لاشيء يهزّ هذه الرؤيا، إنها تمتثل أمامي اليوم من خلال تكريمكم لي، شكراً لكل هذا الحب. أعيش كل جزء، الجزء كله، كحرية الطفولة حيال الواقع دهشة جديدة تنطلق لتضيء، سريعة، باهرة، حافلة بالأسرار وقرب كل سر، شمس، وكل شمس رؤيا تغريها بالسر. من على هذا الساحل البعيد القريب الذي يتشابك على رماله زبد بحرين ومضيق واسع لجبل تختبىء في طياته عشبة تضع ينبوعاً في وسط الشمس. وحيد هنا، وكثير هناك، كثير هنا ووحيد هناك، معتوق إلى دواخلي بفرح العبث والجنون للخلق، يحتج الحب على غربتي، يخطف وحدتي لكنه يعيدها إليَّ إليه أمنية كبيرة ولطالما حلمت بها، أقع في حب طنجة والحب يحملني على الثوق، والثوق إلى التوحد والحب يفضح ويتسلل.. أصدقائي.. لقد لثمت أرضكم بعيني وجسمي كله، ودخلت بطيات قلوبكم التي لا حصر لها، وسفحت فوق دروبكم شتى الأغنيات، وأعترف لكم بأنني أعبد نور السماء الكامن في نفوسكم. ينبغي أن يكون هناك تفسير لهذا الحب، تراني أستطيع أن أعلم، لم أخذتني تلك الطفلة بين ذراعيها؟ البارحة كنت في »سبتة« وقالت لي» أحبك» فقلت لها: وأنا أيضا، وأحسست بأنني انتصرت لمغربية المدينة، رغم تأشيرة الدخول ومعاناة النظرة. ما هي تلك الموسيقى التي تهدهدكم بإيقاعها؟ فإن هذا النغم هو نفسه الذي أنشدته في أمكنة مختلفة، ولكن عندكم أضحى النغم خالداً في بريق لحظة خاطفة، أنسى مشقة الطريق وظمأ المسافة، وحين أصل إليكم أهفو إلى أصواتكم الصادحة وإلى لمساتكم الباهرة. إن في قلبي لحناً، يحمل عبء المقام الذي لم يمنحه إلا حضوركم الشجي, أتمسك بأياديكم وأملأها وأحفظها، أشعر بقشعريرتها في الامتداد المتصل بين مقاعد الصالة. أيها المغرب الجميل، البسيط، الذي يعرف من أين يشرق، أستمسك بحبك الذي لا يعرف الحدود، حب نديّْ نقيْ كمطرك الذي يبارك الأرض العطشى ويملأ الجرار، حب ينفذ إلى أغوار الوجود، حب يسربل القلب بالأمن.. يا أهلي في المغرب أضمكم إلى صدري وأهزج باسمكم، إنني شبيه بالطفل الكبير الذي ينادي أمه مائة مرة، وهو سعيد بأن يتأتى له ترديد كلمة» أماه». شكراً لكم مع كل الحب.