قدمت الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث في ركن الزكاة، تصورها للإصلاح الجبائي المغربي، واقترحت الجمعية نظرة جديدة تُخَوِّل للزكاة مكانة متميزة داخل نظام المالية العمومية. واعتبرت الجمعية في مذكرتها التي توصلت بها وزارة الاقتصاد والمالية، وحصلت «التجديد» على نسخة منها، أن انخراط كافة المكونات الوطنية من أجل إرساء نظام الزكاة ضمان حقيقي لإنجاح المشروع. وقالت الجمعية أنها بعد تنصيب الحكومة الجديدة، «واثقة أن الزكاة ستجد مكانها الحقيقي الذي تستحقه في الميدان المالي والجبائي وكذلك الاجتماعي والاقتصادي، وواثقة من حرص جميع مكونات الدولة المغربية على بعث مؤسسة الزكاة». وتنقسم هذه المذكرة التي أعدت بالتزامن مع انعقاد المناظرة الوطنية حول الجبايات قبل أيام بالصخيرات، إلى شقين، الشق الأول يقدم تشخيصا اجتماعيا واقتصاديا وجبائيا يُمَكِّن من تحديد احتياجات المغرب على مستوى التوجهات الاجتماعية والتضامنية الضرورية، في حين يقترح الشق الثاني البديل الذي تتبناه الجمعية لضمان إصلاح جبائي أصيل، وهو الشق الذي يتطرق إلى عناصر المساواة الزكوية وطرق إدارة الزكاة كنظام جبائي يتمتع بمقومات الأنظمة الجبائية الحديثة، وتقدم المذكرة أخيرا مساهمة تقنية وقانونية لتعايش الزكاة مع الضريبة. وتأمل الجمعية من خلال مذكرتها في إدماج مؤسسة الزكاة مكونا رئيسا في المنظومة المالية والجبائية المغربية، كما حاولت تقديم حلول لمعالجة العجز الاجتماعي والاقتصادي الذي يعرفه المغرب منذ سنوات، وأعربت الجمعية عن اقتناعها بالدور الهام الذي يُمْكِن أن تلعبه الزكاة، النابعٌ من المِيزَات التي تُخَوِّلُها هذه المؤسسة بتوفير مورد مالي يتم تحويله بشكل منتظم ومستمر من الفئات الغنية نحو الفئات الفقيرة بصِنْفَيْها، المعوزة التي لا تستطيع العمل، وتلك القادرة على العمل، والتي لا تجد القدرة المالية لذلك. وترى الجمعية أن ما يعزز خيارها هو طريقة التدبير التي تخضع لها الزكاة والمبنية أساسا على مبدأ التخصيص والذي من شأنه أن يَفْصِل بين الميزانية العامة للدولة وبين ميزانية الزكاة، بالنظر إلى اختلاف نوعية المصاريف التي تتكلف بها كل ميزانية على حِدَة، إلا أن هذا التمايز بين الميزانيتين، تقول مذكرة الجمعية، «يوازيه من ناحية أخرى اشتراك مؤسسة الزكاة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في عدة نواح، سواء من حيث أهدافهما أو من حيث الشرائح الاجتماعية المستهدفة». ومن أجل تحقيق إدماج سلس للزكاة في المنظومة الجبائية، تقترح الجمعية عدة وسائل تطبيقية من بينها التنصيص على سَنِّ نظام زكوي اختياري وعلى إمكانية التعايش بين النظامين الضريبي والزكوي دون أن يُلْغِيَ أحدهما الآخر، مع التأكيد على أولوية الزكاة على الضريبة. وتقترح الجمعية من جهة، التنصيص على تقنية استنزال الزكاة من الضريبة نفسها، لما لها من حياد ضريبي، ومن جهة أخرى فتح الباب أمام تلقي التبرعات و تمكينها من الاستفادة من الخصم من الوعاء الضريبي عن طريق تحْيِين المدونة العامة للضرائب، فيما يتعلق بلائحة المؤسسات ذات النفع العام التي تُخْتَصم المبالغ المدفوعة لها من الوعاء الضريبي للملزمين بالضريبة. كما تقترح الجمعية أخيرا اعتماد آليات الفحص المالي للمؤسسة ضمانا لإرساء أسس الثقة في مؤسسة الزكاة من لدن المزكين و المتبرعين. وتعتبر الجمعية أن تصورها بخصوص مؤسسة الزكاة، «لا يمكنه أن يستقيم إلا إذا تضافرت الجهود بين كل المكونات السياسية والاقتصادية والإعلامية في المغرب، من أجل الدفع بهذا المشروع و إعطائه المكانة اللائقة به قصد تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المَرْجُوَّة». التشخيص الاجتماعي والاقتصادي والجبائي:وجود إشكالية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تحليل مستوى الإيرادات الضريبية في المغرب وانعكاسها على التنمية الاجتماعية، تَخْلُص الجمعية إلى وجود إشكالية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فمن جهة، ارتفعت المداخيل الجبائية خلال العشر سنوات الأخيرة إلى مستويات مهمة. وانتقلت الموارد الضريبية الداخلية من 87 مليار درهم سنة 2002 إلى 109 مليار درهم سنة 2012 أي بما يفوق 25 بالمائة، وباحتساب المداخيل الجبائية للاستيراد، ارتفعت الموارد الجبائية من 98 مليار درهم في يناير 2006 إلى 174 مليار درهم نهاية دجنبر 2012، أي بما يوازي زيادة قصوى وصلت إلى 76 بالمائة في ظرف ست سنوات. وانطلاقا من هذه الأرقام، يتبين الجهد الجبائي الهام الذي يبذله المجتمع المغربي والفاعلون الاقتصاديون. من جهة أخرى وموازاة مع هذه الإنجازات المالية، ترى الجمعية أن فعالية النفقات العمومية، تبقى على المستويين الاقتصادي والاجتماعي محل تساؤل كبير، وتتساءل، هل مكنت هذه المداخيل المالية المهمة السلطات العمومية من القضاء على العجز الاجتماعي الذي خيم على المغرب منذ تطبيق برنامج التقويم الهيكلي؟ وهل نجحت السياسات العمومية التي تم تطبيقها في إرساء إجراءات اجتماعية وتضامنية فعالة؟ إن مشكلة تحقيق العيش الكريم للمواطن المغربي في نظر الجمعية ليست مرهونة فقط بالفعالية الجبائية، ولكنها مرهونة كذلك بإعادة التوزيع على الفئات الاجتماعية المحرومة اقتصاديا واجتماعيا. وتقول الجمعية إن رصد المؤشرات الاجتماعية للمغرب يُمَكِّن من الوقوف على حقيقة العجز الاجتماعي، فرغم المنجزات الهامة التي حققها المغرب في ميادين التنمية البشرية والقضاء على السكن غير اللائق، «إلا أن الدولة في حاجة ماسة للدعم في إطار أنظمة بديلة تمكنها من تقوية جهودها الرامية إلى تحسين مستوى عيش المواطنين». وموازاة مع ذلك، تقول المذكرة أن النفقات العمومية ما زالت تثقل كاهل الميزانية العامة للدولة. فكتلة الأجور وميزانية التسيير وصندوق المقاصة تستحوذ على موارد كبيرة من الميزانية العمومية. أضف إلى ذلك ما يستهلكه أداء الدين العمومي الخارجي وكذا الداخلي، ويتبين أن نفقات الاستثمار التي تُعْتَبر المحرك الأساس للاقتصاد الوطني تستفيد بنسبة أقل من الموارد. استعجالية الإصلاح الجبائي بِسَنِّ الزكاة تعتبر مذكرة الجمعية أن فكرة تنظيم المناظرة الوطنية للإصلاح الجبائي، تقررت انطلاقا من الأهمية التي تكتسيها الضريبة في تحصيل إيرادات الدولة وفي مساندة السياسات العمومية وفي تحقيق النمو الاقتصادي إضافة إلى معالجة الخصاص الاجتماعي في عدة قطاعات. وتذكر المذكرة أنه في هذا الصدد، أعلن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن تصوره لهذا الإصلاح، وركز على توجهات إصلاحية ذات بعد اقتصادي وأخرى ذات بعد ضريبي، خلص فيها إلى أن اقتطاعات الضرائب والاقتطاعات الاجتماعية تُثْقِل كاهل الأسر وميزانية القطاعات المنتجة وتؤثر سلبا على آليات التوزيع وإعادة والتوزيع. وترى الجمعية أن الحاجة مُلِحَّة لأجل القيام بإصلاحات جبائية، وتتبنى بشكل واضح فكرة تنقيح النظام الضريبي بنمط جديد يختلف عن أنماط التقليد الجبائي. وتقترح الجمعية هذه الفكرة بديلا للأطروحات التي جاء بها الكثير من الفاعلين السياسيين والأساتذة الجامعيين الذين دعوا إلى سَنِّ ضرائب جديدة، من قبيل الضريبة على الثروة والضريبة على رأس المال و الضريبة على الإرث و ضريبة التضامن الاجتماعي، في إغفال تام لفريضة الزكاة التي تعتبر ركنا أساسيا من أركان الإسلام وجزءا مهما من حضارتنا المغربية الأصيلة، تضيف المذكرة. ورغم أن الجمعية لا تُنْقِص من قيمة السيناريوهات الضريبية المذكورة، إلا أنها تتبنى الرجوع أولا إلى اقتطاعات أصيلة تجد مصدرها في ثقافة الشعب المغربي. وتقول أن «الاقتصار على حلول ضريبية مستوردة ليس مُبَرَّراً لأن تراثنا الثقافي والديني والحضاري والتاريخي ما زال يزخر بأنماط جبائية برهنت في السابق على فعاليتها، قبل أن تتوقف في فترات تاريخية معينة ولم تجد بعد طريقها نحو التطبيق في الإدارة المعاصرة للمالية العمومية ببلادنا». وتقدم الجمعية هذا الاقتراح وهي معتزة بما حققه الاقتصاد الإسلامي في العالم من مناعة في مواجهة الأزمات المالية وبما قدمته البنوك الإسلامية من نجاح في الدول المتقدمة والنامية، وهو ما يمكن اعتباره دليلا مهما على ملاءمة الحلول الإسلامية في تدبير الشأن المالي العمومي. وإذ تتحدث الجمعية عن نجاعة وفعالية أدوات الاقتصاد الإسلامي، فإنها تقصد في المقام الأول الزكاة باعتبارها من أهم هذه الأدوات في المنظومة المالية الإسلامية الشاملة. اقتراح نظام زكوي اختياري واعتبار الزكاة داعمة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية تقترح الجمعية نظاما زكويا اختياريا وذلك لسببين اثنين، الأول يتمثل في ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التوقف الذي طال تطبيق هذه الفريضة على المستوى المؤسساتي منذ أكثر من قرن من الزمان. أما السبب الثاني فيتعلق بأهمية القيام بحملات توعية لدى أفراد الشعب المغربي بمكوناته الاجتماعية والاقتصادية لتعريفه بالجوانب التقنية للزكاة، كتحديد الوعاء الزكوي وطريقة احتساب الزكاة وسبل توزيعها وهو ما يجعل من النظام الاختياري حلا ملائما. وتَعْتَبِر الجمعية الزكاة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية سياستين متكاملتين من حيث أنهما ترميان لتحقيق نفس الأهداف وتستهدفان نفس الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المحدود. ولذلك ترى أنه بإمكان موارد الزكاة أن تُسْهِم في دعم الجهود المحمودة التي تقوم بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل القضاء على الفقر والهشاشة وخلق مناصب شغل قارة ومدرة للدخل، كما بإمكان المؤسستين التفكير في برامج مشتركة وتنزيلها على أرض الواقع. تعايش الزكاة مع الضريبة تقترح الجمعية كذلك التعايش بين النظامين الضريبي و الزكوي، وذلك اعتبارا لأن الضريبة مكون أساس في المنظومة المالية المعاصرة وباعتبار أيضا أن الزكاة ليست المورد المالي الوحيد للمالية الإسلامية، ذلك أن في مال المسلم حقا سوى الزكاة. و يتعزز هذا الخيار أيضا على أساس أن النظريات الاقتصادية الإسلامية لا تُحَدِّد دور الدولة فقط في القيام بالاستجابة لاحتياجات الفقراء والمساكين ولكن تُوَسِّعُه ليشمل أَدْوَار التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن طريق موارد جبائية مُوَسَّعة دون أن تُغْفِل الأولوية التي تكتسيها الزكاة مقارنة مع الضرائب الأخرى. الفصل بين الميزانية العامة للدولة وميزانية الزكاة تؤكد الجمعية على أن الزكاة اقتطاع مالي يتم توجيه موارده عن طريق مبدأ التخصيص، نحو الأصناف الثمانية المنصوص عليها في القرآن الكريم، وهم الفقراء و المساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله و ابن السبيل. و يتضح من هنا أن المصاريف المَعْنِيَّة أساسا بالزكاة تهم الأشخاص ذوي الدخول المحدودة، ولا تتعلق أبدا بنفقات الدولة من مصاريف التسيير ومصاريف الاستثمار أو النفقات العامة. و من هذا المنطلق، يُعْتَبر فصل الميزانية العامة للدولة عن ميزانية الزكاة مسألة مهمة وحاسمة، حسب مذكرة الجمعية. وتذكر الجمعية في مذكرتها بأن الميزانية العامة ما زالت تضم ومنذ سنة 1979 حسابا خصوصيا تحت اسم «حساب الزكاة»، لم يُفَعَّل إلى يومنا هذا وتتم الإشارة إليه سنويا في خانة «للتذكرة»، ولذلك فإن الجمعية تعتبر هذه الحالة شاذة وتطالب بتغيير هذه الوضعية. التأسيس للفحص المالي لمؤسسة الزكاة من بين الضمانات الأساسية لإنجاح مؤسسة الزكاة حسب المذكرة، اتباع قواعد الحكامة الجيدة ووضع آليات للمساءلة وإعداد تقارير حول الإنجازات المالية والتدبيرية. وبصرف النظر عن وضع مؤسسة الزكاة تحت وصاية قطاع وزاري معين أو مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي و الإداري، فإن أهم شيء هو انتهاج مبادئ الحكامة المالية بما فيها إخضاع المؤسسة الزكوية لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية، كما يمكن القيام بافتحاصات للعمليات الزكوية ورفعها إلى مجلس إدارة المؤسسة وإبلاغها للعموم و خصوصا للمزكين منهم. الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للزكاة تعتبر المذكرة أن الزكاة تضطلع بمهمتين أساسيتين، المهمة الأولى ذات طابع اجتماعي تعنى بالأشخاص المعوزين الذين ليست لديهم القدرة على كسب قوتهم. و المهمة الثانية ذات طابع اقتصادي تتمثل في إدماج الأشخاص النشيطين المستحقين في الدورة الإنتاجية المدرة للدخل. ومن المنظور الإسلامي، ترى المذكرة أن هذا التصور يرتكز على مبدأين أساسين وهما تحقيق دوران المال من جهة ومنع اكتنازه من جهة أخرى. ولتحقيق هذه الأهداف، فإن الزكاة تختزن طاقات مالية مهمة، وذلك باعتبار النسب التي حققتها في غالبية الدول الإسلامية والتي تتراوح ما بين 2 بالمائة و6 بالمائة، من الدخل القومي الخام، وهو الشيء الذي يشير إلى إمكانية تحقيق إيرادات مهمة تصل إلى 14 مليار درهم بالنسبة للسيناريو الأدنى. كما يمكن أن توفر زكاة الفِطْر ما يناهز 375 مليون درهم على أساس 12.5 درهم للفرد الواحد، تقول المذكرة بالنظر إلى أن عدد المغاربة هو 30 مليون نسمة. دون احتساب مبالغ الزكاة التي يمكن تحويلها من طرف الجالية المغربية في الخارج إلى صندوق الزكاة. الاستنزال الزكوي من الضريبة: تقنية فعالة للتعايش بين الزكاة والضريبة من أجل إدماج سَلِسٍ للزكاة، تقترح الجمعية، على المستوى الضريبي، تقنية الاستنزال الزكوي من الضريبة، للتعايش بين الزكاة و الضريبة، وتعتقد الجمعية أنه من المستبعد أن يؤدي تطبيق الزكاة في المغرب إلى ارتفاع نسبة الضغط الجبائي، وذلك بالنظر إلى تفعيل مبدأ الحيادية الضريبية على ميزانية الملزمين بالضريبة. وتتحدث المذكرة عن أولوية الزكاة على الضريبة، وترى أن تصنيف الزكاة داخل المنظومة الجبائية يعطيها الأولوية على سائر أنواع الضرائب الأخرى، بالنظر إلى طابعها التشريعي الديني. ففي القانون الإسلامي، هناك نوع من التَرَاتُبِيَّة بين الجباية الإسلامية والجباية الوضعية تُكَرِّسُها كتابات العلماء والفقهاء الأوائل الذين رَخَّصُوا لوضع ضرائب جديدة عندما تستدعي مالية الدولة الإسلامية ذلك. و هو الشيء الذي يؤكده المفكرون المعاصرون الذين يعتبرون أن دور الدولة لا يقتصر على القيام بالمهام الأساسية كالحفاظ على الأمن وحماية الحدود وضمان العدل بل يتعداه إلى مهام التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بكل تجلياتها. ومن هذا المنطلق، ترى المذكرة أنه يمكن اعتماد طريقة «الحق في الاسنتزال» لخصم مبلغ الزكاة من مبلغ الضريبة، وهي طريقة متداولة في النظام الضريبي المغربي حيث يُسْمَح للملزمين بالضريبة بخصم المبلغ المؤدى سلفا من الضريبة نفسها أو من الوعاء الضريبي بصفة عامة. و بناء عليه، تأمل الجمعية في إدخال هذه التقنية لِمَا لها من أثر على إنجاح تطبيق الضريبة مع الزكاة ولِمَا لها أيضا من حيادية على مالية المقاولات والأشخاص الذاتيين. إن استنزال الزكاة من الضريبة يعني، حسب المذكرة، أن يُقَدِّم الملزم بالضريبة تسبيقا برسم الزكاة و يقبض، بناء عليه، وَصْلاً يُمَكِّنه من الاستفادة من خصم الزكاة من مبلغ الضريبة على الشركات أو من مبلغ الضريبة على الدخل، وتشير المذكرة إلى المؤتمر العالمي حول الزكاة المنعقد سنة 1990 بكوالالمبور بماليزيا، والذي أوصى الدول الإسلامية بعدم الاكتفاء بخصم الزكاة من الوعاء الضريبي بل بخصمها من الضريبة نفسها. وتقول المذكرة أن لهذه التقنية الجبائية مِيزَات مهمة، وهي أنها تحقق الحياد الضريبي ولا تُنْتِج ضغطا جبائيا إضافيا، مِمَّا يُبَدِّد المخاوف من إمكانية الرفع من مستوى الاقتطاعات في المغرب بسبب إدخال مؤسسة الزكاة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه التقنية تَقِي الفاعلين الاقتصاديين المسلمين من منافسة غير مشروعة من لدن الملزمين بالضريبة الأجانب بحكم أن مستوى الاقتطاعات سيبقى في نفس المستوى بالنسبة لكلا الطرفين. وتتصور الجمعية، أنه سيَبْقَى للملزمين بالضريبة حقُ الاختيار في طلب استنزال الزكاة من عدمه لأنه يتماشى مع الطبيعة الاختيارية للنظام الزكوي الذي تراه الجمعية. و بالتالي، ستُمَكِّن هذه الطريقةُ الملزمينَ الذين يفضلون أداء الضريبة و أداء الزكاة معاً من التَّمَتُّع بهذا الاختيار دون اللجوء أوتوماتيكيا إلى عملية الاستنزال، و هذه هي الحالة الوحيدة التي قد تُنْتِج، في بعض الأحيان، زيادة في مستوى الضغط الجبائي ولكنها تكون برضى المزكي أو لأسباب مجتمعية معينة يُرِيدُ بها المزكي المساهمةَ الاختيارية في بناء الوطن بأَرْيَحِيَّة دينية ووطنية كاملة. وترى الجمعية أنه من الأفيد كذلك أن يبقى باب التبرعات مفتوحا بالنسبة لمؤسسة الزكاة ضمانا لتلقي صدقة التطوع إلى جانب زكاة الفرض. و في هذه الحالة، ينبغي تمتيع الملزمين الذين يُودِعُون أموالا في صندوق الزكاة من الاستفادة من خصم هذه المبالغ من الوعاء الضريبي على غرار ما هو متاح بالنسبة للمتبرعين للمؤسسات ذات النفع العام المنصوص عليها في الفصل 10 من المدونة العامة للضرائب، عِلْماً أن توزيع الزكاة يتم عبر مبدأ التمليك للمزكى لهم. وبناء عليه، تلتمس الجمعية أن يتم تَحْيِين لائحة المؤسسات ذات النفع العام المذكورة في الفصل 10 من المدونة العامة للضرائب لتُتَمَّم بمؤسسة الزكاة وأن يُسْمَح كذلك باستنزال مبالغ الزكاة من مبالغ الضريبة نفسها. الآثار المترتبة عل سياسة توزيع الزكاة إن من أهم آثار تطبيق الزكاة في المغرب على المنظومة المالية العمومية التحويل المنتظم والمستمر لجزء من الموارد العمومية نحو الفئات المجتمعية المحدودة الدخل. وبغض النظر عن أن هذا التحويل سيُبْقِي الموارد العمومية في شموليتها في نفس المستوى، إلا أنه سيَسْمَحُ بالاعتناء مباشرة بهذه الفئات عبر توظيف هذه الأموال في شقين أساسين، الأول، اجتماعي، يتعلق بتقديم المساعدة لمن لا يستطيع العمل، والثاني اقتصادي، بتشجيع الأشخاص النشطين على تحمل مسؤوليتهم في العمل و خلق مبادرات اقتصادية تُخرجهم من بؤرة الفقر و الهشاشة، بل وتجعل منهم مُزَكِّين في المستقبل بعد تجاوزهم لخط الفقر. إضافة إلى هذا، من الآثار المتوقعة للزكاة كذلك أن يَدْفَعَ المكتنزون بأموالهم إلى داخل الدورة الإنتاجية حتى لا تأكلها الزكاة، وأن تُسْتَثْمر هذه الأموال الزكوية في مشاريع جماعية تشغل آلاف الأيادي العاملة، وهو ما يسمح بمعالجة ظاهرة البطالة ويُعْطِي متنفسا جديدا للتخفيف من محنة حملة الشهادات و متخرجي مختلف التكوينات.