بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بلاغ رسمي من إدارة نادي المغرب أتلتيك تطوان: توضيحات حول تصريحات المدرب عبد العزيز العامري    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي    تأجيل محاكمة عزيز غالي إثر شكاية تتهمه بالمس بالوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    الريسوني: مقترحات التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة قد تُلزم المرأة بدفع المهر للرجل في المستقبل    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: التحفيز والتأديب الوظيفي آليات الحكامة الرشيدة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    "ميسوجينية" سليمان الريسوني    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    بنحمزة: الأسرة تحظى بالأهمية في فكر أمير المؤمنين .. وسقف الاجتهاد مُطلق    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قال إن تهجير اليهود المغاربة جرح مفتوح وأكبر خطأ ارتكب على يد أهله ويد الصهيونية (2/2)
شحلان: الدراسات التي لا تعتبر اليهود المغاربة مغاربة أقحاحا تحركها غايات سياسية
نشر في المساء يوم 23 - 02 - 2013

- على ذكر الخزائن، قرأت في بحث من بحوثكم أنكم تأسفون كثيراً لضياع مكتبة أحد أعلام يهود فاس وهو يوسف بن نئيم، والتي اعتبرتموها من أغنى المكتبات، ماذا كانت تتضمن؟ وأين هي اليوم؟
يوسف بن نئيم ربي من ربيي فاس، وكان كاتب ضبط في محكمتها، توفي في فاس سنة 1961. كان جَمَّاعَةً للكتب والوثائق والمخطوطات، وكانت تتضمن مكتبته عشرة آلاف كتاب مطبوع، من المطبوعات النادرة، ومائة وخمسين مخطوطاً. ونسخ هو بخط يده خمسين أخرى. كما كانت تتضمن هذه المكتبة الكثيرَ من الوثائق المخطوطة، مثل عقود البيوع والزواج والتوكيلات والمراسلات والفتاوى، وغيرها مما يعتبر مصدراً للتأريخ الاجتماعي والاقتصادي، والتعريف بالعائلات والعلاقات التي كانت تطبع دوماً، أفراد الطائفة ومُساكنيهم المسلمين في المغرب. والمؤسف أن هذه المكتبة خرجت من المغرب في ظروف غير معروفة، وتوجد اليوم (لا أدري أهي كاملة أم جزء منها فقط) في أهم معهد من المعاهد اليهودية في أمريكا، وهو The jewish Theological Seminary of America في نيويورك. وقد عرض عليَّ قَيِّمُ قسم المخطوطات، لما زرت المؤسسة المذكورة سنة 1999، فهرست الوثائق التي كانت ضمن محتويات هذه المكتبة المغربية، وهي كثيرة، ونأمل أن تسمح الفرصة للإطلاع على كل محتوياتها بتفصيل. إن أمثال خزانة ابن نئيم كثيرة في المغرب الذي كانت كل مدينة من مدنه تعتبر عند يهودها قدساً، لكثرة علمائها ودور العلم فيها، وضاعت هذه الثروة بألف طريق وطريق، وكنت نبهت وزيرين من وزراء الثقافة، إلى هذا النزيف المؤلم، ولم أتلق منهما جواباً، ولا أعلم أنهما فعلا شيئاً لوقف هذا النزيف. إنها مأساة اللامبالاة، وأخاف أن يبقى الحبلُ على الغاربِ. وآمل من وزير الثقافة الحالي، أن يتخذ ما من شأنه أن يحفظ ما بقي من هذا الموروث، مخطوطات وكتباً وشواهد وأدوات، وكلَّ أثر مادي هو جزء من تراث المغرب.
- في هذا التراث الذي أشرتم إليه كثير مما يحتاج إلى ترجمة، ما رأيكم في الترجمة من العبرية إلى العربية والعكس؟ هل أنتم معها أم ضدها؟ وما أهميتها بالنسبة لنا اليوم؟
الترجمة من حيث هي إغناءٌ، وهي من أهم الوسائل التي تقرب بين الحضارات، وتفيد أيضاً في حالات النزاعات. وأنا أعرف أنكم لا تجهلون هذه الحقيقة، ولكنكم تقصدون، هل تتسبب الترجمة في هذا الحقل اليوم، في حرج سياسي. وبعبارة واضحة، هل تدخل في باب التطبيع. الجواب عن سؤالكم لهذا السبب، يحتاج إلى تفريع. إن ترجمة التراث العبري العربي، في كلا طرفيه، وأقصد بطرفيه، ما نقله اليهود من فكرنا إلى اللغة العبرية وضاعت أصوله العربية، وهو كثير، أو ما ألفه اليهود أصلا باللغة العبرية وروافده من ثقافتنا، أو يهودي المضمون، ولكنه لأعلام عاشوا في ظل الحضارة العربية الإسلامية، وهو من إرث حضارة الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي، فترجمته ضرورة ملحة، لكشف كثير من خفايا حضارتنا، ولنبين إلى أي حد أسهمت الحضارة العربية الإسلامية في إيجاد فكر يهودي متنوع المعارف، في قلب هذه الحضارة. وهذا أمر لا نظير له في كل بلاد الغرب، حتى القرن التاسع عشر. وترجمة هذه المعرف إلى العربية واجب علينا، خصوصاً إذا ما علمنا أن الترجمة العبرية للتراث العربي الإسلامي في العصر الوسيط، كانت واسطة لنقل كثير من علومنا إلى اللغة اللاتينية، ثم إلى اللغات الأخرى فيما بعد. وترجمة ما ألفه اليهود المغاربة، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالتاريخ وبالمعارف المغربية، أمر ضروري، لأنه يعنينا بصفتنا مغاربة. الجانب الآخر من التفريع، هو هل لنا أن نترجم كتابات «الإسرائيليين» عامة وبصفتهم هذه، أقول: إني على الرغم من مواقفي المعروفة في هذا الباب، أرى أن ترجمة كل ما فيه خدمة للمغرب وللأمة، ضرورةٌ ملحة ولا تدخل تحت ظل التطبيع. أضرب مثالا له مغزاه في هذا الباب، قبيل حرب ما سموه «حرب الستة أيام» كانوا في حاجة إلى كتاب في تاريخ العرب والإسلام (خال من إيديولوجية، كما فكروا) فانتقوا لجنة لذلك من كبار مختصيهم، وبعناية من مكتب رئاسة الحكومة بالضبط، وألفوا كتاباً سموه «فصول من تاريخ العرب والمسلمين، (طبع 1967)، واعتبروا الأمر قضية وطنية كبرى.
- هل كتبوا هذا التاريخ باللغة العبرية؟
نعم بالعبرية...
- سألتُ هل بالعبرية، لأن هناك من يقول إن اللغة العبرية أشرفت اليوم على الموت لاعتبارات متعددة، فهل تتفقون مع هذا الطرح ؟ وإذا كان العكس فلماذا؟
وهمٌ كبير. أنا أكاديمي، ولا أريد أن أحدث البعضَ بما يريد. إن من مهمتي العلمية أن أتحدث عن الحقائق كما هي، خدمة لوطني وأمتي. العبرية اليوم تنمو وتزدهر. ولهذا أسبابه التي أفضل أن أرجع إليها لآسف على عربيتي. ظل اليهود المؤمنون منذ حُررت التوراة باللغة العبرية، يحافظون على لغة هاته التوراة، حتى في الأوقات التي صار لسانهم آرامياً أو بلغات العالم الأخرى. وكان هذا، الخيطَ الدقيق الذي أمَّن التفاهم والتواصل بينهم في أرجاء المعمور على فقر لغة التوراة. وظلت البيعة في أرجاء المعمور تستعمل هذه اللغة وإن كان المصلون لا يفهمونها. واستفادوا من الحضارة العربية الإسلامية ليضيفوا لمعجمها ومفاهيمها وعلومها أضعاف أضعاف ما لم يكن فيها. ومع ظهور القوميات في أوربا الغربية، ظهرت قومية وطنية يهودية تدعو إلى الاندماج في مجتمعاتها، مع الحفاظ على الهوية اليهودية، واستعمال اللغة العبرية على عِلاَّتها، في آداب قومية يهودية. وسُميت هذه الحركة (الهَسْكَلَة) أو التنوير [الترجمة الحرفية العقلانية]. ولما بدأ هرتزيل حملته في صهيونيته السياسية الحديثة، بدأ أحد كبار صحفييهم، وكان روسي الأصول، وهو إِلِيعِزِرْ بن يهودا (1885-1922) صهيونيتَه اللغوية. ذاك أن مبدأه كان هو «لا وجود لكيان سياسي أبداً بدون لغة وطنية». وبدأت معركة اللغة عندهم بقوة سنة 1908، عندما أرادت مؤسسة يهودية ألمانية أن تنشئ معهداً تقنياً يدرس علومه باللغة الألمانية. اشتعلت سنة 1913 معركة حامية الوطيس في كل فلسطين، ترفض استعمال اللغة الألمانية في هذه المؤسسة، ولا تريد بغير العبرية بديلا على الرغم من فقرها، ونجحت المعركة. وتكونت لجن كانت تتجول في شوارع فلسطين، وتصيح «لنتكلم عبرية»، وترفض كل استعمال غير عبري، لغة وكتابات على واجهات الدكاكين والمؤسسات. وكان إحياء اللغة العبرية منذ بداية القرن العشرين، الشغل الشاغل لكل المجتمع. ووُضعت في هذه الفترة مئات المعاجم التقنية في كل العلوم. وكانت هذه الحركة أقوى مما فعلنا نحن بالنسبة للعربية في ذلك الوقت. وسأصدر إن شاء الله، كتاباً في هذا الموضوع، فمادته مهيأة. وهذه الحركة هي التي هيأت لتأسيس مَجْمَع اللغة العبرية، ويعتبر من أهم المؤسسات في الدولة. وهو جهاز تفاعلي يتلقى استفتاءات الجمهور ومقترحاتهم يومياً، من الداخل ومن الخارج، ويغني اللغة يومياً. ويصدر مجلة نشطة تتبع المصطلحات وتجدد القواعد النحوية واللغوية، وتهتم بالترجمة. ورئيسها كما قلت، مغربيٌّ من قصر السوق. أما فيما يتعلق بلغة التدريس، فيكفي أن أقول إن أقدم كلية أنشئت في فلسطين هي كلية الطب، التي تأسست سنة 1925، وتدرس الطب باللغة العبرية. وتخصص للأجانب التدريس بالإنجليزية. إننا نرى في الأخبار المصورة يومياً، ساستهم، على مختلف الأصعدة، يتحدثون ولا نسمع منهم إلا عبرية، حتى في المواقف التي تستوجب غير ذلك. ونرى ما هو مكتوب أمامهم أو في اللافتات أو الطرق أو واجهات الدكاكين، ولا نرى إلا العبرية.والموظف الذي لا يحسن العبرية، يأخذ أجراً أقل من الذي يعرفها، وهما في رتبة واحدة حتى يحسنها. وقد وضعوا معجمًا تاريخياً للغة العبرية، اطلعت على نسخته الأولية في مؤسسة (The jewish Theological Seminary of America) في نيويورك، لما زرتها، ونحن لم نبدأ بعد حتى في التفكير في وضع هذا المعجم الأساسي والضروري. وأعتقد أن الأصل في سؤالكم، أو هكذا كان يجب، حول موت العبرية.. هو غلط في القراءة، لعل السؤال كان يعني «موت اللغة العربية». كيف ما كان الحال، أكان السؤال صحيحاً أم خطأً، فإنكم أنكأتم جراحاً في القلب. ولا أريد أن أخوض الحديث في هذا الموضوع، على الرغم من سوء مصير العربية اليوم في كل الدول العربية. ونحن جميعاً نرتكب جرماً ونخدم عدواً لحضارتنا دون أن ندري. إن قتل العربية هو قتل لكل تراثنا وتراث الحضارات المتعددة التي أظلها الإسلام على مدى القرون، والتي استفادت من هذه الحضارة أيضاً. اسمحوا لي سيدي. فأنا لا أظن هذه الفقرة نشازاً في حديثي هذا؟
- كونوا على يقين، فأنا لا أعتبر هذا نشازا. وأسألكم سؤالا تدعو إليه مستجدات أخبار المغرب. ذاك هو إعادة ترميم الكنيس اليهودي بفاس، المعروف ب«اصلاة الفاسيين»، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟ وما رأيكم فيه؟
يقول علماؤنا الأجلاء: «لا رأي (لا اجتهاد) مع النص». يقول جل من قائل في سورة الحج: «... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (آية 40). ويقول في سورة البقرة: «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ»(آية 251). وقد أجمع المفسرون، كما هو في ظاهر الآية، على أن الدفع هنا، هو وجوب حماية ورعاية دور العبادة في كل الأديان مهما اختلفت. وربط الله جل جلاله، فسادَ الأرض، بالتقاعس عن هذه الحماية والرعاية، والتدافع الذي هو التآزر من أجل الحفاظ على مقدسات الإنسان. فما حدث في المغرب اليوم، يدخل في باب « وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ». لي ملاحظة واحدة، تلك هي خطأ في الكتابة التي رفعها من رفعها على باب الكنيس في فاس. ذاك أنهم كتبوا بالحرف العبري (صْلاطْ) ويجب أن تكتب (صلاة). بالتاء لا بالطاء. ويجب تصحيحها.
- أخيرا ماذا يمكن أن تقولوا ليهود المغرب الذين هم هناك؟
كلمتي لمن شط بهم المزار في ما سميته «هناك» أن يهود الغرب وأحفاد يهود المغرب هناك، يمثلون المرتبة الثانية عدداً بعد مهاجري الروس. وآمل منهم أن يعيدوا قراءة تاريخهم، وأن يكتبوه هم بأنفسهم. وأن يعودوا إلى ما كتبه أجدادهم، في المشرق والمغرب الإسلاميين، وفيه الكثير من الفكر العربي الإسلامي، وأن يفتخروا به. وأن يقولوا كلمة حق في ما تجري به المقادير هناك. وأن يعلموا أن قيام دولة فلسطينية مستقلة، في حدود حقوقها الشرعية، هو طريق اطمئنان الروح التي كان أجدادهم يسعون إليه فيما كتبوا. ولكي يردوا بعض جميل ما صنعته الحضارة العربية الإسلامية في فكر أجدادهم، ولكي يردوا بعض جميل المغرب الذي ما زال يضم رفات أجدادهم، عليهم أن يناضلوا، وهم قوة عددية هائلة، من أجل قيام هذه الدولة، لأن أهلها هم أقرب الناس إليهم ذهناً وحضارة.

ثلاثة سياقات تثبت أصول المغاربة اليهود

- توصلتم في استنتاجاتكم إلى أن اليهود المغاربة لم يكونوا سوى يهود مغاربة لا علاقة تاريخية لهم بغير هذا الوطن. فكيف يمكن تأكيد هذا؟ وكيف تُقنعون معظم المغاربة الذين يعتقدون بأن اليهود هم مجرد وافدين على جغرافيا المغرب؟
أنا لا أعتقد أن معظم المغاربة يعتقدون بأن اليهود مجرد وافدين. والحقيقة هي أن معظم المغاربة لم يشغلوا بالَهم بهذا الأمر، لأن إيمانهم العميق شغلهم عن ذلك. واعتبروا اليهود جزءاً من ساكنة وطنهم مذ وجدوهم معهم على تربة واحدة. الصحيح أن معظم المغاربة وغيرهم من العرب والمسلمين، لم يجابههم أمر أصول اليهودِ من مواطنيِهم، إلا مع بروز قضية فلسطين وما تابعها حتى اليوم بدرجات متفاوتة. على أي، فما حقيقة أصول يهود المغرب؟ لا يوجد في كتب التاريخ الكلاسيكي ما يفصل في أمر أصولهم علمياً، فحتى أوثق مؤرخيهم المعاصرين الذين سخروا الوثائق واستعملوا أساليب البحث التاريخي الدقيق، مثل حاييم زئڤ هيرشبيرگ، في كتابه تاريخ يهود شمال إفريقيا، وكتابه «من أرض مغرب الشمس». وحاييم الزعفراني، وهو من اليهود المغاربة، ومن كبار المختصين في تاريخ يهود المغرب، في كل كتبه التي ألفها، وغير هذين، لم يصلوا إلى حقيقة في هذا الأمر، يبقى المعتمد في إثبات أصول المغاربة اليهود، هو السياق التاريخي، والمنطق، والمدرسة التجديدية في تاريخ اليهود اليوم.
أما السياق التاريخي، فهو عدم إثبات أي هجرة جماعية يهودية كبيرة توجهت إلى المغرب أو غير المغرب، بما في ذلك التهجير البابلي المشهور، حيث يرى المختصون اليوم، أن نُبُوخُذُنَصَّر، لم يُهَجِّر إلا طبقة صغيرة جداً كانت لها خصوصياتها المعرفية والسياسية. ولم يكن في مُكنة ذاك الزمان، تهجير الآلاف. نعم، وهذا هو المعتمد المنطقي، كانت هناك هجرات أفراد أو جماعات صغيرة، لأسباب متعددة وإنسانية ومعروفة، في كل تاريخ الإنسانية. من ذلك هجرات جماعات محدودة من اليهود، رافقت الفينيقيين في هجرتهم إلى الشمال الإفريقي، وكان لا بد لمثل هذه الهجرات، أن تَحْدث لنقل السلع والصنائع والثقافة والدين أيضاً، وفي واحدة من هذه، وصلت الديانة اليهودية إلى المغرب، على طريق آحاد أو بعض أفراد. وهؤلاء هم الذين نشروا اليهودية في قبائل مغربية قُحَّة. وهذا الفعل لا يجب أن يفترض أن كل من خلق الله من يهود المغرب، وصلوا في رحلة طويلة من فلسطين، في جحافل لم ينتبه لها حراس الحدود وجيوش البلاد المتعددة التي قطعتها هذه الجحافل، وما جاء في مصدر من مصادر التاريخ، حديثٌ عن رحلة بهذا الشكل. لماذا لا نبحث عن مثال بارز واضح، يحل الإشكال، إنه دخول الإسلام إلى المغرب. لم يخطر على بال أحد أن يزيل المغربية الأصيلة عن معتنقي الإسلام المغاربة، لأنهم اعتنقوا الإسلام الذي شرفنا من الجزيرة العربية. وقد وصل هو أيضاً عن طريق الآحاد أو الجماعات التي كانت محدودة عدداً. ولم يفكر المسلم المغربي، في يوم من الأيام، أن ينتسب، جنسيةً، إلى أرض مهبط النبوة. باختصار، لا بد أن يحمل أحدٌ الدينَ، ولكن لا يمكن أن يكون كل المتدينين جاءوا من خارج وما انضاف إليهم مغربي أبداً، إن هذا خارج عن مفهوم العقل. أما المدرسة التاريخية التجديدية، ويمثلها اليوم عدد من المؤرخين الإسرائيليين، فنكتفي بأخذ واحد منهم مثالا، هو Shlomo Sand، أستاذ التاريخ في جامعة تل-أبيب، وهو مؤلف Comment le peuple juif fut inventé, De la Bible au sionisme, Fayard, Paris, 2008، (ألف الكتاب أصلا باللغة العبرية)، حيث استدل بكثير من الوثائق، وبالرجوع إلى كثير من المصادر، منها العربية على الخصوص، على أن اليهودية كانت في الأصل دعوية، وأن يهود المغرب هم مغاربة أصلا، وصَلَتْهم هذه الدعوة عن طريق الآحاد، ولم تكن هجرة جماعية، وأن لا علاقة لهم أصلا بفلسطين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.