في كتابه « الكاتب وأشباحه»1 يهتم إرنستو ساباتو الكاتب الروائي الأرجنتيني بسؤال الذات والكتابة، وهو سؤال قديم جديد حارق ، يؤرق وعي الذات الكاتبة ويسائلها . سؤال تهجس به إلى حد بعيد سيرورة النظريات الأدبية والنقدية والجمالية والفكرية عبر الأزمنة . وحين يطرح ساباتو أسئلته الإشكالية هذه: لماذا نكتب؟ ولمن؟ ولأي هدف؟ وكيف نبدع…فهو يسعى لتأسيس ممكنات الأفق المغاير للكتابة والتلقي معا من أجل كينونة الانسان والنص/ الكتابة. فكما أشباح الكتابة / الأسئلة الإشكالية تشاكس الذات الكاتبة ، تشاكس أيضا المتلقي ليعمل كل منهما على تجاوز الزمن المرجعي/الواقعي /المجتمع، والإبداعي /الأدب والفن تأويلا وجمالية، حيث استشراف انطولوجيا خلاقة تعمل على تحرير الكائن، بانفلاته من ربقة عريه وفراغه القصي؛ لينتقل من كائن بالوجود فقط إلى كائن بالفعل المؤسس لتاريخيته في الزمان والمكان. فالذات/ الكاتبة باعتبارها محفلا سيميائيا مزدوجا (2) تستقبل من الواقع /المرجع،وبتأثير من كل أنساقه ومختلف سياقاته، تستقبل رسائلَه في شكل إشارات ؛ ولتجاوز ذلك الواقع يقوم وعي الكاتب بتحويل الإشارات /الرسالة إلى لغة ترميزية تصاغ استشرافا رؤيويا لما ينبغي أن تكون عليه الهوية والأنا والآخر والعالم والحياة لتبعثها الذات الكاتبة رسائل مشفرة /النص الأدبي والفني . ومن جديد على المتلقي أن يفك أزرار شفرات النص عن طريق التأويل.وأكيد أن كل موقف لاشك أن باعثه، قلق الذات الوجودي الشبيه بصخرة موجعة، تؤرق الذات وهي تحارب الزيف والتيه والعري والتشظي، بحثا عن جوهر الوجود الانساني في الزمان والمكان. إن ساباتو الكاتب الروائي القلق، وهو يفكر في أشباح الكتابة والكاتب، يحفر عميقا في ماهية اللحظة الجمالية التي تستحوذ عليه ساعة الخلق والإبداع، وما يستدعيه الحفر من أسئلة قلقة مصيرية وعميقة في صورة مكاشفة مونولوجية بين الذات/الكاتبة وأناها وكتاباتها .وهي في كل ذلك تعمل على فك شيفرات الوجود والكتابة ، حين يواجه بياضُ الورقةِ حبرَ الكاتب وهو بصدد المحو. إنها لحظة قلق المتلقي أيضا لرسالة الكتابة وما تتركه من أثر فكري وجمالي في وجدانه وفكره ووعيه. إن تأويل ساباتو للحظات الإبداع الأدبي والفني ولحظات الكتابة الروائية كما يطرحها من خلال أسئلته في كتابه «أشباح الكتابة» لهو اعتراف علني بدهشة الكتابة المضمرة والظاهرة باعتبارها ممارسة سيميائية أدبية وثقافية، مخاتلة بإشكالياتها للسرد وللزمن؛ كما أنها مخاتلة للكاتب بصورة قلقة حبلى بهواجس الانفعالات والتفكير في ماهية الأدب وحدود اللغة وتلقي الجمهور لواقع مجتمع معاصر يسيطر عليه التشظي و هجر الانسان لذاته وأناه وسقوطه في التيه .فهل يأتي دور الرواية خاصة والفن والأدب والفكر والفلسفة عامة كما يشير إلى ذلك ساباتو في كتابه «أشباح الكتابة» ترميما جميلا ومؤنسا لخراب الانسان والحياة؟ إن ساباتو يقر بأن الرواية شكل من أشكال الضمير الأنساني. فإلى أي حد استطاعت الرواية المغربية أن تعبر روح الزمن المغربي في كل أبعاده أفقيا وعموديا. وحين نلتقي ونتقاطع مع نفس هذا الافتراض مع الكاتب وأشباحه ، في الملتقى الأدبي الرابع في بني ملال ؛ بطريقة أو بأخرى، والذي يتضمن ندوة حول» الرواية المغربية :الخصوصية والتحولات»، وجلسة «تجارب روائية « وهي إنصات وحوار المتلقي من جمهور الحاضرين ، رموز التجربة الروائية المغربية والعربية: الروائي عبد الكريم جويطي ومحمد رفيق واحمد أيت أعريان وعبد الواحد كفيح، فإن الاغتراف من حياض الذات/الكاتبة عبر الإنصات والحوار والمناقشة سيكون إجرائيا ،لأن العملية التذاوتية المباشرة بين النص(جسده) وذات الكاتب (جسده)وذات المتلقي(جسده)، تلهب حاجة إشباع النهم، الراغب في الفهم والتفسير والتأويل خاصة وأن السنوات الأخيرة مابعد الحداثة والفترة الكولونيالية ،عرفت المجتمعات بشكل عام على صعيد وعيها الجمعي تدهورا خطيرا وصل إلى حد متاهة الانسان بتعليبه وتدجينه في مهاوي السقوط السحيق المنظم والممنهج، الأمر الذي طرح الأسئلة الإشكالية الموجعة من قبيل: هل الكاتب حقا يعتبر منتجا للقيم ؟وهل مات الأدب ؟ وهل مات الانسان بإبطاله أمام جبروت التقنية والجشع؟. كما أن نظرية النص الأدبي بما اتسمت به من تعدد في الرؤى والمواقف والمناهج واسترتيجيات التفاعل واختلاف المقاربات، تلزم المحاورة في هذا الملتقى كي تراهن على تأويل المتلقي ووعيه ؛لأن خلق حوار جدي في زمن الملتقى مع الروائي باعتباره ذاتا كاتبة عالمة ، يفتح شرفات كون الكتابة والذات على آفاق معرفية متعددة ، فسيميائيات الذات الكاتبة/الروائي أثناء المحاورة، تحيلنا بالضرورة وبتلقائية جاذبة على أنساق الواقع الظاهرة والمضمرة، وأنساق الكتابة وأنساق اللحظة الجمالية للإبداع ،ودهشة اللغة في التجربة الروائية المغربية المعاصرة ،وذاكرتها وحدود انتشارها، وآفاق التلقي والتأويل .الأمر الذي سيغير من وضعيات إدراك دلالات الذات و الكتابة والتلقي ،لأن إدراك اللغة /السرد /الكتابة بحضورالجسد واشتغال الميتانص والاعترافات، سيفتح آفاقا أخرى يعتمد عليها الفهم والتفسير وبالتالي التأويل، ويعززالكاتب إدوارد سعيد هذا الاتجاه حيث يشير إلى أن الرواية تبدأ بطريقة معينة وتنمو وفقا لمنطق معترف به ضمنا من قبل المؤلف والقارئ، الأمر الذي يجعل أفق الجمهور القارئ ينتقل من الذاكرة والانفعال ، إلى الذاكرة والفعل ، من احتمال الفهم والتفسير إلى ترهين التأويل لينتقل على إثر ذلك توقع الفعل الإدراكي القرائي ،إلى تتبع سيرورة تعالق حمولة النص الرمزية، ومرجعياته الثقافية والتاريخية والسياسية، فيشرع في فتح دائرة تواصلية بين القارئ و النص، تمتد ضمن مرتكزات دائرة تواصل ثقافي أوسع وأكبر وأشمل .(3) إن المحاورة طريق للمعرفة والثقافة ؛ كما الكتابة الروائية كون سردي تخييلي وصياغة تصورية قادرة على الكشف والاكتشاف وفتح العوالم الممكنة ،وفتح نوافذ الأفق الجديد على طبيعة الأفكار والأحاسيس والعواطف والانفعالات. فلهذه الدوافع يعري إرنستو ساباتو روحه في الكتاب ليمنحنا تأملات مضيئة وأفكارا مشرقة عن صنعة الكتابة الروائية وغيرها. تأسيسا على هذا التصور، تتحرك الكتابة الروائية ضمن أفق مرجعي يرتبط بتجربة الكاتب الشخصية ودرجة وعيه وثقافته ،وأفق آخر توقعي مستقبلي يعيد به النص السردي إنتاج أحلامه وتصوراته ؛ يكون السرد الروائي خلاله ، صياغة لغوية للمجتمع والانسان والكون(4)، صياغة لاشك وأن فعل المحاورة الكاشفة يحيلها صياغة أخرى لكينونة النص المتجددة؛ فالتفكير في سيميائيات الكتابة هو تفكير بالضرورة في حدود الخطاب الروائي باعتباره ظاهرة ثقافية تتحكم فيها اللغة والأنا والذات والآخر والتاريخ ، مما يجعل التفكير يستحثنا على الوقوف عند الاشكاليات التالية : -إشكالية المثقف المغربي ودورالكتابة الروائية بكل تمظهراتها الواقعية والتخييلية . -الإشكاليات التاريخية والوجودية للذات الكاتبة المؤرقة لوعي الكاتب الفردي و الجمعي . -إشكالية اللاشعور الثقافي بكل حمولاته وأنساقه وسياقاته المتضمنة للنص والحاضنة له: المجتمع، الثقافة ،الأنتروبولوجيا، السلطة بمختلف تفريعاتها… ،الدولة، التاريخ، الحرية ،المركز، الهامش، الكينونة ، المصير ، الحياة ، الموت…. المراجع: 1-الكاتب وأشباحه:إرنستو ساباتو/ترجمة وتقديم سلوى محمود/مراجعة عبير عبد الحافظ/المركز القومي للترجمة 2-الذات والكتابة /محمد الدوهو ص 3-مجلة فصول :المقاربة الأنتروبولوجية للادب /العدد2017 4-هيرمونيطيقا المحكي،الدكتور محمد بوعزة. *كلمة إطار معدة للملتقى الأدبي الرابع الخاص بالرواية المغربية : الخصوصية والتحولات