لا بد أن نختم الحديث عن الرئيس تبون مع يقين جازم بأنه سيعيد سقطاته من جديد. لعل السقطة الأخلاقية والسياسية والدينية الكبرى، في لغة الرئيس الجزائري تبون، كانت في حديثه عن ثوابت المغرب: النظام الملكي، والوحدة الترابية وعلاقتهما العضوية، والتي جعلت التواشج تجربة مغربية فريدة… ولهذا لم يفهم، هو الذي ادعى بأن الجزائر قادرة على بناء نفسها بالمغرب أو بدونه، أن المغرب عندما حاز اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسيادته على صحرائه، إنما كان ذلك ثمرة عمل جدِّي من ملك المغرب، وديبلوماسية المغرب، وشعب المغرب. كيف يعقل أن رئيس دولة، تقول إنها الأقوى في المنطقة، بل في إفريقيا، يفسر اعتراف أكبر دولة في القرنين العشرين والواحد والعشرين، بأنها منحت أرضا إلى ملك؟ لقد قال بالحرف: «كيف يمكن التفكير في منح أراض بكاملها، وبكامل ساكنتها إلى ملك ؟»... ولغته تشير إلى أنه لا يفهم معنى قاموس الدول، ولا معنى الأرض، .. إنه، لا شعوريا، يكشف لنا كيف يعتبر السيادة: هي منح أرض بلدان لحكامها كما هو، في ما يبدو، مفهومه للدولة، ولوطنه ولشعبه.. ومن تناقضات الرئيس، أن الساكنة التي يقول إنها »منحت« لملك المغرب هي نفسها التي يقول عنها، في مكان آخر من الحوار، ما يلي: «الصحراويون من أصول صحراوية أقلية مقارنة بالمغاربة الذين استقروا فيها!». قل لنا يا مجتهد: كيف تمنح أمريكا ساكنة مغربية إلى ملكها، إذا سايرناك في منطقك الشريد؟ لقد تجاوز التبون حدود العداء، وصب كامل جهله على المستقبل. الرجل يريد أن يقرر مكان المغاربة ومكان الصحراويين ومكان التاريخ ومكان الجغرافيا ومكان الذاكرة. رجل يعتبر أن وضعه كرافض للسيادة الشعبية في بلاده، يمكنه أن يعمم غطرسته العسكرية على الجميع. يكرهنا بقلب ... وعواطف العسكر الجزائري! ويقرر بأن «المغاربة (نعم)، في الصحراء (نعم)، أغلبية (نعم) وأنهم، في حالة التصويت على تقرير المصير ،سيصوتون من أجل الاستقلال!» لماذا؟ لأنهم لا يريدون أن يكونوا رعايا الملك !! يا سبحان لله، تلعب دور الشوافة والعرافة في شعوب الآخرين، ولا ترى ما يريده شعبك يا زعيم البطاطشة، جمع بطوش؟ ألم يقاطع ثمانون في المائة من الجزائريين استفتاء شرعيتك المفتقدة والباقي ممن تجشموا عناء الانتقال الى صناديق الاقتراع، صوت ثلثهم ضدك! كان على الرئيس تبون أن يستخلص الدروس من كل هذا.. ويستقيل! وعوض ان يفكر مكان المغاربة،كان عليه أن يفهم ما يريده الجزائريون وعبروا عنه بوضوح.. لقد اعتقد بأن كل البشر، من طينة الزعماء المزيفين يمكن أن يرحلهم حيثما يقوده حقده على المغرب؟.. لقد جرب استفتاء شعبه ورأينا أنه لم يقبل به جزمةً عسكرية بالأحرى رئيسا؟؟ لم يجرب أيضا أن لا يسجن الناس بالآلاف، ولا يمنع الشعب من خروج رافض له،لهذا يبحث في العداء للمغرب عن تجديد شرعيته! إنه يفشل في دور الرئيس ويفشل في دور العرافة ويفشل في تمارين الفراسة ويفشل في لباقة الضغينة .. ختام القول: لا يمكن أن يعرف غير المغاربة، والشعوب الناضجة قيادتها، معنى الصلة بين الوطنية، والملكية والديموقراطية والوحدة الوطنية. لا أحد يمكنه أن يفهم كيمياء المغاربة في هذه التركيبة الفريدة والانسجام النادر إلا من رافق الزمان التاريخي طويلا، وانصت طويلا لهمس المستقبل. ومشكلة الرئيس الجزائري أنه رئيس مستتر تقديره العسكر وما نراه سوى شاشة بشرية لتصريف الضغائن. للأسف ما زال أمامنا طابور طويل من هؤلاء، نسأل لله أن يصل الشعب الجزائري إلى حل معضلتهم.. بدون دماء وبدون توابيت!