خاض الباحث فراس السواح في مواضيع تتعلق بالأديان والفلسفات والأساطير فى الشرق، وفي عقد المقارنات بين الأديان، ومن ذلك ما فعله فى كتابه «القصص القرآنى ومتوازياته التوراتية»، إذ طرح مسألة التشابه بين القصص القرآنى والقصص التوراتى من زاوية الباحث الذي يعتمد منهج علم الأديان المقارن. فسرد أمامنا قصص العديد من الأنبياء كلوط وابراهيم وإسماعيل ويوسف وموسى وداوود وسليمان ويونس وغيرهم.. ترد قصّة يونس، أو يونان كما يدعى في التوراة، موزّعة في القرآن الكريم على المواضع التالية: «فاصبر لحكم ربّك ولا تكن كصاحب الحوت. إذ نادى وهو مكظوم. لولا أن تَدَارَكَه نعمة من ربك لنُبذ في العراء وهو مذموم». (68 القلم: 48). «فلولا كانت قرية آمنة فنفعها إيمانها، إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين». (10 يونس: 98) . «وذا النون إذ ذهب مُغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ، وكذلك ننجّي المؤمنين». (21 الأنبياء: 87-88). «وإنّ يونس لمن المرسلين، إذ أبق إلى الفُلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين، فالتقمه الحوت وهو مليم، فلولا أنه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، فنبذناه في العراء وهو سقيم، وأنبتنا عليه شجرة من يقطين، وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، فآمنوا فمتّعناهم إلى حين». (37 الصافات: 139-148) . وبإعادة ترتيب الآيات المفصلية في هذه المواضع الأربعة، نحصل على العناصر الرئيسية للقصّة: – «وإن يونس لمن المرسلين.» – «وذا النون إذ ذهب مُغاضِباً فظن أن لن نقدر عليه». و«ذا النون» هنا تعني «صاحب الحوت» أي يونس نفسه. – «إذ أبق إلى الفُلك المشحون». أي هرب وركب في سفينة مثقلة بالبضائع والركاب . – «فساهم فكان من المدحضين». أي فشارك في القرعة ولكنه خسر. – «فالتقمه الحوت وهو مُليم». أي ابتلعه الحوت بعد أن فعل ما يُلام عليه . – «فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين». – «فلولا أنه كان من المسبّحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون». – «فاستجبنا له ونجّيناه من الغم». – «فنبذناه في العراء وهو سقيم». أي فقذفه الحوت من بطنه إلى اليابسة وهو متعب ومعلول . – «وأنبتنا عليه شجرة من يقطين». – «وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون». – «فآمنوا فمتعناهم إلى حين». ولكن رغم تحليلنا للقصّة إلى عناصرها الرئيسية التي أدرجناها أعلاه، إلا أنّ القصّة تبقى مليئة بالغوامض. والأسئلة التالية تبقى مفتوحة: 1 – لماذا ذهب يونس مُغاضباً، ومن الذي غاضبه؟ وكيف أمن أن الربّ لن يقدر عليه؟ 2 – لماذا لجأ إلى تلك السفينة المشحونة والمثقلة بالبضائع والركاب؟ وما هي وجهته؟ 3 – ما هو موضوع القرعة التي ساهم بها وخسر؟ 4 – كيف وجد نفسه في الماء فالتقمه الحوت؟ 5 – ما قصّة شجرة اليقطين التي أنبتها لله عليه فظللته؟ 6 – من هم أولئك القوم الذين آمنوا برسالة يونس، والذين يزيد تعدادهم عن المائة ألف؟ هذه التساؤلات تجيب عليها الرواية التوراتية للقصّة التي يبسطها سفر يونان القصير. فقد اختار الربّ يونان للتبشير في مدينة نينوى الآشورية، وتحذير أهلها الذين كثر شرّهم من غضب الربّ. ولكنّ يونان حاول التملّص من هذا الواجب، وظنّ أنّ الربّ لن يطاله إذا سافر إلى مكان بعيد. وهذا هو النصّ الكامل تقريباً للسفر وفق الترجمة الكاثوليكية للعهد القديم: «كانت كلمة الربّ إلى يونان بن أمتاي قائلاً: قم انطلق إلى نينوى المدينة العظيمة، ونادِ عليها فإنّ شرّها قد كثر أمامي. فقام يونان ليهرب إلى ترشيش (=إسبانيا) من وجه الربّ ونزل إلى يافا فوجد سفينة سائرة إلى ترشيش، فأدّى أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه الربّ. فألقى الربّ ريحاً عظيمة في البحر فأشرفت السفينة على الانكسار، فخاف الملاّحون وصرخوا كلّ إلى إلهه، وألقوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخفّفوا عنهم. أما يونان فنزل إلى جوف السفينة واضطجع واستغرق في النوم. فدنا منه رئيس النوتية وقال له: ما بك مستغرقاً في النوم؟ قم فادع إلهك لعلّ لله يفكّر بنا فلا نهلك. وقال كلٌ لصاحبه: هلمّوا نلق قُرَعاً لنعلم بسبب من أصابنا هذا الشرّ. فألقوا قُرَعاً فوقعت القرعة على يونان، فقالوا له: أخبرنا بسبب من أصابنا هذا الشر؟ ما عملك، ومن أين جئت، وما أرضك، ومن أيّ شعب أنت؟ فقال لهم: أنا عبرانيّ، وإني أتّقي الربّ إله السماوات الذي صنع البحر واليبس. فخاف الرجال خوفاً عظيماً وقالوا له: لماذا صنعت ذلك؟ وقد علموا أنه هارب من وجه الربّ لأنه أخبرهم. وقالوا له: ماذا نفعل بك حتى يسكن البحر عنا؟ وكان البحر يزداد هياجاً. فقال لهم: خذوني وألقوني إلى البحر فيسكن البحر عنكم، فإني عارف أن هذه الزوبعة العظيمة إنما حلّت بكم بسببي... فصرخوا إلى الربّ وقالوا: أيها الربّ لا نهلكن بسبب نفس هذا الرجل، ولا تجعل علينا دماً بريئاً فإنك أنت أيها الربّ قد صنعت كما شئت. ثم أخذوا يونان وألقوه إلى البحر فوقف البحر عن تموجه ... «فأعدّ الربّ حوتاً عظيماً لابتلاع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال. فصلّى يونان إلى الربّ إلهه من جوف الحوت وقال: إلى الربّ صرخت في ضيقي فاستجاب لي، من جوف الجحيم استغثت فسُمع صوتي ... الخ (صلاة طويلة). فأمر الربّ الحوت فقذف يونان إلى اليبس. «وكانت كلمة الربّ إلى يونان ثانية قائلاً: قم انطلق إلى نينوى المدينة العظيمة، وناد عليها المناداة التي كلّمتك بها. فقام يونان وانطلق إلى نينوى بحسب كلمة الربّ. وكانت نينوى مدينة عظيمة على مسيرة ثلاثة أيام. فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد، ونادى وقال: بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى. فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصومٍ ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم. وبلغ الكلام ملك نينوى، فقام عن عرشه وألقى عنه حلته والتفّ بمِسحٍ وجلس على الرماد، وأمر أن ينادى ويقال في نينوى عن أمر الملك وعظمائه: لا يذق بشر ولا بهيمة ولا بقر ولا غنم شيئاً، ولا ترعى ولا تشرب ماءً، وليلتف البشر بمسوح وليصرخوا إلى لله بشدة، ويتوبوا كل واحد عن طريقه الشرير، لعلّ لله يرجع ويندم ويعود عن اضطرام غضبه فلا نهلك. فرأى لله أعمالهم أنهم تابوا عن طريقهم الشرير، فندم لله على الشر الذي قال إنه يصنع بهم، ولم يصنعه . «فساء الأمر يونان مساءة عظيمة وصلّى إلى الربّ وقال: أيها الربّ، ألم يكن هذا كلامي وأنا في أرضي ولذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش؟ فإني علمت أنك إله رؤوف رحيم طويل الأناة كثير الرحمة ونادم على الشر. فالآن يا ربّ خذ نفسي مني فإنّه خير لي أن أموت من أن أحيا. فقال الربّ: أبحقٍّ غضبك ؟ «وخرج يونان وجلس شرقيّ المدينة وصنع له مظلّة وجلس تحتها في الظل ريثما يرى ماذا يصيب المدينة. فاعد الربّ الإله يقطينة (1) فارتفعت فوق يونان ليكون على رأسه ظلّ. ففرح يونان. هامش: 1 – ورد اسم هذه الشجرة في الترجمة البروتستاندية على أنه يقطينة، بينما قالت الترجمة الكانوليكية "خروعة" وهي فصيلة من النبات ينتمي إليه اليقطين.