هل يجدي نفعا التفكير في هذه الحياة والتّيه في مرابضها المترامية للإنصات لعبور نملة مثقلة بذخيرتها للشتاء القادم، لهديل الحمام اليقظ في شرفة يتيمة، لنقيق الضفادع في واد منسي من لائحة الجغرافيا، لحفيف الشجر وهو يداعب ريحا عابرة، لصمت يرخي سدوله على المدى. أعتقد أن السؤال حول هذا أصبح من مبتذلا ولا قيمة له، في نظر غالبية الناس الضالة عن جمال الله في الكون، والغارقة في تقنية أتت على الأخضر واليابس على مستوى العلاقات الاجتماعية والإنسانية، بل إن طارحه يعتبر خارج السياق وفي حالة شرود عن العالَم ومجرياته المثيرة للكثير من الأسئلة المقلقة والشائكة. فإنسان الألفية الثالثة قيمته في الخواء الوجودي وفي العطالة الفكرية والضحالة، تغتريه تفاهات الواقع وسطحيته، وهويته مفقودة المعنى والدلالة ، حيث التشييء والتسليع والتبضيع من صفات القرن الواحد والعشرين، والكل يعمل جاهدا في تجذير ثقافة السطح ومحاربة كل ما يحفّز المرء على العمق والجوهر، فالعولمة وما بعدها – رغم التحديات الكبرى التي خاضها مهندسوها – لم تؤت أكلها بقدر ما أثمرت أشواك الضياع والعيش في المنافي الداخلية. فالمنفى الداخلي محنة الإنسان المعاصر، وصفته وصورته، وسيرته المعطوبة في الوجود، إذ يعيش داخل البقعة الجغرافية التي ينتمي إليها الاغتراب الروحي والشعور بالعزلة والإقامة في النسيان، فتزداد عقده وتفتك به علله المستشرية في الداخل ، كل هذا لعب دورا مهما في تكريس أعراف جديدة وتقاليد مستنبتة في بئية ملوثة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا ووجوديا. أليس في هذا ما يدعو الإنسان إلى العودة إلى الذات للتفكير من جديد في الصيغ الكفيلة بالتخفيف من هذه المنافي المتعددة؟.