تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التواصل الفوري، نهاية السنة الماضية «ورقة طبية»، تحمل خاتما ميكانيكيا باسم المشخص «الحاضي المختار»، أما الصفة التي تحيل على التخصص، والظاهرة على الختم أيضا، وعلى رأس «الورقة الطبية»، فهي «العلاج الرباني». الورقة التي تم تداولها على نطاق واسع، هي عبارة عن «تشخيص طبي»، من طرف من وصف نفسه ب»المعالج الرباني»، وأكد وصفه الختم الميكانيكي الذي لا يمكن الحصول عليه إلا بوثائق إدارية تثبت الهوية والصفة التي عليه، توضح (ورقة التشخيص) أن المعالج شخص مريضه يدعى «إدرس. أ»، وبعد الكشف عليه بطريقته الخاصة، تبين له أنه مصاب بإلتهاب المعدة، وإلتهاب مزمن في الأمعاء والدم، وفقر في الدم… وأمراض أخرى يصعب الكشف عنها إلا من طرف الأخصائيين. الورقة المتداولة، والموقعة من طرف «المعالج الرباني»، بتاريخ 29 يوليوز 2019، ليست هي الوحيدة أو الأولى من نوعها، حيث تم التوصل إلى العديد من الأوراق التشخيصية، موقعة من طرف المعني ذاته، بتواريخ مختلفة، كانت الأولى التي انتشرت عبر فضاءات التواصل على الشبكة العنكبوتية، خلال سنة 2017… الورقة المتداولة، لا تعود لطبيب مختص، خريج إحدى جامعات الطب المعترف بها، أو حتى غير المعترف بها، واختار لنفسه تلك الصفة لغرض ما، وإنما تعود لأحد ممتهني «الرقية الشرعية»، الذي يفتح مقرا له بمدينة تطوان، ويقدم تشخيصات لمرتاديه مختومة بختم ميكانيكي، وعلى ورقة تشخيص، يوضح من خلالها أنه «يعالج الأمراض الروحية والأمراض المستعصية»، كما تتضمن الورقة ذاتها الرقم الشخصي للمعني، وعنوانه الرسمي، ثم أوقات عمله، حيث إنه يستقبل الأطفال أقل من 16 سنة أيام الخميس، فيما بقية الأيام يخصصها للكبار، باستثناء يوم الجمعة الذي حدده كعطلة رسمية له. كل ما تمت إليه الإشارة سلفا، يفتح الباب بمصراعيه أمام العديد من التساؤلات، من قبيل كيفية حصول المعني بالأمر على ختم ميكانيكي يحمل صفة لا تجد لها مكانا في أي من القوانين بمختلف درجاتها التشريعية، وبأي ترخيص يفتح «المشخص» مقره أو «عيادته» ومن الجهة التي منحته إياه، ثم كيف يبقى هذا الشخص وأمثاله بعيدين عن مطرقة العدالة، ومراقبة السلطات ويعملون بأريحية، وما تمت الإشارة إليه يعيد أيضا موضوعات أخرى إلى الواجهة، مثل محلات الرقية الشرعية والمعالجين التقليدين الذين باتوا ينتشرون وسط العديد من الأحياء الشعبية والعصرية، وبكبريات المدن، ويحاول أصحابها غير الحاصلين على شواهد جامعية ولا تراخيص قانونية أن يكونوا بمثابة بديل عن مهنة يدرس ممتهنوها سبع سنوات على الأقل، ويقسمون «قسم أبقراط»، قبل الولوج إليها، ويسلكون طريقا شاق حتى يتمكنوا من فتح عياداتهم التي تحتاج تجهيزاتها لملايين الدراهم حتى يستطيعون الكشف عن المرضى ومعالجتهم. أسئلة وأخرى، أثارتها الورقة التشخيصية المتداولة، حاولت جريدة بيان اليوم، الجواب عليها من خلال تتبع بعض نتائج من يختارون المعالجين التقليديين والرقاة طريقا للاستشفاء، وجمع عدد من المعطيات والحوادث التي أثارت جدلا أو حتى هزت الرأي العام الوطني، كما تم التواصل هاتفيا مع «المعالج الرباني» الحاضي المختار، إضافة إلى عدد من الأطباء المختصين، ورجال الدين، للإجابة عن عدد من الأسئلة العالقة. يشار إلى أن بيان اليوم قامت بمحاولة للتواصل مع النيابة العامة، ووزارة العدل، ووزارة الصحة، كمؤسسات ترتبط بشكل أو بآخر بالمواضيع المثارة، للحصول على إحصائيات تهم عدد ممتهني العلاج التقليدي والرقية، إضافة إلى المجهودات التي تقوم بها هذه المؤسسات بخصوص هذه الظواهر، إلى أنه لم يتم التمكن من التوصل بأي جواب من أي مؤسسة، ما عدا بعضها الذي نفى ارتباطه بالموضوع موجها الجريدة إلى مؤسسة أخرى لتقوم بدورها بالأمر نفسه وتعيدها للمؤسسة الأخرى، ليبقى سؤالا عالقا، من المسؤول القانوني المباشر عن هذه المراكز، الذي يجب أن يتدخل للحد منها أو تنظيمها، لحماية المواطنين. علاج رباني تناقلت عدد من الصفحات الفيسبوكية، سنة 2017، وصفة طبية موقعة من طرف طبيب يملك «عيادة ربانية» متواجدة بمدينة تطوان. وتساءلت عدد من التعليقات على الموضوع، حول من سلم «الطبيب» رخصة فتح هذا النوع من العيادات، خاصة أنه حسب صورة الوصفة، فإنه قام بكتابة أسماء الأمراض التي قام بتشخيصها لحالة إحدى مريضاته، ويتعلق الأمر بالتهاب مزمن في الدم و»الدقة الضعيفة ديال القلب»، وفقر الدم والدورة الدموية، وهي أمراض خطيرة تتطلب طبيبا متخصصا. ويخصص «الطبيب»، جميع أيام الأسبوع للأشخاص البالغين، ويوم الخميس للأطفال دون سن ال16، في حين تغلق المصحة يوم الجمعة، ويعتبر «يوم عطلة». المختار الحاضي، الذي يصف نفسه بالمعالج الرباني، طفا على سطح الساحة الفيسبوكية نهاية السنة الماضية من جديد، حيث تداول رواد موقع التواصل الاجتماعي الأزرق، ورقة جديدة تحمل توقيعه وختمه الميكانيكي، ومن خلال الورقة ذاتها يظهر أنه بعد التشخيص "الدقيق" الذي قام به للأمراض المعدية وفقر الدم، معتمدا على تجربته في التشخيص، كتب للمريض الذي زاره، أنه يجب عليه أن يتابع الدواء الذي يصفه له الطبيب المختص، في دعوة غير مباشرة لعدم زيارة معالج رباني آخر. في محاولة لاستجلاء حقيقة وثيقة «المعالج الرباني»، الشبيهة بالوصفة الطبية، خاصة أنها تحمل ختما أوتوماتيكيا، لا يتم الحصول عليه إلا بوثائق قانونية، حاولت جريدة بيان اليوم الاتصال، ب»المعالج» الحاضي المختار. في بداية الاتصال، عبر الحاضي عن عدم رغبته في التواصل، معربا عن كره الشديد للصحفيين على مدى 20 سنة من ممارسته للمهنة، قائلا: «غير عطيني التيساع، متنحملش الصحفيين، 20 سنة وهوما تيكتبو عليا، ماتنديهاش فيهم، أنا خدام مع الله، يقولو لي بغاو، الحاج المختار معروف 20 سنة هاذي». وأكد الحاضي في الاتصال الهاتفي، عدم اهتمامه لما تكتبه الصحافة، مشددا على أنه يعالج التابعة، الجعرة، الخلفة، الصدمة، السعرة، ويطرد الجن، ويعالج التوكال…، موضحا أن علاجاته تكون أساس بالاعتماد على القرآن، الماء والزيت. وقال الحاضي، بأن «الوصفات التشخيصة» المتداولة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي صحيحة وتعود له، وأن الختم والتوقيع يخصانه، وبين تأكيده لكره للصحفيين بين الفينة والأخرى، أوضح الحاضي أنه يكشف على المرضى من خلال التجربة، مشددا على أنه درس الطب في السويد، وحاصل على باكالوريا علمية بمدينة تطوان، قبل أن يعود إلى موضوع دكتوراه السويد ويقول إنه لم يتمم دراستها، ليعود مرة أخرى ويؤكد من جديد أنه حاصل عليها لكن كل وثائقه موجودة بالسويد. أما فيما يخص الترخيص الخاص ب»العيادة»، أبرز الحاضي خلال المكالمة الهاتفية، أنه حاصل على رخصة خاصة ببيع الزيوت ومشتقاتها منذ أزيد من خمس سنوات. وقال المحتار الحاضي، إن مرتاديه من المرضى يأتونه من داخل وخارج أرض الوطن، مشددا على أنه لا يستقبل إلا المسلمين، مبرزا أن عدد المرتادين يختلف من يوم لآخر، ويتراوح بين 10 إلى 70 زائر في اليوم، يبحثون عن علاج أو تشخيص لأمراضهم. حالات تسمم تسببت مجموعة من الأعشاب الأعشاب المستعملة في العلاجات التقليدية، «الدغموس، اَدّاد، الشِّيح، الكَوزة.. وغيرها»، في ما يقارب 300 من حالات التسمم خلال سنة 2013 محتلة بذلك الرتبة التاسعة من أسباب التسمم بالمغرب، وفق أرقام المركز الوطني لليقظة الدوائية ومحاربة التسممات التي حذرت من مخاطرها. وأكد المركز، عبر تقرير صدر عنه، خلال شهر فبراير من سنة 2014، تسجيل 6 وفيات خلال سنة 2013، ناتجة عن أعراض جانبية مرتبطة بالاستهلاك العشوائي لبعض الأعشاب، موضحا أن معدل سن الأشخاص المصابين بهذه التسممات يتراوح ما بين 5 سنوات و41 سنة، مبرزا أن فئة المراهقين تشكل فيها 38 في المائة، غالبيتها من الإناث. وكانت قبل سنوات، قد انتشرت بين عامة الناس، نصائح تدعوا لاعتماد «الدغموس» لأجل العلاج، كان مصدر عدد منها إلى جانب «العشابة»، بعد البرامج الإذاعية، وفي هذا الصدد كان سبعة أشخاص خلال بداية سنة 2014 أصيبوا بحالات تسمم بسبب «الدغموس»، أكدوا أنهم تناولوها على أساس العلاج بعد نصائح إذاعية، مما أعاد إلى الواجهة، البرامج الإذاعية التي يشارك فيها أشخاص بصفة خبراء أو متخصِّصين في العلاج بالأعشاب، يوجِّهون عَبرها للمواطنين نصائح ووصفات قد يكون لبعضها تأثيرات سلبية وخطيرة على صحة المواطنين الذين يتَّخذونها بديلا عن العلاج الطبي، بالرغم من كون مقتضيات قانون 04-17 التي هي بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة وخاصة المادة 21 منه التي تنص على أنه «يمنع تحضير الأدوية السرية وصنعها وبيعها وكذا كل إشهار أو إعلان متعلق بها». في سياق متصل، كان وزير الصحة الحسين الوردي، بأول حكومة بعد دستور 2011، قد أكد خلال رد له داخل البرلمان، على طريقة مواجهة تفشي البرامج الإذاعية المخصصة للوصفات العلاجية غير المراقبة، على أن وزارة الصحة راسلت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري «الهاكا» بشأن تهكم القنوات الإذاعية، طالبة منها اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف ممارسات وسائل الاتصال السمعي البصري المنافية للقوانين والتنظيمات المؤطرة للمجال السمعي البصري، والتي تتعارض مع النصوص المنظمة لممارسة الطب بالمغرب. من جهة أخرى، شدد الوزير على أن مسألة حماية المستهلك من الاستعمال العشوائي للأعشاب، تتطلب تضافر كل الجهود من قطاعات حكومية ومجتمع مدني، إضافة إلى المواطن المتضرر الأول والأخير من هذه الظاهرة، الذي يجب عليه الامتناع عن شراء مثل هذه الأعشاب وذلك لما تمثله من خطر على صحته. تشوهات وعاهات تمكن فريق طبي وتمريضي بالمستشفى الإقليمي بوزان الصحي، خلال نونبر الماضي، من إجراء تدخل جراحي دقيق لعلاج اعوجاج وتشوه على مستوى يد طفل صغير، كاد يفقد يده بشكل كلي، نتيجة لجوء أسرته إلى «معالج طبيعي»، لجبر كسر كان قد تعرض له. وكشفت وسائل إعلام وطنية، نقلا عن مصدر طبي، أن «العملية استفاد منها طفل في ربيعه الحادي عشر، كان ضحية كسر بسيط على مستوى الطرف العلوي تمت معالجته بطريقة بدائية عند جبار القرية»، مستحضرا الضرر البالغ الذي خلفته «الجبيرة» باليد اليمنى للصغير؛ وهو ما أدى إلى فقدانها لوظيفتها، بفعل اعوجاجها وضعفها نظرا لعدم استخدامها لسنوات عديدة. وتبعا للمصدر ذاته، فقد همّ التدخل الجراحي تقويم الاعوجاج وزرع عظم على مستوى ساعد اليد، جرى استئصاله من عظم الورك، ضمانا لترميمها وتثبيت طرفي العظم ostéo- synthèse. وأكد المتحدث أن «هذه العملية، التي مرت في ظروف جيدة، تكللت بالنجاح»، لافتا إلى استقرار الوضعية الصحية للمريض، منوها بمجهودات كافة الأطر الطبية والتمريضية التي شاركت في إنجاح التدخل الجراحي الدقيق، الذي أشرف عليه طاقم طبي جراحي وتمريضي متكون من الدكتورة شريفة العلوي الرشيدي اختصاصية في جراحة الأطفال والدكتور محمد عزوز طبيب اختصاصي في جراحة العظام والمفاصل، بالإضافة إلى الممرضتين صابرين بوزيدي وجيهان الخندوقي، وطاقم التخدير والإنعاش الطبي والتمريضي المتكون من الدكتور كريم لخضر طبيب مختص في التخدير والإنعاش والممرضة المختصة في التخدير والإنعاش بثينة كمون، وفاطمة الحبيشي ممرضة رئيسة المركب الجراحي. ودعا المصدر الطبي ذاته، في تصريح صحفي للجريدة نفسها، إلى ضرورة التصدي لطريقة العلاج التقليدي للكسور، المعروف بالجبيرة، كما دعا إلى معاقبة كل المزاولين لهذا «الهراء»، وفق تعبيره. نصب واحتيال واستغلال جنسي يهتز المغاربة في كثير من الأحيان، على وقع أخبار مأساوية، مرتبطة بما يسمى ب»الرقية الشرعية»، يكون عنوانها، ضرب حتى الموت، أو استغلال جنسي أو نصب واحتيال وغير ذلك. ومن أبرز الأحداث المأساوية التي اهتز على وقعها الرأي العام، حادثة «راقي بركان»، حيث اهتزت مدينة بركان خلال شهر دجنبر 2018، على وقع فضيحة من العيار الثقيل، حينما قام ثلاثة أشخاص بالاعتداء على أحد ممتهني «الرقية الشرعية»، وتكبيل يديه ورجلين، لكونه قام بابتزاز إحدى السيدات التي صورها وهي عارية. وقام الراقي بتصوير سيدة وهي عارية في أوضاع مخلة للحياء، في الوقت الذي كانت تخضع لإحدى حصص الرقية الشرعية، لابتزازها جنسيا. وأوضح مصادر متطابقة، أن الراقي الشرعي قام بابتزاز السيدة جنسيا، بعدما التقط لها صورا عارية دون علمها، ليجبرها على ممارسة الجنس معه. وخرجت الفتاة ضحية فقيه الرقية الشرعية بمدينة بركان، عن صمتها بوجه مكشوف لتحكي قصتها مع الجاني، وقالت إنها كانت تذهب عند فقيه الرقية الشرعية قصد التداوي…، وكان الأخير يقدم لها ماء تشربه، وبعدها يقرأ عليها طلاسيم تجعلها فاقدة للوعي، حيث تلبي جميع طلباته ونزواته الجنسية دون تردد، وليس بملء إرادتها. وأضافت المتحدثة، أن نساء متزوجات عدة هن الأخريات وقعن ضحايا مثلها في نفس الفخ، إلا أنه لم يتم تسريب فديوهاتهن كما وقع لها. وفي سياق مشابه، فجرت فاطمة، شابة عشرينية، خلال شهر دجنبر من سنة 2019، فضيحة من العيار الثقيل، في جماعة "آيت عميرة"؛ حينما تقدمت بشكاية إلى مصالح المركز الترابي للدرك الملكي، بالجماعة المذكورة، تتهم من خلالها شخصا، يمارس الرقية الشرعية، باغتصابها. بعدما قام بتنويمها بواسطة مشروب خاص قبل أن يباشر فعلته الشنيعة، بمنزله الكائن بجماعة أيت اعميرة بإقليم اشتوكة آيت باها. وأوضحت مصادر مطلعة، نقلا عن الضحية، أن الواقعة تعود عندما رافقت الضحية البالغة من العمر حوالي 34 سنة، والدتها إلى مقر الراقي بغية إيجاد دواء لمرضها الجسدي، الأخير طلب منها الخضوع لحصص الرقية الشرعية وهو ما امتثلت له المطلقة. وقالت إن الراقي البالغ من العمر 44 سنة، شرع في تلاوة آيات من الذكر الحكيم، على والدتها، وشقيقتها، وباقي النسوة الحاضرات في المركز، لافتة الانتباه إلى أنه "أصر على ذلك، بهدف استفادة الجميع من العلاج، بحسب تعبيره". وقالت فاطمة إن الراقي بعدما انتهى من تلاوة القرآن، شرع في طرح أسئلة على الجميع، وحينما، جاء دورها، علم بأنها مطلقة، فأخبرها، بأن عاشقا جنيا يسكنها، ليقنع والدتها بالانفراد بها بهدف معالجتها. وأضافت المصادر ذاتها أن الراقي لما انفرد بها داخل الغرفة، وقام بتقديم مشروب مجهول للضحية ما أفقدها وعيها، «لم استطع الحركة..، أحسست كأنني مخدرة، شرع في اغتصابي، حاولت الصراخ لم استطع، كنت شبه فاقدة للوعي، لكني كنت أرى ما يفعل لي..، اغتصبني وهو يعلم أن والدتي وشقيقتي كانتا في انتظاري، خارج الغرفة". مستغلا ذلك للانقضاض عليها وهي غائبة عن الوعي وتلبية غرائزه الجنسية، لتستفيق على هول الصدمة وتصاب بانهيار عصبي». من جهة أخرى، أصدرت غرفة الجنايات الإستئنافية بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، خلال شهر يونيو 2019، قرارها النهائي في الملف الذي توبع فيه متهمين بقتل سيدة بدوار بني بوخلف جماعة النكور، بعد إخضاعها لجلسة تعذيب فيما يعرف ب»الرقية الشرعية». وقضت ذات الغرفة بإلغاء القرار المستأنف فيما قضى به من إدانة المتهم «عبدالمالك ا» من أجل جناية الضرب والجرح والإذاء العمدي المفضي إلى الموت دون نية إحداثه ودون اعتبار عنصر السلاح والحكم تصديا بعدم مؤاخذته من أجل ما نسب إليه والتصريح ببراءته. وبتأييده مبدئيا في باقي ما قضى به مع تعديله وذلك بالتخفيض من العقوبة السجنية المحكوم بها على المتهمين «محمد ا» و»الحسين أ» و»أسامة ا» وجعلها محددة في عشر سنوات سجنا نافذا في حق المتهم «اسامة ا» ، واثني عشرة سنة سجنا نافذا في حق كل واحد من المتهمين «محمد أ» و»الحسين أ». وكانت غرفة الجنايات الابتدائية قد قضت مؤاخذة المتهمين «محمد ا» و»الحسين ا» من أجل جناية الضرب والجرح والإيذاء العمدي باستعمال السلاح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه ومعاقبة كل واحد منهما ب 18 سنة سجنا نافذا وبراءتهما من أجل فعل المشاركة في ذلك. وبمؤاخذة المتهم «أسامة ا» من أجل جناية الضرب والجرح والايذاء العمدي باستعمال السلاح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه ومعاقبته على ذلك ب 12 سنة سجنا نافذا وبراءته من أجل فعل المشاركة في ذلك. وبمؤاخذة المتهم «عبد المالك ا» من أجل جناية الضرب والجرح والايذاء العمدي المفضي إلى الموت دون نية إحداثه دون اعتبار عنصر السلاح ومعاقبته على ذلك ب 12 سنة سجنا نافذا وبراءته من أجل فعل المشاركة في ذلك. وقضت ذات الغرفة بمؤاخذة المتهمتين «سناء ا» و»سناء س» من أجل جناية الضرب والجرح والإيذاء العمدي المفضي إلى الموت دون نية إحداثه دون اعتبار عنصر السلاح ومعاقبتهما على ذلك بسنتين سجنا موقوفة التنفيذ لكل واحد منهما وبراءتهما من اجل فعل المشاركة في ذلك. وتوبع في هذا الملف تسعة متهمين من اجل جرائم الضرب والجرح والإيذاء العمدي باستعمال السلاح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه، والمشاركة في ذلك، وعدم تقديم مساعدة لشخص في خطر، ومحو آثار الجريمة وإزالة الأشياء قبل القيام بالعمليات الأولية للبحث القضائي، وعرقلة سير العدالة، ومحو وإزالة الأشياء من المكان الذي وقعت فيه الجريمة قبل القيام بالعمليات الأولية للبحث القضائي وعرقلة سير العدالة، وعدم التبليغ عن وقوع جناية، كل حسب المنسوب إليه. وتعود تفاصيل القضية إلى يوليوز من سنة 2018 عندما توصلت مصالح الدرك الملكي بواد النكور، بإخبارية حول وفاة سيدة في عقدها الخامس، حيث تبين لعناصرها التي انتقلت إلى عين المكان وجود آثار جروح وعنف على جثة الضحية، ليتم إخبار النيابة العامة التي أمرت بإجراء تحقيق معمق وإخضاع جثة الهالكة للتشريح الطبي. وقد أفضت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية أن الضحية تم إخضاعها لجلسة تعنيف والضرب المبرح فيما يعرف بالرقية الشرعية، وهو ما تسبب في وفاتها، ليتم اعتقال 9 أشخاص بينهم زوج الهالكة وشقيقه وأبنائها. وخلال مطلع شهر دجنبر 2018، كانت قد حملت النائبة البرلمانية عن الفريق النيابي الاشتراكي حنان رحاب، موضوع الوضعية القانونية ل»مراكز الرقية الشرعية» إلى البرلمان، بعد تفجّر «فضيحة راقي بركان»، ووجهت سؤالا بهذا الصدد إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكانت واضحة في إثارتها للموضوع: «النصب والاحتيال يُمارَس على عدد من المغاربة باسم مراكز الرقية الشرعية، ونريد أن نعرف الوضعية القانونية لهذه المراكز»، تسأل أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. لم يقدم أحمد التوفيق جوابا واضحا عن السؤال الموضوع، واكتفى بالقول إنّ موضوع مراكز الرقية الشرعية يتداخلُ فيه جانب الصحة، الموكول إلى وزارة الصحة، والجانب القانوني والجانب الديني، معتبرا أنّ معالجة هذا الموضوع تتطلب فتوى، من أجل إظهار جميع الحالات التي تُمارَس داخل هذه المراكز؛ «لأنّ المسألة مسألةُ عَرْض وطلب، وهي مسألة دقيقة جدا، ولا يمكن أن نقول فيها هذا حلال وهذا حرام، ولا يمكن للوزارة وحدها أن تتدخل في تحديد ما ينبغي أن يكون أو لا يكون»، يقول الوزير. *** 3 أسئلة ل: الدكتور بوبكري محمدين*: نطالب بالتكييف القانوني لهذه الأفعال وإدخالها في خانة الجنائي والجنحي إلى أي حد تعنى الهيئة الوطنية للأطباء والطبيبات بالممارسة غير القانونية للطب؟ إن الهيئة الوطنية للأطباء معنية بشكل مباشر بالممارسة غير المشروعة لمهنة الطب من خلال المادة 2 من القانون 08-12 التي تؤكد على عمل الهيئة على محاربة المزاولة غير المشروعة لمهنة الطب. كما تضع مدونة أخلاقيات المهنة التي تصير نافدة بعد صدور مرسوم بذلك وتسهر على تطبيقها وتعمل على تحيينها درءا لكل تجاوز غير قانوني. ما هي الإجراءات التي قامت بها الهيئة في هذا الصدد؟ وما مدى استجابة السلطات أو المؤسسات المعنية مع إجراءات الهيئة؟ فيما يخص الإجراءات التي قامت بها الهيئة، هو وضع مدونة أخلاقيات المهنة، حيث أن المدونة السابقة ترجع لسنة 1953 والمشروع الحالي يتطرق من بين مواده إلى القطع مع الممارسات المسيئة لمهنة الطب، هذا بالإضافة إلى الاتصال بالجهات المعنية بهاته الممارسات ومنها وزارة الصحة ووزارة العدل والنيابة العامة و وزارة الداخلية… عندما نتكلم عن هذه المزاولة نعني بها ممارسات لغير أطباء من قاعات التجميل التي تستعمل مواد طبية ووسائل الشعوذة والرقية من طرف المشعوذين والرقاة، دون أن ننسى أيضا أن هناك ممارسات يقوم بها أطباء أجانب غير مرخص لهم كزرع الشعر من طرف أطباء غير مغاربة. نحن كهيئة ما نطالب به هو التكييف القانوني لهذه الأفعال وإدخالها في خانة الجنائيوالجنحي، باعتبارها انتحال لصفة طبيب أو في خانة الأطباء غير المرخص لهم وغير المسجلين. ففيما يخص الأطباء الذين فتحوا مؤسساتهم وعياداتهم لأطباء غير مرخص لهم أو أجانب فإننا لن نتوانى في تفعيل المسطرة التأديبية، أما فيما يخص الجهات أو المؤسسات المعنية فما عليها في إطار التنسيق معنا إلا تفعيل القوانين أو السهر على إخراج نصوص قانونية تحد من هذه الظواهر التي تضر بصحة المواطن بالدرجة الأولى. هل هناك إطار قانوني واضح يجرم الممارسة اللاقانونية للطب؟ وهل قدمت الهيئة مقترحات قوانين للحد من هاته الآفة؟ وهل هناك حالات يمكن الحديث فيها عن ممارسة غير قانونية للطب من طرف أطباء؟ ليس هناك إطار قانوني يجرم الممارسة غير المشروعة، بل هناك مواد وفصول متناثرة في مجموعة من القوانين كالقانون 08.12 المتعلق بقانون هيئة الأطباء والقانون 131.13 أو قانون ممارسة مهنة الطب، وقد كانت لنا لقاءات مع وزارة العدل من أجل إخراج قانون المسؤولية الطبية، هذا القانون الذي يعتبر الحل الأمثل لحماية صحة المواطن والحماية من هذه الممارسات الغير مشروعة. وكما أشرت سالفا في هذا الحوار، من مقترحات الهيئة وضع مشروع مدونة أخلاقيات الطب الذي هو بين أيدي الحكومة وتواصلنا مع وزارة العدل في عهد وزير العدل الأستاذ أوجار الذي نعتبره مشروعا متقدما ونتمنى أن يرى النور مع وزير العدل الحالي. وطبعا، هناك مجموعة من الممارسات غير قانونية التي يقوم بها بعض الأطباء كالبرامج الإذاعية والتي لا تدخل في خانة التوعية الطبية والإعلام بل طريقة إشهارية لبعض الأطباء و علاجا عبر الأثير. إضافة إلى ممارسة الأطباء المغاربة دون تسجيلهم في الهيئة أو التسجيل الأولي في لوائح الهيئة دون الاستمرار في ذلك، لأن كل القوانين المسيرة لمهنة الطب تعتبر أن التسجيل إجباري كل سنة والممارسة دون تسجيل تعتبر غير مشروعة، إضافة إلى الممارسة الطبية في تخصص غير التخصص الذي تكون فيه الطبيب. * رئيس الهيئة الوطنية للأطباء والطبيبات *** أبوحفص: الرقية طقس شعبي وعلى الدولة الحسم مع هؤلاء الدجالين قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب ب"أبو حفص"، الباحث في الدراسات الإسلامية والفاعل الفكري والديني، إن هذا الموضوع يجب معالجته من خلال نقطتين، موضحا أن النقطة الأولى هو مفهوم الرقية وما إذا كان يوجد أصلا شيء اسمه رقية شرعية أو رقية إسلامية. وأضاف رفيقي في تصريح لجريدة بيان اليوم أن ذلك بحكم أن الرقية هي طقس ثقافي وجد عند كثير من الأمم بما فيها الأمم التي كانت قبل الإسلام، مبرزا أنه حتى الإسلام تعامل معها باعتبارها واقعا ولم ينتجها حتى يقال عنها رقية شرعية أو أنها رقية إسلامية. وتابع رفيقي أنه في الحديث جاء لا بأس بالرقى، موضحا أن ذلك يعني أنه لا بأس بتلك الطقوس التي يفعلها الناس ما لم يتخللها شيء من الشرك “وبالتالي هي طقس شعبي موجود في كثير من الثقافات كان الغرض منه التحصن أو التعود أو طرد الأرواح الشريرة كما كانت الاعتقادات في ذلك الوقت”، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا يوجد شيء اسمه رقية شرعية. وعرج رفيقي على النقطة الثانية وفق تعبيره، والمتمحورة حول سؤال ما إذا القرآن يعتبر علاجا ؟، متسائلا: هل شخص أصيب بمرض سرطان أو أصيب بأي مرض من الأمراض، هل يمكن اعتبار آيات قرآنية معينة هي العلاج؟ معتبرا أن هذا الأمر لا أساس له من الصحة وأن القرآن يمكن أن يكون علاجا روحانيا، وعلاجا إيمانيا ولا علاقة له بالعلاج الطبي بحيث يستعمل دواء يمكن أن يتداوى به الناس، و يمكن أن يعالج به الناس “وإلا النبي نفسه لما لم يعالج نفسه بالقرآن لما مرض واشتدت به الحمى؟!). وأكد رفيقي على أن من يمرض عليه من الطبيعي الالتجاء إلى طبيب عالم بعلمه ومتخصص في بابه وليس إلى دجال أو هؤلاء الذين يحاولون الإرتزاق باسم الدين تحت غطاء الرقية الشرعية. واعتبر رفيقي المراكز التي تسمى “مراكز الرقية الشرعية” مراكز للنصب والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل، مشيرا إلى أن المجتمعات حين يفشو فيها الجهل ويفشو فيها التخلف تزدهر فيها مثل هذه الأفكار كلما كان مستوى التعليم عند الناس أضعف. وأضاف رفيقي أنه كلما كانت الثقافة ضعيفة في مجتمع ما إلا وتنمو مثل هذه الأفكار وتجد فيها مثل هؤلاء الدجالين يرتزقون ويأكلون أموال الناس باسم القرآن وباسم الدين. وشدد رفيقي على وجوب حسم الدولة في التعامل مع مثل هؤلاء الدجالين “لأننا نتحدث عن أمر يتعلق بصحة الناس، متعلق بأجساد الناس، متعلق بأبدان الناس، لا يمكن أن نتركها لعبة بين أيدي هؤلاء يمارسون من خلالها النصب”، معربا عن استغرابه كيف أن عشرات إن لم يكن المئات من هذه المراكز ما يسمى بالرقية الشرعية لا زالت منتشرة بل تحول الأمر إلى إعطاء تكوينات في هذا الدجل…. *** جواد مبروكي: تجارة للنصب والإجرام والسلطات هي الحامية للأميين والجاهلين عبر الدكتور جواد مبروكي، طبيب ومحلل نفساني، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي عن أسفه مما وصفهم بالمشعودين المعالجين، مشيرا إلى أنهم طوَّروا تجارة النصب والإجرام مع تطور المجتمع وتطور الإعلام وتطور التكنولوجيا، كما طوروا طرق نصبهم مع تطور المجتمع المغربي حسب التوعية في الإعلام: برامج طبية، نصائح المختصين في التغدية… وقال مبروكي في تصريح لجريدة بيان اليوم، إن “هناك تيارا آخرا أصبح “موضى” وهو “البْيو”، حيث يدعي مهاجمة لوبيات صناعة الأدوية ومهاجمة كل ما هو شيميائي والرجوع إلى كل ما هو طبيعي. وعزا مبروكي لجوء مرضى إلى العلاج بالأعشاب إلى الجهل والأمية والفقر، إضافة إلى فضخ الإعلام لعدة مختبرات للأدوية مع الفضائح التي جعلت عدد مهم من الأدوية تسحب من الصيدليات ويمنع بيعها نظرا لخطورتها (في أوروبا وأمريكا)، معتبرا أن هذا الأمر الأخير ساهم بدوره في تطور العلاج بالأعشاب حيث أصبحت الأدوية الصيدلية الكلاسيكية عدوة لصحة الإنسان بدون أي تمييز. وأردف مبروكي قائلا: “بالطبع هناك أدوية مصنوعة من الأعشاب، صنعت حسب القوانين وتباع تحت إشراف ونصائح الصيدلي، لأن حتى العشاب مضرة وخطيرة في عدة حالات”. وأكد المتحدث نفسه أن كل العوامل التي أشار إليها آنفا جعلت من المعالجين النصابين يتأقلموا ويتكيفوا مع كل التطورات ويفتحوا محلات “عيادات” عصرية لاستشارتهم وللعلاج، مبرزا أنه لمصداقية نصبهم أصبحوا يكتبون وصفات على شكل الوصفة الطبية لخداع أنجح للمريض الضعيف. واعتبر مبروكي أن السلطات هي الحامية للمغاربة الأميين والجاهلين، متسائلا عن سبب تترك هذه العيادات غير القانونية والتي تنصب على الضعفاء مفتوحة أمام أعينهم؟ مشيرا إلى أن نفس الشيء يلاحظ في الأسواق الأسبوعية حيث المعالج النصاب يبيع الأدوية لكل الأمراض ويستعمل مكبر للصوت تسمعه عن بعد عشرات المترات ويشتغل ويُسمم المغاربة بكل حرية. واستغرب مبروكي مضيفا “المؤسف جدا هو لما نرى طبيبا درس وتكون لأكثر من 12 سنة بعد الباكالوريا، ويفتح عيادته حسب القوانين، ويؤدي الضرائب ويعالج الآلاف من المغاربة، ولما يخطئ أو يُشتبه في ارتكابه لخطأ يتم القبض عليه فورا ويلقى في السجن، بينما هؤلاء المجرمين العشابين العصريين أغلبهم دون مستوى تعليمي يقتلون ويسممون الآلاف من المغاربة بكل “احترام وحماية قانونية أمازونية”. *** أسئلة ل: الدكتور شراف*: انعدام التغطية الصحية وارتفاع تكلفة العلاج سبب رئيسي لتفشي الظاهرة ما هي أوجه الممارسة اللاقانونية للطب؟ تشكل الممارسة اللاقانونية للطب آفة مجتمعية بامتياز نظرا للإقبال الكبير الذي تعرفه بحكم تمثلاتها وأشكالها الكثيرة، فممارسوها ينتحلون صفة يحاولون من خلالها إيهام المريض أو الشخص الذي يطلب مساعدة ما بقدرتهم على علاج أمراض جسدية وأحيانا عقلية رغم افتقادهم لأدنى شروط المعرفة العلمية الواجبة، مما يجعلهم قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في أية لحظة، وهو ما نلاحظه من خلال ممارستنا اليومية كأطباء أو من خلال متابعتنا للأخبار المسموعة والمقروءة كمواطنين عاديين. وتتعدد الممارسات بتعدد المشعوذين والممارسين اللاقانونيين للطب من كي بالنار أو بالحرارة (أمراض الكبد والعياء وفقر الدم..) إلى جبر للعظام و»معالجة» للكسور وإلتواءات المفاصل دون الحاجة للإطلاع على صور أشعة أو تحاليل مخبرية، وفي ضرب صارخ لأي معايير علمية تحترم حقوق المريض. ثم هناك الحجامة وختان الأطفال، الرقية الشرعية ومحاولة إضفاء صفة الدين والبركة في علاج كل شيء من حالات العياء والاضطرابات النفسية وصولا إلى الأمراض العقلية التي تحتاج لمتابعة علمية دقيقة. ويشار أيضا إلى أن شراء الأدوية من الصيدليات دون وصفات ودون الرجوع للطبيب المعالج كذلك هي ظاهرة شائعة وتعتبر من دون شك ممارسة لا قانونية للطب، وقد برزت خلال هاته الآونة الأخيرة مراكز للطب التجميلي لا علاقة لممارسيها بالطب لا من قريب ولا من بعيد، فهم يعتمدون على التجارب والاحتكاك بممارسين آخرين، في الوقت الذي يحتاج الطب التجميلي لقواعد علمية محضة إضافة إلى تكوين معين ومستمر حفاظا على صحة المريض. ويشكل استعمال العشابة والعطارة في علاج أمراض معينة ووصف خلطات معينة لا تحترم اختلاف الحالات باختلاف المرضى ممارسة شائعة كذلك، كل هاته الحالات تشكل جزءا من ممارسات غير قانونية لا شك أنها تزيد انتشارا يوما بعد يوم. ما هي المخاطر التي تشكلها هذه الظاهرة على صحة المتلقي؟ وهل لديك أمثلة ملموسة عايشتها في حياتك العملية؟ تتعدد المخاطر والعواقب المترتبة عن الممارسات الشاذة بتعدد أشكالها، من تأخير تشخيص بعض الأمراض التي يمكن علاجها بشكل أسهل وتام في البداية لتصبح معقدة وتتطلب توفير إمكانيات بشرية ولوجيستية أكبر مع انخفاض نسبة الشفاء، كما أن التعامل غير الطبي مع الجروح والمواد المرتبطة بالدم يعرض صاحبه لعدوى أمراض قاتلة وصعبة العلاج كالتهاب الكبد الفيروسي وداء فقدان المناعة المكتسبة… هناك حالات عديدة من الكدمات والإرهاب النفسي وحالات الوفيات أيضا نتجت عن الضرب المبرح الذي يتعرض له بعض المرضى النفسيين خلال جلسات الرقية الشرعية، وهناك أطفال وأشخاص فقدوا القدرة على الحركة العادية وأصابهم الشلل ووصلت إلى حد بتر الأطراف نتيجة الاستعمال المفرط وغير الطبي للجبيرة، إلى جانب بروز مشاكل خلال عمليات الختان أدت إلى أضرار في الأعضاء الذكرية للأطفال تؤثر على مستقبلهم في العلاقات الجنسية وتحقيق حلم الأسرة المنشود، مضاعفات تعفن لجروح نتيجة الكي لمرضى تم التعامل معهم كحالات بوصفير المنتشر بشكل كبير بين صفوف الأطفال وتتعدد أسبابه وبالتالي علاجاته، أعراض جانبية لخلطات العشابة حولت حياة بعض الأمراض إلى جحيم من التهابات مزمنة إلى أمراض معقدة وصولا إلى استئصال لأعضاء وفشل كلوي حاد ومزمن نتيجة استعمال غير معقلن ومبني على ما يسمى بالتجربة والكتب غير العلمية تماما كما هو الحال عند استهلاك أدوية معينة من صيدليات دون التوفر على وصفات طبية رغم أنها ممنوعة من البيع الحر أي دون وصفة من الطبيب المعالج. كل حالة من هاته الحالات لا شك وجب الوقوف عندها مليا لاستخلاص العبر ولمعرفة ما تشكله هاته الممارسات من مخاطر حقيقية وملموسة على صحة وحياة المواطن الذي يسقط ضحية جهله بالضوابط العلمية لمهنة الطب. وبطبيعة الحال، فكما أسلفت الذكر فالمضاعفات الناتجة عن هاته الممارسات الشاذة تردنا بشكل شبه يومي في العيادات والمصحات، لكن تبقى حالات بعينها راسخة في الذهن نظرا للتأثير الكبير التي تخلفه في جسد المريض من جهة ونفسيتنا من جهة ثانية. الحالة الأولى تخص طفلا في الثانية عشرة من عمره، كان قد تعرض لاصفرار على مستوى الجسد، فقامت عائلته بعرضه على ممارس عرضه للكي مرات عديدة نظرا لتفاقم حالته تحت ذريعة أن بوصفير يعالج فقط بالكي وأن الطبيب لا يعرف شيئا في هذا المجال، بعد مرور أزيد من شهرين تمت استشارتي، «ويا لصدمتي لما عاينت ما عليه من جروح متعفنة من آثار الكي إضافة إلى الضعف والوهن الذي أصاب جسده المريض وانتفاخ بطنه بشكل كبير الذي تبين فيما بعد أنه ناتج عن انتفاخ الكبد والطحال وامتلاء البطن بالماء، صورة من صور المضاعفات التي كان يمكن تفاديها بالتشخيص المبكر للمرض الذي ألم بالطفل المسكين وباستشارة الطبيب في حينه». الحالة الثانية وهي الأحدث، هي لطفل تعرض لكسر على مستوى اليد بمنطقة قروية، وبعد استشارة الأقرباء نصحهم هؤلاء بالذهاب إلى جبار تقليدي فما كان منه إلى أن قام بتجبيص اليد كما تعود على ذلك، لكن مع مرور الأيام ظهرت آلام على مستوى اليد ليتم عرضه على الطبيب ليفاجأ حين تمت إزالة الجبيرة بانتفاخ كبير على مستوى اليد كاملة، وتم تفادي بثر اليد فيما يشبه المعجزة، لكن اليد ستبقى عاجزة عن ا لحركة وهذا كله ناتج عن تجبير ضاغط على اليد بشكل مبالغ فيه. حالات تبقى عالقة في الأذهان وتظل غصة في الحلق بسبب ممارسات لا تمت للعلم وللطب بصلة بل فقط بأناس لا يملكون الوعي لما تقترفه أيديهم من جرائم عادة يعاقب عليها القانون. ما هي أسباب انتشار هاته الظاهرة؟ وكيف يمكن معالجة هاته الظاهرة عمليا؟ الأسباب عديدة ومتشابكة، فمنها ما هو متعلق بالموروث الثقافي وما هو نفسي مرورا بما هو اقتصادي واجتماعي، فالجهل بأسباب المرض ومخاطر الإقبال على هاته الممارسات يعد أخطرها، انعدام التغطية الصحية وارتفاع تكلفة العلاج نتيجة الهشاشة والفقر هو كذلك سبب رئيسي لتفشي هذه الظاهرة. وكأي ظاهرة مجتمعية سلبية يجب دراستها دراسة علمية مستفيضة للوقوف على جل مكامن الخلل واجتثاثها من جذورها، لكن لا بد من تدابير عاجلة للحد من استفحالها في المجتمع، لذا فالتوعية بمخاطرها بمختلف الوسائل من مناظرات، مناهج مدرسية، برامج ومقالات صحفية، ملصقات بأماكن إستراتيجية، ضرورة حتمية كما أن تعميم التغطية الصحية الإجبارية يبقى السبيل الأمثل لتيسير الولوج للعلاجات الأساسية. فالصحة حق دستوري لكل مواطن لا يحتمل المزايدات، هذا ويبقى تفعيل القانون ومحاربة الممارسة اللاقانونية للطب بكل ما للكلمة من معنى أمر لا محيد عنه، فالقانون يعلو ولا يعلى عليه وكمواطنين يجب أن نمتثل له جميعا. وفي الأخير نسائل جميع الخيرين والخيرات أبناء وبنات هذا الوطن أن يوحدوا الجهود للقضاء على هاته المعضلة التي تنخر في صحة بلدنا العزيز. * الدكتور لحنش شراف: طبيب عام بالقطاع الخاص *** الدكتور اطرابلسي*: الطب التقليدي رؤية مبتكرة للرعاية الشاملة للمريض والمشكل في من يقوم بذلك أشار الدكتور محمد الحسن اطرابلسي، طبيب مختص في الصحة العامة والتدبير الصحي، إلى أن منظمة الصحة العالمية تعرف الطب التقليدي “بالممارسات الصحية والأساليب والمعارف والمهارات القائمة على نظريات ومعتقدات وتجارب الثقافات المختلفة سواء كانت قابلة للتفسير أم لا والتي تنطوي على الاستخدام الطبي للنباتات أو أجزاء من الحيوانات والمعادن والعلاجات الروحية وتقنيات وتمارين يدوية – منفصلة أو مجتمعة – والتي تستخدم لتشخيص الأمراض والوقاية أو تحسين أو علاج الأمراض الجسدية والعقلية للحفاظ على الصحة”. وتابع الدكتور اطرابلسي أنه فيما يخص البلدان المتقدمة، فتُعرف تدخلات الطب التقليدي بأنها “مكملة” أو “بديلة” أو “غير تقليدية” أو “موازية”، وهي مثيرة للجدل فيما يتعلق بطبيعتها غير العلمية، مضيفا أنه في الاستخدام الطبي للنباتات هناك أدوية أخرى غير العقاقير المتعارف عليها، والتي تصبح، على النقيض من ذلك الطب “الغربي” أو “الحديث”. وأضاف الدكتور نفسه أنه إذا كان هذا الأخير يركز على الأعراض والعلاج بالعقار، فإن الأدوية “التقليدية” تبدأ من مقاربة كونية تتمثل في بيئة العقل والجسم للمريض، للحصول على علاج فردي. وأبرز الدكتور ذاته أن الطب الصيني التقليدي الأكثر توثيقا علميا، يمارس في الصينواليابان وفيتنام ويتواجد مع الطب الغربي وهو جزء من النظام الصحي، مشيرا إلى أنه يتم تدريسه في الجامعة ويمارس على نطاق واسع في المستشفيات حيث يمثل ما مجموعه 40 في المائة من الرعاية المقدمة. وقال الدكتور عينه “إن حوالي 90 في المائة من المستشفيات الإقليمية اليوم لديها قسم الطب التقليدي والاهتمام المتزايد به ليس عودة إلى الماضي، ولكن رؤية مبتكرة للرعاية الشاملة للمريض. وفي اليابان، الطب التقليدي المسمى “كامپو” مستوحى بشكل أساسي من الطب الصيني التقليدي منذ القرن السادس الميلادي حيث يستخدم 80 في المائة من الأطباء اليابانيين نظام علاج كامبو في ممارستهم اليومية، وهو نظام علاج فردي حيث الحالة العامة للمريض لها أهمية حقيقية؛ بالإضافة إلى ذلك، هذا النظام لديه نهج علاجي شامل، حيث ينظر إلى العقل والجسم ككيان واحد”. وأوضح الدكتور أن الهدف العلاجي هو تخفيف الأعراض واستعادة الانسجام في وظائف الجسم، موضحا أن نظام العلاج يعتمد على الأعراض لتحديد الوصفة العشبية المناسبة والمشخصنة، فيقوم الطبيب بإجراء تحقيق شامل في شكاوى وأعراض المريض، بما في ذلك أخذ درجة حرارته أو فحص الإحساس أو الضعف أو التعرق، وهي أعراض لا تؤخذ غالبا بالاعتبار في المقام الأول في الطب الحديث، موضحا أن الفحص البدني يشمل ملامسة البطن وفحص اللسان وتشخيص النبض مما يوفر معلومات إضافية بشأن حالة المرض، من خلال جمع كمية وتوزيع الطاقة الحيوية، والدم وسوائل الجسم. إذ يتم الجمع بين الشكاوى الشخصية والأعراض التي لاحظها الطبيب إلى ملف تعريف أعراض فردي، وهو تشخيص كامبو، مما يؤدي إلى اختيار الوصفة الطبية المناسبة والدواء العشبي الناجع بالكمية المطلوبة علميا مع تجنب إحداث أضرار، كأنه سيصف دواء صيدلي حديث. وأكد الدكتور اطرابلسي أنه لمصداقية هذه النمط الطبي بدل المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في غرب المحيط الهادئ جهودا كبيرا في توحيد الطب التقليدي لشرق آسيا، وشرعت منظمة الصحة العالمية في دراسة إدراج تصنيف هذا النوع من الطب في التصنيف الدولي للأمراض وعرضه على موافقة جمعية منظمة الصحة العالمية في 2015. واعتبر الدكتور اطرابلسي أن “المشكل ليس في العلاج بالأعشاب أو بطرق تقليدية أخرى بل فيمن يقوم بذلك وفي مدى إلمامه بالقواعد الصحيحة للعلاج”، مبرزا أنه يمكن أن يكون لعدم تنظيم أو إساءة استخدام الأدوية والممارسات التقليدية الأخرى آثار ضارة أو حتى خطيرة على المريض، مضيفا أنه حتى الدول الأوربية تلجأ لها لكن حرصها على سلامة مستهلكي هذه العلاجات من مواطنيها يجعلها لا تسمح ببيع سوى المنتجات التي تم تقييمها بواسطة الوكالة الأوروبية للأدوية، حيث يتعين على الشركات المصنعة أن تثبت أن منتجاتها قد تم تصنيعها وفقًا لمعايير صارمة وأنها تحتوي على جرعة دقيقة من المنتج النشط. ولكي يعتبر دواء تقليديًا، يجب أن يكون المنتوج قد ثم استخدامه على مدار الثلاثين عامًا الماضية، بما في ذلك 15 عامًا في الاتحاد الأوروبي. ولا تتم الموافقة عليها إلا في الحالات المعتدلة مثل السعال ونزلات البرد، أوجاع العضلات أو مشاكل النوم. وأشار المتحدث نفسه أن ربع الأدوية الحديثة مستمدة من المنتجات الطبيعية، والتي استخدمت لأول مرة في العلاجات التقليدية، مشيرا إلى أن الأسبرين مستخلص من لحاء الصفصاف والمورفين من بذور الخشخاش والأدوية المضادة للملاريا مستخرجة من نبات صيني يحتوي على مادة الأرتيميسينين والعقاقير المضادة للسرطان مستخلصة من نبات الماندريك، شجرة تاكسوس… “لكن كل هذا بشروط ومعايير تراعي مقاييس دقيقة من المنتج النشط، عدد الجرعات وأوقات الاستعمال، الخ…”. وشدد الدكتور ذاته على أن المشكل الثاني القائم اليوم هو التطاول على مجالات من طرف أناس ليس لهم أدنى إلمام بما تتطلبه، وهذا بدون استثناء، مستطردا “لكن عندما يكون الأمر يتعلق بالسلامة الجسدية والنفسية للأشخاص، وجب علينا التفاعل والتدخل لا كأشخاص فحسب بل كفاعلين وكمسؤولين كل من موقعه لوقف هذا التسيب”. وأشار الدكتور اطرابلسي إلى أنه على جدران أحياء المدينة، وعلى مواقع التواصل وعلى القنوات الفضائية، تُنشر إعلانات عروض الخدمة ويقدم هؤلاء “الأطباء الجدد للعصر الحديث” أو السماسرة والوسطاء المرتزقون من أوجاع الناس علاجات معجزة للمرضى بالنباتات الطبية، بالرقية، بالحجامة …، من بين أمور أخرى، حلول لعدد من الأمراض دون أدنى ضمانات ودونما يفيد أن هؤلاء لهم الحد المتوخى من الإلمام بما يدعون من القدرة على العلاج أو تخفيف الآلام دون ضرر… من جهة أخرى، اعتبر الدكتور نفسه هذه الممارسات بمثابة نشاط تجاري مزدهر في غفلة من المراقبة المهنية وفي تحدي للضوابط وربما القوانين، مشيرا إلى أنه غالبا ما يلجأ إليه الكثير من المرضى قبل استشارة الطبيب أو بعد استشارة لم تشفي لا عضويا ولا معنويا… وتابع الدكتور اطرابلسي أنه صحيح أن هؤلاء الممتهنين يعرفون كيف ينفذون لعقل المعتل ونفسه ولا يبخلون بالإنصات والتفاعل، مؤكدا على أن العلاج المفترض يحصل بترجيح مخاطبة النفس وجعلها تشعر بالسكينة وبالثقة، موضحا أن “العلاقة بين العقل والجسم لم تعد بحاجة إلى إثبات؟ فأبقراط أب الطب سلم مقتنعا بالفعل أن أحدهم يؤثر على الآخر، وأن الجسم ليس مجرد كيان بيولوجي، بل صخرة مسامية، متأثرة بالعديد من العوامل، مثل الفكر والبيئة أو عيون الآخرين، ولا أدل على ذلك من تأثير الدواء الوهمي بلاصبو الذي أكدته العديد من الدراسات العلمية، فبعض الأدوية المزيفة لها آثار علاجية. لماذا؟ لأن الدماغ، من خلال شكل من أشكال الإنقاذ الذاتي، سيصنع بنفسه مواد أفيونيه، فعالة لتخفيف الألم. وبالمثل، فغالبا ما يكون للمعالجة بالحقن تأثير أكبر من الأقراص “لأنها طريقة أكثر فعالية في مخيلة الناس”. إن تأثير الدواء الوهمي موجود بالتأكيد ويجب أخذه في الاعتبار. فالفرد لا يتفاعل فقط مع مادة دوائية، ولكن في سياق الرعاية، من خلال القوة الهائلة للعقل، يمكن للمرء التحكم في صحة الفرد، أو حتى علاج بعض الأمراض، لكن إلى متى؟”. وعرج الدكتور اطرابلسي على الاستعمال غير الآمن للأدوات العلاجية، قائلا “إذا سلمنا أن المعالج التقليدي له حد أدنى من الإلمام في علاجه، فإلى أي حد يمكن التأكد أن ما يستعمل في العلاج من أدوات طبية أو غيرها تخضع لشروط النظافة والتعقيم؟”. وتابع الدكتور نفسه أن بعض المرضى يعتبرون أن الطب التقليدي لديه إمكانات علاجية أعلى من الطب العصري فيما يخص بعض الأمراض، مضيفا “فالحجامة مثلا وهي وسيلة لاستخراج الدم من سطح الجلد باستخدام أكواب الشفط، تعتبر علاجا مفيدا لعدة أمراض، لكن الممارسة العشوائية لهذا العلاج من قبل المشعوذين، دون أي تدريب طبي أو شبه طبي حقيقي أو أي تجربة، تعرض عددًا كبيرًا من المرضى لعواقب وخيمة، وقس على ذلك في تدخلات أخرى”، معتبرا أن المشكل اليوم هو في الولوج للعلاج، الولوج المادي والولوج المجالي. وأكد الدكتور اطرابلسي أنه “اليوم أصبحنا أمام وضع لا يمكن أن نتجاهله، فاللجوء للعلاج التقليدي أضحى في تزايد مستمر ووجب أخده بعين الاعتبار وضرورة تأطيره قانونيا وتقنيا، فهناك دول كما سبق الذكر ادمجته في المنظومة الصحية، حيث تقوم العيادات أو المستشفيات بتقديم هذه العلاجات حسب ضوابط علمية وتحت مراقبة 0منة، لأنه يتواجد في أقصى الجبال، أقرب للمرضى من أي مؤسسة علاجية”. ودعا الدكتور اطرابلسي إلى استلهام تجربة وزارة الصحة في تكوين وتأطير المولدات وتمكينهن من الأدوات الضرورية والآمنة لضمان سلامة تدخلات هؤلاء المعالجين، داعيا إلى الصرامة في المراقبة والزجر عند الضرورة ووجوب تظافر الجهود للسير قدما نحو تكريس دولة الحق والقانون. *طبيب مختص في الصحة العامة والتدبير الصحي *** نوفل البعمري*: يجب مساءلة المطابع التي تقوم باستنساخ واستخراج الاختام لهؤلاء المشعوذين أضحى بعض ممتهني ”الرقية الشرعية” و”‘العلاج بالأعشاب” يقدمون لمرتاديهم من المرضى ورقات تحمل “وصفات للعلاج” مشابهة “للوصفة الطبية ordonnance” التي يقدمها الأطباء المختصين، كما أنها تحمل توقيع وختم ميكانيكي “cachet” لهؤلاء الممتهنين، فما مدى قانونية حصولهم على هذه الأختام الميكانيكية من المطابع ؟ وهل يمكن لأي كان أن يحصل على ختم بالصفة التي يرغب فيها من المطابع ؟! مسألة حصول الرقاة على “أختام”، هي مسألة تطرح إشكالات قانونية تتعدى الرقاة أنفسهم وتساءل المطابع التي تقوم باستنساخ واستخراج الأختام دون أن يدلي أصحابها بما يثبت صفتهم وهويتهم المهنية، حيث أن المطابع تظل مسؤولة عن عملية استخراج هذه الأختام واستنساخها دون التأكد من هوية أصحابها، وهو ما يعرضها للمساءلة القانونية. لكن في ظل غياب الرقابة وفي ظل الفوضى التي يشهدها مجال الرقية في المغرب بسبب تداخل عدة عوامل (دينية، ثقافية، قانونية ثم سياسية) أصبحت وضعية الرقاة معقدة وأمسى المجتمع ضحية الكثير من عمليات النصب والاحتيال والاستغلال الجنسي… المصالح المختصة الإدارية التي تراقب وتواكب عمل المطابع هي الموكول لها التدخل الوقائي القبلي لدى المطابع من أجل التشديد عليهم بعدم استنساخ الأختام بهويات ومهن أحيانا تكون غير مؤطرة قانونا كالرقية، مما يجعل هذه المطابع مسؤولة قانونا عن طبعها للأختام بدون الأوراق القانونية المطلوبة. ما هي الوضعية القانونية للرقاة خاصة في ظل انتشار محلاتهم المشابهة للعيادات حتى وسط الشوارع الكبرى ووسط كبريات المدن؟ بالنسبة للوضعية القانونية للرقاة، يمكن القول أن أغلبهم إن لم يكن جلهم هم في وضعية مخالفة صريحة للقانون، في وضعية غير سليمة تجاه القانون، حيث يعملون على استغلال الفراغ التشريعي الذي قد ينظم عمل الرقاة ويضبطه من أجل فتح محلات أحيانا ترتكب فيها جرائم يكون ضحاياها من المواطنين، كما أن اغلب الرقاة يلجؤون لفتح محلات لبيع الأعشاب الطبيعية ثم سرعان ما تتحول إلى مراكز للرقية، مقنعة، ومخبئة تحت هذا الغطاء، وهو الأمر الذي يطرح بحدة على القطاعات الوزارية المعنية بهذه الظاهرة عدة تساؤلات، خاصة أن تلك المحلات أصبح ضحاياها يتزايدون وترتكب في حقهم جرائم النصب والاحتيال، الاستغلال الجنسي والاتجار في البشر الذي أصبحت مواده تفعل في مثل هذه الجرائم، حيث يستغل هؤلاء الرقاة حاجة المقبلين عليهم من المواطنين لتلقي العلاج، وهشاشتهم النفسية ليقوموا باستغلالهم. إذن ما المانع أمام متابعة هؤلاء الخارجين عن القانون؟ ما يعقد من الوضع هو أن أغلب الضحايا يرفضون اللجوء للقضاء خوفا من الوصم الاجتماعي، وأغلب الملفات لم تفتح إلا بعد أن تسربت معطياتها للرأي العام عن طريق الصحافة أو وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك فأمام الفراغ التشريعي، وخوف الضحايا من “الفضيحة”، يجعل ذلك الرقاة وكأنهم “محصنين” من المتابعة القانونية، وهو ما يفرض اليوم على المشرع أن يتدخل أولا لضبط مزاولة الرقية، ثم لتشديد العقوبة على مرتكبي الجرائم التي تصاحب عادة عملية الرقية. ثالثا: نحن للأسف أمام ظاهرة تتوسع داخل المجتمع، و أصبح اللجوء إليها لا يشمل فقط فئة دن غيرها، بل ضحايا الرقاة يتوزعون بين الفئات الفقيرة والغنية، وبين الفئات المتعلمة وغير المتعلمة، وهو ما يطرح إشكالية الوعي والثقافة ببلادنا، لأنه عندما يلجأ للرقاة المشعودين الفئات المتعلمة والميسورة ممن يمكن أن تلجأ للأطباء خاصة القطاع الخاص مثلا، فالأمر يعد مؤشرا على خلل موجود داخل المجتمع، خلل ثقافي ونفسي يدفع الإنسان إلى أن يخاطر بسمعته، ونفسه مقابل الخضوع لحصة قد تبتدئ بالرقية وتنتهي بالاتجار في البشر والشعوذة والاستغلال الجنسي. * محام بهيئة تطوان