يعتبر الفن التشكيلي كسائر الفنون وسيلة جمالية نعبر عبرها عما يجيش بوجداننا من أحاسيس تجاه ما يعتمل في حياتنا اليومية، فيدفعنا إلى التموقف والتعبير وردود الأفعال . لكل فن أدواته .فإذا كانت الفنون الأدبية تنبني على العبارة المنتقاة بعناية وفق نوعية النصوص، وإذا كانت الموسيقى تعتمد على النغمة واللحن وبآلات متنوعة ، فإن الفن التشكيلي فن يشتغل على الخامات فتتحول إلى أشكال وتشكيلات جميلة رائعة ،ومن ذلك نقف على أنواع تشكيلية لها حضورها القوي في حياتنا كالنحت والتصوير والعمارة وغيرها…ومنذ القديم عرف الإنسان الفن التشكيلي وبه عبر عن رؤاه وخلد به اهتماماته ونوع عيشه ونظرته إزاء بيئته. والتشكيل هو التركيب أو إعادة التركيب لعناصر معينة قد تكون كلمات أو عبارات أو أشياء بحيث يفضي هذا التركيب إلى أثر فني، له وقع على النفس ويستثير العقل كي يتامل أبعاده و دلالته. والرسكلة تشكيل باعتبارها إعادة تركيب وإخراج جمالي للأشياء تحتاج إلى عين مبدعة تتلمس الإبداع في كل المرئيات ، كما تستند إلى قدرة فائقة على الابتكار والتحويل…إنها تجديد الصياغة للأشياء وتحويلها من ملمح وحال إلى آخر ، وهي عملية مرتبطة بالحس الإبداعي والخبرة في الابتكار والخيال الخلاق الذي به نضع الصور الإبداعية الممكنة في مخيلاتنا قبل إخراجها إلى الواقع في شكلها النهائي الجميل. وحين يتعلق الأمر بالرسكلة التشكيلية، فإن الأمر يتعلق بتجميع تركيبي لأشياء مختلفة من أجل التوصل إلى تشكيل ما يحيل على ملمح إبداعي معين. ولتحقيق ذلك ينبغي استحضار ملكات ينبغي التوفر عليها قصد تحقيق إبداعيات جديرة بالقبول والمدح ، وفي مقدمتها سعة الخيال باعتباره العنصر الخلاق في كل أشكال وأجناس الإبداع ، تيلها القدرة على التعديل والانزياح بالعمل نحو صفة غير اعتيادية كي تحقق بهما مفهوم الإبداعية ، ولا بد في كل ذلك من أسلوب يبرز لمسة المبدع الخاصة التي تميزه عن غيره من المبدعين في ذات المجال. وانطلاقا مما سبق، وارتباطا بواقع استهلاكي مرتبط بالأغذية المعلبة صارت الرسكلة للمتلاشيات والمخلفات أمرا يفرض نفسه علينا ،ومن هنا وجد الفن التشكيلي ضالته فصارت الرسكلة مجالا له وزنه اليوم من حيث فوائده الجمالية والانتفاعية . الرسكلة وتناسل الإبداعات التشكيلية تعددت المتلاشيات ، فتعددت التركيبات التشكيلية انطلاقا منها، فازدهر فن الروسيكلاج ،ومال إليه المبدعون والجمهور ،والسر في ذلك إظهار البراعة في الابتكار والإبداع بأشياء تبدو عديمة الفائدة قبل أن تتحول إلى جمال أخاذ يعيد إليها قيمتها لتصير في قلب الاهتمام بعد الإهمال . وقد كانت الرسكلة في عهود مضت اتجاها إبداعيا ضمن التجديد والثورة على السائد من الإبداعات ، بينما صار اليوم إضافة إلى ذلك ردة فعل لمحاربة النفايات التي صارت تضايق محيط الإنسان وتؤثر سلبا على صحته. صارت النفايات والمتلاشيات تحفا جميلة بعد أن فقدت حياتها ووظيفتها ، وكأن الإبداع يحييها بعد موتها لتأدية أدوار جديدة تفيد الإنسان جماليا واستخداما. – تحولت القنينات إلى مزهريات جميلة ، وإلى حدائق وشلالات ، وإلى ألعاب الأطفال ، وإلى ديكورات منزلية تعلق على الجدران وتوضع فوق المكاتب. – تحولت علب السردين إلى لعب وإلى تحف ديكورية لتزيين طاولات غرف النوم . تحولت سدادات القنينات إلى جداريات جميلة ، وإلى أشجار وأزهار. بنشارة الخشب تنجز لوحات جميلة بإضافة ألوان وأشكال عليها. – الأوراق والجرائد القديمة والمجلات والأقلام المستعملة والكراتين مواد خام تحول إلى تحف رائعة نجد بعضها في مطاعم ومقاه وفنادق. – إطارات السيارات وسائل لصناعة الكراسي وأصص الزهر والورد ،ولصناعة حيوانات وتحف لتزيين الساحات العمومية… إنه الفن التشكيلي ، الفن القادر على تحويل التافه إلى وازن ، والمرمي المهمش إلى المهتم به ، والبشع المهجور إلى جميل محبوب ، وبدل أن تصير المتلاشيات والمخلفات مضايقة لنا تصير حاضرة بجانبنا نستغلها في حياتنا اليومية نستمتع بها وننظر إليها نظرة فخر شاكرين الله الذي جعل الإنسان كائنا مبدعا يكيف الأشياء لصالح بيئته وحياته. لقد برز فنانون أوْلَوْا فن الروسيكلاج أهمية خاصة ، فأغنوا الحركة الفنية بإبداعاتهم التي تتجاوز الاستمتاع إلى الاستغلال والاستخدام اليومي ، فبرزت إبداعاتهم وسط المدن في شكل مجسمات حديدية وبلاستيكية تستوقف الغادين والرائحين ،وتمتعهم كما تشعرهم بمدى وجوب احترام البيئة ، وجعل هذا الاحترام فوق كل اعتبار. إنها الرسكلة تعيد الحياة إلى المهمل من الأشياء، فتصير ذات قيمة وفضل حين تتغير فتصير شيئا آخر ، فكم من قنينة تحولت إلى مصباح أو شمعدان أو كاس ، وكم من جريدة تحولت إلى سلة جميلة بألوان جميلة مغرية ، وكم من قميص بال يتحول إلى حقيبة يد جميلة ، وكم من أقلام تحولت إلى أشجار بعد أن انتهت صلاحيتها…إنها الرسكلة عملية صياغة للجميل من المتروك المرمي، المهمش. الرسكلة من الإمتاع إلى الانتفاع بعيدا عن فوائد الرسكلة إبداعيا، فلها فوائد كثيرة جدا في حماية البيئة فهي : طريقة جميلة للتخفيف من أخطار تراكم النفايات التي تضايقنا في الفضاءات العمومية ،في الشوارع ، في محيط الحدائق ،في المدارس.. وإذا كانت مجالات التلوث هي الجو والتربة والماء والهواء، فإن هذه النفايات والمتلاشيات المتناسلة، ارتباطا باستفحال الاستهلاك، تغطي كل هذه المجالات . والرسكلة بديلة لأضرار حرق أو طمر النفايات أو مراكمتها في أماكن معينة إذ سيغدو مفعولها الضار ساريا ومؤذيا. وعملية التدوير والرسكلة كفيلة بتوفير فرص للشغل ،واقتصاد في المواد الخام مما يؤثر إيجابيا على البيئة وهي تشكو من الاستهلاك المفرط لمعطياتها،مما يوفر المال الكثير الذي يصرف في البحث عن المواد الخام علاوة على الطاقة الباهظة التي ستصرف من أجل التصنيع. وانطلاقا من أهمية الرسكلة، يتحتم على المكلفين بقطاع الفن التشكيلي في كل بلدان العالم أن يعملوا على القيام بمعارض فردية وجماعية وبمهرجانات تتخذ من حماية البيئة إبداعيا شعارا لها.