قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    فوز مريح لنهضة بركان على النادي القسنطيني قبل لقاء العودة في الجزائر    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف انجرف محمد مراح إلى طريق الإرهاب المليء بالأشواك
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 06 - 2012

قصة محمد مراح، هي أيضا قصة مسار غلام فقد مرجعياته بين والد قاس غادر بيت الزوجية و ابنه الأصغر لا يتجاوز سنه الأربع سنوات، وأم متجاوزة تتعرض للضرب من طرف زوجها أولا ثم من طرف ابنها البكر عبد القادر وأخ أكبر يفرض قانونه على البيت بالقوة. هذا العنف تم تسجيله من طرف العدالة والمصالح الاجتماعية، التي تظهر العشرات من تقاريرها الفوضى و الارتباك أمام هذا الانجراف. المقال التالي يشكل عودة إلى طفولة إرهابي تولوز و مونتباون محمد مراح، معتبرا إياه منحرفا وجد في الدين ملاذا و في التطرف أسلوبا. وفي المقابل هناك بعض التقارير التي تتحدث عن دفع أجهزة المخابرات الفرنسية لمحمد مراح دفعا إلى هذا الطريق المليء بالأشواك، فهي التي جندته ، دون علمه، و بعثت به إلى العديد من بؤر التوتر قصد جمع المعلومات عن التنظيمات الإرهابية. فهل قام محمد مراح فعلا بما نسب إليه من جرائم ، أم أن العملية كلها مفبركة و مركبة من طرف أجهزة الأمن الفرنسية؟
الخط المستدير والمنتظم يمتد على صفحة بيضاء كاملة. هذه الرسالة المحررة "بتولوز في 22 أبريل 2003 "، تمت لا شك بمساعدة صديقة ما أو من طرف إحدى بناتها، هي رسالة أم مكلومة.
«سيدتي القاضية. أتقدم لكم للحديث عن حالة ابني محمد مراح. بالفعل، ونزولا عند طلبي وطبقا لقراركم، فإن زوجي السابق محمد مراح قد تولى الحضانة النهائية لابننا. إلا أنه لسوء الحظ ...فإن هذا الأخير ...قد هرب من بيت والده للعودة إلى بيتي كي يعتدي بدنيا علي أنا وعلى شقيقته، كما تهجم على شقتي وجعل عاليها سافلها... وأكد لي مربيه أنه لم يعد بإمكانه القيام بأي شيء له وأن أي مؤسسة لا تستطيع قبوله...لقد وصلت درجة عنف ابني إلى حد أعجز عن مواجهته. وعلاوة على عنفه، فإن خطابه هو "الموت" . سيدتي القاضية، إني أرجو مساعدتكم من أجل إيجاد حل يعيد له مفاهيم الحدود والأطر التي لا ينبغي عليه تجاوزها... تقبلي سيدتي القاضية التعبير عن فائق تحياتي».
هذا المخطوط ليس سوى ورقة ضمن مئات أخريات في ملف التحقيق لقضية مراح. ومن بين الوثائق الأخرى هناك أيضا مذكرات وتنقيط المربين، وتقارير المساعدات الاجتماعيات، وخبرات الأطباء النفسيين. كل هذه الوثائق تروي قصة عائلة وتشهد على جو من العنف وانعدام الحب الذي ترعرع فيه القاتل صاحب السكوتر. هذا الأب الغائب، الذي يعد محمد مراح ابنه الثالث عشر، العائد إلى بلده، الجزائر، فور تقاعده. هذه الأم التي تتعرض للضرب من طرف زوجها، المرتهبة من أصغر أبنائها، عبد القادر، والتي لم تجد الطاقة ولا الموارد لإخراج إبنها الأصغر، محمد، من هذه الدوامة الجهنمية.
لا تفسر البيئة الأسرية كل شيء، ولا الأحياء المستضعفة للمدينة الوردية (تولوز) تفسر الأمر. إنها قصة محمد مراح أيضا: سعي لا منته لغلام لم يعثر أبدا على مرجعيات يستند إليها.
وصل والده إلى فرنسا في منتصف الستينات.في تلك الفترة، كانت البلاد عبارة عن ورش واسع، وكان الرجال يعبرون البحر المتوسط بالآلاف من أجل المساعدة في الإعمار. فأينما كانت اليد العاملة ناقصة، يحط المهاجرون حقائبهم. توقف محمد مراح الأب في بلدة "بورج" حيث اشتغل في مصنع للآلات الفلاحية. ثم توجه إلى تولوز، للعمل في أفران البيسكوت بمعمل "باري" . وفي المساءات، في مساكن العمال المشتركة، كان الرجال يحنون لزوجاتهم اللواتي بقين في البلاد ولأولادهم الذين يكبرون في غيابهم. كان لمحمد مراح سبعة أطفال من زوجته الأولى فاطمة. وسيحل ستة آخرون من زوجته الثانية، زوليخا، وهي سمراء جميلة تصغره بخمسة عشر عاما،التي تزوجها غير بعيد من العاصمة الجزائر، ذات جمعة من يناير 1975 .
في ربيع 1981، التحقت زوليخا بزوجها ، صحبة طفليها عبد الغني وسعاد، وهي حامل بطفل جديد. لم تكن زوليخا تحمل شهادة ما، بل إنه لم يسبق لها أن ولجت المدرسة أبدا، بيد أنها كانت تحلم بالعمل في بعض البيوت كخادمة.بعد ستة شهور ستضع ابنتها عائشة. وفي العام الموالي كبرت الأسرة بميلاد عبد القادر. كانت الشقة واسعة، وكان لكل من البنات والبنين غرفهم الخاصة، وكانوا يملأون ممرات العمارة ضحكا وضجيجا.
داخل الشقة العائلية، كان الجو ثقيلا. فنهارات العمل بالمصنع مُتعبة للأب ، وال 2300 فرنك الشهرية لم تكن تسمح للأسرة بأي كماليات. وفي بعض الأماسي، كانت الشجارات تندلع داخل غرفة نوم الأبوين وكان الأطفال شهودا على هذه الشجارات العنيفة. بعد عشر سنوات على وصولها لفرنسا، ستفر زوليخا من ضربات زوجها القاسية. وفي سنة 1993 تم الطلاق بين الزوجين. خلال ذلك رأى النور طفل جديد في أكتوبر 1988 . وحمل إسم والده . لم يكن محمد مراح قد تجاوز الرابعة من عمره حين افترق والداه. في هذه الفترة كان أول هروب له من البيت. وتروي طبيبة نفسية خبيرة لدى محكمة تولوز الأمر كالتالي : «كان ينتظر نوم الجميع كي يخرج إلى الشارع ليلا، للقيام بما يقوم به الكبار.." .ومن جهتها ستقول أمه لرجال الشرطة، أنه حين كان في السابعة من عمره كان يتحدث عن رجل يتكلم داخله" .
زوليخا التي أصبحت تحمل إسم زوليخا عزيري لم تعد تعمل وأصبحت تعيش من منحة 1000 فرنك التي يدفعها لها زوجها. وجدت نفسها وحيدة صحبة خمسة أطفال عليها تربيتهم، في بلد لا تتقن لغته. غادر الأطفال الكبار البيت بسرعة، وبقيت عائشة والأخوان الصغيران، عبد القادر ومحمد، اللذان فقدت بسرعة أي سيطرة عليهما. تبنى الطفلان قوانين الحي. كان عبد القادر في الثالثة عشر حينما تم تقديمه للقاضي، كان يخرج كثيرا ويعود للبيت متأخرا وكان يعنف والدته بقسوة. في حي "ليز يزار"حيث يقطنان، كان الأخوان مراح معروفين بقيامهما ببعض السرقات الصغيرة وبكسر زجاج النوافذ وتخريب الفضاءات الخضراء. أصبحت زوليخا عزيري قلقة على مصير إبنها الأصغر الذي كرر القسم التحضيري ووضع في مركز إيواء ، يقول تقرير لإحدى مساعداته الاجتماعيات إن « نموذج الذكر الوحيد بالمنزل لديه هو أخوه الأكبر عبد القادر».
شكلت سنة 2000 منعطفا هاما بالنسبة لمحمد مراح الذي دخل القسم السادس، في "بيلفونتين" ثانوية الحي. كانت نتائج الأثلوث الأول جيدة إلى حد ما : 15,5 في اللغة الانجليزية 14,5 في التاريخ والجغرافيا 12,5 في الرياضيات و13,75 في الإنشاء. وكان ممتازا في الفنون التشكيلية (17) . وفي المقابل كان سلوكه"غير مقبول في غالب الأحيان" . تقول مساعدة اجتماعية عن تلك الفترة في تقرير لها : «كان محمد يتمنى لو أن أمه خصصت له وقتا واهتماما أكثر...وهو يعتقد بأن والدته مهتمة بأخيه عبد القادر أكثر من اهتمامها به» .
كان عبد القادر ، يرهبها ويفرض قانونه داخل البيت. كان يأتي معه بكلبة من فصيلة "بيت بول" دون أن تستطيع أمه الاحتجاج رغم أن الكلبة كانت تخرب ما بالبيت وتمزق دفاتر محمد المدرسية. وكانت غضبات عبد القادر ضد أمه "عنيفة بشكل خاص" . في يوم من الأيام بعد عودتها من زيارة صديقة لها، وجدت محمد داميا نتيجة لتعرضه لعضات في الفخذ والبطن من طرف كلاب أخيه الضارية. وحين حاولت استفسار عبد القادر عن الأمر ، غضب هذا الأخير غضبة هوجاء ووجه لأخيه محمد ثلاث ضربات عنيفة في الظهر.
ولعدة أيام لم تعد زوليخا عزيري تجرؤ على الدخول إلى بيتها. حينها كان محمد يبيت عند سعاد، شقيقته الكبرى، التي أصبحت شقتها الكبرى ملاذا له في الغالب. وفي سادس فبراير 2001، كتبت مديرة الثانوية إلى الوكيل العام رسالة تثير فيها حالة محمد مراح « الطفل الموهوب بشكل خاص... والمعرض لخطر جسيم هو ووالدته. لذا فمن المستعجل التدخل في الوسط العائلي من أجل إعادة الهدوء.فمحمد قد يتحول إلى مراهق خطير بالنظر إلى مؤهلاته الذهنية» . لجأت الأم لدى إحدى الجارات، وكان محمد هو الوحيد المسموح له بدخول بيتهم حين يكون عبد القادر حاضرا. لقد أصبح خاضعا تماما لسلطة هذا الأخير. و حين دفعت المساعدة الاجتماعية ذات يوم باب شقة عائلة مراح اكتشفت " شقة... مدمرة بالكامل" .
في هذا الخراب الكبير، لم تعد الدروس بالأمر الضروري. وأصبحت زيارات محمد النادرة للثانوية تتقاطع مع "الحرائق" أو "التهديد بالموت" .واصلت المصالح الاجتماعية متابعتها للأسرة معبرة عن قلقها على مصير هذا الطفل "الذي لا مرجع له ولا يهتم به أحد... والذي ينمو وسط فراغ عاطفي".."إنه لا يعرف أين يذهب بعد خروجه مساء من الثانوية، لذلك يبقى في حي "بيلفونتين" حيث يلتقي أترابه" ومع اقتراب العطلة الصيفية فإن "محمد سيبقى بدون عمل طيلة شهرين كاملين" .
كانت زوليخا عزيري تتمنى سرا أن تتحسن وضعيته مع الدخول في شتنبر. لكن محمد بدأ يتنكب خطى أخيه عبد القادر الذي يرى فيه "النموذج الذكوري الذي يتماهى معه" .ومثله أصبح يمضي الأماسي في الخارج، ولا ينام إلا فجرا. وبدوره، أصبح يرفع يده على والدته، التي يرفض سلطتها. اعترفت زوليخا للخبيرة النفسانية لمحكمة تولوز في سنة 2002 قائلة عن ابنها محمد : «إنه يضربني، يعُضني، يُفرغ محتويات الثلاجة ويحطم كل شيء...لا أستطيع أن أغلظ له الكلام وإلا يهرب أو يسبني أمام الجميع، وهذا يُخجلني».
وبدأت فكرة وضع محمد في مأوى تتكون، رغم أنه قد يعيشها (حسب الخبراء النفسيين) كتخل جديد عنه.وفي يناير 2002 وصلت زوليخا عزيري إلى الثانوية وآثار الضرب والعض بادية عليها. فقد ضربها ابنها محمد وعنفها طيلة الليل.
بعد ذلك بخمسة عشر يوما، تلقت زوليخا من جديد ضربات بالعصا والحجارة هذه المرة، وتم وضع محمد بشكل مستعجل في مركز للإيواء. وفي الأسبوع الموالي حين رأى الطفل أمه تتردد في استقباله بالبيت في السبت الموالي، دخل في موجة غضب هوجاء وهدد بالانتحار. وحين سئل من طرف الشرطة بسبب الضربة التي وجهها إلى وجه المساعدة الاجتماعية رد قائلا : «قال القاضي أن بإمكاني تمضية عطلة الأسبوع لدى والدتي، إلا أنها قالت لي شيئا أغضبني... ثم أني غضبت أيضا لكوني دائما في المأوى» .
ومن جهتهم كان المربون في المأوى يعيشون الجحيم معه : يقول أحدهم «كان يسب الجميع ، وخاصة الفتيات اللواتي كن يطلبن حمايتنا بإغلاق غرفهن بالمفتاح. وكان علينا التدخل يوميا إما بسبب سرقة أو مشادة أو اعتداء يكون محمد طرفا فيها». وتوالت إقاماته بالمأوى دون جدوى. وفي عشرات التقارير المجموعة من طرف قاضي القاصرين بتولوز، نقرأ تخبط المهنيين وارتباكهم حيث يصفون أسرة في خطر، وشابا غير قابل لأي سلطة. فهذا الطفل ذو الأربعة عشر عاما «يبدو أنه لم يتبن القواعد الاجتماعية الأساسية مثل طريقة الأكل والجلوس للمائدة والنوم مساء» فقد كان يقضي وقته في لعب الفيديو ويعبر عن حاجته الدائمة إلى الحديث مع أمه هاتفيا. والكائن الوحيد الذي كان جميلا في عينيه هو "لونا" كلبة أخيه التي صنع لها بيتا خشبيا.
ما العمل؟ كيف التصرف مع هذا الطفل "الذكي ودائم التيقظ والقلق؟ هل هناك حل؟ إبعاده من الحي ومن عائلته؟ كان دائم العودة إليهما. يرهب والدته،التي كانت تعيش مشاغل أخرى. فالمالك يهددها بالإفراغ، بينما حاولت إحدى بناتها الانتحار فيما يتنازع إبناها الآخران دوما مع بعضهما البعض، إذ قام عبد القادر بطعن شقيقه الأكبر مما أدى إلى دخوله في غيبوبة عدة أيام.
أما الوالد، فقد خرج لتوه من السجن، بعد ثلاث سنوات عقوبة له على الاتجار في المخدرات.اقترح إيواء محمد فور عثوره على شقة، لكن الإبن سيغادر بيت الوالد بعد بضعة أشهر، بسبب رفض هذا الأخير اقتناء دراجة "سكوتر" وحذاء رياضيا جديدا.
هذه المتوالية الطويلة من العواصف والأعاصير الهوجاء، لن تعرف إلا لحظات هدوء قصيرة. مع دنوه من السادسة عشر من العمر ونتيجة لحبه للدراجات النارية، أمضى بعض فترات التدريب في الميكانيك وكلها مرت بنجاح إلى درجة أن مشغليه كانوا يحررون التنويه تلو التنويه في حقه. بيد أن ماضيه عاد لملاحقته مع بلوغه سن الرشد، وتحولت كل العقوبات الموقوفة التنفيذ بسبب السرقة أو السياقة بدون رخصة أو العنف ، إلى عقوبات سجنية نافذة. حكم عليه بالسجن 18 شهرا بسبب سرقته لحقيبة نسائية، وداخل السجن حاول الانتحار مما أدى إلى إقامته بالمستشفى لمدة خمسة عشر يوما.
في هذه الأثناء بدأ الوالد يرى في الدين وسيلة لإبعاد وحماية أبنائه من الحياة الفاسدة. ورغم المال الذي كان يغريه به والده فإن محمد لم يكن معروفا عليه قيامه بأداء الصلاة. فيما لا نعرف أي شيء عن الفترة التي أمضاها داخل السجن. فحينما خرج منه، كان شابا يرتدي الفوقية التقليدية ويعفو عن اللحية. تغيرت قراءاته وصداقاته أيضا. هل عثر الطفل الفاقد للمرجعيات ، في الممارسة الدينية على الإطار المرجعي الذي يفتقده؟
تؤكد والدته الآن أن محمد قد ترافق مع متطرفين، لكن سعاد شقيقته الكبرى، ترى أن علاقته مع "الملتحين" لم تدم طويلا بسبب طبيعة أخيها المتقلبة. وتخلى محمد مراح عن الفوقية وعاد إلى أصدقائه القدامى بالحي. سمى نفسه سرا أبو يوسف وبدأ يرفض استخدام أي جهاز تلفون.
وفي أحد الصباحات اختفى. واعتقد الجميع في الحي أنه ذهب عند والده بالجزائر. بينما قال لأمه أنه دخل الجيش. وحين عاد ساورت أخته سعاد بعض الشكوك ، خاصة حين قال لها إنه رأى نمورا ، علما بأن الجزائر ليس بها نمور.والواقع أن محمد مراح عبر سوريا والأردن والتقى أخاه عبد القادر في القاهرة، حيث يتابع دروسا في اللغة العربية.
هل خطط محمد مراح لكل شيء حين تزوج ،عقب عودته من باكستان، من الشابة "هازيا" (17 سنة ) المنقبة الوجه؟ كان ذلك في 15 دجنبر 2011 ، وكغيرها صدقت "هازيا" حكايات "الأسفار السياحية" لزوجها.لكن حديثها لرجال الشرطة يقول كل شئ: "كان يتحدث كثيرا وكان بحاجة إلى من ينصت إليه. كان بحاجة للحب وكنت غالبا ما أقارنه بطفل رضيع" ، وهي أيضا لم تفهم أي شيء حين قادها، يوم 2 يناير، إلى والديها وطلب الطلاق.
وكنقطة نهاية لحياته "الكريهة" كان محمد مراح يحلم بميتة احتفالية. نهاية على غرار نهاية "جاك ميسرين"، حيث وجد شريطه "الهروب الأخير" إلى جانب عدة كتب إسلامية ، في شقة القاتل. فليس من الصدفة إذن أن اختار لاقتراف جرائمه مسدس "كولت 45 " ، وهو المسدس الذي لم يكن "جاك ميسرين" يفارقه أبدا. كما عثرت الشرطة أيضا على أشرطة فيديو لجرائمه بعد أن قام بعملية توضيبها قبل إرسالها إلى قناة الجزيرة الفضائية، إضافة إلى لائحة وسائل الإعلام التي ينوي الاتصال بها.
في يوم الخميس 15 مارس، دعا محمد مراح شقيقته عائشة وشقيقه عبد القادر كي يقتسم معهما كأسا وبيتزا. بدا حينها حنونا على غير العادة، كما لو كان يودعنا بطريقته ، يقول عبد القادر الآن؟ في اليوم نفسه،أربعة أيام بعد جريمة قتل أولى في تولوز، تم اغتيال عسكريين في "مونتباون" وأصيب ثالث بجروح بليغة. وفي الاثنين الموالي، سيقتل أربعة أشخاص أمام المدرسة اليهودية "أوزار هاتوراه" بتولوز.
وفي 21 مارس، بينما كان أخوها متمترسا في شقته، توصلت سعاد مراح باتصال هاتفي من رجال الأمن يدعونها فيه إلى المجيء للتكلم معه. كان عبد الغني مراح قد سبقها إلى هناك. وفي الليلة نفسها علمت الوالدة بنبإ مصرع ابنها محمد. أما الوالد فكان بالجزائر التي عاد إليها سنة 2004 .كان أصغر أبنائه محمد يدعوه باستمرار عبر الرسائل إلى العودة لفرنسا بينما كان هو يطمح إلى الاستقرار في وطنه الذي غادره شابا. وحين علم أن ما يسمى بجزار تولوز ليس سوى ابنه، سارع مراح الأب لاقتناء هوائي مقعر، وظل حتى الهجوم الأخير للشرطة مرابطا أمام شاشة التلفاز.
إملين كازي
صحيفة «لوموند» الفرنسية عدد 13 يونيه 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.