رغم التطور العلمي الذي عرفته مختلف وسائل الاتصال في السنوات الأخيرة، فإن ساكنة الصحراء لاتزال أنظارها تتطلع لمغيب شمس يوم 29 أو آخر يوم من شهر شعبان نحو الأفق الغربي لعلها تحظى برؤية هلال شهر رمضان، لتبتهل بكل خشوع وإيمان بدعاء الخير والتبرك بفضائله وعقد النية لصيامه وإحياء لياليه في ما يقارب 60 مسجدا المشيدة خلال 42 سنة بمواصفات جيدة وعلى الطراز المعماري المغربي الأصيل ، كان أولها مسجد مولاي عبد العزيز المفتتح في يوليوز من سنة 1979 بمناسبة عيد الشباب آنذاك ، مع الإشارة إلى أن مرحلة الاستعمار الاسباني لم ينجز خلالها سوى مسجد وحيد تم تصميمه على شكل كنيسة قبل أن يتم ترميمه وإعادة هيكلته بسبب التشوه ووالهشاشة في البناء. وتبقى الاستعدادات المادية عادية بالنسبة للأغلبية الساحقة من ساكنة الأقاليم الصحراوية حيث مازالت تحافظ على ثقافتها وتقاليدها ونمط عيشها في هذا الشهر الفضيل، وبالمقابل نجد أسرا أخرى أصبحت ، بحكم التمدن والتحديث الاجتماعي الذي عرفه المجتمع الحساني بالأقاليم الصحراوية ، تساير هذا التطور في تقديم وجبة الفطور والسحور بشكل لا يختلف عن باقي المناطق الشمالية من المملكة. ومن بين العادات المنتشرة بهذه الربوع، خاصة بعد صلاة العصر، تواجد بعض الرجال هنا وهناك في شكل حلقات، يجلسون القرفصاء أو يفترشون الحصير لمزاولة لعبة الضومينو الاسبانية إلى موعد الإفطار، ليتم تعيين عشاء التناوب بمنزل أحد أفراد هذه الجماعة أو تلك، بالإضافة إلى لعبة (ضامة)، وهي عبارة عن رقعة من الرمال لا تتعدى مساحتها 50 سنتمترا تتواجد بها 80 حفرة صغيرة حيث يلعب متباريان بخشيبات وأقراص صغيرة وتحيط بهما مجموعة من المتفرجين ومقدمي النصائح، مع ما يرافق ذلك من تعليقات ساخرة يحاول بها كل طرف إثارة أعصاب الطرف الآخر في جو يسوده المرح والفرجة. و في هذا الوقت تنهمك النسوة في إعداد وجبة الفطور المتكونة من حساء دقيق الشعير «المكلي» أو العادي والتمر ولبن النوق والشاي ومن سنام و كبد الإبل المشوي في الفرن أو على الفحم أو مطبوخا في الماء من دون توابل… ومن بين أهم الألعاب المنتشرة الخاصة بالنساء لعبة «السيك» الذهنية حيث تتطوع إحدى السيدات قبل البدء في هذه اللعبة بالتحضير لإعداد مشروب الشاي بطقوسه وبجيماته الثلاثة : أجمر، أجماعة، والجر، بمعنى الفحم المشتعل، والحوار والمناقشة في مواضيع مفيدة ومسلية طيلة مدة إعداد الشاي حيث تصل في بعض الحالات إلى أكثر من أربع ساعات لشرب ثلاثة كؤوس ساخنة وصغيرة جدا من الشاي بقليل من السكر و من دون نعناع. وتتم لعبة «السيك» بسبع خشيبات يقارب طولها 30 سم ولكل واحدة اسم معين : السيكا، لربعا، البكرة، الفروة. وتلعب هذه اللعبة جلوسا بين سيدتين فما فوق في شكل دائري والفريق المنهزم ينسحب ويترك مكانه لفريق جديد ،وهكذا دواليك. وتنظم هذه الألعاب في منازل إحدى السيدات المتنافسات بشكل التناوب المعروف ب: (اسويرتي)، لتختتم بحفل عشاء يتشكل من الأرز ولحم الإبل ولبن البقر قبل موعد وجبة السحور المهيأة من دقيق الشعير «المكلي» والماء الساخن و(الدهن) زبدة الماعز والعسل ، وفي حالة عدم وجودهما يتم تعويضهما بالزبدة البلدية أو زيت الزيتون، وتسمى هذه الأكلة ب « بولغمان»، بالإضافة إلى اللبن والشاي. وتستمر هذه العادات والتقاليد الرمضانية إلى ما قبل ليلة القدر لإحياء هذه الليلة المباركة والاستعداد لعيد الفطر. ويتميز ليل الصحراء، بشكل عام، بالرطوبة المعتدلة وهبوب الرياح، خاصة حين تكون درجات حرارة النهار جد مرتفعة، مما يجعل الساكنة تخرج إلى ساحات وشوارع المدينة ك «محج محمد السادس» وشارع مكة وساحة المشور وشارع إدريس الأول وسوق «ارحيبة» وشارع القيروان والفضاءات الأخرى المحتضنة للأنشطة الثقافية الموازية المبرمجة من طرف بعض فعاليات المجتمع المدني، وذلك في سياق خلق أجواء الفرجة والترفيه عبر العديد من نقط / أحياء المدينة الآخذة في الاتساع.