رغم تطلع المرء إلى معرفة ما جرى من داخل "المطبخ"، فإنه لن يتمنى أبدا أن يسمع عن عباس المساعدي ما قالته عنه أرملته في إحدى اليوميات المغربية حيث تنشر شهادتها (أعني الحلقة 13. جريدة المساء 11/12/14). فالسيد غيثة علوش لا تعرف خطورة ما تقوله في حق زوجها: لا تعلم أن نصف كلامها اعترافٌ ونصفَه ادعاءٌ. هي ليست مؤرخة توازن بين الأقوال، ولا صحفية محققة تضع الأسئلة! هي طرف باعتبارها نصف زوجها وموضع سره والغيورة على سمعته. لهذه الاعتبارات يتلقى الناس كلامها باعتباره اعترافا بما فعله زوجها، أما ما تقوله عن الآخرين فيبقى مجرد ادعاء. والاعتراف يؤخذ على وجهه لأنه سيد الأدلة، إلا أنه يبدو على المعترف ما يدل على خلل في ملكاته العقلية. ولذلك فقولها بأن حزب الاستقلال قرر قتل عباس المساعدي ونفذ قراره ، ادعاء يوضع في كفة مع ما تواتر من ادعاء حزب الاستقلال بأن قتله كان خطأ. أما قولها بأن عباس المساعدي صفع المهدي بنبركة أمام الملأ وهو يخطب على المنصة، ودفعه خارجها، وأنه حين صادف ثلاثة من كبار قادة المقاومة، وهم المهدي بنبركة، والفقيه البصري، ومحمد بنسعيد أيت إيدر "استشاط غيظا بسبب وجودهم في منطقة تابعة لجيش التحرير... فانتزع بندقية من كتف أحد المجاهدين وهم بتصويبها نحو بنبركة ومن معه لولا أن تدخل بعض المجاهدين واستعطفوه أن يعفو عنهم ففعل". هاتان الواقعتان - إن صدقناهما - تدلان على أن الرجل كان متهورا مستهترا بالأرواح، إن لم يضغط على الزناد اليوم سيضغط عليه في أية لحظة على كل من يخالفه الرأي. فما العمل؟ فحين يهيمن منطق الزناد لا يسأل أحد عمن قتل أولا. السلاح امتداد للسياسة، ومقدمة للمفاوضات، أما حين يمسك به أناس يحتقرون الفكر والرأي فإنه يصبح قاتلا مثل الدين في يد الأميين. الحب لا يكفي، ياسيدتي، لحماية من نحب، لا بد من حماية العاطفة بالعقل وإلا صرنا مثل الدب الذي قتل صاحبه وهو يحاول أن يطرد ذبابة عن جبهته. أو على الأقل مثل أبي موسى الأشعري الذي سُلِّم له ما حَكَمَ به على صاحبه (علي بن أبي طالب)، أي العزل، لأنه وكله، ورُفض ما ادعاه على خصمه معاوية، فكانت الفتنة. أنا أفترض أن ما قالته السيدة غيثة علوش عن السي عباس المساعدي، كلام سمعته من أناس لهم ضلع في الموضوع، وهم معروفون بكراهيتهم لحزب الاستقلال ولجيش التحرير، خاصة حين توجه لتحرير الصحراء (وعلى رأسهم المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب، وأشباههم). وإليك الدليل على أنها تهذي بما لا تعلم: كلامها في الحلقة 13 موجه إلى المهدي أساسا، وإلى الفقيه البصري ومحمد بنسعيد بالتبعية، وهم من قادة حزب الاستقلال في ذلك الوقت، فاسمع ما تقوله عنهم: "حكى لي تفاصيل ما حدث، وقال إن بنبركة رجل شرير وسارق، هو وعلال الفاسي، وغيرهم من قادة حزب الاستقلال... ولذلك فهؤلاء (قادة حزب الاستقلال)، حين ماتوا تركوا خلفهم الأملاك والأموال... "!!! لم تضع هذه السيدة فاصلا بين كلامها وكلام زوجها، من جهة، ولا بين من نَهبَ ومن لم ينهب. فزوجها لم يعش ليرى الثروة التي جمعها هؤلاء القادة، لأنه مات قبلهم، وهي لم تستطع رؤية الحقيقة لأنها مدفوعة بقوة خفية لمضغ الثوم. ونحن نسألها (ونسأل من لم يستفسرها "ليردها إلى عقلها") عن الثروة التي خلفها المهدي بن بركة (هل هي جثته التي لم تظهر بعد؟)، وعن الثروة التي خلفها الفقيه البصري (وقد سمعنا أن عائلته تعيش ضائقة مادية)، وأخيرا عن الثروة التي يتمرغ فيها السي محمد بنسعيد حاليا، وهو لا يملك، فيما أعلم، غير شقة في مركب سكني عادي؟؟ الذي جناه هؤلاء ومئات من أمثالهم هو النفي والقتل والتشريد والحرمان. ومن أراد أن يتحدث عن الثروات عليه أن يضع النقط على الحروف، ويمضغ الثوم بفمه. أما الكلام الذي نسبته لمحمد الخامس فكان عليها أن تحترم ذكراه، وتعتبر ما قيل لها، إن كان قد قيل فعلا، من باب الحماس وحكايات قدماء المحاربين. لقد اطلعتُ عن قرب، وأنا أنسِّقُ كتاب وثائق جيش التحرير، للمجاهد سي محمد بن سعيد على مَنْ بنى جيش التحرير ومن خربه. والحقيقة موصوفة بتفصيل في رسالة طويلة موجهة إلى الملك محمد الخامس طيب الله تراه. أنصح كل متطلع لمعرفة ما وقع بقراءتها في الكتاب المذكور. أما بعد، ارحموا سنَّ السيدة غيثة علوش ومعاناتها الكبيرة طوال عقود، واتركوا المعطيات بيد المؤرخين. لقد أظهرتموها بمظهر من لا يدرك عواقب ما يقول! وحولتم عباس المساعدي إلى واحد من "الكوبوي" العابثين بالسلاح. المساعدي من منطقة كان الجواب فيها على صفع الرجال أحد أمرين: "بقْرَ البطون"، أو "تكسير الجماجم"، ولذلك لا اعتقد أنه فعل، وإلا ف"لا بَواكي لمن يصفع الرجال". (*) تعليق على شهادة أرملته