* محامي بمحاكم باريس رئيس مؤسسة فرنسا المغرب (14 نونبر 2020) حتى وإن كانت موضوع بضع متابعات خلال الأيام الأولى من شهر نونبر هذا، فإن حالة الموت المتقدمة التي هي عليها جبهة البوليزاريو قد أصبحت اليوم واقعا ملموسا. فالأمصال التي ينعشها بها منذ عقود عسكريون جزائريون، مهمومون بحجب الأسباب المتعددة لعدم الرضى الذي يشمل مدن وبوادي الجزائر، مسألة حيوية للإبقاء عليها بالنسبة لهم. مما يسمح بإدراك أن ثمة علاقات مثيرة وغريبة تحرك علاقتهما المشبوهة. هكذا، ففي سنة 2009، سيتم اعتقال بالجزائر العاصمة، ذات صباح من شهر يناير، واحدا من أهم الأعضاء المؤثرين في التنظيم المتواجد بتيندوف، من قبل النظام الجزائري، بعد أن توهم أن له الحق في فضح غطرستها وكذا جرائم الاستعباد من كل نوع التي تشجعها. وها نحن بعد 12 سنة تقريبا، ولا أحد يعرف مصير السيد أحمد الخليل. وأنا محاميه الذي أخاطبكم هنا. نداء الأممالمتحدة يوم 30 أكتوبر في الآن نفسه، الذي يبرز جليا القانون والحق الدوليان، وأن الأممالمتحدة وجهت إلى العالم نداء للتعقل من خلال قرار جيد يحمل رقم 2548 يوم 30 أكتوبر صادر عن مجلس الأمن، برزت نوايا عدوانية عسكرية تعود إلى زمن ولى وانقضى، لزعزعة السلام الذي ينعش منذ 45 سنة التنمية في كامل غرب إفريقيا. بم يتعلق الأمر بالتحديد؟ إنه يتعلق بظاهرة لخلق هيكل شجرة معطاء. فقد غرست شجرة في نونبر 1975 بتلك الأرض من الصحراء الأطلسية بفضل المسيرة الخضراء. وأصبح عمر تلك الشجرة 45 سنة وهي مثقلة اليوم بفواكهها. أكيد أن نسائم المحيط قد رعت نموها، وحمتها من رياح الشرق الجافة. وأكيد أيضا أن جذورها قد وجدت في الغنى التليد لثقافة المغرب السماد المخصب والغني لساكنتها. وتوجد في فروع تلك الشجرة قيم قبلية وديمقراطية وتقاليد دولة واجهت بنجاح كل التهديدات الخارجية للإمبراطوريات الكبرى، من الرومان إلى العثمانيين والبرتغاليين والإسبان، والتي نجحت في أن تحافظ على كرامتها، أثناء المحاولات الاستعمارية ما بعد مرحلة ليوطي الحمائية. وتبرز اليوم جمالية هيبتها في ما يشبه منارة للوحدة الإفريقية، كونها في مفترق طرق المبادلات بين الشمال (أروبا) والجنوب. إن الحقيقة دوما مزعجة. ولقد قيل ذلك أكثر من مرة، حيث بعض إيديولوجيات الماضي، التي كانت ترفع شعارها تنظيمات اندثرت وغابت، مثل الشيوعية السوفياتية والقومية العربية، قد كيفت بقوة الجمهورية الجزائرية الفتية، التي كانت وراء خلق جبهة البوليزاريو. لقد كانت خدعة مغرية، وكم مفيدة لإنعاش النوايا الجزائرية لتصبح رائدة إفريقيا وبالعالم الثالث. فكان ضروريا أن تكون البوليزاريو حجر عثرة للمغرب. ولقد تكفل الزمن بإبراز أن ما وقع عكس ذلك، حيث تقوت اللحمة الوطنية التاريخية أكثر بين المغاربة، سواء كانوا في أقصى الجنوب أو في أقصى الشمال، مثلما تجلى ذلك أثناء محاكمات الأحداث التراجيدية لكديم إزيك، قرب العيون، التي وقعت منذ عشر سنوات، في نونبر 2010. لقد تغير العالم، وكذلك رهاناته إن أشد أنواع العمى، هي تلك التي لا يريد فيها المبصر رؤية الواقع والحقيقة.والعالم، كما أصبح اليوم، قد تجاوز رهانات منطق تصفية الاستعمار. وبعد المواجهات الإيديولوجية التي قسمت العالم، جاءت النزاعات الإثنية والدينية، التي أنتجت تنظيمات إرهابية، نجد تعبيرات عنيفة لها في الصحراء والساحل، والتي لم تفلح قط في أن تخلق لها موقع قدم في الأقاليم الجنوبية للمغرب. والبوليزاريو، التي لا وجود لها بدون دعم الجزائر، والتي هي مرتبطة بالمجموعات الإرهابية المختلفة المتواجدة بالصحراء الكبرى وببلاد الساحل، تعلن خلال شهر أكتوبر أنها "في حالة حرب" ضد المغرب، الذي تتهمه ك "قوة محتلة" للصحراء. إن ذلك الإعلان الفاضح، هو التجلي للحساسية التي تأخد بأطراف بلد (الجزائر) لم يفلح في حسن تدبير تناقضاته الداخلية. وهدفه هو تحويل الأنظار صوب ملف خارجي، على أمل أن تتعزز الوحدة الداخلية لجماعته. والحال أن العديد من الملاحظين يسجلون أن تلك الاستراتيجية ليست سوى وهم يراد تسويقه أمام الشعب الجزائري، المدعو مثل حلبة سباق إنجليزية إلى الجري وراء وهم القضية الصحراوية. وهذا حساب خاطئ، لا حظوظ له أبدا للنجاح، لأنه من جهة فإن الشعب الجزائري يجهل كل شيء عن هذا المشكل القانوني، ومن جهة أخرى فإن انتظاراته من قادته مختلفة تماما، بدلا من فانتازيا حرب العصابات. وخارج الصحافة الرسمية هناك، فإن ذلك التصريح لا أثر له في الواقع المجتمعي للجزائريين. الأقاليم الجنوبية، فاعل سلام وتنمية واضح أن مقاربة اجتماع مجلس الأمن، من خلال قراره الجديد، قد فتحت الباب كبيرا للاعتراف القانوني النهائي بمغربية الصحراء. وجاء تصريح البوليزاريو بهدف تلطيف الخيبة التي أصابت القليل من الدول التي في مقدمتها الجزائر، التي لا تزال تطالب بخلق دولة في الصحراء. مثلما أنه مدخل لتجديد عمل ديبلوماسيتها خاصة بأروبا وأمريكا اللاتينية، والتي أكدت وكالة أنباء الجزائر أن الحكومة وجهت سفاراتها لدعم البوليزاريو مجددا. ومما يسجل اليوم، أن الأطروحة الجزائرية لا أثر نافذ لها في العالم الإسلامي وفي إفريقيا وأروبا، ليس فقط لأنها ضعيفة أمام قوة الشرعية المغربية التاريخية والثقافية، بل أيضا لأنها مصدر لتوترات جديدة ولانعدام الأمن في منطقة واعدة تنمويا. هل هي رقصة البجع لهذه المنظمة؟ لاشك في ذلك، لكن بموسيقى موجهها والمتحكم فيها. وخلال كل ذلك، سجلت الأممالمتحدة الحكمة التي واجه بها المغرب الوضعية، وطريقة تقييمه لها وقراراته بخصوصها. مثلما سجلت ذلك الأوساط الديبلوماسية ورؤساء الدول. ولم تتحرك فرقة عسكرية مغربية سوى يوم 9 نونبر 2020، صوب منطقة الكركرات، ويوم 13 نونبر تمت إعادة فتح المجال أمام حركة التنقل، بدون تسجيل أية إصابة. لقد كتب دوغول، الذي نحيي ذكرى وفاته الخمسين خلال شهر نونبر هذا، يقول: "أمام الحدث، فإن الرجل ذا الشخصية القوية لا يعول سوى على نفسه". والحكمة هذه، تلخص تماما موقف العاهل المغربي محمد السادس وحكومته. وتلك خلاصة بليغة ودالة.