احتجاج أمام "أفانتي" في المحمدية    فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    توقيف شخص بتهمة الوشاية الكاذبة حول جريمة قتل وهمية    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بانتصار دراماتيكي على ريال مدريد    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    مراكش… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بإلحاق خسارة مادية بممتلكات خاصة وحيازة سلاح أبيض في ظروف تشكل خطرا على المواطنين.    بنكيران يتجنب التعليق على حرمان وفد "حماس" من "التأشيرة" لحضور مؤتمر حزبه    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    الرصاص يلعلع في مخيمات تندوف    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    اعتذار على ورق الزبدة .. أبيدار تمد يدها لبنكيران وسط عاصفة أزمة مالية    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الاتحاد الاشتراكي» تحاور الدكتور محمد الحسن اطرابلسي، الطبيب المختص في الصحة العامة والجماعاتية والتدبير الصحي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 06 - 2021

تجويد المنظومة الصحية وتطوير العلاجات الأولية رهينان بالارتقاء بطب القرب
وتطبيق نموذج قادر على الإجابة عن الإشكالات 1/2

تعرف المنظومة الصحية مجموعة من التحولات التي تهدف إلى منحها الجاذبية التي ظلت مفتقدة لسنوات، وإلى تجويدها بما يتيح للمواطنين والمواطنات الاستفادة من حق دستوري أساسي، كما نصّ على ذلك الفصل 31 من دستور 2011، وتفادي العراقيل، المادية منها والمعنوية، التي حالت في كثير من الحالات دون الولوج السلس للمرضى إلى الخدمات الصحية وحدّت بينهم وبين الاستفادة من الإمكانيات المتوفرة للعلاج.
منظومة اعترتها مجموعة من الأعطاب التي أكدتها جملة من التقارير المنجزة في هذا الإطار، ووقف عليها التشخيص الذي قامت به لجنة إعداد تقرير النموذج التنموي الجديد، ولامسه عن قرب كذلك تقرير اللجنة الموضوعاتية الخاصة بالمنظومة الصحية التي شكّلها مجلس النواب.
أعطاب يؤكد الكثير من المختصين في الشأن الصحي أن هناك مجموعة من المداخل الممكنة لإصلاحها، خاصة مع الورش الملكي الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس القاضي بتعميم الحماية الاجتماعية، وضمنه توفير التغطية الصحية لحوالي 22 مليون مغربي ومغربية، مع ما يرافق هذه الخطة من إصلاحات تشريعية ومالية من أجل أجرأة وتنزيل هذا الورش وتطبيقه على أرض الواقع. ويشدد عدد من المهتمين على دور الرعاية الصحية الأولية، التي من شأن إيلائها الأهمية التي تستحقها وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية والتقنية لها، أن تشكل قيمة مضافة للمنظومة الصحية وأن تخفف عنها عبئا كبيرا.
«الاتحاد الاشتراكي» ومن أجل تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع، وبغية النبش في كل التفاصيل المرتبطة بطب القرب أو ما يعرف بطب الأسرة، الذي تم إحداث أنوية له وفتح باب التكوين فيه في إطار شراكات، يجب تقييمها والإعلان عن نتائجها، التقت الدكتور محمد الحسن اطرابلسي، وهو طبيب مختص في الصحة العامة والجماعاتية والتدبير الصحي، وأجرت معه الحوار التالي:
n في أفق التحولات التي ستعرفها المنظومة الصحية وارتباطا بمستجدات التغطية الاجتماعية والصحية، ما الدور الذي يمكن للطب العام أو طب القرب أن يضطلع به رغم ما نشهده من تغيير في نظرة المجتمع له؟
pp عندما كنت أتعرف على شخص ما وأعرّفه بمهنتي كطبيب أو أقدم له أحد زملائي الأطباء، فإن أول سؤال يضعه هذا الشخص يكون بغاية معرفة نوع التخصص في مهنة الطب، كما لو أن كون الإنسان طبيبا لم يعد كافيا. وفي بعض الأحيان، يستفسرك صديق أو قريب عن اسم طبيب، أو حتى اسم أستاذ في الطب يكون متخصصا في مجال معين، مع التأكيد على أنه يرغب في أن يكون جيدا، علما بأن السائل غير قادر على تحديد ما يعاني منه …؟
هذه الملاحظات والأسئلة التي أطرحها ارتباطا بسؤالكم الوجيه، هي للدلالة على أن الطبيب الممارس بالطب العام اليوم، كما هو الحال بالأمس في بلدان أخرى، يعتبر «نصف طبيب»، فغالبا ما يُعرَّف الطب العام افتراضيا على أنه طب غير متخصص، وليس كممارسة شاملة تأخذ نظرة متكاملة عن الجسم ومعاناته قبل التعريف عن السبب الغالب أو المقلق لهذه المعاناة. لأنه عادة ما يكون كل شيء متشابكا ومتداخلا بالنسبة للمريض وأكثر للطبيب، قبل أن يستخدم الإجراءات الموضوعية التي تعلمها والتي تسمح له بدعم التشخيص المرجح، وإجراء فحوصات وتقييمات إضافية قبل أن يستقر رأيه على التشخيص الصحيح.
لقد شكّل التباين في الإقبال والوضع الاجتماعي والتموقع المجتمعي بين الممارس العام والمتخصص في كثير من الحالات سببا لإحباطات مهنية كبيرة للعديد من الممارسين. ويجب الاعتراف أنه من بين هؤلاء الممارسين العامين، كان هناك عدد غير قليل من الأشخاص الذين ساهموا في تراجع مكانة وصورة الطب العام ودوره الطليعي الحاسم من خلال ممارستهم البعيدة عن المهنية، وأصبحوا بمرور الوقت أقرب إلى ما يشبه الشعوذة، لعدم وجود تدريب وتكوين مستمر، أو لكونهم يلجؤون لممارسات غير مقبولة أو عمدا شبه منحرفة، لعدم توفر إمكانية الإشراف والرقابة المستمرة، أو لوضع مادي مزر وضعف الوازع الأخلاقي، مما أدى بالمهنة إلى المأزق الحالي في كل من القطاعين العام والخاص.
وإلى جانب ما سبق فقد زاد بعض مؤثري الرأي اجتماعيا من حدة المواقف المجتمعية من الطب العام، وأعني هنا وسائل الاتصال من قبيل بعض الإذاعات والقنوات التلفزية، ووسائل سمعية بصرية أخرى وبعض الصحف …، حيث تركز غالبية التدخلات فقط على المتخصصين، الذين يعزز خطابهم تموقع الطب المتخصص كأنه الركيزة الوحيدة، في حين أن القليل منهم من يتحدث في مجال الصحة عن فائدة الطب العام أو طب الأسرة، وإن حدث فيكون الأمر محتشما.
كل هذا وذاك، لا يجب أن ينسينا بأن صورة ومكانة الممارس العام لدى العموم كانت تتعرض لتشويه غير عاد، فكان الأمر مصدرا آخرا للإحباط. أضف إلى هذا الوضع الاجتماعي الناتج عن التفاوت المتزايد في الأجور أو الدخل بين الأطباء العامين والمتخصصين الذين أصبحوا يستشارون أكثر فأكثر من لدن المرضى.
ومع ذلك، لا يزال هناك ممارسون في طب القرب ممتازون يقومون بعمل استثنائي ويحترمون المهنة ويسمون بها إلى مستوى عال ويستحقون بذلك كل التقدير. هذا الوضع يثبت أن الطب العام أصبح في الوقت الحاضر تخصصا كاملا، إذ احتل على مر الزمن، مكانا رئيسيا في رعاية المرضى، وأصبح بالإضافة لذلك نظاما للمستقبل يركز أيضا على البحث بمناهج يجب أن يتم تدريسها في المسارات الجامعية بالاعتماد على خبرات هؤلاء «الممارسين العامين» المتفانين الذين يعتنون بالمريض في شموليته. إنه تخصص موجه، بالطبع، نحو الرعاية الأولية، التي يجب الوصول إليها كونيا، حيث تشكل المستوى الأول لولوج الأفراد والأسر والمجتمعات للنظام الصحي الوطني، كما أنها تساهم في تعزيز المنظومة الصحية، والتثقيف الصحي في مجتمعها، وتضمن الوقاية والكشف المبكران لجل المشاكل الصحية، وتستخدم موارد النظام بكفاءة دون إساءة استخدامها، من خلال استعمال معقلن للأدوية، ومعدل أقل من التدخلات غير الضرورية، وذلك من خلال التنسيق والاهتمام بجميع المشاكل الصحية الحادة والمزمنة، فتقدم الرعاية المستمرة للمرضى من جميع الأعمار مستخدمة نهجا يركز على الشخص في أبعاده الفردية والعائلية والمجتمعية، ويدمج العلوم البيولوجية والسريرية والسلوكية لمعالجة القضايا الصحية في أبعادها الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ليضيف إلى ذلك شعورا برضا المواطنين المتزايد وجودة ورعاية أفضل.
n ماذا عن الدراسات والاستشارات التي أجرتها الوزارة خلال الإصلاحات الهيكلية حول هذا الموضوع للتعامل مع هذه المشكلات في النظام الصحي، وهل تم تقييم التجارب الخاصة بطب الأسرة التي تم إطلاقها، وما هي مردوديتها مقارنة بالكلفة؟
pp لقد تم التشخيص قبل عشر سنوات، بمناسبة اقتراب المواعيد الهامة لبدء نظام التأمين الصحي المتمثل في التأمين الإجباري عن المرض، ونظام المساعدة الطبية «راميد»، إذ حشدت وزارة الصحة كل الجهود لوضع شروط إنجاح هذا الإصلاح الكبير للنظام، وكان الهدف هو مراجعة احتياجات الأطباء وخاصة ممارسة الطب العام التي يجب أن تشكل أحد عناصر هذا الورش، بهدف تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية وإنصافها ومدى ملاءمتها وفعاليتها من حيث التكلفة الصحية وأيضا تنظيم الإنفاق على الصحة.
في الواقع، كانت الحجة بالإجماع أن إمكانات الطب العام كانت قادرة على ضمان جودة الرعاية والإسعافات الأولية واستمرارية العلاجات واعتماد نهج شمولي في إدارة المشاكل الصحية، إلى الحد الذي شكلت فيه العلاجات الصحية الأولية، الأساس الذي بني عليه النظام الصحي المغربي منذ مدة لتلبية الاحتياجات الصحية ذات الأولوية للسكان والمواطنين بشكل أفضل، لكن الخلاصة كانت أن تكوين هؤلاء الأطباء يجب أن يلبي احتياجات المنظومة وتوقعات المواطنين بشكل مستمر. ومع ذلك، لم يكن لدى مصممي برامج التكوين الطبي إشارات صريحة لتعديل البرنامج المذكور وتكييفه أو تقييمه.
لم يكن هناك «تمثل وظيفي» واضح لما ستكون عليه مهمة الطبيب العام المستقبلي على صعيد كليات الطب والتي يمكن استخدامها لتحديد سياسة التكوين والتدريب رغم بعض المحاولات، سواء من حيث محتوى الدراسات أو الخيارات البيداغوجية بها. فتمثل وظيفي يحدد المجالات الرئيسية لمسؤولية الممارس بالطب العام، مستوحى من الاحتياجات الحالية والمستقبلية للنظام الصحي، لو كان متاحا، كانت مؤسسات التكوين أي الكليات، والتوظيف أي وزارة الصحة والهيئات المهنية، ستحدد أفضل الخيارات التكوينية بالنسبة للأولى وأفضل ظروف العمل بالنسبة للأخرى.
إن المقترحات التي قدمت خلال المنتدى الذي نظم سنة 2009 حول العلاجات الصحية الأولية والذي أثرى النقاش من بين أمور أخرى، حول تطوير هذا النوع من طب القرب في المغرب، ذهبت نحو تنظيم ورشة تفكير واستشارة من أجل جمع آراء بعضنا البعض، سواء تعلق الأمر بالكليات الطبية أو وزارة الصحة أو ممثلي الجمعيات المهنية وغيرها، والبدء في التفكير في وضع يمنح صفة طبيب متخصص مع الحفاظ على هذه النظرة الشمولية التي تميز المهنية في الطب العام.
لقد تم في الواقع، وضع مشروع لتطوير طب الأسرة من قبل العاملين في المنظومة، والذي سيسمح أولا وقبل كل شيء للممارسين في الطب العام الذين تراكمت لديهم بعض الخبرة في هذا المجال بالاستفادة من تكوين قصير مهيكل والولوج إلى صفة طبيب متخصص. كما تم اتخاذ قرار إنشاء دبلوم في طب الأسرة من خلال تدريب على مستوى المدرسة الوطنية للصحة العمومية مع وحدات ملائمة ومواقع تدريب تفي بمتطلبات الطلب الجديد وتسمح لهؤلاء المتخصصين المستقبليين في طب الأسرة بفهم واقع المجال المغربي والاستعداد بشكل أفضل لممارسة هذا التخصص حيث يتم تعيينهم.
لقد تم تسطير هاته القرارات ضمن محتويات رؤية 2025. وخلال تقييم مرحلي 20182019، تبين أنه تم إعداد 11 مركزا لتدريب هؤلاء الأطباء، كما تم العمل بالملف الصحي الأسري في 11 مركزا على مستوى جهة الدارالبيضاء سطات، إلى جانب تفعيل المواعيد عن بعد من المراكز الصحية إلى المستشفيات. وفي المجموع بين على أنه تم تدريب حوالي 120 طبيبا في هذا التخصص، بين 2017 و2020، كما جاء في جواب رسمي عن سؤال أحد البرلمانيين.
إن تقييم مردودية هاته التجربة مقارنة بالكلفة، يستدعي أن نضع جميع العناصر التي يتطلبها العمل بهذا النظام جنبا إلى جنب في نفس المواقع المعدة والمجهزة بوسائل التواصل الرقمي والمعدات الأولية والأدوية والموارد البشرية، وأن تكون هناك لوائح للأسر التي ستستفيد والأخذ برأيها وتقييمها لتجاربها.
لكنني أعتقد، من جانب آخر، أن التدريب في هذا «التخصص» في مؤسسة ما يكون دائما مفيدا، بشرط توفر نموذج مثالي للمكونين لهم ما يكفي من الخبرة التطبيقية المكتسبة خلال سنوات من الممارسة بالصفوف الأمامية يتم صقلها بالمعطيات الأكاديمية والتجارب الدولية0 ومع ذلك فهذا ليس السبب الوحيد حيث لا يغادر المرء مدرجات الجامعة أو أي مؤسسة أخرى كطبيب أسرة مكتمل ومؤهل0
إن الطبيب الشاب مع تقدمه في حياته المهنية، سيصبح أقرب إلى مرضاه، وبفضل هذه العلاقة سيكون قادرا على النفاذ إلى أعماقهم والتحقيق في معاناتهم والأسباب النفسية والجسدية وغيرها من الدوافع التي أدت إلى نشأة أمراضهم، وهذا لا يمكن أن يكون ممكنا إلا من خلال استجلاء شامل، والاستماع اليقظ إلى حد التبادل الحميمي الذي يكون له دور مهم للشروع في العلاج النفسي المحدد لطبيب الأسرة، والذي سيسمح ببزوغ نوع جديد من البوح لدى المرتفق الذي يتخلى تدريجيا عن حذره ومخاوفه التي لازمته في البداية. إن تكامل هذه العناصر مع مخرجات الملاحظة وتلك الخاصة بالفحص البدني ووصفة الأدوية الملائمة يمكن أن يؤدي تكامل هذه العناصر إلى نتائج مذهلة وغير متوقعة.
n هل تعتقدون أنه من المكن اليوم أن نجد هذا النوع من التعامل من طرف أطباء القرب؟
pp لقد كان هذا ممكنا بالأمس فلما لا اليوم؟ سأعود بكم لسنوات خلت لأتذكر طفولتنا والرعاية التي تلقيناها في سنوات 65 و66 … لقد كان المغرب قد حصل للتو على استقلاله وكان القطاع العام هو المزود الوحيد للعلاج. أتذكر مستوصف «الجردة» بالقرب من منزلنا على بعد بضع مئات من الأمتار، وكل شخص من سني سيتذكر نظام وطريقة تقديم الرعاية والعلاج. كانت لدينا رعاية حقيقية للقرب كما يصطلح عليه اليوم ب «طب الأسرة»، والطبيب الذي كان يزور المركز الصحي مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، يتصرف بطريقة استثنائية، إذ كان لدى كل عائلة دفتر صحي أو «ملف عائلي»، يتم تقسيمه ليشمل جميع أفراد الأسرة.
قبل الوصول إلى الاستشارة الطبية، كنت تمر بممرضة الفرز التي تخرج ملف للأسرة من صندوق محفوظ على مستوى المركز الصحي، وتقيس المؤشرات الحيوية وتدونها على الملف المذكور وكذا بالدفتر الذي تتوفر عليه الأسرة بالمكان المخصص للمريض المعني. كان الطبيب يفحص دفتر الملاحظات بأكمله، وكان يسأل أحيانا عن أخبار فرد آخر من أفراد الأسرة كان قد استشاره منذ فترة قصيرة، فيسأل عما إذا كان قد شُفي قبل أن يعود إلى الشخص المعني بالاستشارة الحالية. كانت لديه رؤية شمولية عن الاستشارات السابقة لجميع أفراد الأسرة، فيشرع بإجراء استجواب بشكل متأن ومنهجي للغاية وبطريقة مطمئنة، ثم يدعو المريض إلى الاستلقاء على طاولة الفحص ويشرع في فحصه بدقة وبعدها يدون أهم الملاحظات في الدفتر والملف الأسري المحلي، كما يدون الأدوية التي يجب الشروع في تناولها، مع تحديد تلك التي سيزوده بها على الفور من صيدلية المركز، وغالبا ما تكون على شكل حقن يعطى أولها للتو، وكان من النادر أن يتم طلب فحص دم أو أشعة سينية على الرئة.
كنت بعد الفحص الطبي تمر إلى بهو المستوصف حيث كان الممرض المكلف بالصيدلية يحتفظ بالأدوية في طاولة منصوبة أمامه مباشرة مقسمة إلى خانات صغيرة تضم أقراصا بألوان مختلفة فيبدأ بتعبئة القليل من بعضها في ورق مقوى بعد أن يشكله بيده حتى يستوعب تلك الأقراص وذلك تبعا للوصفة الطبية ثم يشرع في إعطائك الإيضاحات اللازمة للاستعمال. وإذا لزم الأمر، كنت تحال على ممرضة في غرفة مجاورة لحقن محتمل للبنسلين أو إكستانسيلين وغالبا ما يطلب منك العودة في الأيام الأربعة أو الخمس القادمة لتلقي بقية الحقن. فكانت المحاقن زجاجية الشكل متعددة الاستعمال وقابلة للتعقيم فتغير الإبر فقط بين استخدام وآخر. وكان من المرجح أن تقوم الممرضة بتلطيخ لسانك بأزرق الميثيلين أو «الدواء الأزرق» الذي يظل باديا على شفتيك ولسانك لبضعة أيام، كما كانت رائحة معقم «الإثير» تزكم أنفك فور ولوج باب المستوصف، وكانت تعتبر من سمات هذا النوع من المراكز حيث أصبحت في ما بعد تعتبر كمؤشر على جودة الخدمات وعلامة لنظافة أماكن العلاج0 ولقد كنا نمزح بعد سنوات لافتقاد هذه الرائحة في مؤسسات العلاج. يجب القول إن تصرف الفريق الصحي كان دائما في غاية الاحترافية وكل فرد منه يعتني بالمريض عناية غاية في اللباقة. لقد كنا نشعر أننا تتعامل مع فريق متخصص ذي حس إنساني مهتم بتوفير جميع متطلبات الصحة العائلية الحقيقية.
خلال هذه التجربة كان يمكن حتى الاعتماد على زيارة الطبيب لكبار السن الذين لا يستطيعون الحضور، كما كانت هناك ممرضات تحرصن على تذكير الساكنة بمواعد بعض البرامج الصحية وقد يذهبن إلى خارج المستوصف إذا اقتضى الحال فيزرن المنازل إما لتوزيع بعض الأدوية أو المواد الصحية أو لاستدعاء البعض إلى المستوصف للحصول على لقاح أو علاج فاتهم، كما هو الحال بالنسبة لبرنامج محاربة داء السل نموذجا، وغيره من البرامج الأخرى.
لقد كان الجانب الوقائي لا ينفصل عن العلاج، لأن الممرضة لا تتردد في التواصل معك لتسألك عما إذا كنت قد انتهيت من التطعيم، وتذكير الوالدين المرافقين بالمواعيد التالية لهاته الخدمات بالنسبة لجميع الأبناء المعنيين.
وفي بعض الحالات، كان يلزم الأمر الإحالة إلى المركز متعدد التخصصات للاستشارات المتخصصة والفحوصات الإضافية بواسطة رسالة مرجعية مضمونة توضح الحالة وما تستدعيه من تدخل طبي متخصص أو جراحي أو فحوصات تكميلية بيو طبية وغيرها تستوجب التدخل ثم الرد على المركز المرسل. وإذا استدعى الأمر وجوب الاستشفاء، كان عليك الحصول على ورقة إحالة مماثلة للولوج إلى المركز الاستشفائي الجامعي، حيث لم يكن هناك مستشفى إقليمي بسلا. لقد كان عدد أطباء القطاع الخاص قليلا يحسب على أصابع اليد، وكان بينهم بعض الأجانب الأوروبيين، لكن تصرفهم كان في نفس مستوى إنسانية ومهنية القطاع العام ويعتبرون كأطباء الأسرة. لقد تعرفوا على زبائنهم عن قرب وعاملوهم باحترام وبما يفرضه الواجب بحرص شديد وبتأن وعناية فائقة، حيث كانوا لا يترددون في الشروع في العلاج بعيادتهم إذا استدعى الأمر ذلك فيبادرون بأول حقنة أو شيء من هذا القبيل.
لقد تعمدت أن أشارككم هذا التوصيف لما عاشه المرضى قبل 50 سنة والذي على بساطته كان يجعل الساكنة تشعر بنوع من الرضا. صحيح أنه لاحقا مع مرور الوقت، بدأت المنظومة في توفير المزيد من الوسائل والموارد والأدوية الأكثر تقدما، إضافة إلى التنظيم مع مسالك علاجية متعددة تمر عبر المستشفيات على اختلاف أحجامها، مجهزة بأفضل الآليات والتقنيات وتوفر حزمة علاجية مناسبة حسب موقعها في التشكيلة الهرمية التي تميزها، لكن بالمقابل قل الاحتراف والتعاطف والأنسنة المعهودة….
أتذكر هذه التفاصيل التي كانت قد أثارت انتباهي خلال الاستشارات الطبية النادرة التي خضعت لها في طفولتي أو من خلال ما أحيته ذاكرتي حينما كنت أواجه بعض المواقف المماثلة المعاشة لبعض أقاربي ومعارفي من خلال حكيهم، وعندما قررت لاحقا الذهاب إلى كلية الطب وبدأت في إجراء تدريبي الداخلي، حرصت على العودة دوما إلى محتوى هذه الذكريات، ولما أصبحت طبيبا ممارسا وبدأت العمل في مراكز صحية لطب القرب، كنت أبذل قصارى جهودي لإعادة أحسن الإجراءات التي كانت قد راقتني في صغري ووجدتها ممكنة في سياق عملي.
خلال المناقشة لاحقا، بحكم تخصصي التدبيري، مع بعض الخبراء الأجانب الذين كانوا يتوافدون على المغرب، للحديث عن المقترحات والتوصيات لتحسين الرعاية الصحية الأولية الناجحة والتي اعتمدتها الإصلاحات في العديد من البلدان الأخرى، كنت أصاب بالدهشة والاستغراب عندما أرى أن جل هذه الحلول لا تختلف كثيرا عما فقدناه من العادات والإجراءات، مضمونا أو حتى شكلا في بعض الأحيان، التي لا تروق إلا لمن لم يعشها سابقا أو لمن يصاب بفقدان الذاكرة. ومجمل القول فإن هناك فرقا كبيرا بين المسميات وبين الممارسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.