تحل اليوم ذكرى اغتيال قائد اتحادي فذ، اجتمعت فيه خصال نضالية قلما اجتمعت في غيره: فكر وقاد سخره الرجل لتحليل الواقع الملموس تحليلا علميا في أفق تغييره بما يخدم مصالح شعب ومجد وطن، ممارسة نضالية تتمثل مبدأ الالتزام في أبهى الصور وتجسد الارتباط الصميمي بقضايا الكادحين من عمال وفلاحين ومقهورين، تواضع بلا نفاق ولا تصنع، وعلاقات حميمية بالمستضعفين وبالمناضلين البسطاء في كل درب وحي ومصنع… لذلك كنت ياعمر المناضل المثال الذي ألهم جيلا بكامله من الشباب المغربي قاطبة… تجاوز إشعاعك شبيبة الحزب ومناضليه ليضيء دروب كل شباب مغرب السبعينات… ولعل أبرز إسهاماتك في بلورة الوعي الديمقراطي ببلادنا،فضلا عن تجربتك المريرة والبطولية في مواجهة المسخ النقابي وتأسيس البديل الكونفدرالي، مساهمتك الوازنة في إعادة التأسيس النظري للحركة الاتحادية من خلال وثيقة “التقرير الاديولوجي” إلى جانب نخبة من مفكري الحزب وأطره ، وفي طليعتهم استاذنا محمد عابد الجابري. ولعل الأوضاع الراهنة للاتحاد الاشتراكي الذي كان شعاره: “تحرير،اشتراكية،ديمقراطية” من إبداعك، أقوى حافز على استلهام ذاك المجهود الفكري والتنظيمي لتجديد الفكر الاتحادي ومشروعه المجتمعي في بعديه التنموي والديمقراطي باعتبارهما تركيبا جدليا غير قابل للانفصام. رحلت يا عمر بداية مشوار وضعت خارطته وحددت اتجاهه ودشنت منطلقه. ولأن العدو، متعدد الرؤوس، أدرك أنك الدينامو والروح والأمل، أهدر دمك وسخر أمراء الدم لتنفيذ الجريمة. بكاك شعب بكامله، وحزنت لاغتيالك سماء الوطن ومزارع الورد في كل مكان. ولم يزد فقدانك رفاقك في الحزب إلا إصرارا فأنشدوا يوم عيد العمال وعلى امتداد سنوات طوال: نم مطمئنا ياعمر نحن البديل المنتظر نام جسدك في رسم اتخذناه مزارا وشاهدا على أنك حي فينا، ولم تمت روحك، ولم يخب فكرك، ولم ينقض عملك … وكان النضال المستمر على كل الواجهات وعلى خطاك… عمل نقابي دؤوب إلى أن تأسس البديل،وعمل سياسي تؤطره رؤية ديمقراطية وقامات شامخة…تطلبت تضحيات وسجونا ومنافي … وتراكمت المكتسبات، فكانت المصالحة التاريخية والتوافق والتناوب الأول، وميلاد عهد جديد عنوانه دولة الحق والقانون والمؤسسات… تقدمنا في ظلال التقرير الاديولوجي خطوات حاسمة في اتجاه دمقرطة الدولة والمجتمع. لم يكتمل المشروع بعد… ما زال الطريق طويلا، ولم يكن حتى الآن مفروشا بالورود. واجهت اخوانك واخواتك ياعمر عقبات كأداء، لو طالت حياتك بيننا لأسهمت بقسط وافر في تذليلها. وياليتك، وعبد الرحيم، ما زلتما حاضرين. أخفقنا في الحفاظ على وحدة الحزب، وسرق البعض منا البديل النقابي، واستطاب البعض الكراسي المخملية، ونسي بعض الاتحاديين وبعض الاتحاديات الفكرة الأصل وعسر الولادة… لا بأس ياروح عمر! إنه التاريخ ومكره،وتلك أيام السياسة يتداولها الناس أحزابا وجماعات … ومهما تكن الصعاب والتحديات، فإننا ما زلنا على الطريق، وسنواصل المسير… سيرنا اليوم بحاجة أكيدة إلى وثيقة توجيهية بقيمة “التقرير الاديولوجي”،من حيث شمولية الرؤية وعمق التحليل وبناء البدائل. وفي هذا يكمن التحدي الأساس للمؤتمر الحادي عشر في إطار المصالحة والانفتاح. على روحك ياعمر السلام يوم ولدت، ويوم سجنت، ويوم قتلت.