قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    فوز مريح لنهضة بركان على النادي القسنطيني قبل لقاء العودة في الجزائر    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطة لقتل شكيب عبد الحميد جوعا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 04 - 2019

في فرصة قليلة الحدوث أن يجتمع مثقف وأديب وحكواتي وفيلسوف بعقلية تاجر في نفس الوقت وفي نفس الإنسان دون أن يغادر أحد هؤلاء الأربعة ذاك الإنسان ، متآنسون في ما بينهم، يشربون القهوة مرة ويتناولون المحرمات مرة أخرى دون أن تحس بأن هناك تنافرا بين الأشخاص المجتمعة فيه، بل تحس أن ثمة تأثيرا لكل منها على الآخر بشكل من الأشكال، عندما يسكت المثقف يعرف متى يسكت، ومتى وجد الأديب القابع فيه باستمرار مناسبة للتدخل تدخل بشجاعة وحنكة رجل متمرس يعرف خريطة أين تتجه الخطابات، ويعرف أين تشير منحنيات الكلام، ليس هناك خبط وإرسال للكلمات على عواهنها، أو عبارات تلقائية تخرج صدفة، قد تحدث الصدف لكن ليس دائما، ولو حدثت لشخص مرارا وتكرارا فهذا يدل على أنه إنسان ينطلق من خزان ثقافي محترم يستطيع أن يمنحه حديثا ثقافيا مختلفا، يمنحه روح الكلمات، يمنحه وقت صلاحيتها وتاريخ انتهاء تداولها. في أحيان أخرى يتحول الأديب إلى فيلسوف يتأمل الوجود، يخاطب بعقله الأشياء ويخزن قوانينها، يحتفظ بها إلى فرصة مناسبة للإلقاء والتدخل السريع والمناسب دون تلعثم ارتجالي بطيء. عندما يحكي الحكواتي يعرف متى يتدخل لبعث النكتة في وقت جفاف المشاعر أو توقف الوجوه عن الضحك أو عبوس وجه التاجر في وجه الزبائن. هذا ماحدث لي مع الأديب المخضرم شكيب عبد الحميد، أعرفه كاتبا يجيد القصة والمسرح والسخرية والجلوس على الرصيف، لكنه كان بستانيا فاشلا، لايعرف حرفا واحدا في البستنة، حدائق الليمون لايفهم فيها سوى قشور البرتقال الصفراء، بل ولايعرف كيف تصنع مقامات الموسيقى، كان إذا فات النقر على الدف يدوخ، بل ولاعلاقة له بفن الرسم وأين ومتى تستعمل الظلال والأضواء والألوان والقرب والبعد والحبر والماء، وهذه الأشياء داخل إطار اللوحة، قد يبدي إعجابا حامضا بإحدى لوحات سلفادور دالي السوريالية مجاملة لابنته الرسامة الصغيرة لينة حتى لايقع أمامها في الحرج وهي تضبطه لايفرق بين خطوط الرسم بالقلم الرصاص وبين الرسم بأحجار الفحم.
في ذلك المساء كنا معا على الرصيف، أنا مع بساطة (فراشة) ملابس داخلية للبيع والشراء والتقليب وتحت جثتي كراسي بلاستيكية متداخلة بعضها في بعض، كراسي قصيرة متنقلة بدون سنادات ظهر، صلبة حتى لاتطيل الجلوس عليها لأنها ستشعرك بالتعب والتوتر، كأنها تريد أن تتخلص من ثقلك بسرعة، عكس الكراسي المريحة التي تمنحك فرصة الاستلقاء على الظهر ووضع الرجل فوق الرجل وأنت تلوك علكة المانت البيضاء بين لسانك وأضراسك، يمر بائع المكسرات المقرمشة فنمتطي شهوة الرجوع لسنوات الشيبس وتقشير بذور الزريعة السوداء في قاعات عرض الأفلام، أنادي عليه، يكوغد لنا حبات كاوكاو محمص لشخصين لفحهما جوع المساء، وكاغد ثالث من بذور الذرة، مقلية مملحة ولاذعة، لملوحتها لم يذق منها كثيرا، يخاف من داء الملح، ستحوجه إلى شرب المزيد من الماء لغسل ترسباتها في كليتيه مما سيملأ مثانته بولا، وربما لن يجد فرصة للتبول في مكان غاص كهذا. كان شكيب يحمل ملف أوراق إدارية يتأبطه تحت ذراعه مايوحي بأنه خارج للتو من مكتب عمله، وعلى مايبدو كان الرجل جائعا، لأنني وأنا أروي له ورطتي في يوم من الأيام مع هامبرغر من ماكدونالد باهظ الثمن، يأكله الألفبائيون المقدسون فقط (أولاد الألِبَّه) ليكتفوا من الأكل بينما أكلته ليفتح شهيتي على الشراهة، هامبرغر جائع لن تشعر معه بالشبع، بل تحس بأنك ارتكبت جريمة بحق معدتك بتحريك أجهزتها دون أن تحقق لها الإشباع وبخمسة وخمسين درهما دفعتها بكارت ماراثون مازغان ومكثت جائعا أشعر بالنقص، لم يحرك السيد ساكنا، بدا متأثرا بالقصة، ليس لأنني مت جوعا، لا، ولكن لأنه مر بنفس التجربة الفاشلة عندما خنقته ابنته لينة يوما في نفس المطعم، هي تأكل السندويش وتشرب الكوكا وهو يفكر في الخمسة وخمسين درهما لتذكرة الأداء، لايمكن أن يسحب طبقين، واحدا للينة والآخر له لأن الأداء سيتضاعف، مائة وعشرة دراهم، وسيكون مجبرا على طبق ثالث لزوجته، غير مقبول أن يتلذذ هو وابنته بشطيرة لحم مفروم بين شريحتي خبز أمريكي مع الجبنة البيضاء وأوراق الخس بينما الزوجة تنظر إليهما وتتألم وتنتظر. ليس هناك عنف أقسي علي المرأة من إقصائها من طبق الماكدو. لايتصور أن يتهرب إنسان مثقف أديب حكواتي فيلسوف تاجر، مؤمن بالمرأة ، من تخليص طبق لشريكة عمره، وليتحول في ضربة واحدة من ذاك الإنسان المتعدد إلى زنديق شحيح، اللياقة وعدالة البيت هكذا، لاتترك لك مجالا للمجازفة، لأن المَدام ستسقطك من عينيها مباشرة بين أظافرها.
لم تفتني فرصة تعويض نقص الغذاء عند بائعة الشطائر السميكة حينها، وعندما جلس شكيب رويت له القصة ليموت، أحسست بالرجل يتقلَّب على الكرسي، كنت أريد أن أنتقم منه ومن حُرقة الهامبرغر التي خلَّفها الثمن الباهظ في جوفي وأنا راجع بكيس كرطوني ضخم تاركا الماكدو خلفي عند الواجهة الزجاجية لمدينة الجديدة من جهة الشمال، مستقبلا صاحبة السندويتش الشعبي الكبير في قُنَّة الدرب. طلبت منها واحدا سيفتح حديثي عن لذته شهيةَ شكيب وسيأكل شفتيه وهو يتخيل شراهتي مع الخبز المحشو بالحوت والفلفل والباذنجان الساخن والبسطية والبطاطا المقلية والصلصة والبصل المفروم وبخمسة دراهم فقط، تحركت شهوته ولم يعد يركز على التفاصيل الأخرى في قصتي، لا على الثمن الذي قدمته لمطعم الماكدو، ولا إلى الكارت الجائزة التي منحت لنا بعد سباق مازغان كتأشيرة دخول للمطعم، فقط كان يضحك وهو يلتقم ماتبقى في كاغطه من حبات الفول السوداني وبذور الذرة مركِّزا عيونه في جثته على عشاء الليلة فقط، عشاءات الأدب القديمة كبقايا فطائر الأمس لم تعد تغريه، سيقضم من عشاء الليلة في البداية قضمات خفيفة وبطيئة، بعدها سيفتح عينيه قليلا على قدر معرفته بالأماكن المأهولة والمُشبَّعة في الطبق أمامه، سيحددها بدقة نظام تحديد المواقع GPS ثم يغمض عينيه ثانية، بمعنى أنه سيقطع الاتصال بالعالم الخارجي نهائيا ليسقط أخيرا مغمضا في الوجبة سقوط الأعمى في الظلمة. أجزم أنه سينتقم، سيأكل ويأكل حتى يتجشَّأ من اللّور (الوراء) ومن القُدَّام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.