إحاطة الآباء وأولياء الأمور بأبنائهم أثناء حياتهم الدراسية بكل تفاصيلها من إيصالهم للمدرسة إلى مساعدتهم في القيام بالوجبات المنزلية، تعد أمرا ضروريا بالنسبة إلى الطفل إذ يشجعه على تحقيق النجاح، لكن المبالغة في القيام بهذا الواجب خاصة داخل المؤسسة التعليمية، قد يؤثر سلبا على حسن آدائه لمهامه التعليمية والتربوية. هناك آباء يرافقون أبناءهم حتى مقاعدهم في الفصول المدرسية ويلوّحون لهم عبر نوافذ المدرسة أثناء الدرس ويصفون سياراتهم في حارة الحافلات العامة، هذه التصرفات باتت مصدر قلق لدى القائمين على المؤسسات التعليمية، حيث رفض بعض مديري المدارس، خاصة الابتدائية منها، الاستمرار في قبول مثل هذه السلوكيات المزعجة لسير العملية التعليمية. وقال فيرنر فيبر، مدير اتحاد المدارس بولاية بادن فورتمبرغ جنوبألمانيا:»الكثير من المدارس تضطر لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سير العملية التعليمية بشكل سلس، ولم يعد هناك سوى عدد قليل من المدارس لم تعلق لافتات تطالب فيها الآباء بشكل لطيف بالبقاء أمام مبنى المدرسة وعدم اصطحاب أبنائهم إلى داخل الفصول». وحسب الأخصائي النفسي مارتن كليت من مدينة فرايبورغ، فإن نحو 15 إلى 20 بالمئة من الآباء يميلون إلى الحرص المفرط على أبنائهم. وأضاف، إن أحد الأسباب وراء ذلك هو قلق الآباء بشأن مستقبل أبنائهم وهو ما قد تكون له عواقب وخيمة في بعض الأحيان، حسب كليت. كما لاحظ رئيس اتحاد المدرسين الألمان، يوزيف كراوس، هو الآخر أن هناك تزايدا في هذه الظاهرة التي أصبحت تعرف باسم «آباء الطائرة المروحية» الذين يحلقون فوق رؤوس أبنائهم. وفي هذا السياق يميّز كراوس بين الطائرات العمودية التي تنقل والطائرات التي تنقذ والطائرات التي تقاتل. ويقصد ب«طائرات النقل العمودية» الأمهات اللاتي يصطحبن أبناءهن حتى الفصل كما يفعل التاكسي مما يتسبب في إرباك الحركة المرورية أمام المدارس، أما «مروحيات الإنقاذ» فيقصد بها الآباء الذين يسعفون أبناءهم الذين نسوا ملابس الحصة الرياضية أو نسوا علبة الفطور. أما «المروحيات المقاتلة» فهي الأمهات الاتي لا تتوقفن، حسب كراوس، عن الشكوى سواء بسبب درجات أبنائهن أو جدولهم المدرسي أو إجراءات النظام في المدرسة « وعلى الجزء الغالب من الآباء أن يتحرك ضد ذلك». وتطرقت صحف مدينة شتوتغارت في عناوينها لهذا الموضوع بعد أن انكشف خبر الخطاب الذي أرسله مدير «مدرسة شيلر» في مدينة شتوتغارت إلى الآباء والذي جاء فيه: «.. نحن نشهد يوميا مدى كثرة الآباء الذين يحضرون أبناءهم للمدرسة بالسيارات ويصفون سياراتهم بشكل مخالف وخطير في كثير من الأحيان عند التقاطع الواقع أمام مدخل المدرسة لإنزال أبنائهم وحقائبهم المدرسية ويحملون الحقيبة أحيانا إلى غرفة الفصل ويساعدون ابنهم أو ابنتهم في خلع سترتهم وفي ارتداء الحذاء المنزلي.. ومن غير النادر أن يحدث كل ذلك عقب بدء الحصة الأولى التي تبدأ في تمام الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة..». وأكدت مدارس أخرى صحة المشاكل التي تحدثت عنها إدارة مدرسة شيلر، حيث رأت زيلكه بلاس، مديرة مدرسة باخشوله في مدينة شتوتغارت، أن إبعاد الآباء والأمهات عن مبنى المدرسة أمر يتعلق بالأمن وأنه قد لفت انتباه طاقم المدرسين وهو أن عددا مبالغا فيه من البالغين يتواجدون في المدرسة وأن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا من الآباء «لذلك فقد أقمنا منطقة عند مدخل المدرسة أطلقنا عليها «قبّل ابنك وانصرف». كما وضعت إدارة المدرسة لافتة عند سلم المدرسة المؤدية إلى الفصول مكتوب عليها «أعزاءنا أولياء الأمور، بداية من هنا نحن نتولى المهمة وحدنا». هناك دوافع متعددة وراء هذا الحرص الزائد من الآباء على أبنائهم حيث يرجح فيبر، مدير مدرسة فريدريش فويت بمدينة هايدن هايم، أن هناك صنفا من الآباء والذين تساورهم الظنون بأنهم «يسلمون أبناءهم» فترة طويلة لغيرهم خاصة إذا كان أبناؤهم يتعلمون في مدارس طيلة يوم كامل وهو ما يجعل هؤلاء الآباء يحاولون تعويض ذلك عبر إبداء نوع من الحرص الخاص على أبنائهم. أما ريناته شلوتر، القائمة بأعمال مدير مدرسة شتوتغارت الابتدائية والإعدادية، فترى في هذا السلوك علاقة بين تزايد أعداد الأسر ذات الطفل الواحد وخوف الآباء على «أغلى ما يملكون». ورغم التبريرات النفسية المتفهمة لهذه التصرفات التي يؤتيها الآباء والتي تتسم بدرجة عالية من المبالغة في الحرص، إلا أن الجميع من إطارات إدارية تربوية وأخصائيين نفسيين، يؤكدون على ضرورة التخلي عنها لما تلحقه من مضار بسلامة سير العملية التعليمية داخل المدرسة وخارجها ولما تتركه من آثار على النفسية للطفل.