"ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة        عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مازال المغرب يعاني من التفاوتات في توزيع العلاجات
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 04 - 2015

الدكتورة رجاء غانمي، طبيبة، حصلت على لقب أحسن طبيبة عربية العام الماضي بلندن، حيث تلقت تنويها من جلالة  الملك محمد السادس. وهي فاعلة جمعوية، اختارت منذ سنين أن تكون بموقع تخدم من خلاله المجتمع المحلي والمساهمة في نشر الوعي والتثقيف الصحي والمجتمعي محاولة عكس الصورة الحقيقية للمرأة العربية بشكل عام والمغربية بشكل خاص، حاصلة على دكتوراه في الطب من كلية الطب في الرباط، وقامت بتدريب في هيئة تدبير التغطية الصحيّة في فرنسا عن تقنيات المراقبة الطبية، وتعتبر  من أول الطبيبات المغربيات اللاتي ساهمن في إنجاح مشروع التغطية الصحية بالمغرب. حاصلة على شهادة في تقنيات العدالة البديلة، من "المركز العالميّ للوساطة والتحكيم". لها مؤلفين تم إصدارهما من طرف المطابع الجامعية الاوربية  بالمانيا الاول يرصد حالة ناذرة من السرطانات والثاني يعتبر اول معجم لمصطلحات التغطية الصحية يصدر في العالم . لها  عديد من المقالات الطبية المتخصصة في السياسات الصحيّة وتحسين العلاج في بلدان العالم الثالث، كاتبة ومحللة في مواضيع مجتمعية وسياسية، مستشارة لدى الكثير من المنظمات العلمية، ومحاضرة افريقية في مجال التغطية الصحية والمراقبة الطبية..
على صعيد  المجتمع المدني، تعتبر الدكتورة غانمي رجاء ناشطة اجتماعية في خدمة المواطن من خلال عدة مؤسسات وجمعيات، حيث تشغل منصب رئيسة «جمعية ابقراط: تنمية و تضامن»، وهي عضو مؤسس ومكلفة بالتنسيق العام في جمعية «فضاءات الابداع والتنمية«، ونائبة رئيسة جمعية «فضاء المواطنة والتضامن» وسفيرة المغرب بالمنظمة العربية لحقوق الانسان.
{ كثر الحديث مؤخرا عن إشكالية الاستثمار في المجال الطبي، لماذا في رأيك كطبيبة ومحللة في السياسات الصحية كل هذه الضجة؟؟
الإشكالية ليست الاستثمار في القطاع الصحي ، لان القطاع الخاص الربحي ليس بجديد في المجال الصحي ، بل فقطا كان حكرا على المستثمرين الأطباء ، فالورش الجديد الذي يسعى إلى فتح الرأسمال للمستتمرين سواء كانوا أطباء أو أفراد مستثمرين أو شركات أو مؤسسات مالية مستثمرة ، أو هما معا مغاربة أو أجانب في استثمار مشترك من خلال مراجعة القانون 10/94 المتعلق بمزاولة مهنة الطب ما هو في الحقيقة إلا ترجمة فعلية للدستور الجديد الذي ينص على الحق في الصحة.
بعيدا عن التحليل السياسي للإشكالية ، ومنطقيا ، نعلم جميعا أن المغرب يواجه في السنوات الأخيرة مجموعة من التحديات في المجال الصحي ، وتتعلق بالتغيرات الديمغرافية والوبائية التي ترفع من نسبة الإصابة بالأمراض وخصوصا المزمنة والمكلفة ،وكذا ارتفاع تكاليف التكنولوجيات الطبية ووعي المواطنين بضرورة توخي الرعاية الصحية الكاملة وتحقيق وضمان معايير الجودة والسلامة والأمن الصحي ،وتفشي الاختلالات في توزيع الخدمات الصحية وتمركزها في جهتي الدار البيضاء والرباط ، بحيث نجد ساكنة بعيدة عن الخدمات الصحية في العديد من المدن التي رغم دفعها مشاركة شهرية في إطار التأمين الإجباري عن المرض لاتستفيد من العلاجات المطلوبة لعدم توفر العرض الصحي في بعض المناطق، وبالتالي نجد هم يتكبدون تكاليف السفر والإيواء من اجل تلقي علاجات الأمراض المكلفة والمنهكة كالسرطان وقد تكون هذه النفقات تعادل في بعض الحالات نفقات العلاج والتشخيص ،وأيضا وصول شبح البطالة لفئة الأطباء بسبب تفاقم الحصار الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية.
إن دخول مشروع التغطية الصحية الإجبارية وانخراط بعض المؤسسات الإدارية لأنظمة تامين تكميلية، وتوسيع سلة الخدمات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كلها تحولات أصبحت تفرض وجود قطاع خاص يتسم بالجودة والتفاعل والكفاءة الطبية والمهنية، وتواكبه سياسة صحية مرنة تساهم بدورها في تطوير وتعزيز الرعاية الصحية الشاملة عن طريق خفض أسعار الأدوية والآلات الطبية والخدمات الطبية ....
أود أن أشير أيضا على أن الاستثمار في القطاع الصحي عن طريق خلق مؤسسات صحية ذات أبعاد ربحية، يدعمها أشخاص ذاتيون أو شركات استثمارية ليست بخصوصية مغربية، بل هي مسالة متداولة وناجحة في عدة دول، وحققت مكاسب هامة وانجازات كبيرة على مستوى العرض الصحي والرعاية الطبية ورفع مستوى البحث العلمي والتكوين المستمر للأطر الطبية وتطوير جودة الخدمات، وخاصة تيسير الولوج إلى العلاجات بطريقة متساوية على مجمل التراب الوطني وتفعيل المساواة بين المواطنين، وفي هذا السياق وفي إطار تحليل ودراسة التجربة من خلال منطق المقارنة مع العديد من دول أوروبا وأمريكا وحتى بعض الدول العربية ، الذين سبقونا إلى تفعيل هذه المقاربة والإستراتيجية المتمثلة في الاستثمار في القطاع الصحي عبر الشركات المتخصصة والمؤسسات المالية ، نجدها الآن تحتل مراتب من بين أفضل النظم الصحية في العالم ،ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر فرنسا التي تتوفر اليوم على أزيد من 1100 مستشفى خاص ، كما أكدت الإحصائيات أن ما يعادل 50 في المائة من العمليات الجراحية ، تنجز في مؤسسات خاصة تديرها شركات استثمارية صحية خاصة أهمها ثلاث مجموعات فرنسية استثمارية متنافسة في درجة عالية من التنظيم والجودة والمجموعة الأولى من بين هذه المجموعات تصل إيراداتها السنوية إلى ما يعادل 700 مليون أ ورو، هذا و بالرغم من أنها تقدم خدماتها الطبية بأسعار تقل عن القطاع العام بنسبة تعادل 20 في المائة. كما تساهم هذه المصحات والمستشفيات الخاصة في دعم الاستشفاء المنزلي والمواكبة الطبية المنزلية والعلاجات الموازية، وتدعم البحث العلمي والبحوث الميدانية و التكوين الأساسي والمستمر للأطباء والأطر الصحية ،عبر التداريب السريرية والتطبيقية والندوات العلمية بتنسيق وشراكة مع كليات الطب والصيدلة وكليات ومعاهد المهن الطبية ، وساهمت بشكل فعلي في تخفيف وطأة وهيمنة شركات الأدوية على مجال التكوين الطبي.
{ ماهي في نظرك مشاكل قطاع الصحة ؟
لقد سبق وأن أجبت عن هذا السؤال في عدة مناسبات، مما لا شك فيه أن قطاع الصحة بالمغرب أحرز تقدما ملموسا ،وقد كان له عموما، أثر إيجابي على تحسن المؤشرات الصحية، وبالأخص ارتفاع متوسط العمر المتوقع عند الولادة، الذي وصل إلى 72 سنة وهذا راجع إلى الانخفاض المهم في معدل وفيات الأطفال، وتقلص انتشار العديد من الأمراض المعدية والقضاء على العديد من الأمراض الفتاكة، واتساع عروض العلاج في القطاع العمومي والخاص، بما في ذلك تطوير قدرات مهنيي قطاع الصحة.
ولكن أنا كأكاديمية وباحثة ومحللة في السياسات الصحية، أود أن احلل الوضع الصحي من خلال ثلاثة أبعاد:
البعد الأول: الولوج إلى العلاج
بالرغم من المكتسبات التي حققها قطاع الصحة، إلا أنه مازال يعاني من تواجد المعيقات للولوج إلى العلاج ، منها المعيقات الجغرافية والتفاوتات في توزيع العلاجات ،حيث لازالت تعاني الفئات الهشة من المجتمع من عدم المساواة، ويتمظهر هذا في التباين المهم في الخارطة الصحية (المجال الحضري، شبه الحضري، القروي)، خاصة على مستوى توزيع الموارد البشرية ، وغياب التكامل بين القطاعين الأساسيين العمومي والخاص،وكذا النقص في البنيات الصحية الأساسية والتمويل العمومي. والتفاوتات الاقتصادية التي الأصل فيها الفقر المادي وغياب تعميم التغطية الصحية .
تعاني صحة الأم والطفل من استمرارية التراجع، حيث لازال معدل وفيات الأمهات والرضع في المغرب يحتل مرتبة من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث تسجل النسبة تفاوتا كبيرا جدا بين المدارين الحضري والقروي، وتعزى هذه الوفيات إلى عدم توفر الشروط الصحية اللازمة للولادة ،حيث نجد عددا مهما من النساء لازلن يلدن في ظروف صعبة وغير طبية ومن دون أي تتبع طبي قبل الولادة.
ناهيك عن الخصاص في العرض الطبي بالنسبة للأمراض المزمنة الغير منقولة ، والتي صارت تشكل تحديا للمستقبل في جل الدول النامية والمتقدمة، مثل مرض السكري والسرطان والقصور الكلوي، والأمراض النفسية بما فيها الإدمان، وأمراض القلب والشرايين، وهو الأمر الذي بدأ يظهر بحدة كبيرة لدى فئة الأشخاص المسنين وخصوصا في المدار القروي.
البعد الثاني: حكامة قطاع الصحة
لا ننفي أن هناك مجهودات تبذل من اجل خلق ملائمة العمل الصحي للسياق الاجتماعي والاقتصادي، وتقليص التفاوتات في الولوج إلى العلاج، واختزال وقع الأزمة الاقتصادية التي تشكوا منها القطاعات الاجتماعية بصفة عامة وقطاع الصحة بشكل خاص، إلا إن حكامة القطاع تعاني من ضعف التنسيق مع باقي القطاعات الوزارية وهيئات المجتمع المدني ، أيضا تعاني من بعض الخلل في سياسة تدبير الموراد البشرية، مما يترتب عنه التوزيع غير المتكافئ لمهنيي الصحة عبر تراب المملكة، وكذلك خلل في توزيع خدمات التكنولوجيا الطبية الحديثة، والتخصصات المهمة ، وتمركز النسبة الأكبر من هذه الخدمات الصحية بين مدينتي القنيطرة والجديدة.
وعدم تخصيص الاعتمادات المالية الكافية للبحث العلمي والتكوين المستمر في المجال الطبي، والذي لحد الساعة يمول من طرف شركات الأدوية مما يؤثر على الحيادية العلمية المطلوبة.
وأيضا ضعف إدخال التقنيات الحديثة في مجال التسيير الإداري، وتأخر مشروع التقييم الدوري عبر وضع نظام معلوماتي وطني لملفات المرضى الشخصية، من أجل تجميع المعطيات الضرورية لتتبع تدبير الشأن الصحي على المستوى المركزي والمحلي، وتقنين مصاريف العلاج الناتجة عن تكرار الفحوصات، وتكثيف الدراسات الميدانية وتحفيز الأطباء ومهنيي قطاع الصحة.
البعد الثالث: الإطار القانوني
يتضمن التشريع المغربي مجموعة من النصوص القانونية،والتي تحث على الحق في الصحة، إلا أن الترسانة التشريعية والتنظيمية تبقى غير كافية في بعض الأحيان لترجمة الحق في الصحة، باعتبار هذه الأخيرة في كل أبعادها البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية ، حيث إن هذه القوانين لا تعبر عن وجود سياسة وطنية في مجال الصحة، كما أنها لا تعكس وجود نظام وطني لقطاع الصحة. مثلاً لم يجد المشرع حلا لكل إشكاليات الصحة، كإشكالية الإجهاض مثلا، وإشكالية الحفاظ على السر الطبي، وإشكالية طب الشغل، وتجديد لائحة الأمراض المهنية وليدة التكنولوجيا الحديثة، ولائحة الأمراض المزمنة والمكلفة التي صارت تعاني من التقادم وقوانين تقنين الوصفات الطبية والسياسة الدوائية في كل أبعادها، واحترام التعريفة المرجعية ،حيث تظل الأسعار والتعريفة المعتمدة للخدمات الصحية والعلاجات والعمليات الجراحية تختلف من مصحة إلى أخرى، ويؤدي المرضى في اغلب الأحيان رسوما كبيرة إضافية للمصحات فضلا عن مصاريف اخرى تؤدى في صندوق اسود مباشرة للطبيب قبل الاستفادة من العلاج أو اعتماد شيك كضمانة للاستفادة من الخدمات الصحية رغم مخالفة ذلك لقانون، وكذا اعتبار تسعيرة صناديق التغطية الصحية مجرد حصة تكميلية لمبلغ من المفروض على المواطن أن يؤديه.
{ هل في نظركم بإعطاء الفرصة للرأسمال بالاستثمار في قطاع الصحة سيتم التغلب على المشاكل التي يتخبط فيها القطاع؟ وكيف ذلك؟
من الناحية الأكاديمية، ولكي نتمكن من حل إشكاليات قطاع الصحة في ظل الترسانة القانونية الجديدة ، يجب اتخاذ مجموعة من التدابير الأولية :
1. مراجعة التشريعات والأنظمة والقوانين المنظمة والمشرعة للاستثمار في القطاع الصحي وإحداث التغيير المناسب، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات وحساسية المهنة، وفي هذا الصدد ، انه لمن الضروري الوقوف على الوضعية الملتبسة على المستوى القانوني للمصحات والمستشفيات الخاصة بالمغرب ، والتي لا زالت تفتقد إلى التصنيف الثلاثي ، فنجد في جل بلدان العالم قطاع عام وقطاع خاص ربحي وقطاع خاص غير ربحي،. فاعتمادا على البيانات الصادرة عن وزارة الصحة، فان عدد المصحات بالمغرب لايتعدى 320 مصحة مجملها تم إنشاءها وفق مقتضيات قانون الشركات، ووضعيتها القانونية إما أنها شركات مجهولة الاسم أو شركات مساهمة ومعظم هذه المصحات ذات طاقة استيعابية متوسطة ، وبالمقابل تستحوذ على أكثر من 80 في المائة من أموال التغطية الصحية بناءا على معطيات تقارير الوكالة الوطنية للتامين الصحي .
إن الدفع بعجلة قطاع الصحة في المغرب يقتضي تيسير دينامية فض النزاعات ،عبر خلق محاكم مختصة قادرة على التدخل الفعال للبث في القضايا الصحية والطبية بما فيها الأخطاء الطبية والتمريضية ،وحماية الأطباء والممرضين ضد التأويلات الخاطئة في بعض الحالات العلاجية الصعبة، وخصوصا أمام عدم احترام القوانين من طرف أرباب المصحات.
2.  توفير قنوات رسمية للدعم المالي الحكومي والأهلي (القروض) لتشجيع الاستثمار الصحي والطبي، وهي فرصة لإعادة خلق قطاع خاص قوي مبني على أسس متينة من الشفافية والمسؤولية والاحترافية ،والالتزام في احترام تام للشروط والمعايير العلمية والطبية في التسيير المقنن للمؤسسات الصحية وجودة الخدمات بالاستفادة من الكفاءة والمهارات وحنكة خبراء ا التسيير الإداري والانفتاح على عالم الاحترافية في تدبير الأخطار في المجال ألاستشفائي بكل مقوماته.
3. مواكبة التقدم العلمي في المجال الطبي:
من الضروري عند تفعيل قانون 13- 113، التأكيد على ضرورة انفتاح الاستثمار على كل ما هو جديد ومتميز في المجال الطبي، وعدم اتباع التيار الربحي أو ما يدعى الطب الرخيص الثمن، ومن اجل الدفع بعجلة التنمية، فانه من الضروري خلق تحفيزات وإعفاءات ضريبية بالنسبة للاستثمارات التي تتعلق بجلب التقنيات الحديثة، ومن اجل التغلب على النقص في بعض التخصصات في القطاع الخاص ، مثلا مصحات الطب النفسي ومعالجة الإدمان ومصحات الترويض والتأهيل الطبي ، ومصحات التخصصات في طب الأطفال ومراكز خاصة بصحة الأم والطفل ومراكز طب التجميل ومراكز طب أمراض الشيخوخة والمسنين الذين يشكلون اليوم ما يقارب 2.8 مليون شخص، ويعانون من أمراض مزمنة ومكلفة .
4. ضرورة الانفتاح على السوق الإفريقية وخلق توجه السياحة الطبية :
بات من الضروري التعجيل بخلق التوازن في التوزيع الجغرافي للموارد البشرية وللمؤسسات الصحية في القطاع الخاص ،وحتى العام ، حيث نلاحظ انه رغم توافد السياح على المغرب، وتواجد جالية أوروبية وافريقية كبيرة مقيمة بالمدن الكبرى السياحية كالرباط وطنجة ومراكش واكادير والصويرة والبيضاء، إلا أننا نجد أنهم يضطرون للرجوع إلى بلدهم الأصلي أو التوجه إلى أوربا من اجل طلب العلاج في حالة وعكة صحية ، مع توفر المغرب على مؤسسات صحية مسايرة للركب ومتخصصة باستثمار رأسمال وطني أو حتى أجنبي، وتوفر قطاع خاص قوي يتوفر على نظام مراقبة الخدمات ، .سيتمكن المغرب بفضل تموقعه الاستراتيجي أن يشكل قبلة للمرضى في بلدان إفريقيا الذين يودون الاستفادة من خدمات صحية جيدة باثمنة مناسبة ،
فولوج غمار المنافسة العالمية تتطلب أولا بناء قطاع صحي يحترم قيمة الإنسان وأخلاقيات المهن الطبية والصحية ويواكب طلبات الموطنين بتنوعها، ويمكننا بالتالي من استقطاب مرضى الدول الإفريقية وخلق شراكات مع الأجهزة المدبرة للتامين الصحي بتلك البلدان ، مما سيخلق دينامية اقتصادية وتنموية.
5. ضمان استقلالية القرار الطبي
إن القانون المغربي يعطي حرية أكبر للأطباء ويحمي استقلالية قرارهم وفق القانون والعلوم الطبية ،ويحمي العلاقة التعاقدية المقدسة التي تجمع الطبيب بمريضه والمريض بطبيبه، فالأطباء المغاربة يتمتعون باستقلالية مطلقة أثناء ممارستهم المهنة سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص ، بناءا على مقتضيات وبنود القانون رقم 10/94 المتعلق بمزاولة مهنة الطب والى المقتضيات المتعلقة بقانون الهيئة الوطنية للأطباء فيما يتعلق بالمسؤولية الطبية وأخلاقيات المهنة، ووازعهم الأخلاقي والديني وتشبثهم الحثيث بقسم ابقراط . وبالتالي فحرية واستقلالية القرار الطبي في العلاج تحكمها المسؤولية الطبية القانونية وقسم أبقراط وآداب وأخلاقيات مهنة الطب وهي كلها قوانين منزهة .
فتشجيع الاستثمار في القطاع الصحي الخاص يجب أن يتم وفق دفتر تحملات واضح وملزم، ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية المهنة وضرورة خلق لجنة أخلاقيات تعاقب كل مستثمر حاول التدخل أو اختراق المعلومات الطبية وعلاقة الطبيب بالمريض.
6.    تفعيل التركيز الإعلامي لتشجيع الاستثمار في القطاع الصحي وإبراز أهميته للوطن مثله مثل بقية المجالات الأخرى والعمل على   تعريف المستثمرين بالفرص الاستثمارية في المجالات الصحية والطبية داخل المملكة.
7. تعميم التغطية الصحية، وخلق وتعميم ثقافة وفلسفة التامين الصحي التكميلي: إن حل إشكاليات قطاع الصحة هو مرتبط بشكل وطيد بمشروع التغطية الصحية في كل أبعاده، وبالخصوص مشروع تعميم التغطية الصحية الإجبارية عن المرض وبلوغ التغطية الصحة الشمولية، وترسيخ وتعميم مفهوم التغطية الصحية التكميلية لرفع الضغط المادي عن المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.