لقد تأكد أن جنرالات الجزائر وحلفاءهم قد دفعوا ب «البوليساريو» إلى احتلال معبر الكركرات الرابط بين المغرب وأوروبا من جهة، وعدد كبير من الدول الأفريقية من جهة أخرى. وكان الهدف من ذلك هو عرقلة نقل البضائع المغربية والأوروبية عبر هذا المعبر لمحاصرة المغرب اقتصاديا، ما انعكس سلبا على بعض البلدان الأوروبية. ويمكن تفسير ذلك بأن جنرالات الجزائر قد شقوا طريقا يمر عبر تندوف إلى البلدان الأفريقية، أملا في توفير طريق بديل للطريق المغربي الموريتاني. فما هو هدف الجزائر وحلفائها من وراء ذلك؟ يعلم اليوم كل الخبراء والمتتبعين أن الجزائر بإقدامها على هذه الفعلة كانت تريد منافسة المغرب على التواجد في أفريقيا، حيث أرادت أن تحتكر لنفسها ولحلفائها التواجد الاقتصادي فيها، لكنها لم تكن تعي أن احتلال مليشيات البوليساريو لمعبر الكركرات كان سيوقف توفير المواد الغذائية لعدد كبير من البلدان الأفريقية، الأمر الذي كان محتملا أن يخلق مشاكل اجتماعية في هذه البلدان، ما سيتسبب في خلق الفتن فيها. لذلك، فمن أجل مصلحة الجزائر وحلفائها، انخرطت في تجويع مجتمعات أفريقية عديدة. هكذا تحولت الجزائر إلى عدو لهذه المجتمعات، ما جعل المغرب أخا لها، لأن المغرب حاضر إلى جانبها بشكل ملموس يزودها بما تحتاجه مجتمعاتها من سلع وخضروات وفواكه…. تبعا لذلك، فقد أصبح واضحا أن احتلال معبر الكركرات له جانبه الاقتصادي الذي، بدون تسليط الضوء عليه، لا يمكن أن ننفذ إلى عمقه ونفهم تفاصيله… يكاد يجمع المتتبعون على أن جنرالات الجزائر منذ زمن حكم هواري بومدين يحسدون المغرب على موقعه الجغرافي وخيراته ومؤهلاته البشرية والطبيعية. ويعود ذلك إلى أنهم يعتقدون أن المغرب سيتفوق عليهم مستقبلا، ما يجهض أحلامهم بالاستقواء عليه، وهذا ما دفعهم إلى التصرف بخشونة معه، لأنهم يحسون بأنهم محرومون من منفذ على المحيط الأطلسي، فصار همهم الشاغل هو إضعاف المغرب حتى يتمكنوا من بسط هيمنتهم عليه والاستقواء على بلدان شمال أفريقيا في آن واحد. وقد ظل حكام الجزائر خلال العقود الماضية مهووسين بتحقيق هذا الحلم الذي كان وراء خلق هواري بومدين لما يسمى ب»جبهة البوليساريو». وقد تبخر حلم بومدين وورثته مؤخرا على يد الملك محمد السادس الذي أصبح نموذجا كونيا وأفريقيا. ويعود ذلك إلى بعد نظره وقدرته الفائقة على استشراف المستقبل، حيث أدرك في الوقت المناسب أنه ستكون لأفريقيا مكانة مهمة في المستقبل بالنسبة للاقتصاد العالمي. لهذا نجد أن الملك محمد السادس قد كرس وقتا طويلا للعمل في أفريقيا، ما جعله يقوم بزيارات عديدة لبلدانها، الأمر الذي مكنه من معرفة مشاكلها وحاجياتها وطموحاته، فأصبح يعرف القارة الأفريقية جيدا، لأن زياراته المتعددة لبلدانها كانت عبارة عن فرصة للقيام بدراسات ميدانية لها. وهذا ما مكنه من وضع استراتيجية للتعامل مع مشاكلها عن قرب والحضور الدائم معها، حيث لم يكن تعامله معها بالشعارات الجوفاء كما تفعل الجزائر أو تركيا، أو بلدان أخرى ترغب في كسب البلدان الأفريقية إلى جانبها، دون فعل أي شيء لصالحها. ونظرا لثقة الدول الأوروبية والشرق أوسطية في محمد السادس الذي يفي بالتزاماته وتعهداته، فقد عقد المغرب شراكات مع هذه الدول، وقام باستثمارات مهمة في الدول الأفريقية، كما أنه وقف إلى جانبها في مواجهة جائحة كورونا، حيث زود بعضها بأدوية وتجهيزات لعلاج المرضى المصابين بهذه الجائحة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام الملك بتشييد مستشفيات لهذا الغرض في بعض البلدان الأفريقية، كما أنه لن يتردد قريبا في دعم هذه البلدان للحصول على اللقاح المضاد لكورونا. فضلا عن ذلك، فقد عزز المغرب تعاونه مع البلدان الأفريقية في مجال الفلاحة والصيد البحري وميادين اقتصادية واجتماعية أخرى، ما مكن المغرب من استعادة ثقة أفريقيا فيه، فعاد إلى الاتحاد الأفريقي بقوة، فأصبح مرجعا لكل القوى الشرق أوسطية والدولية التي تريد الاستثمار في أفريقيا. هكذا، صار المغرب يحتل مكانة محترمة جدا دوليا وأفريقيا وشرق أوسطيا في آن واحد، ما جعله بوابة للعالم على أفريقيا. ويعود الفضل في ذلك إلى حكمة محمد السادس وحنكته، الذي يعرف جيدا صناعة الأصدقاء، لا الأعداء، كما أن صداقاته مع الآخرين تتميز بقيامها على الوضوح والصدق والتضامن والالتزام والحضور الدائم معهم وإلى جانبهم. وهذا ما عمق حقد كل مِن جنرالات الجزائر والمخابرات التركية اللذين كان لهما ولحلفائهما طموح في الهيمنة على أفريقيا، ومن أجل تحقيق ذلك، فقد عملا على زرع الفتن عبر تكوين جماعات إرهابية وتمويلها بغية زعزعة الاستقرار في المغرب وغيره من بلدان شمال أفريقيا، وكذا في بعض البلدان الأفريقية. هكذا، كان سلوك الجزائروتركيا مع أفريقيا مناقضا جذريا لسلوك المغرب الذي لا يبحث عن الهيمنة على أحد، ولا على التوظيف السياسي لأحد من أجل المصلحة الضيقة للمغرب، بل إن قيمه النبيلة جعلته ينأى بنفسه عن ذلك، ويرغب فقط في إقامة علاقة تعاون متوازنة مع أفريقيا، لأنه بلد أفريقي بامتياز. لكن كيف حصل التحالف بين جنرالات الجزائر والمخابرات التركية؟ وما هي السياقات التي نجم عنها هذا التحالف؟ وما هو مآله في المستقبل القريب؟ يعرف كل الخبراء جيدا أن جنرالات الجزائر كانوا ولايزالون تابعين لروسيا. أما تركيا، فقد كانت حليفة للولايات المتحدةالأمريكية منذ 1952، حيث تعمق التعاون بينهما إلى أن صارت تركيا البلد الإسلامي الوحيد العضو في الحلف الأطلسي، ما جعل هذا الأخير يقيم فيها 26 قاعدة عسكرية. ونظرا لاكتساب تركيا ثقة الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإنها طلبت منها أن تعقد معها صفقة اشترت بموجبها تركيا مئة 100 طائرة شبح من نوع F35، واستمرت تركيا في تحالفها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى تمكنت من حصول مصانعها الحربية من أمريكا على حق تصنيع أجزاء من هذه الطائرات، الأمر الذي مكن تركيا من معرفة بعض أسرار هذا التصنيع. لكن تركيا غدرت الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث قام سيناتوران جمهوريان بفضح تركيا في مقال نشراه في ووال سترت جورنال. ويحكي هذان الرجلان في مقالهما أن تركيا عملت على شراء نظام صواريخ s400 الذي تم تصميمه لإسقاط طائرات F35، فكان من الولاياتالمتحدة أن أوقفت تعاونها مع تركيا، حيث فرضت عليها عقوبات، لأنها وضعتها على قائمة الذين ينبغي مكافحتهم لكونهم أعداء للولايات المتحدةالأمريكية. تكشف هذه المعطيات سياق تحالف الجزائر مع تركيا، واتفاقهما على العمل معا من أجل الهيمنة على أفريقيا والشرق الأوسط وتحويلهما إلى فضاء لخدمة مصالحهما الإستراتيجية ومصالح روسيا أساسا. وهذا ما جعل الجزائروتركيا تقومان بدعم جماعات الإسلام السياسي وتمويلها في أفق تحويلها إلى جماعات إرهابية في شمال أفريقيا وأفريقيا ذاتها بهدف زعزعة الاستقرار فيها حتى تتمكن من إضعافها للسيطرة عليها، كما أن الجزائر عملت على دعم البوليساريو ولاتزال تعمل على تحويل مليشياته إلى جماعات إرهابية تشتغل جنبا إلى جنب مع الجماعات الإرهابية الطائفية. ونظرا لتجبر جنرالات الجزائر، فقد استولوا على جزء مهم من الصحراء التونسية، ما جعل الدولة التونسية تتخذ الحيطة منهم، كما أن هؤلاء الجنرالات يسعون إلى فعل الشيء نفسه مع موريتانيا وبعض الدول الأفريقية الموجودة جنوبالجزائر، الأمر الذي جعل دول جوارها ترفضها. وبما أن العلاقات الدولية يحكمها منطق المصالح، فإن الدول الغربية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، صارت تعتبر كلا من الجزائروتركيا حليفتيْ روسيا من بين أعدائها. هكذا، وبسبب الطموحات العمياء لتركياوالجزائر، فقد خسرتا كل من ترهاتهما في المغرب، فهزمهم الملك محمد السادس بقيمه التي تنهض على احترام الآخر بغض النظر عن دينه ولونه وجنسه، ورفضه للنزعات العنصرية والطائفية… لذا، على جماعات الإسلامي السياسي في المغرب أن تقدم نقدا ذاتيا وتعتذر للشعب المغربي، لأنها بتعاملها مع السلطة التركية وتوصلها بدعم مالي منها، تكون قد اعتدت على الوطن، وانخرطت في خدمة أهدافها التوسعية، وبالتالي في أهداف الجزائر المعادية للوحدة الترابية المغربية. وللتدليل على ذلك، ألم تقم جماعات الإسلام السياسي في المغرب بمناهضة كفاح المغرب من أجل نيل الاعتراف الدولي بسيادته على صحرائه؟ ألم تقم هذه الجماعات بترويج دعاية خسيسة جزائرية مفادها أن المغرب عقد صفقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية مقابل اعترافها بسيادته على صحرائه؟ يتضح مما سبق أن قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية القاضي باعترافها بسيادة المغرب على صحرائه الذي سيليه اعتراف العالم بها، لم يكن نتيجة صفقة أو مقايضة بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، وإنما جاء دفاعا عن الأمن القومي الأمريكي والأوروبي معا، فانتصر الحق على الظلم، والصدق والالتزام على الغدر والكذب، والنزاهة الفكرية والوفاء على المناورة والمخاتلة… هكذا، أجهض الملك محمد السادس وشعبه حلم هواري بومدين وورثته، وحلم رجب الطيب أوردوغان بإحياء أمجاد الخلافة العثمانية الاستعمارية…