفي. وتضيء مثل منارة إشعاعه بعيد المدى، واسع التأثير. (4) اشتغلت عائشة على بنية المساواة بين الجنسين، وأخضعت سؤالها لتحليل سوسيولوجي، حفري، ناتج عن انخراط فعال وعميق في جغرافية الواقع، وصادر عن رؤية مدججة بذكاء لماح، ورسالة ذات بعد نبوئي ومتعالق مع إدراك وارف بكل الإشكالات التي تطال واقع المرأة المغربية. «كلمة «مساواة» عندنا لاتزال تنطوي على الكثير من الطابو، وبخاصة في الثقافة السياسية المغربية، كلمة ما فتئت تفزع وتخيف الكثيرين»..!! وفي كتابها المتميز: «المساواة – عدم التمييز، تاريخ ناقص»، قامت بتفكيك 0ليات التفكير الذكوري الذي يشرعن التمييز الشديد ضد النساء داخل الحقل السياسي. أنجزت قراءتها المتفردة متسلحة بخبرتها، مناضلة سياسية، مشاركة في حكومة التناوب، ومسؤولة رفيعة المستوى، ما خول لها الوصول إلى استنتاجات ونتائج اتسمت بكثير من الدقة، المصداقية، والوثوق. ولأن عالم الاجتماع مسكون بإشعال الحرائق، ممهور بإشهار الأوراق الحمراء في وجه الوقائع، تبدت عائشة صريحة، حد الحرج، في الجهر بقولها، وفي إبداء موقفها، كما في تسمية الأشياء بخيبة مسمياتها. «بعض المسؤولين في الحكومة يطلقون كلاماً يعيدنا إلى ما قبل توقيع المغرب على الاتفاقية الدولية لعدم التمييز إزاء النساء»..!! إنه جهر لا تأخذه عزة الستر بإثم الكشف. ووضوح لا يلبس المناورة كي يخلع للخذلان وقعا وتأثيرا. وصراحة تلجأ إلى حقيقتها لتنفي وهما يلوذ بالمجاملة..!! (5) أعثر عليها في ارتفاع مجاز وتعثر علي في أرخبيل استعارة، ثم نلتقي في رحيب رهافة العبارة..!! من الترصد للظواهر الاجتماعية، قصد محاورتها، إلى رصد لواعج الذات، بغاية استمطارها، ما من مسافة جانحة. لأن عائشة بلعربي منذورة للشامل، ممهورة بالمكتمل، مشرئبة صوب الأخلد، تنوس بين ثراء المعنى، ومعنى الثراء. ثم لا تترجل عن دوام أعاليها، فكرا وأدبا. خلعت قبعة عالمة الاجتماع، وارتدت ملاءة الشعر، منطلقة بشسع الكلم نحو أقاص أخرى، وممسكة برواء المعنى، حد امتلاء العبارة بماء الدواخل. لما قرأت ديوانها «رقص مع الكلمات»، وجدتها مرسومة في كل مجاز. متجلية في مهب كل تشبيه. موارة في تضاعيف كل استعارة. تكتب خوالج ذاتها في القصيدة، وينكتب كل نص في رهافة انبلاجها. أن تنتهي في أوج البدء، أن تؤول إلى سقف ختام، وأنت ما زلت قيد اشتباك مع أول تقديم، إذن تأكد أنك بين يدي عالمة اجتماع تغري حرفك بتناسل الهطول، وتحثه على أزلية الانهطال. وفي معية شاعرة لا تقود الأبجدية إلى الكف عن منازلة حبرك، عن الإيناع في خصوبة يراعك. هكذا استمطرتها ريا، فأبى رواء عائشة بلعربي إلا أن يقود شح يدي صوب مشاتل يدها.