يحل اليوم فاتح ماي، العيد الأممي الذي صار رمزا للكفاح المستميت والمتواصل لعمال العالم ضد الاستغلال الرأسمالي البشع ورفع مطالبهم الاجتماعية والنقابية، وصار مع مرور التاريخ فسحة لكل المظلومين والمهمشين للتعبير عن مواقفهم من سياسات حكوماتهم والتنديد بما يعانونه من حيف اجتماعي أو تضييق سياسي أو إنكار ثقافي. يحل العيد العمالي هذه السنة والعالم يعيش تحت وطأة هجوم كاسح ومبيد للأرواح، مدمر للاقتصاد، مهدد لاستقرار المجتمعات، ومحطم لكثير من اليقينيات والأوهام في ذات الوقت، إنه «كوفيد 19»، الذي أودى حتى الآن بأرواح ما يفوق مائتي ألف من البشر، ينتمي أغلبهم لأكبر دول العالم المتقدم، وطوح بملايين من العمال والأجراء إلى براثن البطالة وسوء الأحوال المعيشية والنفسية. وتبين الأرقام أن الطبقة العاملة وفئات المأجورين والعاملين بالقطاعات غير المهيكلة، هم أول ضحايا الجائحة، وأنهم سيكونون الأكثر اكتواء بتداعياتها المدمرة للاقتصاد. ففي بلادنا مثلا، فقد ما يناهز المليون أجير دخله كلا أو جزءا، وليس مستبعدا أن يتفاقم الوضع الاجتماعي لهؤلاء ولمن سيلتحق بهم مستقبلا، إن قدر الله ولم نتمكن من تطويق الوباء ودحره نهائيا. لقد أبانت أزمة كورونا المستجد عن هشاشة مالية للسواد الأعظم من المقاولات المغربية، وأحيانا عن سلوكات انتهازية غير مقبولة أخلاقيا. وفي كل الأحوال كانت الشغيلة هي الحائط القصير والضحية الأولى، مما فاقم من أوضاعها الصعبة أصلا، وجعلها عرضة للضياع، وفي حالة استئناف الحياة لدورتها العادية سيكونون عرضة لاستغلال مضاعف. ما يحز في النفس أن الشغيلة المهددة بفقدان شغلها ومعين رزقها، تجد نفسها مجبرة على عدم إحياء فاتح ماي لهذه السنة. شوارع مدن العالم لن تستقبل هذا العام، غصبا عنها، المسيرات الحاشدة والحناجر الصادحة والشعارات الغاضبة، والمطالب المشروعة، ستظل خاوية على عروشها تستعيد صور آلاف العمال والعاملات، يحملون لافتات تختصر ملفات مطلبية لم تلبى أبدا كاملة، وبورتريات لقادة وزعماء صنعوا تاريخ الكفاح العمالي، ورموزا اقترنت عبر التاريخ الحديث بالمشروع الاشتراكي. ساحات المدن العمالية ستفقد منصات الخطابة وبيان الخطباء وحماس من توقظ فيهم تلك الخطب جذوة النضال المستمر. ولأنه من حق الشغيلة أن تحتفي بعيدها، ولو رمزيا، نرى أنه من واجب الفضائيات المغربية أن تفتح أذرعها للنقابات لتقدم مطالبها في زمن كورونا وتصوراتها لآليات تجاوز تداعياتها على العمال والعاملات في مختلف القطاعات، وأن تنجز حوارات واستطلاعات مع عمال وعاملات من مختلف القطاعات. تحية لكل عامل وعاملة، وكل التضامن مع الطبقة العاملة في زمن الحجر والجائحة.