الحاجة إلى تعبئة فردية وجماعية لمواجهة الجائحة وتفادي انتكاسة وبائية جديدة أكد الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن قراءة الوضعية الوبائية يجب أن تنطلق من مجموعة من العناوين الأساسية، التي تتمثل في الارتفاع اليومي المتتالي لحالات الإصابة الجديدة المكتشفة ونسبة الحالات في مصالح الإنعاش والعناية المركزة، ثم نسبة الإيجابية في التحاليل الذي بدأت تترفع تدريجيا، خاصة في الدارالبيضاء، مؤكدا أن كل هذه المعطيات هي مؤشرات على تسارع انتشار الفيروس وإن كانت الوضعية الوبائية لا تزال تحت السيطرة. وأوضح الدكتور حمضي في تصريح خصّ به «الاتحاد الاشتراكي»، أن سلوكات المواطنين والتراخي التام لعدد كبير منهم، خلافا للبعض الذين يواصلون احترام التدابير الوقائية والذين بفضلهم يتم التحكم في الوباء، بعد تخفيف الإجراءات وفتح الحدود، تعيد تكرار نفس خطأ السنة الفارطة، بالنظر إلى أن العديد منهم يعتقدون أن الفيروس انتهى وبأن الجائحة لم يعد لها وجود، ويتعاملون بشكل طبيعي دون احترام لا للإجراءات الفردية ولا الجماعية، مشددا على أن هذا السلوك المتهور يشكل بيئة حاضنة لانتشار الفيروس. وأبرز الخبير الصحي أن المعطيات العلمية المتوفرة اليوم تشكل مصدر قلق كذلك، إذ أن متحور دلتا الهندي، ينتشر بنسبة 60 في المئة أكثر من المتحور ألفا البريطاني، علما أن هذا الأخير هو نفسه أكثر انتشارا من السلالة الأصلية لفيروس كوفيد 19 بنسبة 70 في المئة، كما أن فيروس دلتا الذي بات يحضر في دول العالم بقوة وينتشر في حوالي 100 دولة يرسل للمستشفيات ضعف عدد الأشخاص الذين كانوا يصابون بالمتحور البريطاني ألفا، ويؤثر على المناعة ويقلل من الفعالية التي حصّلها الإنسان، سواء تلك المكتسبة بعد الإصابة بالمرض في وقت سابق أو الناجمة عن الاستفادة من جرعة واحدة من التلقيح فقط، مؤكدا أن من استفادوا من جرعتين وقضوا 3 أسابيع بعد الجرعة الثانية قد تحصنوا بمناعة وفعالية تمكن من مواجهة فيروس دلتا خلافا لغيرهم. ونبّه الدكتور حمضي إلى أن عددا من الدول التي عرفت انتشارا للمتحور دلتا شدّدت من الإجراءات الاحترازية وتراجعت عن خيار التخفيف واضطرت إلى اتخاذ قرار الإغلاق في العديد من المناطق. وأكد المتحدث أنه في ظل هذه المعطيات فإن المناعة الجماعية عالميا ستتأخر ونفس الأمر وطنيا بسبب انتشار الفيروس وعدم توفر اللقاحات بالعدد المطلوب والشكل الكافي، وغياب عدالة في توزيعها أمام الضغط الدولي للدول الغنية من أجل للحصول عليها والرغبة في تلقيح سكانها وشبابها وأطفالها، فضلا عن تمكينهم من الجرعة الثالثة إضافة إلى جرعة التذكير، وكذلك بسبب ظهور السلالات الجديدة الأكثر انتشارا، كما هو الحال بالنسبة للمتحور ألفا ودلتا، مضيفا بأنه في الوقت الذي كنا نسعى فيه إلى الحصول على المناعة الجماعية بتلقيح ما بين 60 و 75 في المئة من الساكنة، فإن معدل تكاثر المتحورات، خاصة دلتا، سيجعلنا أمام ضرورة الوصول إلى مناعة جماعية تتمثل هذه المرة في تلقيح ما بين 85 و 90 في المئة من الساكنة وقد يتطلب الوضع أكثر، الأمر الذي لا يعتبر هيّنا. وأوضح الدكتور حمضي أن بلادنا قامت بتضحيات كبيرة على امتداد سنتين اقتصاديا واجتماعيا وعلى مختلف الأصعدة، وانخرطت في حملة وطنية للتلقيح التي يجب التشديد على أنها ناجحة للتحكم في الوباء ومن أجل حماية الوطن والمواطنين، وهو ما يؤكد أن هذا الرصيد لا يجب تبديده بكل سهولة، مبرزا في السياق ذاته على أننا مقبلون على مناسبة عيد الأضحى وعطلة الصيف ودخول مدرسي إلى جانب دخول سياسي مع الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي فنحن أمام مجموعة من التحديات التي تفرض تحصين بلادنا. وشدد حمضي على أن هذه المعطيات في شموليتها توضح حجم القلق المستشري المرتبط بالوضعية الوبائية، الذي يجب أن يكون قلقا إيجابيا ويدفعنا لاحترام الإجراءات الاحترازية واحترام التدابير الوقائية الفردية منها والجماعية، لا أن نكون أمام قلق سلبي يؤدي إلى الهلع بدون أية احتياطات، مؤكدا على ضرورة الانخراط الجماعي لكل المواطنات والمواطنين والمؤسسات والمقاولات والإدارات والشركات وفضاءات الاستقبال المختلفة في مواجهة الجائحة بالتسلح بقيم المواطنة واحترام التدابير الاحترازية حتى لا نكون أمام انتكاسة وبائية جديدة.