ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ورزازات.. توقيف شخصين متهمين بالنصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    الشيخات داخل قبة البرلمان    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استرداد أوجه الرافد العبري في الثقافة المغربية إلى حيّز الوعي

المعرفة بالمضمون سابقة على محاولة إدراجه في برامج نشر المعرفة
يروج الحديث في الأيام الأخيرة حول التعريف التربوي بأوجه ما سمّته ديباجة دستور 2011 في تحديدها للعناصر المتكاملة المشكّلة للهوية المغربية ب»الرافد العبري»؛ بل إن هناك حديثا عن ضرورة إدماج هذا الوجه في مضامين برامج التدريس. ويبدو جليا، من هذا القبيل من الحديث والدعوة، أن هناك مفارقةً ما بين متوسط الوعي العامّ للمجتمع المغربي وبين نصّ وروح الدستور. وهو ما يعني أن نص وروح الدستور متقدّمان بحوالي ما يعادل جيلا عن ذلك الوعي المتوسط العام، الذي فاجأه قبل عشر سنوات ذكرُ «الرافد العبري» في ديباجة الدستور، إلى درجة أن كثيرا من الناس، حتّى داخل الوطن، قد اعتبروا ذلك الورود مجرد مغازلة فجّة في اتجاه أطراف خارجية من أجل تسويق صورة معيّنة، وذلك نظرا لأن مقوّمات ذلك الرافد وأوجهه لم يعُد لها وجود قائم في ذهن حوالي جيلين، بعد هجرة اليهود المفاجئة والسريعة،

رغم قيام وجود تلك الأوجه قياما موضوعيا على الأرض (مئات المقابر والمزارات التي ظلت مواسمها حيّة حتى بعد الهجرة) وفي ثنايا الوثائق والكتب والمخطوطات والتحف التي تعود إلى قرون خلت. أضف إلى ذلك أنه – وباستثناء ثلة قليلة من الباحثين الأكاديميّين في العقود الأربعة الأخيرة، من مدرسة حاييم الزعفراني، التي ظلّت، مع ذلك، تربط الرافد العبري بمكان وزمان معيّنين (الأندلس) – ظلّت الأوساط المنتجة للنصوص المعرفية في باب العلوم الإنسانية (تاريخ، سوسيولوجيا، فلسفة، آداب، فنون،…) مصرّة، في اكتفاء واعتداد معرفيين جمعيين مريحين تقليديا، إصرارا جمعيا على البقاء في جهل بأداة من الأدوات-المفتاح الضرورية للولوج ولوجاً معرفياً تحقيقيا إلى عالم المعرفة الرافد العبري، ألا وهي أداة اللغة العبرية، وما كُتب بالحرف العبراني من نصوص بالعربية الفصحى أو بالعربية الدارجة المغربية في نُطق بعض الجماعات اليهودية بها (نطق أحرف الصفير، إدخال بعض المفردات العبرية أو الحاكيتية…) مدوّنا هو كذلك بالحرف العبراني؛ مع أن كل ذلك يشكل خزانة هائلة. وحتّى تلك الثلة التي كوّنت نفسها بنفسها خارج الوطن، قضت مشوارها المهني في ظروف مضايقات سوسيو-ثقافية ومهنية اضطر معها أغلبها إلى تبرير دائم لنوع المعرفة التي كوّن فيها نفسه ويكوّن فيها غيره، وجنح البعض، في الأخير، إلى الانخراط في المدرسة القديمة/الجديدة، مدرسة «كشف تقاليد المكر والدسائس والتحريف» في أبواب العقائد والسياسة والاقتصاد، كشفاً معزّزا، هذه المرة، باستعمال بعض مفردات اللغة العبرية، وذلك من باب «وشهد شاهد».
من مراكمة المعرفة، إلى خطة بيداغوجية لإدراجها في برامج التربية والتكوين
وبناءً على التمهيد السابق، يتعيّن التمييز المنهجي ما بين مهمة/خطّة التعرّف المعرفي التحقيقي العامّ بأمر من الأمور، وبين مهمة/خطّة إدراج تلك المعرفة، متى حصلت، في خُطط نشر وتعميم تلك المعرفة، مدرسيا/جامعيا كان ذلك الإدراج عبر أسلاك المنظومة التربوية، أم تيسيريا تعميميا عبر وسائل الإعلام المتعددة والمتنوّعة.
في ما يتعلق بإدراج ما يكون قد تراكم من المعرفة الأكاديمية بأوجه الرافد العبري على الخصوص – مثله في ذلك مثل سائر المكونات الهوّياتية – في برامج المنظومة التربوية، لا تنحصر مستلزمات ذلك الإدراج على جانب تمكّن القائمين به من حدّ أدنى من المعرفة الأكاديمية المتعلقة بالمضامين المعنية بدلَ مجرد إرادة إرادوية استجابةً لأي سياسة عامّة جديدة في القطاع. فلا بدّ كذلك من تصوّر سوسيو-بيداغوجي خاصّ لصياغة المعدولات (modules) الملائمة وتوزيعِها توزيعا مناسبا ومتكاملا معا سائر المكوّنات الأخرى – بشكل غيرَ مُنبَتٍّ معزول، وغير قسري ولا إرادوي/اعتباطي/تعسّفي – على خارطة مواد التكوين التربوي والعلمي (التاريخ، الآداب، التربية الوطنية، تعلّم اللغات، التفتّح الفني…). فأيّ عمل يُرتجل خارجَ هذا السبيل الأخير، الحائز على الملاءمة التكاملية الدامجة في الكلّ، إنما هوّ عمل يُنذر بأن يجعل من أيّ خطة لاسترداد أوجه وتجلّيات المكوّن العبري/اليهودي، المغيّبة لحدّ الآن في الثقافة المغربية، عبارة عن نقل لمفهوم «الملّاح» بل «الكًيتو» من الفضاء السوسيو-طوبوغرافي إلى حيّز المضامين التربوية، على شكل إفراد نصوص/خطابات مباشرة تتحدّث بشكل فجّ عن «اليهودي» وعن «اليهود» و«الحُلي اليهودي» و«المطبخ اليهودي»، و«الموسيقى اليهودية»…، وعن «التسامح عبر التاريخ» وبقية الشعارات، أي أنه منذر على المدى المتوسط أن يسفر عن نتائج عكسية بسبب جوهر المضامين التي تُعطى إياه وبسبب البيداغوجية الفجّة القسرية.
فمن ذا الذي بإمكانه أن يتحدث مثلا عن «موسيقى يهود المغرب»، في حين المغاربة اليهود، الراسخين تاريخيا في نسيج المجتمع المغربي على اختلاف قراه وحواضره وباختلاف لغات ولهجات جهات المغرب، لم يطوّروا أنواعا موسيقية إثنية خاصة بهم باعتبار بُعدهم الملّي، كما حصل ذلك في اليمن وإثيوبيا وأوروبّا الشرقية مثلا، وإنما شاركوا كلَّ جهة من جهات المغرب، باعتبار انتمائهم إليها، أنواعَها الموسيقية، من أندلسي، وغرناطيّ، وشعبيّ قديم وحديث، وأحواش، وبوغانيم، وملحون…، بل شكلت جماعاتهم، في بعض فترات تشدّد الخطاب الديني، الملجأ الوحيد الذي يتمّ فيه الحفاظ على تواتر واستمرارية بعض الأنواع الموسيقية، وذلك من خلال أجواقهم التي كانت تحيي سهراتٍ في بعض البيوتات الكبرى، وفي قصور السلاطين؟ فلا غرابة إذن أن نسمع حتى في أيامنا هذه االمنشد الكبير ربّي حاييم لوك ذي الشهرة العالمية لا يكل من التصريح في كل مناسبة بأنه تلميذ من تلامذة المرحوم عبد الصادق شقّارة، من جهة، وأن نسمع فنّانا كبيرا آخر، عبد الرحيم الصويري، يصرح يوما في برنامج إذاعي مغربي بأنه ورث فنه من أبيه المؤذّن المعروف في مدينته الصويرة ب»الشليّح الذي اكتسبه بدوره بفضل انخراطه في جوق غنائي يهودي بمدينته بطلب من هذا الأخير عبر باشا المدينة على إثر إحياء سهرة بدار الباشا بعدما لاحظ أعضاء الجوق جودة صوت تهليلاته في إذان الفجر الذي كان يوقظ المسلمين واليهود للصلاة.
وقُل نفسَ الشيء عن الحليّ، والطراز، واللباس، وغير ذلك من كلّ ليست له علاقة برموز الشعائر والطقوس الدينية. بل حتّى بعض الشارات التي يُعتقَد خطأً أنها خاصة باليهود، مثل النجمة السداسية (التي لم تبدأ في الرواج كرمز في بعض مدارس القبالة اليهودية سوى في القرن-16م) شاراتٌ تدخل ضمن الشارات الرسمية المغربية من خلال السكة النقدية (إلى حدود نهاية الخمسينات) والخواتم السلطانية المغربية منذ زمان. فإذا كان هناك من خصوصيات، فهي قائمة على مستويات أخرى معيّنة، يدخل تناولها في خانة الدراسات السوسيو-اقتصادية التاريخية التي تتناول مثلا الخصوصيات الإثنية ل»الأروسطوقراطية سبه-بورجوازية الفاسية» أو ل»نمط الاقتصاد التجاري السوسي»، وغير ذلك. فعلى هذا المستوى – وليس في غيره – يمكن الحديث عن «المالية، والحرفية، والمهن الحرّة (طبّ، صيدلة، محاماة، توثيق/ترجمة…) والتجارة الخارجية …» للجماعات اليهودية المغربية. لكن كلّ هذا يوجد خارج عن دائرة ما يمكن إدراجه في معدولات برامج التكوين التربوي التثقيفي الأولي العام.
من «يهودي مغربي»
إلى «مغربي مسلم»
إن المغرب ليس في حاجة إلى التسابق في تهافتٍ من أجل الحصول على شهادة تزكية من أيّ طرف في باب إصلاح مضامين التثقيف والتربية الوطنية (وفي هذا الباب، يقولون: «التخليّة أولا، قبل التحليّة»). فقد كان المغرب سبّاقا إلى العناية الرسمية برصيد تراثه العقاري من المَحاجّ والمزارات والبِيَع وغير ذلك ممّا له تعلق مباشر بخصوصية الرافد اليهودي/العبري، على غرار عنايته بنظير ذلك ممّا هو إسلامي أو مشترك بين اليهود والمسلمين، وذلك منذ ما يربو عن عقدين من الزمن، أي حتى قبل الدستور الجديد. كما أن المغرب قد تميّز، في محيطه، باشتماله على متحفين لبعض أوجه الرافد العبري، في كل من الدار البيضاء، وأخيرا في الصويرة، وهناك مشاريع أخرى في طنجة وفاس. وفي مثل هذه الفضاءات الأخيرة يمكن بدء الانفتاحات السلِسة الأولى التي تربّي، في نفس الوقت، ثقافة التِحافة وفضولَ المعرفة لدى الناشئ، بعيدا عن شحن الأذهان بنصوص/عبارات خطابية إعلانية/إدلائية، وبصور فجّة في الكتاب المدرسي، خالية من أي مجهود سوسيو-بيداغوجي، ناهيك عن جانب الذوق الفنّي والإبداع، على غرار تلك الصورة التي أوردتها النسخة الإنجليزية للصحيفة الإسرائيلية «ها-أريتص» (10 ديسمبر 2020)، في ما يشبه تنويهاَ وإعطاءً ل»نقطة حسنة». إنها صورة لما يشبه حصّة في التربية الوطنية: مجموعة من الأطفال لما بين السادسة والسابعة، وهم جالسون متحلّقون حول عمود الراية المغربية، والمعلمة/المنشطة واقفة. وبأسلوب فقاقيع الحديث في الشرائط المرسومة، قالت المعلّمة: «ليُعرّف كلّ واحد منكم بهوّيته!».
ويبدو أن الصبية كانو مدركين جيدا لمفهوم «الهوية» كما يدركون معنى «ماء» و»خبز» و»حلوى»، وأنهم عرفوا بالضبط الأبعاد الهويّاتية المطلوب منهوم الإدلاء بها، وتتمثل في بعدين اثنين مثل الشهادتين (أي الديانة، والأصل الإثني).
فقد توالت الأجوبة بشكل آلي/روبوتي من طرف الصبية: «اسمي فاطمة ماء العينين، مغربية مسلمة، من أصول صحراوية حسّانية»؛ «اسمي نزهة الطرّيس، مغربية مسلمة، من أصول أندلسية»؛ «اسمي محمد ضيوف، مغربي مسلم، من أصول سينيغالية»؛ «اسمي عمر السقّاط، مغربي مسلم، من أصول عربية»؛ «اسمي خديجة ايت يدّر، مغربية مسلمة، من أصول أمازيغية»؛ «اسمي داود بن حاييم، مغربي يهودي». «علِم كلُّ أناسٍ مشربَهم» وقبيلتهم.
وهكذا، فإنه قد أصبح يبدو أنّ من لا يعرف بالضبط إثنيته وقبيلته، من بين التلاميذ، ليدلي بذلك عند الاقتضاء، سيُعتبر بعد اليوم «تلميذا كسولا متخلّفا» أو مغربيا غريبا منقطعا ومُنبتّاً! هكذا، في إطار المغرب الحداثي لما بعد دستور 2011، سيتعلم كل طفل مغربي أن يدلي، مدرسيّا واجتماعيا تواصليّا بالشهادتين: شهادة الملّة (التي قد تتفرع إلى تفاصيل المذاهب)، وشهادة الأصل الإثني (التي قد تتفرع إلى تفاصيل القبيلة).
إن بإمكان المغرب الحديث أن يتدارك ويستدرك ما غيّبته الأجيال السابقة، بإيقاعه الخاص وبإيقاع ما يقتضيه خلق التراكم المعرفي أولا في الحقل المعني على المدى المتوسط، بعيدا عن الارتهان، في تهافتٍ، لرياح زمنيّة الظرفيات العابرة. وإذا كان ذلك التراكم في حقل المعرفة ببعض أوجه المكون العبري/اليهودي قد بدأ على شكل مبادرات تكوينات فردية عصامية منذ حوالي أربعة عقود كما ذُكر، فإن ما تدعو الحاجة إليه في هذه المرحلة هو مأسسة ذلك المنحى الأكاديمي بخلق مركز أو شعبة جامعية ذات صلاحيات بحثية وتكوينية وإشهادية من أجل تسريع ذلك التراكم وتطوير اتجاهه بما لا ينحصر في بعض التاريخيات المنتقاة. هذا ما كانت قد دعت إليه ورقة تمّ توجيهها من طرف زمرة من أساتذة اللغة العبرية، وتمّت قراءتُها أمام المشاركين في «لقاء الاستماع إلى المجتمع المدني» الذي نظمته لجنة صياغة مسّودة مشروع القانون التنظيمي حول «المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية» بمقر «المكتبة الوطنية للمملكة المغربية» في شتاء 2015.
عن الأدب المغربي
الناطق بالعبرية
إن من شأن خلق مثل الأطر التكوينية الأكاديمية المذكورة، في باب أوجه الثقافة المغربية المغمورة عامّة، وخصوصا في فضاء الأقسام الأكاديمية الناطقة بالعربية، ليس فقط أن تشكل تلك الأطر خلايا ونَوىً لإنتاج ومراكمة معرفة جديدة، في تناغم مع الواقعين، التاريخي والمعيش، بل من شأنها كذلك أن تساهم في تجاوز حالة الاحتباس الفكري التاريخي التي أصبح يعاني منها مفهوم «الأدب» في بعض الأقسام بالجامعة، ذلك الاحتباس الذي يحول دون الاقتدار على طرح «أسئلة جديدة» حول الأدب عامّة، من حيث الموضوع والمنهج والقيم الجمالية والبنيوية والسيوسيو-ثقافية، ومن حيث العلاقة بالواقع القائم، وبالفنون الأخرى مثل المسرح والسينيما.
فبقطع النظر عمّا عرف ب»الأدب الشعبي» (زجل، ملحون، دواوين أمثال دارجة، سرديات جديدة ونصوص مسرحية بالعربية الدارجة) وعن «الأدب الأمازيغي» القديم والحديث الذي بدأ يرفع عن قديمه الحجاب (انظر المدلاوي-2012 «رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب» و العدد-100 من مجلة «المناهل»)، هناك أيضا رصيد هائل ممّا يمكن تسميّته، بدون أي مزايدة «الأدب المغربي الناطق بالعبرية». لا يتعلق الأمر بمجرد الرصيد القديم ممّا كتب بالعبرية لغةً وحرفاً أو بالعربية الفصحى أو الدارجة مدوّنتين بالحرف العبراني، والذي يتراوح ما بين الشعر والحوليات التاريخية الجهوية والدراسات اللسانية الرائدة تاريخيا في ما بين المغرب والأندلس (من قبيل أول مدرسة للغويات المقارنة، في ما بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين: ابن قريش المغربي، ابن بارون، ربّي إسحاق الفاسي…)، وغير ذلك. إن هناك أيضاً حركةَ كتاباتٍ أدبية باللغة العبرية استمرت إلى يومنا هذا انطلاقا من بلاد المهجر، وتحوز كل ما يلزم من الخصائص لاعتبارها أدبا مغربيا، بقطع النظر عن الجنسية وجواز السفر والبطاقة الوطنية، كما هو حاصل بالنسبة لكتّاب مرموقين يكتبون بالفرنسية وبغيرها في المهجر، وتدرج أعمالهم ضمن «الأدب المغربي الناطق بلغة كذا» ويدرّس بعضها في الجامعة المغربية بصفته تلك. فمن ذا الذي يعرف مثلا أن أول وآخر نصّ مغربي من أدبيات اليوطوبّيا (littérature utopique) هو كتاب («يوطوبّيا من الدار البيضا») الذي ألفه «ربّي مخلوف أبطّان» بالعبرية في الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية والذي حققه ونشره David Guedj سنة 2016 بإسرائيل؟ كما أن كمّا هائلا من السرديات المؤطّرة بنائيا بفضاءات المغرب من مدن وقرى بشخصياته السردية من خلال الأسماء الشخصية، وبعاداته وألوانه وروائحه ومطبخه وزمنيّته وقضاياه، قد ازدهر في المهجر في العقود الأخيرة (جبرائيل بن سمحون، أشير كنافو، شوشانة رويمي، موشي بار-حين، دافيد الموزنينو، نيهوراي شتريت…). بل إن مبادرات فردية من طرف بعض الثلة القليلة الباحثة في مجال الدراسات العبرية في المغرب، ممّن تمت الإشارة إليهم قد شرعت في العقدين الأخيرين في ترجمة بعض تلك الأعمال من العبرية إلى العربية، لكن في منطقة الظل دائما. فقد شرعت شخصيا منذ سنة 2000 في ترجمة حوالي 12 قصة قصيرة من قصص جبرائيل بن سمحون لم أتمكن من أنشر منها سوى أربع («العائد»، «المرأة التي بسطت جناحيها»، «الفندق»، «صعود تودا إلى السماء»). ثم قام الأستاذ عبد الرحيم حيمد بترجمة ونشر الرواية التاريخية للكاتب "أشير كنافو" بعنوان «صبيّ من إفران»؛ وبعد ذلك، قام الأستاذ العياشي العدراوي بترجمة مجموعة من القصص القصية لنفس الكاتب السابق، جبرائيل بن سمحون، في إطار رسالته الجامعية، ثم ترجم له أخيرا رواية بعنوان «المغربي الأخير»، وقد قمت شخصيا بتقديم لهذه الرواية التي نُشرت قبل أسابيع في صيغة إليكترونية بموقع دار «أمازون»، ويبحث لها المترجم عن ناشر ينشرها نشرا ورقيا في المغرب.
الخلاصة هي أنه، ما لم تحتضن الهياكل الجامعة، أوّلا، مثلَ هذا النشاط الأكاديمي احتضانا مؤسّسيا، لا يصحّ، بحال من الأحوال، أيّ حديث عن خطّةٍ بيداغوجية لإدماج المكوّن العبري في المنظومة التربوية المغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.