تكون الأيام الأخيرة من رمضان، واقتراب العيد المبارك، فرصة لكي تحدد الجهات الدينية القيمة العينية للزكاة، ويكون من باب المناسبة شرط أن نغتنم فرصة الحديث عن الزكاة، ونتكلم…عن الثروة. ولعل السياق الوطني، والمقرون بسياق دولي ضاغط، مناسبة مضاعفة للحديث عن الثروة الخاصة ودورها الكبير اليوم، عبر أي مسلك كان، في اللحمة الوطنية وتقوية النسيج الوطني في مجابهة آثار الجائحة… يمكن أن تكون الزكاة، في الظروف الحالية، بدون إغراقها في المتمنيات التي تفوق سننها، أرضية لوضع النقاش حول الثروة في سياق مغربي، للتقدم بخطوات قوية وملموسة في اتجاه فرضها. أولا، لا تحتاج الكثير من الدول إلى قاعدة فقهية وفرائض لكي تثبت الضريبة على الثروة، كشكل مادي ومالي في ترسيخ التضامن بين الطبقات والفئات، بشكل يسمح بمواجهة المتطلبات الضاغطة اليوم وغدا. لكن السياق المغربي قد يجد في هذه القاعدة، «تسوية» بين الديني والمالي لفرض الضريبة على الثروة من باب الزكاة. وهو أمر سبق لأحد اقتصاديي اليسار، وهو نجيب أقصبي، ضمن منشور جماعي، أن دافع عنه من باب ازدواجية منتجة تجد في »القاعدة الشرعية عتبة لقبول الكثير من الأثرياء بقرار مالي دنيوي اقتصادي»، وانطلاقا من الوعاء الضريبي للزكاة مع تطبيق آليات ضريبية على الثروات الكبرى…. ونذكر هنا أن الحسن الثاني، رحمه لله، سبق له أن دعا إلى صندوق الزكاة، في 1979، وانتظر القرار عشرين سنة، إلى حين مجيء حكومة التناوب التي وضعت له قانونا أساسيا، في 1998، وما زال الصندوق يرد في كل قانون مالية، بما فيه القانون الحالي كبند في الموارد المالية، ويتعزز بعبارة «للتذكير»…. ليس الموضوع هو في المطارحة الشرعية الاقتصادية في الأمر، بقدر ما هو إشارة إلى الشعور بأن هناك معضلة اسمها الثروة والضريبة عليها تبحث في فلسفة التعاقد الاجتماعي المغربي عن مخرجات، كيف ما كانت قاعدتها، سواء عدالة اجتماعية أو انضباطا شرعيا.. لكي تتحقق. في بلاغ وزارة الأوقاف تحدد المعدل الأدنى للزكاة في عيد الفطر.. وهو أمر من شأنه تطهير ذوي الدخل المحدود، من الذين يؤتون الزكاة، غير أنه رقم لا يمكن أن نخمن بأنه المقصود في الصندوق موضوع حديثنا، ولا يمكن أن نحصل منه على 20 مليار درهم موضوع التقديرات الخاصة بالصندوق لو تم تفعيل وجوده. 2 – ضريبة على الثروة، أو الزكاة على الثروة، تكون مدخلا ودخلا، لمعالجة عمق الأولويات، التي برزت اليوم، ونلخصها في الخصاص الصحي والعجز في البحث العلمي والهشاشة الاجتماعية والاقتصادية للكثير من الفئات والأسر المغربية… في الوقت الحالي، ولتدبير النفقات المتزايدة، لجأت الحكومة إلى الديون كملاذ أخير، فرفعت وتيرة الاقتراض من الخارج وطلبت تجديد خط الوقاية وتعتزم طرح سندات سيادية في السوق الدولي، واقترضت في أبريل الماضي 17.4 مليار درهم كدين داخلي(انظر الاتحاد الاشتراكي عدد أمس )…، ولعل أول تأثير هو أن خدمات الدين، البالغة 97 مليار في القانون الحالي، ستتضاعف وتزداد كثيرا… وإذا كانت السلطات المالية المغربية لجأت إلى المديونية كحل لمواجهة ما استجد من نفقات طارئة للحفاظ علي السلم المجتمعي (الاجتماعي والصحي والاقتصادي والمعيشي)، فإن المديونية، الداخلية والخارجية معا، لن تكون الحل الكافي.. لا سيما وأن الصندوق الذي تم إنشاؤه للمواجهة لا يمكنه أن يستمر إلى ما لا نهاية… وإذا كان هذا الصندوق قد أبرز «أريحية» الكثير من الأثرياء المغاربة فإنها يجب أن تقنن وتجد قاعدتها في عمق القانون الضريبي والمشروع المجتمعي التضامني الذي نود أن نقيم قواعده للناس حتى نقوي أسس بناء الدولة والمجتمع اقتصاديا. * ونسجل، في باب توصيف الهوة الكبيرة بين الأثرياء والمحتاجين، وجود فارق شاسع بين النسبة الضئيلة للذين يمتلكون النسبة الأعلى من الثروة من العقارات ومن الأملاك مقابل النسبة الكبيرة من الناس التي لا تملك أي أملاك أو حتى مساكن أو عينات أخرى من الثروة.. فامتلاك ثروة ما، يعني قدرة صاحبها على المساهمة في التكاليف العمومية، لاسيما في زمن الأزمات.. وهو ما صار يستوجب، من باب شرط وجود الوطن، ضريبة بمراقبة جبائية صارمة بطبيعة الحال.. أي حصول الإدارة على معلومات دقيقة، بالاستفادة من الاتفاقات والمعطيات الموجودة بصفة أوتوماتيكية من الأبناك محليا وخارجيا إلى الادارة.. ونذكر هنا، بما ورد في قانون المالية بمنح مهلة سنتين -أي حدود 2023 – لمن يملكون ثروات في الخارج، لتوطينها في المغرب بدون ذعائر ولا متابعات. أليس حريا بنا، ضمن التسارع الزمني الذي فرضته كورونا، أن نشرع في تطبيقه الآن، هذه السنة، وتقليص مدة الخلاص الضريبي والمالي؟ خاصة ونحن على أبواب قانون مالي تعديلي. * نحن نعلم أن نظامنا الضريبي غير عادل في الظروف العادية، كما شهدت مناظرة ماي من السنة الفارطة، إذ يتأرجح بين صفر في المئة و…نسبة 38 في المئة من الدخل، حسب الفئات والمداخيل وغير ذلك… وهو ما لم يعد ممكنا القبول فيه، ولا سيما في ظروف تعود فيها الدول إلى أرثدوكسية التضريب على الثروة من بين الحلول المستعجلة للمواجهة.. عدم العدالة الضريبية تحرم الدولة من مداخيل مهمة لأداء مهمتها، إنها تعطيل مضاعف اليوم، بفعل النفقات المتفاقمة والأزمات المنتظر تواترها في القادم من الشهور والأيام.. والضريبة على الثروات الكبرى، دخل للمساهمة في النفقات العمومية على الضعفاء والمحتاجين والمهمشين والمقصيين من ثمار الحداثة المادية وأيضا من تعطل دورة الإنتاج اليوم.. * هناك امتحان حقيقي، للمغرب وللقرار المالي المغربي، كما هو امتحان للقوى التي تنتسب إلى المشروع الاجتماعي عموما والتقدمي التعادلي خصوصا، للدفاع عن هذا التضريب الذي يعد مهما إلى جانب إصلاح جذري للنظام الجبائي، وإعادة توحيد قاعدته الضريبية بشكل يجعل الشعور الوطني بالعدالة الضريبية أمرا .. له قوة مادية. في ألمانيا مثلا، عاد الحزب الاشتراكي الديموقراطي إلى طرح الضريبة على الثروة، وفي أمريكا نفسها، معقل المال الحر، أضحت الفكرة ذات انتشار واسع.. هي مناسبة، ما زالت الانتخابات بعيدة في التخيل العام وبالتالي نحن ما زلنا بعيدين عن الزمن الذي سنتقدم مليئين بالنوايا السيئة والسكاكين والسكاكين مشحوذة عن آخرها، هي فرصة لامتحان الأريحيات الوطنية لا رتوشات مستلية..