هو عنوان الأطروحة التي تقدمت بها الباحثة نزهة كيسي لنيل شهادة الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس تحت إشراف: الدكتورة نادية العشيري وحصلت عليها بميزة مشرف جدا. في إطار ترسيخ وتأصيل الثقافة العربية ثقافة لذاتها وهويتها، عرفت هذه الأخيرة مجموعة من التغيرات والتحولات، الشيء الذي نتج عنه تراجع كبير في العطاء الثقافي العربي، بعد ما كانت في أوج العطاء، وأرجعت الباحثة نزهة كيسي هذا التراجع لعدة عوامل، من جملتها محاولات الغرب القضاء على الحضارة العربية وطمس هويتها بالادعاءات الكاذبة، لكن ورغم هذا وصل إشعاع الثقافة العربية إلى الهند شرقا وأوربا غربا، وأصبحت تقاليد المهنة وأدبيات الفنون وأسس المعرفة في الثقافة العربية، متجذرة في الحضارة الإنسانية وأصبحت تضطلع بدور هام بمشاركتها الإبداعية في مسيرة الحضارة الإنسانية المعاصرة. ولما كان التواصل هو اللحمة التي تجمع بين أفراد الوسط الواحد فكريا وعقديا، كما يعتبر هو الكلمة المفتاح ( le mot clé) ومن خلاله نستطيع إبراز أنواع التغيير والتجديد، فإن حتمية ارتباطه بالمجتمع برمته وبصيرورة تطوره واردة، ونادرا ما يرتبط بتدهور البنية الاجتماعية وتخلفها عند سوء فهم منابع الإبداع وتطبيقها دون وعي. الباحثة نزهة كيسي حددت مفهوما للتواصل في بحثها، فهو تواصل الخصائص والصفات، وهو أيضا التواصل الذي يهدف إلى إيصال المعنى وتهذيب السلوكيات، وتغيير نمط الحياة نحو الأفضل، عبر الاستفادة من الأدب والفن باعتبار صفتهما الانتشارية السريعة في التبليغ. فالتواصل عند الباحثة يعني بالدرجة الأولى طريق التعامل الذي يعلن عن خطاب معين لمضمون يمكن أن يقرأ بكل بساطة، كما يمكن من خلال قراءته الخروج بمعنى آخر يغير تطلعات الآخر وتصوراته، وهذا طبعا ما تطمح إليه الدراسات العربية. وتبرز الباحثة نزهة كيسي الهدف من مشروع بحثها في الرواية والمسرح العربي الذي يشكل في حقيقته وحدة موضوعية وفكرية، إذ أصبح التواصل يستعمل بشكل واسع في العديد من المجالات والأبحاث العلمية والأدبية والتقنية والدراسات الإبداعية والفنية. ومن خلال تفكيك عناصر المشروع يتضح أن التواصل عبر الأدب والفن يحمل في طياته الكثير من القضايا والطروحات الخاصة بهذا العلم الحديث، سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار شساعة المعنى الدلالي للعبارة، فإن مفهوم التواصل من خلالها يحيلنا على الإبداع والابتكار كما يحيلنا على الأهداف والنتائج. وفي هذا الصدد اختارت الباحثة موضوع بحثها الموسوم ب»التواصل عبر الأدب والفن من خلال الرواية والمسرح في الثقافة العربية» لما يحظى به التواصل من أهمية كبرى في الثقافة العربية حاليا، فالموضوع شاسع ومتشعب وغير محدود، وهذه هي الإشكالية التي تواجهها نظرا لشساعة جوانبه ومجالاته الأدبية والفنية أيضا، وكل من المجالين: الروائي والمسرحي يحتمل مناولته كأطروحة، ما حفز الباحثة لتحديد سمات التواصل في العالم العربي، ونظرا لكثرة المصادر والمراجع التي تشير إلى ذلك مولدة بذلك كمية هائلة من تضارب آراء الدارسين الشيء الذي يستعصى معه تكوين فكرة واحدة وموحدة حول الموضوع. فالدراسات والأبحاث التي تناولت التواصل عديدة ومتشابهة، تعتمد أغلبها على توضيح الخطاطات التواصلية عند كل من السميولوجيين والفلاسفة بالطريقة ألكلاسيكية مرسل مستقبل عبر القناة التي هي الرسالة، حيث تم تجاوز هذه الخطاطة الأحادية الاتجاه في مجموعة من المقاربات، إلى خطاطة ذات اتجاهين: من المرسل المرسل إليه. وبخصوص المنهجية المتبعة في البحث، تطرقت الباحثة إلى دراسة التواصل في جانبيه الأدبي والفني، وطرق تبليغ المعنى من النص المدروس إما عن طريق الكلمة أو الإيحاء النصي، من خلال نماذج لنصوص روائية ونصوص مسرحية. لأن كلا من النصين يقبل مقاربات متعددة، بتعدد أصولهما المعرفية وبصفتهما قولا وحياة وممارسة للغة. ومن ثم يستدعيان الدراسة القائمة على التحليل طالما أنهما إبداع في اللغة وعلاقة معيشة بين الناس والعالم. وتخلص نزهة كيسي إلى النصوص الروائية والمسرحية متعددة الأبعاد، عصية ومنفلتة عن كل محاولة وعن كل مقاربة تحاول وضع اليد على معانيها، مهما تنوعت آلياتها المنهجية وجهازها المفهومي. لذلك كان عنوان هذه المحاولة «التواصل عبر الأدب والفن في الثقافة العربية من خلال نماذج الرواية والمسرح «. فأقصى ما تتوخاه هو استنطاق النصوص ومراودتها عن نفسها، علها تكشف للباحثة عن مستور المعاني ومكنونها متوسلة مجموعة من المداخل أو المدارات، أولها مدار المعجم، حيث عملت على تقديم إضاءات مصطلحية من خلال زاويتين زاوية الدلالة وزاوية التركيب بمستوييهما النحوي والبلاغي، والثاني: بنية النصوص، من خلال اللوحات الدلالية التي يتألف منها كل نص، مركزة على جوانب الاتباع والابتداع في ذلك، من خلال الكشف عن هويتها الدلالية. مع توضيح التشابك الأدبي والفني لكل من الجانب الروائي والمسرحي مستنيرة بكل ما من شأنه أن ينير ما أظلم من دروب المعاني ومتاهاتها، مركزة بشكل أساسي على الجانب التواصلي. فدراسة التواصل تستلزم دراسة مجموعة من المكونات الأولية إن على مستوى المرسل أو الرسالة (اللغة) أو المرسل إليه نفسه الذي يتم من خلاله تقييم نتيجة العملية كلها عبر اللغة باعتبارها الركيزة الأولى في العملية التواصلية، بأساليبها المتعددة سواء كانت الكلمة أو الحركة أو الإشارة أو الإيماءة أو الإضاءة أو الفضاء برمته. هذه اللغة التي تعتبر القناة الحاملة للمضمون المراد تبليغه إلى المتلقي في ظرفية معينة بحيث لا نستطيع الاستغناء عنها، لأنها جزء من الحياة. أما عن دواعي اختيار الباحثة للموضوع فتوضح ذلك مؤكدة أن من بين الأسباب التي دفعتها لاختيارهذا الموضوع التداول المفرط للتواصل في شتى الميادين العلمية منها والعملية، واشتغالها في الميدان التربوي كان أكبر حافز لمعرفة مدى الاهتمام بالتواصل الأدبي والفني على حد سواء في المجتمع العربي عموما والمغربي على وجه الخصوص وتحديدا لدى فئة الشباب. ولهذا بدأت الباحثة الفصل الأول: بالعمل على توضيح بعض المصطلحات الأساسية في البحث من خلال تعريف «التواصل» لغة واصطلاحا، ثم مفهوم التواصل في المخزون العربي، وكيفية تأصيله عند البلاغيين العرب من خلال تحديد المرادفات البارزة للتواصل، ثم تعريف وظائفه وأهدافه في الوسط الاجتماعي وأنواعه وعناصره (الزمان/المكان/ سنن أو اللغة التواصلية/ السياق/رهانات التواصل/ شبكة التواصل…) ثم تعريف التواصل عند كل من اللسانيين والسيميائيين والفلاسفة. لتنتقل بعد ذلك إلى تعريف الكلمات المصاحبة للتواصل في البحث: بدءا بمفهوم «الثقافة» بشقيها في اللغة: الثقافة الأدبية الإبداعية التي تبدعها الموهبة الخلاقة المتميزة بأصالتها ومراعاتها للتقاليد الجمالية وخضوعها لقواعد النقد وأصوله، والثقافة الفنية التي هي ثقافة الموهبة الطبيعية للفنان. ثم تعريف لغوي واصطلاحي لمفهوم»الأدب» أحد محاور البحث والذي سيتم الإفاضة في تعريفه من خلال التحليل، والإشارات لكل من المعنيين العام والخاص للأدب، وتفرعاته «الأدب الرسمي/ والأدب الشعبي أو العامي»ثم تعريف موجز لمفهوم «الفن» لأنتقل بعد ذلك إلى الفصل الثاني الذي عنونته ب»التواصل مع الرواية عبر المضامين» والذي كان التواصل الأدبي أحد محاوره ودور الرواية العربية في تبليغ و نشر المبهم والمحظور (الخطوط الحمراء). وفي المبحث الثاني من هذا الفصل تطرقت الباحثة إلى مكونات الرواية، لتنتقل في المبحث الثالث إلى دراسة رواية «ذاكرة الجسد» بتأويلاتها اللغوية من خلال توضيح لمعنى الجسد وكيفية التواصل عبر قراءة وفهم ما بين السطور، لتكون هذه الرواية موضوع البحث الميداني مع طلاب وطالبات مستوى الباكالوريا بإقليم الحسيمة، من خلال استمارات تم توزيعها في هذا الشأن على التلاميذ وتوضيح ظروف وكيفية تلقي الرواية وتحليلها من طرف هذه الفئة العمرية، عبر الإجابة على مجموعة من الأسئلة عن دور الكتاب والمحطات الإعلامية في معرفة جديد الساحة الثقافية، وتوصلت الباحثة من خلال التفريغ والتحليل أن هناك شبه عزوف عن قراءة الكتاب بشتى أنواعه (باستثناء المقرر الدراسي)، لتكون وجهتها الثانية مندوبية وزارة الثقافة بالحسيمة للإطلاع على إحصاء التلاميذ المتوافدين على المكتبات بالإقليم لتحصل على(نتائج شبه منعدمة) أربع مكتبات مجهزة وأشباح قراء، رغم النسب الهائلة للتلاميذ المتمدرسين بالإقليم. وفي المبحث الثالث «التواصل الأدبي والفني في «حكاية وهم» اختلفت طريقة الدراسة عن المنهجية السابقة: حيث تم التعريف بأساليب التواصل النصي، ثم التعريف بالإبداع الروائي وانفتاحه على كل الإمكانيات التقنية والجمالية، وتحديد تيمات التواصل عبر تحليل رواية «حكاية وهم»، ليكون المبحث الأخير في هذا الفصل معرفة التشابك الأدبي والفني في تحليل للروايتين عبر ما تم إخفاؤه أو التكتم عن البوح به بين السطور، بسبب ضغط اجتماعي/سياسي من خلال تسلسل الأحداث، و طريقة دمج ما هو أدبي بما هو فني، وكذا دور التجربة الفنية في إغناء الدراسة التاريخية والممارسة الجمالية. وفي الفصل الثالث والمعنون ب»التواصل المسرحي من خلال الموضوع والفرجة»، عملت الباحثة نزهة كيسي على تعريف مفهوم المسرح، ثم أعطت نبذة عن المحطات التاريخية للمسرح العربي، والأشكال ما قبل مسرحية عند العرب من خلال النماذج الفرجوية في الساحات العمومية، وفي المبحث الرابع من هذا الفصل، وضعت تعريفا للتواصل المسرحي من خلال مصطلح «التجريب»، هذا المصطلح الذي استطاع من خلاله الرواد العرب تبليغ الممنوع من الكلام وتجاوز الخطوط الحمراء دون قيد الرقابة السياسية، لتنتقل بعد ذلك إلى تحديد أنساق التواصل المسرحي، والذي قسمته بدوره إلى ثلاثة محاور: – تطورات الكتابة النصية في المسرح العربي – العوامل المؤثرة على النص المسرحي – وعلاقة النص المسرحي بالعرض، وفي المبحث الرابع: «التواصل بين المتلقي والعرض في المسرح» اختارت نماذج لرواد المسرح المغربي «أحمد الطيب العلج بين التواصل والاتصال، والتواصل عبر الإيحاء والفضاء مع محمد تيمد»، لإبداعهما وسيطرتهما النوعية على اللغة والفضاء الركحي والتخيلي في التواصل مع الجمهور. وتوضح نزهة كيسي أن أكبر دافع كان وراء هذا البحث هو تحديد علاقة الجنسين الأدبيين «النص الروائي والنص المسرحي» والفن المتجسد في وسائل التواصل المباشرة (التلفزة والمسرح) في تبليغ القضايا التي تشغل بال الرأي العام وتغيير السلوك. فالوسائط الحديثة ساهمت في بلورة وعي المواطن العربي وتذوقه الفني والجمالي للفنون، ومن جملتها المسرح والرواية وساهمت هذه الوسائط في ردم الهوة المعرفية وتقريب المعلومة والصورة للقارئ والمتفرج، وبالتالي أصبح المشهد الثقافي والأدبي أكثر دينامية وتطور وتحديث، دون أن ننسى أن تحالف الإبداع مع الوسائط غاية الفرد بهدف الوصول إلى تحقيق ثقافة التواصل المطلوبة، وذلك من خلال تسطير أهداف معرفية/سلوكية يصل إليها الفرد من خلال توظيف مختلف أنماط التواصل الإيجابية التي تحقق الأهداف المرجوة منها. على أنه من الناحية الأدبية والفنية يمكن الإقرار بأن المراجع الأدبية استطاعت في جانب مهم منها تبليغ الأحداث والوقائع وتحول العالم عبرها إلى كتاب مفتوح، يرصد كل القضايا الإنسانية والكونية بتجلياتهما المختلفة، ويبقى دور الإعلام باستراتيجياته الاتصالية المختلفة يسهم في البناء المعنوي والمادي للإنسان. وفيما يخص موضوع توظيف التواصل بمكوناته في بناء سلوك الإنسان وفي توجيهه الوجهة الموضوعية السليمة، تساعدنا على ذلك وسائل الاتصال وأساليبها المختلفة في التبليغ، وأن يدخل المؤلف أو الناشر في تقديره الخصائص الشخصية الفردية لكي تؤدي الرسالة الأدبية والإعلامية أيا كانت أهدافها المرجوة، من خلال النظر للاختلاف البشري في طرق التلقي والتأويل، كل هذا يمكن أن يؤدي إلى وضع مخطط عمل أكثر فاعلية لتحقيق التواصل الناجح والقادر على تحقيق التطور بإشباع رغبة الإنسان في التعارف في ظل تعدد الثقافات. وتخلص الباحثة نزهة كيسي أنه ليس من السهل البحث في أحد مواضيع التواصل ولم شتاتها. فكل زاوية تحاول التطرق إلى جانب معين وكل باحث يحاول توظيف أسلوب معين، وهذا ما جعلها تتطرق في بحثها إلى جانب التواصل من المكتسب المباشر في الرواية والمسرح-ما تم فهمه – بعيدة شيء ما عن الجانب التفصيلي المعمق في تحليل الرواية أو المسرحية.