فاجعة جديدة تهز مدينة خنيفرة، تنضاف إلى سلسلة «الانتحارات» التي سجلت مؤخرا لأسباب اجتماعية، إذ بعد انتحار شاب ضواحي سيدي اعمرو بابتلاعه لمادة سامة، استيقظ الجميع على نبأ إقدام شابة بحي المسيرة على إنهاء حياتها بتناولها لمادة مماثلة، غير أن الأمر يختلف على مستوى الدوافع والأسباب بالنسبة للشاب هشام عطار الذي أقدم على وضع حد لحياته، بحي حمرية، بعد زوال الثلاثاء 3 فبراير 2015، عن طريق استعمال قرص مبيد الفئران أكدت مصادرنا أنه ابتلعه في ظروف غامضة. وقد أجمعت مصادرنا على أنه اختار نهايته في سابقة أولى من نوعها، بعدما طفح به الكيل، احتجاجا على تهرب الجهات المسؤولة من إنجاز وثائقه الإدارية التي كان من نتائجها حرمانه من البطاقة الوطنية وتوثيق زواجه وتسجيل رضيعته المولودة حديثا، ومن الهوية والعمل والتجوال والتسجيل في اللوائح الانتخابية وغيرها. وقد ظل الشاب هشام عطار (يلقبه أصدقاؤه بانا)، محروما من هويته لا لشيء إلا أن والده الجزائري غادر المغرب ليعيش بالجزائر، وأسرته من بين العائلات المغربية التي تم طردها من هذه الدولة الجارة، صبيحة عيد الأضحى في 18 دجنبر 1975، بمن فيها أمه وجدته وخالاته، مع السماح لوالده بالخروج والدخول إلى حين فضل الاستقرار بالديار الجزائرية، إذ كان الوالد، عبدالقادر عطار، يمارس التجارة بين المغرب والجزائر فتزوج من خنيفرة بأم هشام التي أخذها معه إلى الجزائر لفترة قصيرة وهي حامل، ووضعت وليدها هشام الذي أدخلته للمغرب، وعمره لا يتجاوز 40 يوما فقط، ليعيش مغربيا محبا لوطنه، ما جعله مصرا على جنسيته المغربية، إلى درجة المطالبة بتغيير لقبه المشترك مع والده من «عطار» إلى «بانا»، اللقب الذي سجل به نفسه على الفايسبوك. وارتباطا بالحكاية، ظل الشاب في حضن والدته إلى يوم وفاتها، فتكفلت به جدته حتى اشتد عوده، ولم يكن يتوقع أن يحيا بدون وثائق تثبت هويته المغربية التي كان يفتخر بها حتى النخاع، رغم ميلاده ببني صاف على السّاحل الجزائري الغربي، وفي لحظة «تمرد» لم يفت الشاب هشام التقدم لدى السلطات بوصف نفسه «لقيطا»، غير معروف النسب، في محاولة منه للحصول على وثائق هوية مغربية، ولو باسم فلان بن إكس، غير أن المحاولة باءت بالفشل، ما ضيع عليه العديد من الفرص الاجتماعية، سواء في إيجاد عمل يوفر له حاجياته الأساسية، أو في الانضمام لبعض فرق كرة القدم باعتباره من البارعين في هذه الرياضة بشهادة الكثيرين. وكباقي أقرانه، تقدم لعقد قرانه بفتاة (سناء) على سنة الله ورسوله، بعد علاقة طويلة بينهما، وانتقلا معا للسكن ببيت مستقل، وكم كانت حياته مضطربة جراء زواجه ب «الفاتحة» والشهود دون عقد، بسبب عدم توفره على الوثائق الإدارية، وظلت أسرة زوجته في انتظار القيام بتوثيق عقد هذا الزواج، إلى حين ازديان فراش الشاب وزوجته بمولودة اختارا لها من الأسماء (منى)، ليتضخم حجم المشكل في خروج هذه المولودة إلى الحياة من دون وثائق، كما لو كانت ناتجة عن علاقة غير شرعية، ما حمل أسرة الزوجة إلى الدخول مع هشام في خلافات وشجارات أججت جحيم حياته، سيما بعد اضطرار هذه الأسرة إلى الاحتفاظ بالزوجة ورضيعتها ومنع زوجها هشام من أخذهما ما لم يتوفر على الوثائق القانونية والشرعية. ووفق مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، لم يتوقف الشاب هشام عن التردد على محكمة قضاء الأسرة بخنيفرة في محاولة منه للحصول على وثائق تثبت زواجه وهوية طفلته، دون جدوى، إذ تم منحه مهلة تلو مهلة للحصول من القنصلية الجزائرية على نسخ الازدياد، الحل الذي لم يكن يستسيغه لتشبثه بمغربيته وضعف إمكانياته المادية أولا، ولخوفه ثانيا من ترحيله إلى الجزائر حسبما كان يراوده من أوهام وهواجس، وكلما عاد لمحكمة قضاء الأسرة تتكرر مطالبته بالوثائق المطلوبة، إلى حين تم طرده من هذه المحكمة بصورة اعتبرها حيفا وظلما، ما جعله يصاب بالاكتئاب و«يكفر» بكل شيء، سيما في الوقت الذي أقدم فيه المغرب على تسوية وضعية المهاجرين السريين الأفارقة والأجانب، في حين لم تعر فيه أية جهة اهتماما بوضعيته وهو المغربي الذي فشل في إقناع السلطات ب «ضرورة» تسوية وضعيته القانونية. وسبق لهشام أن اجتاز الحدود المغربية الجزائرية فتم اعتقاله على يد السلطات الجزائرية لفترة قصيرة قبل الإفراج عنه، تماما كما هو حاله بالمغرب داخل مدينته خنيفرة التي طاله فيها الاعتقال لعدة مرات من طرف دوريات الأمن بدعوى عدم توفره على البطاقة الوطنية، بل لم يكن منتظرا أن يتم اعتقاله من بيته رفقة زوجته بتهمة الفساد لعدم توفره على ما يثبت زواجه، وقدم للقضاء رغم شرحه لمختلف السلطات وضعيته العالقة التي لم يتلق أي رد في شأنها، علما بأن قانون الجنسية المغربي المعدل يعتبر مغربيا كل ولد مولود من أب مغربي أو أم مغربية. هذا الوضع المتأزم عجل بإقدام هشام على التفكير في الانتحار، واكتفى لحظتها ببعث رسالة هاتفية قصيرة إلى أحد أصدقائه، يطلب منه فيها الالتحاق به فورا بالبيت، ليجده الصديق يتضور ألما على مستوى أحشائه دون كشفه وقتها عن حكاية قرص السم، ما أجبر الصديق على نقله إلى مستعجلات المستشفى الإقليمي التي تقاعست عن القيام بإغاثته في الوقت المناسب، إلى حين تعالت أصوات مرافقيه، فتم نقله إلى قسم العناية المركزة إلا أنه دخل في غيبوبة تامة لدقائق معدودة لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة، ويكون قد ندم على فعلته بعد فوات الآوان، حسب رأي بعض أصدقائه. وحتى بعد وفاته، ظل مشكل الوثائق يطارد الشاب هشام عندما رفض المستشفى الإقليمي تسليم جثته لأسرته قبل تقدم إحدى المواطنات (ممرضة) بضمانه عن طريق تسليم بطاقتها الوطنية بغاية تسهيل الإجراءات القانونية، حسب مصادر «الاتحاد الاشتراكي» لتستمر ضبابية المستقبل على مستوى آفاق وضعية طفلة المنتحر وشرعية زواجه المعلقة على مشجب المجهول، في حين تصر عائلته على فتح تحقيق في هذه الحالة المؤلمة، مع العمل على تحديد المسؤوليات بشأن دوافع انتحار ابنها !