مع مغيب شمس آخر يوم من شهر شعبان، تتطلع أنظار ساكنة البادية الصحراوية وكذا قاطني القرى و المدن نحو الأفق الغربي لعلها تحظى برأية هلال الشهر الجديد لتبتهل بكل خشوع وإيمان بدعاء الخير والتبرك بفضائله وعقد النية لصيامه وإحياء لياليه. في كل المساجد المشيدة منذ استرجاع هذه الربوع إلى حضيرة الوطن و البالغ عددها 17مسجدا، كان أولها مسجد مولاي عبد العزيز المفتتح في شهر يوليوز من سنة 1979 مع الإشارة إلى أن مرحلة الاستعمار لم ينجز فيها سوى مسجد وحيد تم تصميمه في شكل كنيسة قبل أن تعاد هيكلته بعد رحيل المستعمر ليصبح على شكله الحالي. وتبقى الاستعدادات المادية جد عادية بالنسبة للأغلبية الساحقة من ساكنة الأقاليم الصحراوية، حيث لازالت تحافظ على ثقافتها وتقاليدها ونمط عيشها في هذا الشهر، وبالمقابل نجد أسر أخرى أصبحت بحكم التمدن والتحديث الاجتماعي الذي عرفه المجتمع الحساني بالأقاليم الصحراوية تساير هذا التطور في تقديم وجبة الفطور والسحور بشكل لا يختف عن باقي المناطق الشمالية من المملكة. وقد تزامن هذه السنة هذا الشهرالفضيل بأجواء العطلة الصيفية وانتقال عدد كبير من الأسر إلى منتجع فم الواد الواقع غرب مدينة العيون بحوالي 25 كلم نظرا لارتفاع نسبة درجات الحرارة ولتغيير الروتين اليومي ومع نهايته ستتجه الأنظار مرة أخرى إلى بداية الموسم الدراسي الذي يفرض هو الآخر مستلزمات يتم التفكير فيها أكثر من متطلبات رمضان وهي قواسم مشتركة بين كل مكونات المجتمع المغربي . ومن بين العادات المنتشرة بهذه الربوع خاصة بعد صلاة العصر، تواجد بعض الرجال هنا وهناك في شكل حلقات جالسين القرفصاء، أو مفترشين الحصير لمزاولة لعبة الضومينوالاسبانية. كما يتم لعبها إلى حين موعد عشاء التناوب بمنزل أحد أفراد هذه الجماعة أو تلك بالإضافة إلى لعبة (ظامة) المخصصة للرجال فقط وهي عبارة عن رقعة من الرمال لا تتعدى مساحتها 50 سنتيم تتواجد بها 80 حفرة صغيرة حيث يلعب متباريان وتحيط بهما مجموعة من المتفرجين ومقدمي النصائح، مع ما يرافق ذلك من تعليقات ساخرة يحاول بها كل طرف إثارة أعصاب الطرف الآخر في جو يسوده المرح والفرجة. في نفس الوقت تنهمك النسوة في إعداد وجبة الفطور المتكونة من حساء الشعيرالمكلي أو العادي والتمر ولبن النوق والشاي ومن (الذروة ) سنام و كبد الإبل المشوي في الفرن أو على الفحم أو مطبوخا في الماء من دون توابل. ومن بين أهم الألعاب المنتشرة الخاصة بالنساء لعبة السيك الذهنية حيث تتطوع إحدى السيدات قبل البدء في هذه اللعبة في التحضير لإعداد مشروب الشاي بطقوسه وبجيماته الثلاث : أجمر، أجماعة، والجر بمعنى الفحم المشتعل، والحوار والمناقشة في مواضيع مفيدة ومسلية، وطول مدة إعداد الشاي حيث تصل في بعض الحالات إلى أكثر من أربع ساعات لشرب ثلاثة كؤوس صغيرة جدا من الشاي بقليل من السكر و من دون نعناع: وتتم لعبة السيك بسبع خشيبات يقارب طولها 30 سنتيما ولكل واحدة اسم معين : السيكا، لربعا، البكرة، الفروة. وتلعب هذه اللعبة جلوسا بين سيدتين فما فوق في شكل دائري والفريق المنهزم ينسحب ويترك مكانه لفريق جديد وهكذا دواليك. وتنظم هذه الألعاب في منازل المتنافسات بشكل التناوب المعروف ب: (اسويرتي) لتختتم بحفل عشاء يتشكل من الأرز ولحم الإبل واللبن قبل موعد وجبة السحور المهيأة من دقيق الشعير المكلي والماء الساخن و(الدهن) زبدة الماعز والعسل، وفي حالة عدم وجود هما يتم تعويضهما بالزبدة البلدية وزيت الزيتون بالإضافة إلى اللبن والشاي. وتستمر هذه العادات والتقاليد الرمضانية إلى ما قبل ليلة القدر لإحياء هذه الليلة المباركة والاستعداد لعيد الفطر. ويتميز ليل الصحراء بشكل عام بالرطوبة المعتدلة وهبوب الرياح خاصة حين تكون درجات حرارة النهار جد مرتفعة مما يجعل من كل شوارع و ساحات المدينة كساحة المشور و العلويين و نكجير وساحة الفلاحة وشارع القيروان وإدريس الأول (بوكراع) وسوق أرحيبة العجيبة وشارع مكة إلى آخر نقطة في اتجاه مدينة السمارة مملوءة عن آخرها بالمتجولين والمتبضعين ورواد المقاهي في غياب وسائل الترفيه وانعدام السهرات والأنشطة الثقافية الموازية. وعلى مستوى تزويد مدينة العيون التي يتجاوز تعداد سكانها 250 ألف نسمة بالمواد الغذائية الأساسية فهي جد متوفرة وبأثمان معقولة نظرا لتدخل الدولة في دعم بعض المواد باستثناء الخضر المستقدمة من جهة سوس ماسة درعة 560 كلم إلى الشمال حيث يحدد التجار سعرها حسب العرض والطلب إذ تتراوح أسعارها ما بين ثلاثة إلى أربعة دراهم مع إجبارية شراء الطماطم بينما يتجاوز سعر الفواكه 12 درهما للكيلو وهي أثمان جد مرتفعة مقارنة مع الأيام العادية ومن جهة أخرى تتواجد بالعيون وحدتين لإنتاج حليب البقر و لبن النوق المبستر 9.50 دراهم للتر أضف إلى ذلك ما يستقدم من ألبان ومشتقاتها من شمال المملكة والملاحظ هنا وفرة الأسماك الجيدة وبأثمان مناسبة لكن الإقبال عليها في هذا الشهر ليس بالشكل المطلوب كما يؤكد بعض البائعين.