نطمح إلى دولة مدنية يعود فيها رجال الدين إلى معابدهم إن الكتاني ومن على شاكلته، إن الذين يتعصبون للغة العربية، ويعادون الأمازيغية وغيرها من اللغات، لا يتورعون عن مخالفة النصوص القرآنية الصريحة والسنة النبوية الشريفة كلما أثاروا موضوع اللغات، فهم ضد الاختلاف والتنوع، ولا يلتفتون إلى الآيات العديدة التي تنص على أن الحكمة الإلهية اقتضت الاختلاف في الحياة البشرية، وأكتفي – تجنبا للإطالة – بقوله عز وجل في الموضوع «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء لله لجعلكم أمة واحدة» سورة المائدة – الآية 50. ومن هذا الاختلاف اختلاف ألسنة الناس، فيغيب عن ذهنهم – أو يغيبون ذلك – قوله تعالى «ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم»، سورة الروم، الآية 21 . هؤلاء المتعصبون أباحوا لأنفسهم أن يعطلوا سنة لله في خلقه، وأن يركبوا الجهل، وفي أحايين كثيرة، وأنا أستمع إلى بعضهم، أقول لنفسي: هل لهؤلاء قرآن – يستمدون منه – غير القرآن الكريم الذي أعرفه؟ وهل لهؤلاء سنة غير السنة النبوية الشريفة يعودون إليها؟ فالذي يقره القرآن الكريم هو الاختلاف، والتسامح، والجدال بالحسنى، والكلمة الطيبة والتعاون بين البشر، ألم يأت في كلامه عز وجل «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند لله اتقاكم» سورة الحجرات – الآية 13وقوله «ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» سورة فصلت – الآية 33وغير هذه الآيات ما لا يحصى عددا. والسنة النبوية الشريفة مجال آخر غاب عن هؤلاء، فلو قرؤوها وفهموها لاستحضروا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المليئة بالقيم الإسلامية الرائعة، فهو المؤمن بالاختلاف بمعناه الواسع، ومن ذلك الاختلاف اللغوي المنصوص عليه في القرآن الكريم، فلم يثبت أن رد لهجة من لهجات اللغة العربية، أو لغة من لغات العجم، بل إنه شجع على تعلم اللغات – كالعبرية مثلا – وكان يتعامل مع غير المسلمين كاليهود مثلا وغيرهم من الأجناس، أو لم يقل فيه القرآن الكريم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» سورة الأنبياء – الآية 16 . ومن علامات ضيق الأفق، وعدم معرفة البلد الذي نعيش فيه، ما كتبه المدعو حسن الكتاني عن اضافة حروف من لغتنا الأمازيغية إلى الأوراق النقدية . الكتاني قال إنه في غفلة من الجميع تمت إضافة حروف «تيفيناغ» إلى أوراقنا النقدية، داعيا على وجه سخرية ثقيلة للغاية إلى مزيد من التضييق على لغة الاسلام والمسلمين (كذا ولله). هذه ليست أول مرة يعبر فيها الكتاني عن وجه من أوجه تطرفه وعدم فهمه السليم للدين ، وهذه ليست البادرة الأولى التي يظهر وجهه المغالي البعيد تماما عن روح الإسلام السمحة، وعما تعلمه العلماء الحقيقيون من سيرة الرسول الكريم صلى لله عليه وسلم. لكن هذه المرة الكتاني ذهب بعيدا وهو يسب الجزء الوافر من الشعب المغربي ولغته أي الأمازيغية المغربية، حين اعتبرها لغة لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين. نسي الكتاني، وهو في غمرة دفاعه الجاهلي عن تصورات عتيقة للإسلام السياسي، أن ملايين المسلمين في أنحاء العالم بأسره لا يتحدثون اللغة العربية ولا يفقهونها ولا يعرفون عنها حرفا، وأنهم يضطرون لقراءة القرآن لاجل الصلاة مكتوبا بأحرف لغاتهم الأصلية، ومع ذلك هذا الأمر لا ينقص منهم ولا من تدينهم شيئا . ونسي الكتاني أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام أمرنا بتعلم لغة الأجانب وإتقانها لئلا نبقى في الأمية نعمة، ولئلا نكون مثل الكتاني ومن على شاكلته لا نرى أبعد من أرنبة أنوفنا ، ونختار السجن في ضيق أفق لا مثيل له . نسي الكتاني، وهو يتطاول على لغة المغاربة الأم، مثلما تطاول سابقا على اللغة الدارجة المغربية، أنه يمسنا في لساننا المشترك، ويفرض علينا أن نتحدث لغة الجزيرة العربية فقط رغم أننا لسنا من هناك، بل نحن من هنا ونفخر بهذا الهنا أيما فخر ونعتز بهذا الانتماء المتعدد المسلم اليهودي الأمازيغي العربي الأندلسي الصحراوي الإفريقي أيما اعتزاز . نقولها لفقهاء الرحلات المادية هاته الذين يعيشون معنا بأجسادهم فيما قلوبهم وعقولهم في الخارج دوما وأبدا حيث تلقوا كل أسباب العيش الرغيد ؛ ( الا معجبكومش المغرب خويوه، وسيروا للبلدان التي كتعتقدو أنها كتهضر بلغتكم ، وهنيونا ) . ما عدا ذلك لن تجدوا من أهل هذا البلد الكريم إلا المزيد من النفور منكم، ومن ضيق أفقكم الشهير . نطمح إلى دولة مدنية، يعود فيها رجال الدين، يعود فيها الكتاني ومن على شاكلته، إلى معابدهم ومقابرهم .