تنتشر وجبة الكباب الشهية ذات الأصول الشامية في الكثير من المطاعم المتخصصة بالشواء في العواصم العربية، كالقاهرة وبغداد ودمشق وعمان ويحبها الجميع لكونها أكلة سريعة وساخنة ولذيذة ويتم إعدادها بحضور الزبون، وتسمّى في مدينة الرباط ب"الكفتة البلدية الرباطية". ويؤكل طبق الكفتة في مطاعم السويقة وسط مدينة الرباط مع البيض المقلي والزيتون وصلصة الفلفل الأحمر الحار.
ولا يختلف على حب هذا الطبق الرباطيون أو القادمون من مدن قريبة من عرب وأمازيغ وأفارقة ويهود ومورسكيين وسياح عرب وأجانب أتوا من شتى دول العالم.
ويتجمع المحبون للكفتة الرباطية عند المطاعم بالقرب من جامع السويقة تجذبهم رائحة الشواء، أما الفقراء منهم فيقصدون عربات الشواء المنتشرة هي الأخرى في السويقة والتي تقدم لزبائنها سندويتشات كفتة مصنوعة من لحم الرأس مخلوط مع البيض وشرائح من لحم البقر والغنم والدجاج وسمك سردين مقلي وشرائح باذنجان ونقانق بأسعار زهيدة الثمن.
وقد زار مطعم الكباب أو ما يسمّيه المغاربة "مولى الشواء سي محمد" الستيني وسط السويقة قرب جامع العطارين، الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وصديقته سيمون دوبوفار، ولا يزال كرسياهما في مطعمه الصغير محط عنايته برفقة مساعده أيوب. وقد أمضى سي محمد في مهنة شيّ الكفتة وبيعها لمدة تفوق أكثر من أربعين عاما، فقد أحضر للمشاهير كفتتهم ونال استحسانهم ولديه صور فوتوغرافية بدأت تفقد معالمها معلقة على جدران المطعم تظهره بصحبة هؤلاء المشاهير في مطعمه.
ويحكي سي محمد لزبائنه عن المشاهير الأجانب والمغاربة حين يجد فرصة للحديث، وهو يعد "سفود" الكفتة لشيّها على فحم الموقد أمام الزبائن، فيحكي عن النحات سيزار وفريد بلكاهية والرسام قديد والممثل المغربي محمد مفتاح، والمسرحي عبدالقادر البدوي وغيرهم.
ويتم بيع الكفتة في مطعمه بالوزن، حيث يصل كيلو الكفتة إلى 90 درهما (10 دولارات أميركية) ويضاف إلى الكفتة عند الطلب البيض المقلي والزيتون والصوص الحار، ويمتاز المطعم بتقديم الخبز الرباطي الأسمر الساخن. تتميز كفتة سي محمد بخلطتها السرية التي لا تبوح بأسرارها لأحد، ولكن أيوب مساعده يهمس لمن يريد أن يعرف بعض تلك الأسرار التي تفيد من لديه نية في صنع كفتة مشابهة بحديقة منزله.
ويقول أيوب "إن نسب خلط لحم الخروف المفروم بلحم البقر يجب أن تكون متساوية، ويضاف إلى الخليط مقدار معين من التوابل الخاصة بالكفتة مع القليل من مفروم البقدنوس والبصل، ويستخدم ماء البصل لطلاء سفود الكفتة لإعطائها اللون البني الغامق".
وأضاف عن سر صمود كفتة مولى الشواء سي محمد وعدم سقوطها من سفودها أثناء الشيّ، أن ذلك يعود إلى استخدامه قليلا من مسحوق الصودا (بيكاربونات الصوديوم) مع الماء الذي يستخدمه لتبليل كل قبضة من الكفتة عندما يضعها على السفود قبل أن يجعلها في مواجهة الفحم المشتعل.
وما يبحث عنه زوار السويقة في مدينة الرباط بعد جولة تسوق متعبة بائع الكفتة المشوية، فالزائر لا يجد الوقت الكافي للذهاب إلى مطاعم المدينة الفخمة التي تقدم مشاوي مشرقية.
يحدثنا نزار برطيل، وهو أحد متعهدي توزيع اللحم المفروم والبطاطا المقلية عن الكثير من مطاعم الشواء في مدينة الرباط بقوله، إن "ما نقدمه من لحوم مفرومة هي من أجود اللحوم التي نوصلها إلى المطاعم وتشمل لحم الضأن والبقر".
وحدثنا يوسف المنصوري، وهو زبون دائم لهذه المطاعم بحكم قرب عمله منها، فهو يعمل بأحد متاجر بيع القفطان المغربي في مدخل السويقة "أنه يفضل في بعض الأحيان أن يتناول المعقودة وهو طعام يتكون من البيض والبطاطس مع إضافات من اللحم المفروم وأنواع التوابل، ولكنه عندما يحب التنويع يذهب إلى مطعم المشويات الذي اعتاد الأكل فيه".
ويضيف قائلا وهو يحرك يده متأسفا "ليست كل المطاعم تقدم كبابا رباطيا أصيلا، فبعضها يستخدم اللحم المفروم ولحم القضبان بعد سلقه بالماء، ويضعه بعد ذلك على النار لشيّه والكفتة المقدمة بهذه الطريقة أقل فائدة، وتكون قد فقدت طعم الكفتة المشوية الحقيقي".
وعلل هذا الفعل بقوله "هم يفعلون هذا للتغطية على جودة اللحم المستخدم في الكفتة المقدمة، وهذا للأسف ما يجعل الكفتة البلدية الرباطية تفقد زبائنها".
جدير بالذكر أنه تبقى للكفتة البلدية الرباطية الأصيلة وخلطتها السرية ومطاعمها التي دأبت منذ نصف قرن على تقديمها للزبائن من دون أن تغير في مواصفاتها مكانة لدى المغاربة وضيوفهم، حيث تظل روائح الشواء الشهية تجذب إليها الكثيرين ممن يعشقون هذا النوع من الوجبات اللذيذة.