وقفت إحدى الأمهات الفلسطينيات على قبر ابنها الشهيد في انتفاضة الأقصى تبكيه بدموع الحزن والأسى، فنظر إليها رجل عجوز من المارة فقال :» لقد أحرزت هذه المرأة السبق على الحكام العرب الخونة في هذا الزمان ، زمن الاذلال والاستسلام والركوع لليهود الصهاينة، إنها ليست مثلهم، فهي تعرف تمام المعرفة على من تبكي ومن الذي سبب لها هذا الحزن الشديد، إنها موفقة لأنها تدرك حالها وتدرك من أجل من يجب البكاء «، إنها تبكي على ابنها الشهيد وعلى حال العرب الذين اعتراهم الهم والغم وقد جلسوا يكابدون الأحزان والهزائم تلو الهزائم طوال أكثر من 70 عاما مضت على اغتصاب فلسطين، فأصبحت أجسادهم واهنة وإرادتهم ضعيفة لذا وقعوا في الحيرة فتحولت حقوقهم إلى تنازلات وتحول الممكن إلى أمنية وربما إلى مستحيل حتى صارت الأمة العربية لا تعي أن التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني يجر إلى تنازلات أخرى، وأن التنازل يدفع إسرائيل إلى التشدد لتحقيق أطماع أخرى والمزيد من المكاسب والانتصارات، وقد أصيب العقل العربي بالجمود و الاضمحلال و الانحطاط ، ولعل أخطر نتائج النكبة وانعكاساتها على أرض الواقع هو استيلاء الكيان الصهيوني على نحو 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية متجاوزا بذلك قرارالتقسيم رقم 181 الصادرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، علاوة على اقتلاع وتهجير سكان الأرض الأصليين حيث غادر فلسطين أثناء الحرب وبعدها زهاء 940 ألف لاجئ فلسطيني، وترتب عن ذلك صدور القرار رقم 194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والمتضمن : « وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين تضرروا من التهجير وعن كل مفقود أو مصاب بأذى، لكن كل هذه القرارات الأممية العديدة تبخرت ومات العديد ممن كانوا ينتظرون العودة إلى أرض فلسطين، ونشأ جيل آخر في المهجر يتطلع إلى العودة لكنه لا يعرف الاتجاه الذي يوصله إلى ديار آبائه وأجداده، ولا يزال الشعب الفلسطيني يعيش النكبات والمأسي والاضطهاد والقمع والقتل وضم الأراضي بقوة السلاح أمام أنظار العرب والمسلمين والجامعة العربية القابعة في حفرة الضعف والفشل منذ نشاتها ، و لا غرابة في عقد اتفاق الخيانة بين الإمارات و إسرائيل التي تبرم اتفاقات منفردة مع الدول العربية المشتتة والمتقاتلة في ما بينها، فمنذ اتفاق» كامب ديفد « سنة 1978 بين مصر و إسرائيل برعاية الرئيس «جيمي كارتر»، تنهال على فلسطين طعنات التطبيع العلنية والخفية من ذوي القربى، وظل الحكام العرب الذين نصبهم الاستعمار الغربي يستعملون القضية الفلسطينية لامتصاص غضب الجماهير العربية ولم يكونوا جادين في تصديهم للعصابات الصهيونية بل كانوا مجرد منفذين لأوامر الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا، ولذلك نجد أن قرارات الجامعة العربية كانت لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع الأحداث التي كانت تجري في فلسطين، وحتى قرار الحكام العرب بإرسال جيوشهم إلى فلسطين لم يكن سوى مجرد مسرحية من وحي الحكومة البريطانية والأمريكية لتغطية خططهما الشيطانية في زرع الكيان الصهيوني الغريب في قلب الوطن العربي وبسط السيطرة على المنطقة العربية وعلى منابع النفط وإقامة قاعدة متقدمة للإمبريالية وسيف مسلط على رقاب الشعوب العربية، ومنذ بداية النكبة كانت خيانة القضية الفلسطينية ظاهرة للعيان حيث إن الجيش الأردني كان يقوده الجنرال البريطاني « كلوب باشا» وبريطانيا هي التي سلمت أرض فلسطين للصهاينة لكن الحكام العرب تراجعوا عن معارضتهم للجنرال البريطاني بضغط من بريطانيا وتسلم» كلوب باشا» قيادة الجيوش العربية، وكان ملك الأردن عبد الله يغتنم كل فرصة لكي يؤمن لنفسه الاستفادة مما ستؤول اليه الأمور وكان يجري اتصالاته السرية مع « حاييم وايزمان»، أشهر شخصية صهيونية بعد « تيودور هرتزل « الذي لعب الدور الأساسي في استصدار وعد بلفور عام 1917 و سلم الملك عبد الله مدينتي « اللد « و « الرملة « للصهاينة دون قتال و نال الملك عبد الله ثقة الصهاينة بعد أن أمر القوات العربية التي وصلت إلى أبواب تل أبيب بالتراجع إلى الوراء والعودة إلى مراكزها متيحا الفرصة للصهاينة لتنظيم صفوفهم وجلب الأسلحة والمعدات للتصدي للقوات العربية، وكانت حرب 1948 من أكبر العوامل التي أدت الى سخط وغضب الجماهيرالعربية بسبب الجريمة التي ارتكبها النظام المصري الحاكم آنذاك، وعلى رأسه الملك فاروق عندما أرسلوا جيش مصر إلى الحرب بسلاح فاسد و بلا ذخيرة و معدات لكي يلقى الهزيمة على يد الصهاينة، لم تكن مواقف الدول العربية متفقة حول القضية الفلسطينية منذ مؤتمر أنشاص في مصر في 27 ماي 1964 وفي مؤتمر الخرطوم في 1 شتنبر 1967 تم الإعلان عن مبدأ: «لا صلح لا اعتراف لا تفاوض» مع إسرائيل، وكانت هذه الكلمات القوية لا تعبر فعلا عن إرادة عربية جماعية بل كانت تستعمل من أجل الاستهلاك السياسي لتخدير الشعوب العربية وخداعها إلى أن وصلنا إلى مؤتمر القمة المنعقد في الرباط سنة 1971، فكانت نقطة تحول جذرية خطيرة على القضية الفلسطينية يمكن اعتبارها بداية النكبة السياسية التي وصلت بها إلى حضيض منحدر التنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، في هذا المؤتمر كان الإعلان عن تراجع سياسي كبير وخطير في تاريخ القضية الفلسطينية، وهو اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بدلا من اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا، وكان ذلك يهدف إلى تجريدها من جذورها وأبعادها العربية والإسلامية واعتبارها قضية الفلسطينيين على وجه التخصيص ليتحول الصراع من صراع عربي – إسرائيلي إلى صراع ثنائي بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، وكأن العرب لا شأن لهم بهذه القضية، كانت «جولدا مايير» تدرك جيدا أن العرب متفرقين مشتتين لا يقدرون على فعل شيء فقالت سنة 1967:» عندما أحرقت القدس لم أنم طوال الليل كنت أعتقد أن العرب سينزحون إلى إسرائيل من المحيط إلى الخليج لرمينا في البحر وفي الصباح لم يقع أي شيء فتأكدت حينئذ أن العرب نائمون لا يستطيعون فعل شيء «. * المحامي بوجدة – المغرب