يتميز أهل الصحراء بالمغرب عن باقي المناطق الأخرى بعادات وطقوس شعبية عريقة في شهر رمضان، توارثوها عن الأجيال السابقة، وتُبرز ملامح هويتهم الثقافية والحضارية، كما تعكس أيضا الطبيعة الجغرافية لأهالي الصحراء. ويشتهر الصحراويون بالمغرب في الشهر الكريم بإقامة المسامرات الليلية التي تتمحور في أغلبها حول كأس الشاي ذي الطابع المميز، فضلا عن ممارستهم لألعاب تقليدية شعبية تروح عن أنفسهم، وتُنَمي حس الذكاء ومَلَكة التركيز لديهم، زيادة على ترسيخ روح الجماعة وحب الأرض فيهم. طقوس السمر ويسرد إبراهيم الحَيْسن، الباحث المتخصص في التراث الصحراوي، بعض أهم العادات الشعبية المتداولة في الصحراء خلال هذا الشهر العظيم، ومنها إقامة المسامرات الليلية عقب صلاة التراويح، والتي يتم خلالها تناول مشروب "ازريك" (وهو اللبن الممذوق الذي ثلثاه ماء)، وإعداد الشاي وتناوله وفق الطقوس المحلية المعروفة ب"الجيمات" الثلاث. ويشرح الحيسن في تصريحات ل"العربية.نت" هذه الجيمات الثلاثة: "الجر" ( ويعني التأني في التحضير)، و"الجمر" ( أي مادة الفحم) و"اجماعة" ( والمقصود: المجلس)، مع ما يتخلل ذلك من إبداعات شعرية وأشكال التسلي بالألغاز "اتحاجي"، فضلا عن تبادل الآراء ومناقشة المواضيع والقضايا ذات العلاقة بالحياة اليومية. أما من الناحية الزمنية، يضيف الباحث، فإن الصحراويين يقسمون شهر رمضان إلى ثلاث مراحل، يسمون الأولى منها ب`"عشراية التركة" (أي الأطفال)، أو "عشراية ركوب الخيل"، حيث يكون الصائم قادرا على تحمل الصيام، وتسمى الثانية ب"عشراية أفكاريش"، أو "عشراية ركاب لبل" (الإبل)، وهي مرحلة تتطلب من الصائم صبرا طويلا، فيما تسمى الثالثة ب"عشراية لعزايز" (المسنات) أو "ركاب لحمير"، للدلالة على بطء مرور الوقت والشعور بالتعب الناتج عن الصيام. أكلات صحراوية فتيات صحراويات يمارسن إحدى الألعاب الشعبية ويتابع الحيسن: بالنسبة لمائدة الإفطار خلال شهر رمضان، فإن الصحراويين يفضلون تناول أكلات ووجبات تلائم نمط عيشهم، وخصوصية حياتهم الخاضعة لظروف الطبيعة والمكان؛ فقديما كان الإفطار بالصحراء يقتصر على تحضير "لحسا لحمر" ( الحساء الأحمر) المعد أساسا من دقيق الشعير إلى جانب التمر والألبان، فضلا عن الشاي الذي يعد مشروبا شعبيا، يحتل مكانة استثنائية في العادات الغذائية بالصحراء. أما حاليا، يردف الحَيْسن، فإن مائدة إفطار الصحراويين طرأ عليها بعض التحول، بحيث أصبحت تضم شربة "الحريرة" بأنواعها المختلفة، وكذلك التمر والحليب والسمك والحلويات، وأنواعا متعددة من الفطائر والرغائف والعصائر، مع التقليل من تناول العشاء، والاقتصار على وجبة السحور. وغالبا ما يتم تناول أطباق في وجبة السحور، تختلف باختلاف الأذواق والأجيال والمستوى الاجتماعي للأسر، من بينها اللحم المشوي (الشّيْ) والمطبوخ (اطبيخة) والأرز (مارو)، والبلغمان المكون من دقيق الشعير الممزوج بالماء المغلي، وقليل من الملح والسكر، بإضافة الدهون والألبان. ألعاب شعبية عريقة ويتميز أهل الصحراء أيضا في شهر رمضان، فضلا عن اهتمامهم بالعبادة وعمران المساجد، بإبداع أشكال وألعاب شعبية وذهنية، يزجون بها أوقاتهم ويرفهون من خلالها عن أنفسهم. ووفق الباحث إبراهيم الحيسن، فإن الصحراويين يمارسون ألعابا تقليدية أبرزها لعبة "السيك"، التي يشترك في ممارستها النساء والرجال على حد سواء، إلى جانب لعبة "كرور" الخاصة بالنساء، و"ظامة" و"ضومينو" و"مرياس" التي يزاولها الرجال. ولعبة السيك، على سبيل المثال، تعد أشهر الألعاب عند النساء الصحراويات، والتي تتطلب نوعا من التركيز والملاحظة واستخدام التحفيز الذهني، ويزاولنها بأدوات بسيطة تلائم الطبيعة الجغرافية الصحراوية، من قبيل الأعواد أو قطع القصب الصغيرة أو الحجارة. وبالنسبة للعبة "أكرور"، فهي لعبة ذهنية وجسدية أيضا لكونها تستوجب تركيزا عقليا أثناء استخدام البصر واليدين، وتُلعب بواسطة أحجار صغيرة مُدورة سبعة، تعتمد على المهارة في الرمي والالتقاط. ويقتنع سكان الصحراء أن هذه الألعاب الشعبية تتصل أساسا بجذور الشخصية الإنسانية لأهالي المجتمع الحسّاني، وترسخ فيهم روح الجماعة والانتماء إلى الأرض، كما تسهم في انتقال هذه العادات من جيل إلى جيل آخر.